سيغموند فرويد وسهيل الحسن/ أحمد عمر
قرأت عن عمليات تجميل كثيرة منها عملية لصينيةٍ، أجرت 200 عملية تجميل كلفتها 600 ألف دولار، وقال طبيبها شيا جيانجون بعد العملية إنه لم يعرف ثدييها من كعبيّ قدميها، كانت المسكينة تبحث عن “شعور أفضل حيال نفسها”. وهذا الشعور يختلف عن اللاشعور عند سيغموند فرويد وعن اللاشعور عند عالم النفس سهيل الحسن.
يبدو أنّ سهيل الحسن الشهير بالنمر الوردي، قائد ضرورة للنظام المرقّط، عفوا النظام الأحمر، لكثرة الدماء التي شربها، أربعاً في أربعٍ، على طريقة زمان الوصل في الأندلس. وشتّان. هناك علاقة لاشعورية بينه وبين الجنرال الوسيم الشهير بالبقرة الضاحكة واختفائه من المشهد العام، هو وكل أوسمته!
نمر، بقرة، زرافة… أنحن في حديقة الحيوان…؟
والنمر الوردي شخصية كرتونية من صنع خيال ديزني لاند، ظريف، كوميدي. ثعلب، لكن لقبه لقب نمر، يطفئ المصباح الكهربائي بالنفخ، ويشعل الشمعة بزر كهربائي، ويقول الخطابات الفخمة، مقطّعة بالمونتاج، فليس له قدرة على حفظ سطرين، الغرض من هذا “العقار” هو بثَّ روح الصمود والتصدي في الموالين.
يظهر في كل الصور والأفلام المصورة مدجّجاً بالسلاح، مزجّج الحواجب، يكاد أن يضع البندقية في فم المشاهد، حتى يبرهن أنه على الجبهة. وهو رجل يغضب للحق، وأكبر سَوْرة غضب للحق رأيناها منه عندما هتف مذيعه “الشخصي” شادي حلوة- عاشت الأسامي- نفديكِ يا سوريا، فغضب النمر الوردي غضبة قرادحية غير مضرية، وظهر” البينغ بانغ اللاشعوري” في صرخته: اسكت … سوريا هي بشار الأسد… فسبحان من أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وأنه أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى. نظرية اللاشعور تجلت بأجلى معانيها. له صورة يسجد له فيها جنوده، وهو جالس على الكرسي ويباركهم، ملء عينيه عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصم .
يضع أحيانا عدة حربية غريبة، كما في أفلام الخيال العلمي، ويظهر في مناوبات منتظمة على التلفزيون، في الميدان دائما، حتى يشحن بطاقة اللاشعور، بطارية القوم، الذين وهنت عزائمهم وشعورهم وأقوَت، وطال عليها سالف الحقد.
وحضوره يشحن بطارية الشعب الثاني أيضا، بالمرح. الرجل هو الدوبلير الحربي لمحتل القصر الجمهوري. سبحان من جعل في “قلعة العلمانية” صوراً لغير سيادة الرئيس العلْوي (من العلو) : خامنئي الفارسي، بوتين الأرثوذكسي، نصر الله اللبناني الشيعي.. أما صاحب الدولة الإسلامية البغدادي فمتواضع. الرجل لا يحبُّ من الصور سوى أفلام الرعب.
هو نمر مخطط لدى الشعب الأول، ووردي عند الثاني، يخطب بالفصحى، ويحتار المستمع في خطبته، أيقول شعراً حديثاً مسجوعاً منظماً، على بحور الدم السوري، أم شعراً موزوناً مقفىً على بحور الفراهيدي.
الشعب السوري مقلٌّ في فنِّ السخرية، وهو سلاح قوي، وقد برع فيه الشعب المصري. كان السوري في بداية الثورة ساخراً، مرحاً، ظريفاً، مثل النمر الوردي، أسس كثيراً من الصفحات الساخرة مثل : طاغية الصين، وكراجات المشنططين، و وحدة جنيف الإعلامية.. وهو مقلُّ عموما في فنِّ الكوميكس، بسبب الشقة والبعاد ووعثاء السفر والطغيان، والسبب في تراجع هذا الفن هو كثرة الدماء، والانشغال بالندب والجراح، والإقامة في المخيمات… وأظن أنّ النمر الوردي السوري يصلح لأفلام كرتون غير صامتة، ولمعالجة الكبت الطائفي.
وللنمر نسختان، نسخة قديمة يظهر فيها نحيلاً، أخنس، يرتدي عباءة من أجل بعض الهيبة الشكلية، قد أضناه العشق، ونسخة محدثة، يبدو فيها خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. فإما أنّ الرجل قد قُتل، وانتقل من حضن الوطن الدافئ، إلى حضن القبر البارد، وأُبدل برجل آخر، أو أنه عمل عملية انتحارية في فنِّ التجميل، فالنحيل غير محبوب مثل نسخة “الآيفون” سبعة، الدسم، الملتحي.
كان المخرجون يواجهون مشاكل مماثلة مع وفاة ممثل يؤدي دوراً مهماً في فيلم، ثم يستبدلونه بممثل آخر، من غير أحم ولا دستور، كما حدث في فيلم ذئاب الجبل، عندما استبدل المخرج بالمرحوم صلاح قابيل عبد الله غيث، وبالمرحوم رشدي أباظة، صلاح نظمي في فيلم الأقوياء. والمخرج السوري في القصر الجمهوري استبدل سهيل الحسن الوردي، بسهيل الحسن البني، في فيلم الزرافة وحيدة القرن والزمان، ملكة الغابة.
نسختان أيضاً من قرار وقف إطلاق النار، واحدة تشبه سهيل الحسن المقتول، قُدّمت للثورة، ونسخة تشبه سهيل الحسن الكرتوني المنفوخ بالسيلكون، قُدّمت للنظام.
لا أعرف عدد المذيعات والفنانات اللاتي أجرين عمليات تجميل، أمس رأيت مذيعة سورية، وقد تغيّر أنفها، فتذكرت قصة إسحاق عليه السلام في التوراة، وهي رواية منكرة إسلامياً، وكان النبي إسحاق قد اشتهى أكل اللحم، والقصة هي قصة قابيل وهابيل، في شكل صراع على البكورية هذه المرة، وكان إسحاق قد عمي، فتنكر عيسو في هيئة أخيه يعقوب وقبل إسحاق الرشوة من ابنه، فجسَّهُ وقالَ: «الصَّوتُ صوتُ يعقوبَ، ولكنَّ اليدَينِ يَدا عيسو». لم يقتل عيسو يعقوب، الأحفاد هم الذين سيقتتلون إلى يوم الدين.
النظام يبحث عن “شعور أفضل حيال نفسه”، في اللاشعور..
لا شيء في النمر السيلكيوني، يشبه النمر الوردي القديم، الذي يقال إنه قُتل في رحلة صيد للمندسين في جسر الشغور. ويقال أيضا أن الرئيس تخلص منه كما تخلص من صهره آصف شوكت و بقية فريق خلية الأزمة خوفا من انقلاب، فهو يحبُّ المسؤولية إلى درجة إنه سيصير سائلاً على بابي طهران وموسكو! أما أصدقائي الأطباء فيقولون إن سبب جماله يعود إلى مفعول الكورتيزون الروسي اللاشعوري. فالنظام لا يهمه النمر الوردي، الزرافة وحيدة القرن هي الأهم. التحليل ” الهندسي” يقول أنه يصلح نقطة تفريغ و “تأريض”، للتوترات والإشاعات العالية. “وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ”.
الشبه بين النمرين القديم والجديد كالشبه بين خالتي، وبين إنجيلنا جولي. وقد ذكرتني الخطوب التوالي، بواحدة من أجمل قصص القاص السوري وليد معماري، نشرها في مجموعة “تحت خط المطر” القصصية، وزعم، خلاصاً من الرقيب، إنها مترجمة عن الصينية، وهو لا يعرف من الصينية إلا ما أعرفهُ من لغة التكتكة، وذلك ليشعر في اللاشعور بشعور أفضل حيال نفسه. وفيها، تعمل الطغمة الصينية الحاكمة بعمليات التجميل الإلكترونية والتصويرية، على إعادة الزعيم الميت إلى الحياة، للاستمرار في السلطة من ورائه. في حالة النمر الوردي لم يحتج النظام إلى أي عملية تجميل الكترونية أو كرتونية، فالخوف يجعلنا نقول عن الحمار غزال، وعن الذئب أم أربع وأربعين. والطمع أو الرجاء يجعلنا ندفن الكلب، ونقول لصاحب الكلب رحمه الله، وأحسن الله عزاءكم!
أمس خرجت علينا صحيفة “دايلي ستار” البريطانية التي تبحث شعور أفضل حيال نفسها بنظرية في اللاشعور زاعمةً فيها أنّ فلاديمير بوتين الحالي هو رجل شبيه زرعته المخابرات البريطانية، وسمدته جيداً، فأتى أُكله، وأن بوتين الحقيقي قضى نحبه مسموماً بعد ضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014. أهم الأدلة على النسخ والطبع هو دليل لغوي، والدليل هو عدم أجادة البوتين الجديد المزيّف الألمانية!
النمران الوردي وزرافة الشمبانزي، يتكلمان العربية الفصحى من غير قواعد، فهي قناع ممتاز لإخفاء عواء الذئب الأغبر. الصَّوتُ صوتُ يعقوبَ، ولكنَّ اليدَينِ يَدا عيسو.
طغاتنا المعاصرون يستخلدون، حتى وهم في أجداث جلودهم، يبحثون عن “شعور أفضل حيال أنفسهم”… في اللاشعور والليبدو..
“واللي بيدو الله لا يزيدو”.
المدن