سوريون عند تقاطعات البلدان/ جوزيف الحاج
“في محاذاة الجحيم” هو العنوان الذي يفضّل أن يطلقه المصور التركي إمين أوزمان Emin Ozmen على تحقيقه الصحافي المعنون “بين ضفتين” الذي تناول فيه مسار المهاجرين السوريين، من الوطن إلى الجزر اليونانية. صوّر هذا العبور المرصوف بالإنتظار والقلق، الممتد بين الرعب وبين الأمل بحياة موعودة.
قصص الهجرة ومساراتها معروفة رغم إختلاف الصور. استعداد لبلوغ الجزر اليونانية المقابلة للشواطئ التركية، أو المرحلة الأولى من نزوحهم إلى القارة القديمة المحفوف بالمخاطر: “أكثرهم من السوريين الذين تركوا وطنهم لبناء حياة جديدة” قال.
في تشرين الأول 2014 صوّر آلاف الناجين من جحيم كوباني إلى مدينة مرسين، حيث تبحر تلك البواخر الصدئة المحمّلة بالآلاف من اللاجئين. صوّر الإنتظار، في الغرف الباردة لفنادق متواضعة، إنتظار إشارات المهربين للإنطلاق. يقول: “أكثر من مليوني لاجئ يتواجدون اليوم في تركيا. 260 ألفاً يعيشون في المخيمات، أما الأخرون فعليهم أن يتدبروا أمورهم، لا سقف يأويهم، لا إجازات عمل ولا مدارس لأطفالهم. بعد الحرب عليهم أن يهربوا من البؤس. إنهم يتوقون إلى حياة أفضل. فهل هذا معقول؟ إنهم تائهون، يجهلون ما سيواجههم به المستقبل. كأنهم يهيمون في مواطن الأرواح! حياتهم في شتاتهم المؤقت لم تعد تطاق. لذلك ينتظر من لديه بعض الإمكانيات المادية أن يعبر إلى الضفة الأخرى، إلى أوروبا هذه المرّة”…
رافقهم في السهول الشاسعة. التقى بعض الذين فشلوا في العبور إلى الشواطئ اليونانية، فاستقلوا حافلات أعادتهم إلى بودروم التركية “كانوا مرهقين وخائبين، لم يحالفهم الحظ. إعتقلتهم الشرطة لدى صعودهم إلى مركب مطاطي مع خمسين آخرين. البحرية التركية رصدتهم وأعادتهم إلى حيث أتوا. أفرج عنهم بعد ساعات. لكنهم سيعاودون المحاولة مرّة أخرى، حتى ولو واجهوا مصيراً مأساوياً واجهه العديدون من قبل”، قال أوزمان.
لحق بهم إلى جزيرة “كوس” اليونانية “حيث تمهلهم الشرطة أياماً للراحة، ومن ثم ترشدهم إلى الطريق نحو مقدونيا”.
في 2012 بدأ تغطية الحرب داخل سوريا والعراق. عمله “سوريا: بربرية يومية” صور قاسية لا تحتمل، حصدت جائزة “بايو- غالفادوس-2014 ، خصوصاً بعدما رفضت نشرها العديد من الصحف العالمية، باستثناء بعض الصحف الفرنسية.
توثيق أوزمان لمآسي اللاجئين مستمر، خصوصاً بعد قراره عدم العودة إلى الداخل السوري. “هم أناس أجبروا على حمل صفة (لاجئ)”. إستمع إلى قصصهم ومعاناتهم ومشاعرهم. سعى إلى تفهم حياتهم المضطربة، المعلّقة بين الإنتظار والأمل والقلق والتيه، وكلها بادية على وجوههم وسلوكهم، في أمكنة تحوّلت حدودها إلى خطوط ضبابية. “رأوا مدنهم وقراهم تسقط تحت القصف. في حياة المخيمات صقيع وخوف، وأيضاً إنتظار” قال.
عن “سوريا: بربرية يومية”، الذي نشرته الصحافة الأوروبية بعد رفضه من الصحف المحلية، يقول: “إلتقطت هذه الصور في شهر آب، في الشمال السوري. كإنسان، لم أكن أتمنى أن أشاهد كل ما جرى يومها، لكن كمصوّر صحفي، لديّ كاميرتي ومسؤوليتي في نقل كل ما حدث بأمانة. لهذا السبب أبديت هذا الموقف وصوّرت هذه المشاهد”.
درس أوزمان الفيزياء أولاً، ثم التصوير الفوتوغرافي في كلية الفنون الجميلة في “جامعة مرمرة”- اسطنبول. نشر في 2008 عمليه المصورين في كتابين: “ناس الأناضول” و”قصص القروض الصغيرة”. في نفس السنة باشر عمله لحساب الصحيفة اليومية “صباح”، بالتزامن مع متابعته لدراسة “الفوتوغرافيا والتوثيق” في النمسا. نشر تحقيقاته المصوّرة عن “الجفاف في الصومال”، و”زلزال اليابان. نُشرت أعماله في مجلة “تايم”، “نيويورك تايمز”، “دير شبيغل”، “غارديان”، “لوس أنجلوس تايمز”، “لوموند”، “ليبراسيون”… نال جوائز عالمية أخرى، منها “وورلد برس فوتو”.
المدن