سورية: طمأنة الداخل الوطني أساس كل الضمانات/ عبدالباسط سيدا
قبل أيام التقيت بأحد المحللين الروس الأساسيين المتابعين للشأن السوري، ومن القريبين، بهذه الصورة أو تلك، من دائرة القرار الروسي. وكان الموضوع السوري والموقف الروسي منه، بطبيعة الحال، المحور الذي تمفصل حوله حديثنا خلال الجلسة. ما سمعته من المحلل الروسي كان مطابقاً بهذه الدرجة أو تلك لوجهة النظر الروسية الرسمية. فالانتخابات التي سيفوز فيها بشار الأسد، بناء على النتائج الرسمية المعروفة الآن (وستعلن لاحقاً) «دليل أكيد على صوابية الموقف الروسي منذ البداية»، لذلك يعيش أصحابه نشوة النصر منذ الآن.
قلت لمحدثي: إن قولكم هذا يذكّرني بالطرفة الشعبية المعروفة: «العملية نجحت، لكن المريض مات». فعن أي انتصار تتحدثون ونصف سورية التاريخ والحضارة مدمّر، ونصف شعبها مشرّد بين نزوح ولجوء، فضلاً عن أكثر من مئتي ألف شهيد، ومئات الآلاف من الجرحى والمشوّهين والمفقودين والمعتقلين؟
والشيء بالشيء يذكر. فقبل نحو عامين، كان لنا لقاء مع السيد بوغدانوف، وهو من العقال الخبراء بقضايا منطقتنا في وزارة الخارجية الروسية. تداولنا في الوضع السوري من مختلف جوانبه، بغية البحث عن إمكانية وصول إلى قواسم مشتركة، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد بكل أسف.
مما قاله بوغدانوف في تلك الجلسة هو: كنتم تقولون (أي نحن في المعارضة) ان النظام سيسقط في غضون أشهر، وها هو يستمر إلى يومنا هذا، ولا توجد مؤشرات على أنه سيسقط قريباً.
وكان جوابنا: لقد استمر بفعل مساعدتكم العسكرية له، وتغطيتكم السياسية عليه. وكذلك بفعل الدعم الإيراني غير المحدود على مختلف المستويات وبكل الأشكال. وبعد مماحكات ومجاملات ديبلوماسية، طرحت على السيد بوغدانوف ثلاثة أسئلة مباشرة، هي:
1- هل تعتقد بإمكانية أن يحكم بشار الأسد سورية من جديد؟ فكان جوابه النفي.
2- هل في نيتكم أي مخطط لتقسيم سورية؟ فأجاب بالنفي.
3- هل تريدون أن تُرتكب مذابح بحق الطائفة العلوية بعد سقوط الأسد؟ فكان الجواب بالنفي أيضاً.
قلت له: ونحن نوافقكم تماماً على إجاباتكم هذه، ولكن سياستكم الرسمية الخاصة بسورية تسير نحو النقيض تماماً.
وكانت المجاملات الديبلوماسية من جديد، ولم نصل إلى توافقات ملموسة يمكن البناء عليها في ذلك الحين.
الثورة في سورية بدأت، وبشار الأسد كان رئيساً معترفاً به من المجتمع الدولي، بعد استفتاء شكلي أُلزم السوريون بقبول آلياته ونتائجه.
والثورة ستستمر، وغالبية الشعب السوري عبرت عن رفضها لبقاء بشار الأسد. فهذا الشعب قدّم تضحيات غير مسبوقة في سبيل القطع مع سلطة الاستبداد والإفساد التي يجسّدها بشار الأسد.
أما على الجانب الدولي، فهناك مجموعة كبيرة هامة من الدول، منها ثلاثة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لا يعترفون بهذه الانتخابات. وقد طالبت هذه المجموعة بنقل ملف الجرائم في سورية إلى محكمة الجنايات الدولية. لكن روسيا واجهت الموقف في مجلس الأمن بمعية شريكها الصيني، ومنعت مثول بشار الأسد أمام المحكمة المعنية، باعتباره المسؤول الأساس، بناء على موقعه وصلاحياته الرسمية، وهو على رأس هرم السلطة، عن كل الجرائم التي ارتُكبت، وتُرتكب، منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
أما في خصوص الموقف الإيراني من إعادة فرض الأسد على السوريين، فهو الآخر موقف المنتشي، لأنه يعتبر أن استمرارية الأسد لم يكن لها أن تكون لولا الجهد الإيراني. بل وصل الأمر ببعضهم إلى الإعلان، متباهياً، عن امتداد حدود إيران وملامستها شواطئ الحلم الإمبراطوري على الأبيض المتوسط.
وإذا كانت قراءتنا للإشارات التي تلقيناها من الجانب الإيراني غير مرة، وعبر رسائل غير مباشرة، صحيحة، فهو يطالب بضمانات المؤسستين الأمنية والعسكرية، حتى يكون واثقاً من أن ركائز استراتيجيته في سورية والمنطقة ستكون في مأمن بعد بشار الأسد. وهذا أمر فحواه أن الأخير ليس بيت القصيد، وإنما هو مجرد واجهة لصانع القرار ضمن النظام الإيراني.
والضمانات المطلوبة إذا ما تُرجمت واقعياً، تعني عدم الإقدام على أي تغيير حقيقي ضمن المؤسستين المعنيتين، وهو الأمر الذي لم، ولن يكون مقبولاً من السوريين، بعد كل ما حصل ويحصل، وبمسؤولية مباشرة من المؤسستين الأمنية والعسكرية.
ما يقبل به السوريون، بل يطالبون به، هو أن تكون هناك ضمانات واقعية أكيدة للطائفة العلوية، ولسائر مكونات الشعب السوري، من عرب سنّة وكرد ومسيحيين ودروز وتركمان وسريان آشوريين وشيعة وإسماعيليين ويزيديين… وغيرهم.
لكن الوضع بالنسبة إلى الطائفة العلوية أكثر خصوصية وحساسية بناء على ما نعرفه ونقر به جميعاً. فهذه الطائفة تحمّلت كثيراً، ودفعت ثمناً باهظاً نتيجة توجهات وممارسات وجرائم مجموعة القرار التي تحكم سورية. كما أن النخب الحقيقية ضمنها لم تكن راضية عن سياسات الأسد في يوم من الأيام، ولن تكون كذلك بعد أن تكبدت الطائفة خسائر بشرية جسيمة قياساً إلى حجمها على مذبح نزوات آل الأسد، وتعطّشهم النهم الى السلطة والثروة.
من حق هذه الطائفة أن تحصل على ضمانات، تؤكد أنها ستكون جزءاً أساسياً فاعلاً من النسيج الوطني في سورية الجديدة بعد بشار الأسد. أما عن طبيعة هذه الضمانات ومستواها، وآلية تحقيقها، فهي أمور تدخل في إطار التفاصيل التي يمكن الحديث حولها والتوافق عليها.
بقي أن نقول «إن توافق السوريين حول المستقبل المشترك، سيعزز أسس الاستقرار والوئام في المنطقة بأسرها، وسيكون ذلك في مصلحة الجميع من دون استثناء، ومن ضمنهم، بطبيعة الحال، روسيا وإيران».
* الرئيس السابق لـ «المجلس الوطني السوري»
الحياة