صفحات الناس

سيرة جاهلية للفيسبوك العربي/ غطفان غنوم

 

لنا أن نتخيل لو أن الفيسبوك مثلاً كان وسيلة متاحة للتواصل بين العرب مع بدء الدعوة الإسلامية، لوصلتنا على الشكل المتخيل التالي:

تبدأ الدعوة بتشكيل مجموعة سرية ضيقة على الفيسبوك، محدودة الأعضاء، ثم تبدأ بالتزايد، تدعى الصفحة بصفحة “المسلمين”. وما أن تُكتشف الدعوة للدين الجديد حتى يقوم المشركون بإنشاء صفحة “أعلوا هبل”، ليرد عليهم المسلمون بصفحة “الله أعلى وأجل”. وسنجد أن لقب المسلمين قد غدا “الصابئة المخربون” في صفحات المشركين، وربما تطالعنا بوستات ممانعة للدين الجديد كالتالي:

“هؤلاء الصابئون الخونة، هدفهم الإطاحة بأرباب العرب التي ندافع عنها، نقول لهم إن هذه المؤامرة السماوية لن تنجح، وإننا مع كل قياداتنا سنكون صفاً واحداً في وجههم. لن نؤمن بما جاؤوا، ولن نتخلى عن كعبتنا وديننا الذي وجدنا آباءنا عليه.. نحبك يا عمرو بن هشام.. نحبك يا أبا سفيان”.

وسترد بالطبع الصفحات المسلمة على ذلك بهدوء ورصانة: “يقول رسول الله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. هكذا سيبدأ المسلمون بنشر الدعوة، وسيتواصل بعضهم مع الحبشة ويؤمنون لجوءاً آمناً هناك، خاصة أن نجاشي الحبشة سيدعم هذا الفصيل الجديد الإسلامي، وستصل رسائل الدعوة الإسلامية، على الخاص، لقيصر الروم وكسرى الفرس، ولكنهما لن يستجيبا، وسيتركان الواقع كما هو، ولن يتدخلا في الصراع المستعر في الجزيرة العربية أبداً. سيتعب المسلمون كثيرا حين يُحَاصَرون في شعاب مكة، ويمنع عنهم الطعام، وتحجب وسائل الاتصال عنهم. غير أن حلفهم المبشّر مع أهل يثرب سيؤمن لهم منفذاً جديداً، وستفتح جبهة الشمال تماماً في وجه مكة ونظامها.

حين يتمكن المسلمون من تشكيل جيشهم الحر في المدينة، سيتواجه الطرفان في أول موقعة لينتصر المسلمون بها بكفاءة، غير أن الموقعة الثانية ستكون درساً قاسياً للجيش الإسلامي الحر، وستجد أن قارعي طبول الحرب والناشطين سيبدؤون بالتهليل لها ونشر كل التحركات التي يقوم بها الجيش. وسيتسرب مقطع فيديو مهم عن كيفية نزول بعض المقاتلين من الجبل طمعاً في الغنائم، وظناً منهم أن النصر تحقق، وهذا طبعاً ما سيتسبب بالهزيمة.

ستنطلق الأشعار على صفحات الفيسبوك المسلمة لترثي الشهداء، وتحلل أسباب الهزيمة وتتوعد بالرد والاستمرار حتى انتشار الدين على العالم، بينما سيفرح المشركون بنصرهم المؤقت وسيشمتون ويطلقون الشتائم على صفحاتهم الرسمية، وخاصة صفحات: “أبو جهل هو الأصل”، و”أبو لهب عمدة العرب”.

عالمياً سيرسل الروم بعض البصاصين الفيسبوكيين، وكذلك سيفعل الفرس، لينتظروا نتيجة الصراع. ومع مرور الوقت سيتم اكتشاف بعض المنافقين الذين يندرجون في صفوف المسلمين، والذين يضعون اللايكات على بوستات هند بنت عتبة الحاقدة، وعلى صور وحشي الحبشي المجرم بعد أن ارتدى بذلة الحرب وتمت ترقيته، وعلى تغريدات أبي سفيان. وسيحاسب هؤلاء بشدة بحذفهم من مواقع المسلمين الهامة، وحجبهم تماماً عن أي نشاط أو مشاركة.

وستملأ التكبيرات سماء الصفحات حين ينشق خالد بن الوليد وينضم للجيش الحر الإسلامي، بينما سينعته المشركون على صفحاتهم بالخيانة والجبن، وتلصق به تهمة إضعاف الروح المعنوية لأهل مكة.

ستتكاثر الصفحات الوهمية لاحقا وستُعزى الانتصارات لأشخاص لم يشاركوا بها. وسيتحول بعض المشركين للإسلام بعد انتصاره، وتلغى صفحاتهم القديمة تماماً، بل إن بعضهم سيتبوأ مناصب عالية في الزمن الجديد تعادل رتبة الآدمن نفسه.

* كاتب من سوريا

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى