شيموس هيني: ملعون إن نظرتُ ورائي
المترو: كنّا هناكَ في النفقِ المقنطرِ نركضُ،
أنتِ في معطفِ الرحيلِ تسرعينَ أمامي
وأنا، وأنا كإلهٍ رشيقٍ يقتربُ
منكِ قبلَ أن تصيري قصبةً
أوْ زهرةً بيضاءَ جديدةً ملطّخةً بالقرمزيِّ
حينَ جامحًا رفرفَ المعطفُ
فنطَّتْ وراءَ بعضها الأزرارُ
ثمّ هوتْ في طريقٍ
بينَ المتروْ وألبيرت هوول.
في شهرِ العسلِ، تحتَ ضوءِ القمرِ، متأخّرينِ عن الحفلاتِ الراقصةِ،
تموتُ أصداؤنا في ذلكَ الرواقِ
والآنَ أجيءُ، كما جاءَ هانسِل على الأحجارِ المقمرةِ
مقتفيًا آثارَ خطونا في الممرِّ، رافعًا الأزرارَ
كي أنتهي في محطّةٍ مضاءةٍ بالمصابيحِ يلعبُ فيها الهواءُ
بعدَ أن راحتِ القطاراتُ، الدربُ البليلُ
حاسرٌ وموتّرٌ مِثلي، مصغيًا بكلِّ جوارحي
لأنّ خطوكِ يتبعني. ملعونٌ أنا إن نظرتُ ورائي.
التّواليت
بُرنسُ الحمّامِ الأبيضُ
محلولٌ، ما زالَ الشعر نديّاً،
أوّلُ بردِ ما تحتَ الثديينِ
ككأسِ قربانٍ في الكفِّ.
جسدانا معبدا
الروحِ القدُسِ. أتذكرين؟
والستائرُ الصغيرةُ، المناسبة، المقطّعة عميقًا
تنغلقُ على كؤوسِ القربان المقدّسةِ وتنفتحُ
على التّوالي؟ رداءُ الكاهنِ
مرفوعٌ برشاقةٍ؟ ولكن، زرّر عليكَ صدريّةَ
الكلمةِ التي علّمتَنيها
والحوائجِ التي أحبّها: الحريرِ المفتولِ.
ثعلبة الماء
حينَ غطستِ
ارتعشَ ضوءُ توسكاني
واهتزَّ عبرَ البركةِ
مِنَ السّرارةِ إلى القاعِ.
أحببتُ رأسكِ البليلَ والدّبيبَ الباهرَ،
ظهركِ السبّاحَ الأملسَ وكتفيكِ
وإنتِ تعومينَ، تعومينَ ثانيةً،
هذا العامِ وفي كلِّ عامٍ.
أشكرُ اللهَ على هذا الثّقلِ البطيءِ،
حينَ رفعتكِ الآنَ
كنّا قريبينِ وعميقينِ
كالطّقسِ على الماءِ.
يدايَ مياهٌ سُبرتْ أغوارها.
أنتِ ثلعبتي الملموسةُ، الخفيفةُ
لذاكرةٍ
في بركةٍ اللحظةِ،
تستديرينَ لتسبحي على ظهركِ،
كلُّ ركلةٍ صامتةٍ، تهزُّ الفخذَ
وتقوّسُ الضوءَ ثانيةً،
تجيّشُ البردَ على جيدكِ.
ثمّ تخرجينَ فجأةً،
وتعودينَ ثانيةً، مواظبةً كالعادةِ،
ثقيلةً ولعوبةً في عدوكِ السريعِ الرشيقِ،
تدمغينَ الأحجار.
حلم غِيرة
سائرًا معكِ وامرأةٍ أخرى
في متنزّهٍ حَرجيّ، مرّرَ العشبُ
الهامسُ أصابعَهُ في صمتنا الذي يرجمُ بالغيبِ
فانشقّتِ الأشجارُ عن بَراحٍ وافرٍ
مباغتٍ حيثُ جلسنا.
أظنُّ مُجاهرةَ الضياءِ قد أفزعتنا.
تحدثنا عن الرغبةِ والغيرةِ،
كلامنا ثوبٌ وحيدٌ فضفاضٌ
أو شرشفُ نزهةٍ أبيضٌ منشورٌ
ككتابِ آدابِ سلوكٍ في البريّةِ.
‘أريني’ قلتُ لرفيقتنا ‘الشيءَ
الذي كثيرًا ما اشتهيتُهُ، نجمةَ ثديكِ البنفسجيّةَ’.
فاستجابت. آهٍ، لا هذي الأشعارُ
ولا احتراسي، يا حبّي، تستطيعُ شفاءَ جروحِ تحديقتك.
حجر من ديلفي
سيُحملُ عائدًا إلى ضريحٍ في الفجرِ
حينَ ينشرُ البحرُ محاصيلَ شمسهِ القصيّةَ جهةَ الجنوبِ
سأعدُّ قربانَ الصباحِ ثانيةً:
قد أهربُ من وَبَالَةِ الدمِ المسفوحِ،
أسوسُ اللّسانَ، أخافُ الكبرياءَ، أخافُ اللهَ
حتّى يتكلّمَ في فمي الطّليقِ.
في الحياة الآخرة
سيكونُ شبيهًا باقتفاءِ أثرِ جيم لوغ، الحارسِ،
وهو يمضي ليكنسَ شَعرنا عن أرضيّةِ غرفةِ الدّرسِ
حيثُ كانَ حلاقُ المدرسةِ قد عطّلَ لأسبوعينِ،
نمشي قُربَهُ آنَ يطوفُ،
يا فضوليَّ المهاجعِ والمهابطِ الصامتة،
حجرةِ الطعامِ بأطباقها المنقوشةِ بأعرافِ ديوكٍ مجسّمةٍ،
رواقِ الطابقِ الأرضيّ، كومةِ الغسيلِ،
والأحذيةِ الموسومةِ كي يصلحها الإسكافيُّ. أكانَ ذلك اسمكَ
على العلامةِ؟ هل كنتَ جسدًا أمْ كنتَ روحْ؟
ترجمة: تحسين الخطيب
القدس العربي