صفحات سورية

سورية… معركة عربية بإمتياز أم معركة أمريكية؟


نور الحلبي

يحاول النظام السوري اليوم إفشال مهمة عنان من خلال تحويل تلك المهمة إلى أداة مانعة لمساعي المعارضة في استجلاب الدعم لتسليح الجيش الحر وحماية المدنيين ويحاول النظام وضع شروط لإيقاف آلته القاتلة للشعب مقابل إيقاف دعم المعارضة في سورية على اعتبارهم عصابات مسلحة وهذا ما ينبؤ بفشل تلك المهمة بسبب المناورات التي يقوم بها النظام السوري وعدم الرقابة الصارمة على الأرض بتنفيذ ما يتعهد به النظام السوري وما يتفق عليه مع المبعوث، وبناء على معرفتنا المجربة بالنظام السوري يبدو من المؤكد اليوم أن الحل الوحيد للأزمة مع إصرار الدول على رفض التدخل العسكري هو تسليح الجيش الحر الذي حمل على عاتقه مهمة حماية المدنيين والدفاع عنهم كجيش وطني رفض أن يكون آلة قتل تابعة للنظام، وكذا إقامة مناطق عازلة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية التي بات الشعب السوري اليوم بأمس الحاجة لها بعد سياسة التقشف التي يتبعها النظام والعقوبات الاقتصادية التي يفرضها على الشعب لتوفير المال الكافي لصفقات الأسلحة والمعدات الاستخبارية الروسية والإيرانية، وهذا ما طلبته المعارضة من أصدقاء سورية في المؤتمر الذي عقد في اسطنبول وهذا ما تسعى إليه اليوم.

تركيا.. تلك الدولة التي كانت قبل المؤتمر تتحدث عن إقامة مناطق عازلة نتيجة ضغط اللاجئين الذين مازالوا يتوافدون على أراضيها بكثرة، وبغية تأمين ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية ..لكن ما الذي حصل؟ وما سبب موقفها المتردد في مؤتمر أصدقاء سورية رغم تقاطع ما طلبته المعارضة مع ما كانت تنوي تركيا فعله لحل الأزمة؟

يبدو الجواب واضحا من الجولة الدولية المسبوقة للمؤتمر التي قام بها أردوغان لواشنطن وغيرها.. من أن أمريكا والغرب لم يعط تركيا الغطاء الدولي للقيام بمثل تلك الخطوة بذريعة مبادرة عنان التي يدرك الغرب حق الإدراك أنها فاشلة أصلا، بل مازالت أمريكا تتعذر بتشرذم المعارضة وتقنع العالم بذلك رغم توحد المعارضة وتحديدها لمعالم الدولة القادمة بعد النظام السوري وتعهدها بذلك في الوثيــــقة الوطنية التي قدمها المجلس الوطني للعالم، ورغم أن المعارضة لم تطلب تدخلا عسكريا إلا أن أمريكا مازالت تقنع العالم بخطورة التدخل في سورية وتحذر وتخوف من مآلات ذلك على المنطقة العربية ومن حرب متوقعــــة قد تشنها إيران على العرب من خلال سورية والعراق وحزب الله في لبنان والنفوذ الإيراني في المنطقة العربية عن طريق الشيعة وهي في الحقيقة تتخوف على حرب متوقعة على إسرائيل.

وهم تزرعه أمريكا في الدول العربية والغربية إذ تدرك أن إيران لن تخوض حربا غير متكافئة في جبهة تواجهها فيها إسرائيل وأمريكا وحتى إقحام العرب في تلك الجبهة، وكما كانت إثارتها للملف النووي الإيراني وإشعالها له بشكل أكبر في فترة تحرك الإحتجاجات والثورة في سورية لتأكيد تحذيرها للعالم وإثارة مخاوف العالم إزاء التدخل في سورية خوفا على اسرائيل ورغبة في بقاء موازين القوى متعادلة في المنطقة العربية ناهيك عن أن روسيا قد أوجدتها أمريكا أصلا وأعطتها الغطاء لدخول هذا الملف من أجل الإبقاء على التعادل في موازين القوى اتجاه الأزمة ولإبقاء الأزمة دون حل أو تدخل، وهذا ما قصده المالكي في تصريحاته الأخيرة الذي يحذر فيه من سقوط النظام السوري المؤثر على اختلال موازين القوى في المنطقة وكونه كارثة على المنطقة ككل، راميا بالأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري وبكل حقوقه التي تنص عليها الأديان والقوانين الدولية والحقوقية عرض الحائط.

وترى أمريكا تسرع للمملكة السعودية التي تعد الأقوى وذات الكلمة المؤثرة في دول التعاون الخليجي فتقوم بطمئنتها من التدخل الإيراني في أراضيها وتقرر إقامة قاعدة صاروخية دفاعية لمواجهة أية هجمة متوقعة في خطوة أخرى لتهويل الخطر الإيراني بالنسبة لدول الخليج خاصة، التي تدعم مسألة تسليح المعارضة الا بقوة وجهارة، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية المرجوة من تلك الخطوة بناء على هذا التهويل للخطر الإيراني، رامية بذلك أيضا إلى النئي بدول الخليج عن هذا الملف الذي بات إنسانيا بالدرجة الأولى.

فما تحاول أن تقوم به أمريكا اليوم هو إقامة جبهة أمريكية عربية وإسرائيلية في مواجهة القوى الإيرانية والنفوذ الإيراني المهدد للنفوذ الأمريكي في المنطقة العربية وللوجود الإسرائيلي فيها، إذ تحاول أمريكا إقحام العرب في تلك المواجهة التي هدفها حماية إسرائيل بالدرجة الأولى والذي يعتبر العدو الأول للعرب والمحتل الذي تجب مقاومته في نظر الشعوب العربية على الأقل وهذا ما يجب أن يدركه العرب تماما وأن لا ينخرطوا في تلك الحرب على هذا أساس السياسة الأمريكية، فالحرب الحقيقية التي يجب أن يدركها العرب هي الحرب على اسرائيل والنفوذ الإيراني الطائفي فقط، وهذا لب ما تخشاه أمريكا اليوم من الثورات العربية التي تحمل في طياتها الفكر المقاوم للعدو ولأي نفوذ غربي على أراضيها. إذ تقوم السياسة الأمريكية مع الدول ككل وخاصة المنطقة العربية على محورين أساسيين تتخذ على أساسهما المواقف المتباينة من التدخل العسكري أوعدمه وغير ذلك من القرارات التي تستغل من خلالها المشاكل العربية :

وأولها: التعامل مع المنطقة العربية وخصوصا دول الخليج كمكتسبات اقتصادية ومالية كما حصل في ليبيا إذ وجدت فيها مغنما اقتصاديا وخرجت روسيا من هذا المكسب الليبي فكانت حصتها في سورية مستغلين غباء النظام السوري وحربه ضد شعبه مكسبا ومغنما .

وثانيا: ترسيخ عملية السلام الأكذوبة لضمان حماية إسرائيل أولا واتخاذه ذريعة بهدف حماية الأمن القومي الأمريكي الذي يسمح من خلال تلك الأكذوبة بالتدخل الغربي في المنطقة العربية بذريعة مقاومة الإرهاب الناجم عن الفكرالجهادي الإسلامي والمقاوم من باب أكذوبة حفظ السلام الذي هو في حقيقته ضمان لبقاء اسرائيل في قلب العالم العربي، و ليس حبا بإسرائيل الوهاب.. وبناء على هذا المحور لم تتدخل أمريكا في سورية حفاظا على البقاء اليهودي مقنعة العرب وموهمة إياهم بأن عدم التدخل في الشأن السوري يؤدي إلى الحفاظ على أمن المنطقة…

وهنا يبدو الارتباط جليا بالقضية الفلسطينية وتبدو المعركة في فلسطين وفي سورية خاصة في ظل الأزمة التي يعيشها الشعب السوري اليوم معركة عربية بامتياز وليست معركة أمريكية وعلى العرب أن لا يقبلوا بأن تكون معركتهم أمريكية وهذا هو الفكر الذي ترغب الثورات العربية بإحياءه اليوم فآن للعرب أن يدركوا الغرب تماما ويخرجوا من قوقعته وتعود لهم سيادتهم وقوميتهم العربية.

كاتبة سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى