سورية: من الكازينو إلى الثورة إلى الجيوإستراتيجيا
لم يبدأ الصراع بين السلطة والمجتمع في سورية عشية انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، وإنما كانت تلك اللحظة بمثابة الإعلان عن فشل منظومة الاستبداد في احتواء ممكنات الثورة لدى الشعب السوري في مواجهة ماكينة الاستبداد التي أسستها النظم العسكرية الاستخباراتية على مدار نصف قرن.
يناقش كتاب، “سورية من الكازينو للثورة” للكاتب السوري غازي دحمان، الصادر عن دار “كتابوك” في باريس مؤخراً، الديناميكيات التي أسست للثورة السورية وشكّلت الديناميات التشغيلية لها. يبدأ الكاتب من مرحلة نهاية حكم حافظ الأسد ومحاولات إعادة تأهيل النظام وتقديمه بصورة جديدة عبر تحسينات شكلية، لن تلبث أن يتكشف فيها البعد التزييفي لغلبة الطابع الاستبدادي الانتهازي، وخاصة بعد تحوّل نظام الأسد، في مرحلة العولمة والفضاءات المفتوحة، إلى عصابة تسعى إلى السيطرة والارتزاق وتعطيل مسارات السوريين صوب الحرية والتطور.
في الفصل الأول، يناقش الكتاب محاولات نظام الأسد إعادة صياغة مفاهيم وقيم التطوير والتحديث، والمجتمع المدني، والديمقراطية، وحتى الدين، وذلك بهدف ضمان سيطرته على المساحة الأكبر من الفعالية السورية، في الراهن والمستقبل، لكن جميع هذه المحاولات كانت تفشل لانطوائها على ضعف بنيوي تمثل بتأخر تقنيات الصياغة وتخلف الذهنية الأمنية للنظام والنخب الحاكمة عن فهم طبيعة التطورات الحاصلة في المجتمع السوري، وبالتالي فهم حاجته لتغيير حقيقي.
في الفصل الثاني يتناول الكتاب الثورة وكيف تم بناء مداميكها والقوى التي سيّرت فعالياتها وتعبيراتها، وبعكس ما يقال عن الثورة من كونها عفوية إلا أن تفحص الاستراتيجيات التي اتبعتها الثورة في تفكيك البنى السلطوية “أجهزة المخابرات وجيش نظام الأسد” تكشف التخطيط الواعي فيها، وهو ما دفع بتحالف إقليمي ودولي “روسيا وإيران وبعض الأطراف غير المعلنة” إلى رصد موارد ضخمة لإجهاض الثورة، بدءاً من تشويه مقاصدها وصولاً إلى تدمير حواضنها عبر عملية تغيير ديمغرافي موصوفة.
في الفصل الثالث يناقش الكتاب التشابك الحاصل بين الثورة السورية وأزمة الجيواستراتيجية العالمية ووقوع الثورة في زمن انحطاط استراتيجي تمثّل بخليط من أزمات أصابت النظام الدولي، من نوع عدم القدرة على استيعاب المنظومة الدولية للتغيرات الحاصلة في الفضاءات الإقتصادية والإجتماعية، فضلاً عن الأزمات الإقتصادية والسياسية التي تضرب قوى العالم الرئيسية، ما جعل من الثورة السورية، التي ستتحوّل إلى أزمة إقليمية وعالمية، تشكّل فرصة في نظر هذه القوى لإحداث التغييرات المطلوبة من قبلها.
في النهاية يناقش الكاتب جملة من السيناريوهات المحتملة للمستقبل السوري تقع جميعها بين استمرار الفوضى في سورية واحتمال ذهاب البلاد إلى تشكيل كيانات عديدة بدت ملامحها.
ضفة ثالثة