سورية وتغييرات أوروبا وأميركا/ رندة تقي الدين
يشير إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى أنه لن يترشح لولاية ثانية واستقالة رئيس حكومته مانويل فالس للترشح عن الحزب الاشتراكي إلى نهاية عهد في فرنسا. وكذلك نتائج الاستفتاء الإيطالي حيث رفضت الأكثرية التعديلات الدستورية التي طرحها رئيس الحكومة ماتيو رينزي ما دفعه إلى الاستقالة. وهناك مفاوضات بريطانيا المعقدة للخروج من الاتحاد الأوروبي. وانتخاب دونالد ترامب واحتمال تنفيذ سياساته الانغلاقية في التبادل التجاري مع أوروبا. كل هذه المستجدات على الصعيد الأوروبي إضافة إلى قضية المهاجرين المتدفقين من سورية والعراق والدول الإفريقية الفقيرة من شأنها أن تضعف دور أوروبا في شكل كبير في كل ملفات الشرق الأوسط وخصوصاً بالنسبة إلى سورية. فمعظم الدول المؤثرة في أوروبا منشغلة بمرحلة انتخابية داخلية. حتى ألمانيا ستشهد في الصيف المقبل انتخابات تشريعية. لقد ضعف صوت أوروبا في شكل كبير في هذه المرحلة في حين تحرر بوتين من أي ضغط أوروبي، وكان ذلك جلياً في مجلس الأمن بعد الفيتو الروسي على قرار يطلب هدنة في حلب.
استفاد بوتين أولاً من التراجع الأميركي خلال رئاسة أوباما منذ بداية الأزمة السورية. فتدخل عسكرياً بعدما رفض أوباما أي تدخل عسكري في سورية. وحصل بوتين على قاعدة في الشرق الأوسط تتيح له نشر الصواريخ قريباً من أوروبا إذا تم تهديده نتيجة سياساته في أوكرانيا وضمّ القرم. فبوتين يسرح ويمرح على الجبهة السورية وله قاعدة في المتوسط ولم يعد يبالي بأي ضغط أوروبي لأنه يرى ديموقراطيات أوروبا تضعف وتتحول لمصلحته. وبوتين لم يدخل سورية ويضع كل هذه القوى لحماية بشار الأسد، بل هو أتى لتحقيق مصالحه ولاستعادة موقع روسيا المهيمن في المتوسط. إن تدخل بوتين في سورية هو احتلال للجيش الروسي لهذا البلد. فهو يحمي بشار الأسد على رأس سورية منقسمة وجيش نظامي في حالة مزرية. ويهيمن على بلد فيه قوات إيرانية و «حزب الله» الذين سيكونون عاجلاً أو آجلاً خصوماً له. فبوتين لن يتقاسم الهيمنة في سورية مع إيران. وفي هذه الأثناء قد تأتي الانتخابات في فرنسا برئيس يميني محافظ هو فرانسوا فيون الذي سيبذل جهده لرفع العقوبات الأوروبية عن روسيا. أما بالنسبة إلى الأشهر الخمسة المقبلة فعهد هولاند انتهى مبكراً ويعني ذلك أن المدافع الأول عن المعارضة السورية المعتدلة لم يعد فعالاً لسوء الحظ. ولكن سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب في سورية. فهذه المعركة أثبتت أن مؤسسة الجيش النظامي مفككة وتتنازعها مافيات النظام، والجيوش الخارجية هي التي تحارب في حلب. فالضباط الروس أصبحوا على الأرض إلى جانب «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» ومجموعات شيعية عراقية وأفغانية. وكيف ستنتهي الحرب مع وجود كل هذه الجيوش في البلد؟ وكيف يبقى الأسد في ظل هذه الظروف؟ وإذا بقي وتوقفت الحرب من سيعيد إعمار سورية؟ كل هذه التساؤلات قد يعرف بوتين الذي يخطط للبعيد الأجوبة عنها. فهو لا يبالي بالأسد ولا بالشعب السوري. وقد نجح في الهيمنة في غياب أميركي تام وضعف أوروبي. والآن قد يكون اسوأ مع التغيير في أوروبا وأميركا الذي قد يكون لمصلحة بوتين مع صديقيه ترامب وفيون.
الحياة