صفحات العالم

“سوريّا كلّها أحرار”

 


حازم صاغيّة

“سوريّا كلّها أحرار.. شارع شارع، دار دار”.

هذا كان أحد الهتافات التي هتفها المتظاهرون السوريّون يوم الجمعة الماضي. والهتاف هذا يقول كم أنّ السوريّين مشتاقون لأن يكونوا أحراراً، أي أن تكون كراماتهم مصونة مثلهم في ذلك مثل سائر البشر الأحرار في البلدان الحرّة.

فأن يُحكم السوريّ بحزب واحد منذ 1963، أي منذ 48 سنة عدًّا ونقداً، فهذا يعني أنّه ليس حرًّا وأنّه منقوص الكرامة، فكيف وأنّه منذ ذلك الحين يخضع لقانون طوارئ جائر يتحكّم بحياته في معظم أوجهها.

وأن يتمّ توريثه لابن الرئيس الذي صار رئيساً، فهذا يعني أنّه ليس حرًّا وأنّه منقوص الكرامة، فكيف وأنّه عرضة للتمييز في العمل، وللمنع من السفر، وأنّه غير قادر على الدفاع عن نفسه في مواجهة تهمة يمكن أن تُنزلها به أيّة وشاية. وهذا ناهيك عن أنّ أيّ رأي يعبّر عنه مواطن سوريّ يغاير رأي السلطة، سيكون صاحبه مشبوهاً أو خائناً.

أمّا السجن في سوريّا فيمكن لمن يقرأ كتابي فرج بيرقدار ومصطفى خليفة أن يفهم ما الذي يعنيه ذاك السجن. فهذا الأخير هو المؤسّسة الأهمّ في الأنظمة الديكتاتوريّة والتوتاليتاريّة حيث تكون سلطة الأجهزة الأمنيّة، المحصّنة حيال أيّة مساءلة، هي السلطة الأولى والأهمّ، لا تحلم بمنافستها السلطة القضائيّة ولا سلطة الحكومة ولا سلطة الكائن الكاريكاتوريّ المسمّى مجلس شعب أو برلماناً.

ولن يكون من السهل تعداد الأوجه الكثيرة للافتئات على الحرّيّة والكرامة في سوريّا. لكنّ من السهل، والحال هذه، فهم شوق السوريّين لتينك الحرّيّة والكرامة، وهو الشوق الذي يدفعهم إلى تمزيق الصور وتحطيم التماثيل والتجرّؤ على المقدّس السلطويّ.

والحال أنّ “الحرّيّة” شكّلت الأقنوم الثاني بين أقانيم حزب البعث الثلاثة: الوحدة والحرّيّة والاشتراكيّة. لكنّ تلك الحرّيّة، وكما كتب مبكراً مؤسّس البعث ميشيل عفلق، هي “حرّيّة الأمّة”، لا حرّيّة الأفراد المواطنين. وهذا هو الأساس النظريّ لما حصل لاحقاً بتحوّل “حرّيّة” البعث الى العبوديّة المعاصرة التي يتمرّد عليها السوريّون اليوم (وقد تمرّد عليها العراقيّون بالأمس).

والسوريّون اليوم إذ يعلنون ببسالةٍ شوقهم الى الحرّيّة والى التواصل مع العالم الأوسع كطرف فاعل فيه، غير معزول عنه، فإنّهم يستحقّون دعم الأحرار في كلّ مكان، لا سيّما في لبنان. وغنيّ عن القول إنّ اللبنانيّين الذين طالما تغنّوا بدورهم، لا سيّما دور مثقّفيهم، في تصدير الحرّيّة إلى العالم العربيّ، مدعوون إلى المبادرة دعماً وتأييداً، واستخدام المناسبة الكبرى كتمرين على العمل المشترك والتضامن وتبادل الخبرات. فكيف وأنّ سوريّا حرّة وسوريّين أحراراً هم شرط شارط للبنان حرّ ولبنانيّين أحرار!؟.

وهذا لا يعني، بالضرورة، أنّنا قاب قوسين من الخلاص، لا في سوريّا ولا في لبنان. فالاحتمالات البشعة تتربّص، هي الأخرى، بالشعبين وبالبلدين، وقد يجد الشعبان والبلدان أنّهما أمام مرحلة انتقاليّة مُرّة وبالغة الخطورة. مع ذلك، لا يمكن للحرّ، هنا أو هناك، إلاّ أن يفتح قلبه للحرّيّة. هذا أوّلاً… وبعد ذاك لكلّ حادث حديث.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى