شتائمي السرية/ ملاذ الزعبي
في بيروت، لا أتفقد هاتفي الجوال المركون في غرفتي، السوريون هنا كثر والأصدقاء هنا كثر، لكن أحداً لا يكترث لأحد، وكلنا يكره كلنا، وأنا أعلم علم اليقين أن أحداً لن يرسل لي تحية أو يدعوني إلى “سيران” في الزبداني. أتجنب الذهاب إلى الحمراء، كي لا أرتطم بسوري قد أعرفه وقد لا أعرفه، هو مثلي يكره النظام ويناصر الثورة، وهو مثلي لا يحبني ولا أحبه، وهو مثلي لا يعرف سر هذه الكراهية المتوقدة، كلانا يدعو إلى تقبل الرأي الآخر، لكننا لا نتقبل الرأي المماثل!
في بيروت أمثلة كثيرة عن العنصرية والقسوة، هنا قد لا يبتسم لك البائع بعد أن تشكره، لهجتك كشفتك مسبقا وأنت غير مرحب بك ولو كنت تغدق عليه ببضعة دولارات، إجزال الشكر والإطناب، يدفع البائع إلى زمّ شفتيه محاولا رسم ابتسامة لكنها تنزّ كراهية بدلاً من الترحيب، أشتُمُ سوريا ولبنان والنظام في سرّي، وأخرج.
في بنايتي، لا يبتسم الجيران لي، أنا السوري الوضيع، هم يحبون الأجانب، الأسترالية الشقراء القبيحة التي تقطن البناء نفسه تترك القمامة في المدخل وتضع موسيقى صاخبة ولا تلتزم بدفع فواتير الكهرباء، لكنني أسمعهم يهللون لها كلما رأوها: “بونجور، سافا؟”. في المرة الوحيدة التي فاجأتني بها جارتي العجوز بـ”سافا؟” غادرة، ارتبكت واكتفيت بإبتسامة مصطنعة لأني لا أجيد الفرنسية.
في الشارع، لا أجرؤ على فعل شيء سوى المشي، لا أعترض على سائق سيارة أجرة أطلق العنان للزمور وتسبب بأضرار دائمة لغشاء طبلي الأيمن، ولا على أزعر يمتطي دراجة نارية ويكاد يدهس أصابع قدميّ متفاوتة الطول بعدما اجتاز إشارة مرور حمراء. في درعا، كنت أخرج إلى الشرفة وأرمي الدراجات النارية ذات الأصوات المزعجة بحجارة من بصل وملاقط غسيل مشفوعة بالشتائم، هنا أواصل النظر إلى الأمام متجاهلاً كل ما يحصل بعد أن أشتم سوريا ولبنان والنظام والأمة العربية في سرّي.
في دمشق كانت تأتيني الجرأة أحيانا لأناقش سائق تاكسي يعمل في الأمن العسكري بخصوص الثورة، في بيروت لا أجرؤ على إظهار تعاطفي مع سائق التاكسي المؤيد للثورة السورية.