صفحات سوريةعلي العبدالله

سيف النفط السعودي/ علي العبدالله

 

 

لم يثر رفع السعودية لإنتاجها النفطي في شهر آب الماضي الى حدود العشرة ملايين برميل يوميا قلق سوق النفط، فالسوق في حينها كانت قادرة على استيعاب هذه الزيادة، لكن تباطؤ الاقتصاد في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والصين، وتراجع استهلاكها للنفط، جعل هذه الزيادة عبئا على الاسواق قادت الى انهيار الاسعار بشكل درامي وهبوطها بنسبة 20%. وقد زاد تمسّك الرياض بقرارها رفع الانتاج قلق الدول المنتجة للنفط واضطراب الاسواق الدولية.

واقع الحال ان تراجع الاسعار قد أضّر بمصالح الدول المنتجة للنفط ، مروحة واسعة من الدول، من روسيا الى كندا مرورا بإيران ودول مجلس التعاون الخليجي ونيجيريا وبريطانيا وفنزويلا والولايات المتحدة الامريكية، ما أثار أسئلة ووضع علامات استفهام كبيرة امام الخطوة السعودية.

ماذا تريد السعودية بقرارها ومن المستهدف منه؟.

تعاني المملكة العربية السعودية من تراجع مكانتها الاقليمية والدولية بسبب تغيرات في ميزان القوى الاقليمي، وتبدّل في خيارات القوى الفاعلة اقليميا ودوليا. فقد أزاحتها الولايات المتحدة عن موقعها كأكبر مصدر للنفط ولتحديد حالة السوق وسقف الانتاج والاسعار، ليس ببلوغها أعلى انتاج في العالم بل وبالبدء بطرح انتاجها في السوق، على الضد من تفاهمات سابقة معها بإبقاء هذا الانتاج كاحتياطي استراتيجي لمواجهة الازمات والاضطرابات في سوق النفط، وأشعرتها بتراجع دورها واهميتها في السياسة الامريكية في أكثر من موقف وملف بدءا من التخلي عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الى قبول حكم الاخوان المسلمين لمصر مرورا بتجاهل طلبها التحرك لإسقاط النظام السوري وصولا الى التفاوض مع ايران دون اعلامها أو أخذ مصالحها في الاعتبار. روسيا هي الأخرى لم تستجب لـ “غزلها” وعروضها التجارية السخية مقابل تغيير موقفها من بشار الاسد. اما اقليميا فقد لعبت ايران دورا مدمرا عبر تطويقها من عدة جهات (العراق، اليمن، السودان) ومحاصرة نفوذها في لبنان، وتحريك الشيعة في المنطقة الشرقية، حيث معظم آبار النفط السعودي، لضرب استقرارها الداخلي.

بقرارها رفع الانتاج وعدم التراجع عنه ضربت السعودية أكثر من عصفور بحجر واحد. أغلاق السوق أمام النفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا، فتراجع سعر برميل النفط الى مستوى 80 دولارا جعل استخراج النفط الصخري غير مجد اقتصاديا في ضوء التكلفة العالية لاستخراج برميل النفط من الصخر الزيتي والتي تبلغ بين 75 و 80 دولارا. في حين ان التراجع الذي حصل في الاسعار سيفقد الخزينة الروسية مليارات الدولارات، فروسيا التي تعتمد في دخلها الوطني على عائدات النفط والغاز، النفط اولا حيث تشكل عائداته اربعة اضعاف عائدات الغاز، بلغت عام 2013 حوالي 191 مليار دولار من النفط مقابل 28 مليار دولار من الغاز، ستخسر في حال هبط سعر برميل النفط الى حدود 80 دولارا ما يقارب الـ 56 مليار دولار، وهذا سينعكس سلبا على قدرات الخزينة الروسية في التعاطي مع الازمة التي تزامنت مع تصعيد العقوبات الغربية، والتي دفعت عددا كبيرا من الشركات الروسية الى طلب مساعدة الدولة لمواجهة الخسائر التي نجمت عنها، ناهيك عن انهيار سعر صرف الروبل الروسي الذي خسر 30% من قيمته، وهذا سيحد من قدرات روسية على تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية. ايران هي الأخرى في صف كبار المتضررين فبعد ان هبط انتاجها من 4 ملايين برميل الى قرابة مليون برميل في اليوم، حيث اعاقت العقوبات الغربية تطوير البنية التحتية لمنشآت النفط وحّدت من فرصها في زيادة الانتاج، ما انعكس سلبا على قدراتها المالية لتغطية برامجها الانمائية والاجتماعية والعسكرية، جاءتها ضربة تراجع الاسعار لتزيد من مأزقها المالي وترفع عجزها في الموازنة الى مستويات قياسية، ما قد يضطرها الى رفع أسعار الخدمات والسلع، والتي يمكن ان تعرّض الاستقرار الداخلي الى خطر كبير باندلاع احتجاجات شعبية بسبب عدم تمكن شريحة واسعة من الشعب الإيراني من توفير حاجاتها اليومية، وقد نُقل ان إيران تخطط لتسعير نفطها الخام في ميزانيتها للعام المقبل بـ 70 دولاراً للبرميل، وهذا يعني ارتفاع أسعار الخدمات والسلع والمعيشة.

لقرار المملكة رفع الانتاج وتخفيض الاسعار نتائج متعارضة فهو من جهة يضر روسيا وايران ماليا، وهذا يعزز أثر العقوبات الغربية عليهما، ويشل قدرة الشركات الامريكية والكندية العاملة في انتاج النفط الصخري على استخراج النفط وتهديد مكانة المملكة في سوق النفط، ولكنه يساعد، من جهة ثانية، الاقتصاد العالمي على التعافي والخروج من حالة الركود والانكماش ما سيزيد الطلب على النفط، وهذا سيقود الى رفع الاسعار من جديد، وتعود المملكة الى المربع الأول الا اذا قررت الذهاب الى مواجهة طويلة لإبقاء السعر عند سقف لا يتناسب مع خصومها حيث تتباين مستويات الاسعار المقبولة والمطلوبة بين دولة وأخرى، فروسيا يناسبها سعر 100 دولارا للبرميل بينما تتطلع ايران الى 140 دولارا للبرميل وفنزويلا الى 120 دولارا للبرميل، بينما يناسبها هي(المملكة) سعر 80 دولارا للبرميل، في ضوء تدني تكلفة انتاج البرميل لديها واحتياطيها النقدي المريح.

تراهن السعودية، من خلال ابراز مكانتها في سوق النفط، وقدراتها على الرد على مواقف وخطوات خصومها السياسيين، اقليميا ودوليا، بالحاق الضرر بمصالحهم الاقتصادية، ودفع الحلفاء الى اعادة النظر في مواقفهم من المملكة واحترام مصالحها في الملفات الاقليمية والدولية من العراق الى اليمن مرورا بسوريا ولبنان وفلسطين، وأخذ هواجسها ومخاوفها من الاتفاق الامريكي الايراني حول الملف النووي والدور الاقليمي الايراني الذي تمّدد في عدد من الدول العربية على حساب المصالح العربية بعامة والسعودية بخاصة، والى تحسين موقعها التفاوضي حول هذه الملفات.

غير ان عدم تنسيق الخطوة السعودية ومناقشتها مع الدول المنتجة للنفط، غير تلك المستهدفة من الخطوة، للاتفاق على سقف للأسعار معقول بحيث تكسب تفهمها وتأييدها قد يقود الى قيام تكتل معارض للخطوة داخل منظمة الاوبك في اجتماعها القادم، وفرض تخفيض للإنتاج ما يؤدي الى ارتفاع الاسعار قبل ان تحقق هدفها من الخطوة، بالإضافة الى عدم طرحها مطالبها والسقف الذي تقبله في الملفات العالقة والساخنة مع حلفائها وخصومها، ما يجعل الخطوة غير مفهومة وغائمة الاهداف.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى