شاعر بسرعة البرق
احمد بزون
يلفتنا أحياناً نداء يقول «شارك في مسابقة أمير شعراء الفايسبوك»، أو انضم إلى ملتقى شعراء الفايسبوك»، أو تلفتنا دعوة إلى أمسية لشعراء يقرأون «ستاتوس» كتبوها على «الفايسبوك». ولا تقتصر هذه الموجة من كتابة الشعر على شعراء جدد ولدوا على صفحات «الفايسبوك»، إنما ينضم إليها شعراء معروفون، يلحقون بالموجة، علهم يرفعون لهم منبراً على ظهرها.
كنت وصديقي الشاعر عماد حمزة، الذي يحفزه «الفايسبوك» هو الآخر على المشاركة في دفع أمواج الشعر، ويمتلك ملكة نقد معروفة في مجالسه، نتحاور في موضوع الشاعرات والشعراء الشابات والشبان، الذين تتطور تجاربهم بسرعة في ملعب «الفايسبوك». وقد استعرضنا عدداً من أسماء الصديقات والأصدقاء، الذين كانوا، في البداية، يكتبون كمن يتأتئ شعراً، أو يجرب ولا يخجل من التجربة، ما دام لم يعلن عن نفسه شاعراً، ولم يدّعِ تسقّط وحي أو إلهام. بعض التجارب بدت أمامنا مذهلة، لجهة ما شهدت من تطور مفاجئ، وقد انتقلت من التهجئة الضعيفة إلى النضج الذي يخوّل صاحبه طباعة ديوان شعر يستحق القراءة والاهتمام.
المهم في الأمر أن تطور شعراء «الفايسبوك» يتم بسرعة فائقة لم يتصورها أحد، قد تتماهى وسرعة التواصل الاجتماعي نفسها، أو سرعة الاتصالات، ليجد «الصديق» نفسه بين عدد كبير من «الأصدقاء» الذين يتفاوت مستواهم بين قارئ يذهَل لأي نصّ يكتب، وناقد يحتضن ويتابع ويوجه ويدفع بصديقه إلى المزيد. والعديد من الأصدقاء الذين يطمحون لقول مؤثر وجاذب على صفحاتهم، يبحثون عن أصدقاء معروفين بحاستهم النقدية، يتحرشون بهم «أدبياً»، ويلفتون انتباههم بكل الطرق، كي يسمعوا رأياً يؤنسهم بما يكتبون.
قد لا يكون الصديق «الفايسبوكي» قارئاً لكتب الشعر والنقد، وقد وجد نفسه في هذا العالم البصري أمامه، بين مجتمع الكتابة الرقمية تلك، يبحث عنها أو تبحث عنه، يداهمها أو تداهمه، يقصدها أو تقصده، فثمة علاقة مختلفة هنا عن علاقة قارئ بكتاب شعر، حيث القراءة فعل من جانب واحد، بينما في «الفايسبوك» تفاعل من جوانب مختلفة، إذ يجد الصديقُ نفسه محاطاً بالشعر والشعراء، بالمتعرشين على جدران البرج وبالساعين لحمل اللقب، وقد باتت صفحات «الفايسبوك» ولادة شعراء.
قد نجد بين شعراء «الفايسبوك» من لم يقرأ كتاب شعر، معتمداً على الاستشهادات التي يضعها الأصدقاء في صفحاتهم لشعراء كبار، أو على تجارب أصدقاء أكثر خبرة في كتابة الشعر، أو متابعاً دائماً لصفحات الشعراء الذين باتوا أصدقاء له، بحكم حاجته إليهم، وحاجة الشعراء الكبار لمريدين ومصفقين وجمهور واسع يأنسون به… إلا أن القراءة التي يعتمد عليها «شاعر الفايسبوك» تمتد على فترات كثيرة من النهار أحياناً، عبر الهواتف المزودة بخدمة الإنترنت، ما يجعل قراءة الشعر فعلاً غير عاديّ، وإن كان يمكننا أن نرمي تسعين في المئة من هذه القراءة في البحر. أغلب الظن أن العشرة الباقية جديرة بأن تصنع شاعراً بسرعة البرق.
السفير