شبيح’ سابق يكشف عن دور رامي مخلوف وماهر الأسد في تسليح الشبيحة
إبراهيم درويش
لندن ـ ‘القدس العربي’ عندما علمت سلوى عمور أن صديقها أصبح جزءا من جماعات الشبيحة التي ارتكبت جرائم ومذابح منذ بداية الثورة السورية لم تصدق ما قيل عنه، لكن القصص توالت وظهرت القصة على حقيقتها فقد كان صديق طفولتها فعلا من أعضاء الشبيحة.
وفي مقال نشرته صحيفة ‘دايلي تلغراف’ البريطانية كشفت عمور عن الدور الذي لعبته هذه الميليشيات منذ اندلاع الإنتفاضة في آذار/مارس الماضي وحتى اليوم تحدثت عمور قائلة ‘وصل صديق طفولتي على باب بيتي في دمشق، زجاجة خمر في يده ومبتسما وأخبرني كيف استمتع بصوت طقطقة عظام ضحيته’.وتضيف عندما ‘سمعت شائعات أنه أصبح جزءا من جماعات الشبيحة، الرجل الذي يعذب ويغتصب بدون رادع باسم حماية الرئيس بشار الأسد، لم أصدق ما قالوه، فهو ابن عائلة عاملة طيبة، وعمل والده سائقا حتى يستطيع إرسال أبنائه للمدارس، ونشأنا معا وكان لطيفا وذا أخلاق عالية’.
وتضيف ‘عندما دعوته لزيارة بيتنا وفتحت معه الموضوع حول عمله الجديد على سبيل المزاح، كان رد فعله ‘هؤلاء أولاد الحرام، المعارضة، يريدون شل البلد، ولن أقعد جانبا وأسمح بهذا’.
وبعد هذا بدأت القصص تخرج شيئا فشيئا، ‘ولم يعد الرجل الذي كان جالسا أمامي ذلك العملاق اللطيف الذي لعبت معه في الشارع أو قضينا سهرات عائلية معا عندما كبرنا، لقد تغير’.
وكل ما سمعت منه هو حديثه وبنوع من اللذة عن هجماته التي قام بها ضد السوريين الذين يشتبه بعلاقتهم بالمعارضة أو تعاطفهم معها ‘وجدت اثنين منهم ليلة أمس′ قال، و’قمت أنا وصديقي بضربهما ضربا شديدا، وسمعت طقطقة عظامه، كان مثيرا للفرح’.
وتعلق ‘أي رجل مريض، كيف يتحول شخص مثله كان يتمتع بروح طيبة إلى حيوان سادي يغتصب ويقتل الآخرين؟ ومع استمراره في الحديث وسماعي لقصصه نسيت كل أفكاري عن الإنسانية، فلم أكن أتخيل أن هذا الرجل الذي عانقني بحرارة على الباب كان قاتلا ومغتصبا وجلادا’.
نظام العصابة
وبعد كل هذه القصص المرعبة التي حكاها ‘حاولت أن أصل إلى قلبه الطيب الذي اعتقدت أنه لا يزال ساكنا فيه وسألته ‘لماذا قمت بتعذيبهم؟ لماذا لم تقم بسجنهم أو إرسالهم إلى المحكمة؟ لماذا لجأت إلى العنف؟ فأجابني ببرودة ‘لتلقينهم درسا”.وأضاف ‘عندما يحاول شخص تدمير بلدي فسأدمره’.
وتقول الكاتبة إن صديقها هو علوي، حيث حولت الحرب السوريين ضد بعضهم البعض سنة ومسيحيين وعلويين.’وعندما كنا صغارا لم يكن أحد يلتفت للطائفة’ و’الآن فالإنتماء الوحيد الذي يشعر فيه الناس هو للطائفة’.
وتقول إن نظام الأسد قام بتسليح الشباب العلويين ودفع لهم الرواتب كي يقوموا بالإنضمام إلى جماعات الشبيحة والذين قيل لهم إنهم يقاتلون ليس من أجل حماية الأسد ولكن كل الطائفة.
وهؤلاء الشباب الذين أسكرتهم السلطة والمال والحصانة من العقاب قاموا بارتكاب أبشع المجازر المثيرة للرعب والقرف، وكانوا يتحدثون عن بطولاتهم وعمليات القتل والإغتصاب وكأنها شيء عادي.
وتعلق عمور قائلة ‘الحقيقة المثيرة للحزن أن نظام الأسد قام بغسل دماغ صديقي ودفعه للإنضمام لجماعات الشبيحة، وطلب منه النظام ارتكاب جرائم ضد إخوانه السوريين، وحشى عقله وقلبه بالكراهية وأعطاه السلاح للقيام بهذا’.
وتضيف قائلة ‘هذه ليست حكومة ولكنها عصابة لن تتورع عن فعل شيء للحفاظ على السلطة واستمرار حكم البلاد.
وفي شبيحة سوريا حيث نعثر على الطبيعة اللإ إنسانية السيئة، العالم يراقبهم وهم يطوفون في الشوارع ويرتكبون الجرائم’.
والسؤال الذي تطرحه عمور هو ‘ماذا نفعل من أجل تخفيف معاناة السوريين؟ لماذا فقدنا حسنا الإنساني؟’، وتقول إن ‘الشبيحة في النهاية هم ضحايا حقدهم والسوريين هم ضحايا تردد العالم في مساعدتهم’.
البداية
بدأت جماعات الشبيحة في سوريا، في عهد الرئيس حافظ الأسد والتي استخدمت في قضايا التهريب، سواء المخدرات، الأسلحة والبضائع التجارية التي كان يقوم بها مهربون في منطقة اللاذقية وعبر لبنان، وتطورت هذه لجماعات حفظ النظام.
وكان تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2012 قد اتهم فيه الحكومة وجماعات الشبيحة بارتكاب مجازر وقتل 100 مدني في بلدة الحولة.
وينفي المسؤولون السوريون أن يكون لهم ضلع في ممارسات هذه الجماعات التي أصبحت مسلحة وتدعم عمليات الجيش خاصة في القرى والبلدات، واتهمت تقارير حقوق إنسان هذه الجماعات بالدخول إلى القرى وحرق ونهب وقطع رؤوس المتعاطفين مع الثورة واغتصاب الحرائر.
وفي الوقت الذي أشار فيه محققو الأمم المتحدة إلى علاقة بين الشبيحة والجرائم التي ارتكبت خلال الحرب التي اندلعت بشكل سلمي إلا أنها لم تقدم أي أدلة واضحة حول تورط نخبة النظام المسماة بالشبيحة بهذه الجرائم. مع أن شريط فيديو نشر على ‘يوتيوب’ في أيار/مايو عام 2011 أظهر ماهر وهو يطلق الرصاص الحي على متظاهرين سلميين في منطقة البرزة في دمشق، وفي نفس الشهر قرر الإتحاد الأوروبي فرض عقوبات عليه حيث وصف بأنه ‘ المسؤول الرئيسي عن قمع المتظاهرين’.
تسليح الشبيحة
وفي تقرير لصحيفة ‘دايلي تلغراف’ قبل عامين كشف أحد عناصر الشبيحة كيف قام باختطاف طالبة جامعية في جامعة حلب، وكيف قام هو ورئيسه بأخذ الفتاة إلى بناية مهجورة وتعذيبها واغتصابها وعندما انتهيا من الجريمة أطلقا النار عليها ورميا جثتها خارج المدينة. وفي تقرير الصحيفة نفسها تحدثت عن الدور الذي لعباه الثري السوري ورجل الأعمال قريب بشار الأسد، رامي مخلوف، وماهر الأسد شقيق الرئيس السوري وقائد الفرقة الرابعة في تشكيل وتنظيم عصابات الشبيحة كعصابات قتل وجريمة منظمة.وأظهر التقرير أن مخلوف والأسد اعتمدا على المجرمين العتاة ممن حكم عليهم بالإعدام حيث تم إطلاق سراحهم ودفعت لهم رواتب وزودوا بأسلحة وطلب منهم ملاحقة الناشطين والمتعاطفين مع المعارضة وتعذيبهم.
وفي مقابلة مع أحد عناصر الشبيحة الذي فر إلى تركيا ويعيش تحت حراسة مشددة كشف عبدالسلام، وهو اسم مستعار للشخص في لقاء أجري معه شرق تركيا عن اجتماع تم في دمشق حضره مخلوف والأسد وطلبا منه وآخرين، قال إنهم ثمانية العمل على بناء تنظيمات شبيحة في معظم أنحاء البلاد.
وقال عبد السلام إن ماهر الأسد آمن بالحل الأمني منذ البداية واعتقد أنه لو ضرب بيد من حديد لتمت السيطرة على الإنتفاضة ‘وعاد كل متظاهر لبيته’.
ويقول إنه كان على علاقة تجارية مع مخلوف ولعدد من السنين، وشرح كيف خطط مخلوف والأسد لإنشاء جماعات الشبيحة والتي كلف أفرادها بالقيام بـ ‘المهام القذرة’ وإطلاق النار على الناشطين والمتظاهرين العزل.مما يعني أن عبد السلام كان جزءا من مجموعات الشبيحة الأصلية التي كانت عبارة عن مجموعة من المهربين وتجار المواد الممنوعة الذين كانوا يعملون في منطقة العلويين على ساحل اللاذقية.
وحرفت الحكومة الأنظار عن نشاطات هذه المجموعات مقابل حصولها على الولاء والتعاون معهم.وكشف عبد السلام عن الكيفية التي أفرج فيها النظام عن المحكوم عليهم بالإعدام وأجبرهم على الإنضمام للقوة هذه وزودهم بالمال والسلاح ‘كنت واحدا من ثمانية أشخاص دعاهم رامي وماهر في عام 2011′.
مضيفا ‘كانا من وقف وراء عملية الشبيحة، وقدما لنا المال والأسلحة وكل ما نحتاجه’.ويقول العنصر السابق في الميليشيات إن النخبة المقربة من النظام قررت تحويل مجموعات التهريب إلى ميليشيا مسلحة.
ويقول عبد السلام إن ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة هو الذي قرر تبني الحل الأمني أولا ضد المتظاهرين في درعا مشيرا إلى أن ماهر هو الذي ‘يتحكم بالسلطة اليوم في سوريا ‘.
الأعمال القذرة
ويقول عبد السلام إنه تلقى مكالمة من مخلوف ‘دعيت للقاء في دمشق ترأسه ماهر ورامي’.وأضاف ‘تم إخبارنا عن قلق الحكومة على صورة الجيش أمام الإعلام الدولي إن شوهد وهو يعمل القوة المفرطة، ولا يمكن للجيش أن يظهر وهو يطلق النار على المتظاهرين، وكانت فكرتهما ‘لنرفع أيدينا وننشئ ميليشيا تقوم بالعمل القذر’.
وأضاف ‘ كانا يريدان أن يعينا كل واحد منا مسؤولا عن تنظيم للشبيحة في مناطق مختلفة من البلاد، وكانا يعتقدان أنهما قادران على تخويف المعارضة ودفعها للإستسلام’.
ويؤكد عبد السلام أن أفراد الشبيحة تلقوا ‘أوامر واضحة’، وهي قتل المتظاهرين أي ‘طلبوا منا قتل المتظاهرين، مسلحين أو عزل وتعذيب من نقبض عليهم’.
وحول كيفية تجنيد عناصر الشبيحة، كشف عبد السلام أن ماهر اقترح إمكانية إطلاق سراح معتقلين من سجون حمص وطرطوس، معظهم من العلويين الذين كانوا ينتظرون تنفيذ أحكام إعدام عليهم، حيث تم الإفراج عنهم فيما بعد ودفع رواتب لهم ‘ولم يكن أمامهم أي خيار إلا الإنضمام إلى الشبيحة’.
ولم تتأكد الصحيفة من صحة ما قاله عبد السلام إلا أن ما قدم إليه من أوراق تلقاها من مصدر موثوق على علاقة بمخلوف وفيها تطمينات يبدو أنها صحيحة.كما وتم التأكد بشكل مستقل من المعلومات التي تحدث عنها والمتعلقة بقواعد الشبيحة في حلب وأسمائهم. ويقول عبدالسلام إن الميليشيات تطورت لاحقا من مجموعة قليلة كان أفرادها يرتدون الزي المدني إلى عصابات تقوم بمداهمة القرى والمدن وتلقي القبض على كل شخص يعارض نظام الأسد. وتم تزويد أفرادها بالسلاح وقيل لهم إنه يمكنهم عمل ما يريدون. وتحدث عما شاهده في مركز للشبيحة في حلب. ففي بداية عام 2012 زار صديق له اسمه علي قسق، الذي أصبح رئيس الشبيحة في شمال حلب حيث ذهب معه إلى مركز قيادته والذي كان عبارة عن مركز رياضي في حي السليماني تم تحويله إلى مركز عمليات يقيم فيه مئات من عناصر الشبيحة.
وإليه كان يتم إحضار الضحايا للتعذيب، ويصف عبد السلام ما حدث ‘شعرت بالقرف مما شاهدت’، ‘ورأيت علي قسق وصديقا له وهما يعذبان صبيا لا يتجاوز عمره عن الـ 15 عاما’.
و’كانا يحملان علبة بيرة في يد وسكينا في يد أخرى، وبطريقة سادية وبطيئة قاما بطعن الصبي الذي كان مقيدا، وكانا يضحكان كلما صرخ من الألم’. ويقول عبد السلام إن أصغر عنصر في الشبيحة كان عمره 16 عاما، وفي هذا العمر تعلم كيفية التعذيب باستخدام السكين والضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية.
وعندما يموت ضحية من ضحايا التعذيب يتم رمي الجثث في النهر الذي لا يبعد سوى 27 مترا.
ويشير إلى أن قسق وغيره من قادة الشبيحة كانوا يسافرون كل 6 أشهر إلى دمشق كي يقدموا تقارير عن أعمالهم وما قاموا به من اغتيالات ‘لقادة عشائر ومشايخ ممن انتقدوا وتحدثوا ضد النظام’.
ولأن قسق بالغ كثيرا في التعذيب فقد قرر عبد السلام إرسال رجاله لاختطافه لكن ألقي القبض عليهم وعذبوا، واكتشف قسق ‘أنني كنت وراء العملية وعندها عرفت أنه صار واجبا علي مغادرة سوريا’.
القدس العربي