صفحات الثقافةممدوح عزام

صراع المقاهي/ ممدوح عزام

 

 

حين مات أناتول فرانس، قال بول أيلوار في رثائه: “أمثالك، أيتها الجثة، لا نحبهم”. وقال أراغون: “فليذهب إذاً هباء منثوراً من توفي للتو. مازال مثيراً للاشمئزاز ما كانه على أية حال”. بينما قال أندريه بروتون: “رحل القليل من الدناءة الإنسانية، مع أناتول فرانس. فليكن عيداً يوم ندفن الخداع. التقليدية. الوطنية. الانتهازية”.

كان الكتّاب الثلاثة يؤسّسون في تلك السنوات تيار السريالية، وقد ظنوا أن أناتول فرانس، كان عقبة في طريق التأسيس، أو أن جزءاً من بيان التأسيس كان يتضمّن قطيعة تامة مع الوجهة الأدبية التي كان يمثلها في الأدب الفرنسي.

ويرجّح مؤرخو الأدب، أن تكون تلك الحملة تعبيراً عن الرغبة في قتل الأب المهيمن الذي كان يمثله فرانس آنئذ في الحياة الأدبية الفرنسية. وفي الستينيات، كتب رجاء النقاش يسأل: هل أصبح نجيب محفوظ عقبة في طريق الرواية العربية؟ وأجاب: نعم. وكاد يترحّم على الأجيال القادمة من العرب الذين يصعب أن يتجرؤوا ويرتادوا هذا النوع الأدبي، في ظل وجود العملاق نجيب محفوظ.

وقد شهدت السنوات العشرون الأخيرة من القرن الماضي، والسنوات العشر الأولى من قرننا التالي، ارتفاع نبرة الكلام عن اليتم الأدبي لدى عدد كبير من الروائيين السوريين، بوجه خاص، ولدى عدد من الشعراء والمسرحيين. ومن المعروف أن الجانب الإحصائي وحده يرجّح وجوداً كثيفاً للروائيين، يليه عدد الشعراء، مقابل بضعة مسرحيين. ولعل هذا هو الذي رجح تصريحاتهم أيضاً، ومن بينها نداء اليتم الذي أعلن بالفم الملآن: نحن جيل بلا آباء.

يمكن لمثل هذا الهتاف، أن يعبّر عن حزن الجيل، وفي هذه الحالة تبدو العبارة أضيق من الرؤية التي أراد الروائيون أن يعلنوها، وهي أنهم كانوا يتمنون في الحقيقة أن يجدوا آباء روائيين، يعفون الجيل التالي من الولادات المتعسرة. ويمكنها أن تكون تعبيراً عن سعادة التخلص من وصاية محتملة، لم يتيسر في الحقيقة للرواية السورية، ولا للروائيين، القيام بأعبائها.

ومع ذلك فإن ارتفاع النبرة، لم ينتج أي حوارات جادة حول موضوع الجيل الأدبي، أو حول العقبات، كما هو مأمول، وفي الغالب فإن الوسط الأدبي السوري، ظل يفضل الإخوانيات في الكتابة، دون أي مناكفات، ولا خلافات في الرأي. بينما غلب التذمر الشفوي، الذي كان يأخذ شكل الرفض، والسخرية، وتقزيم الآباء، على جلسات المقاهي، ومجالس الشلل ذات التوجه العصبوي. وهي مواقف موروثة من حقل السياسة. إذ كان معظم المنتمين إلى الأحزاب السياسية، والمستقلّين، يعيشون حالة من الانفصام، بين النص المكتوب، المعقم، المعد للتسويق، والكلام الصريح الخالي من الشوائب، بنبرته الصدامية.

واللافت أن يواجه كتاب الناقد جهاد عطا نعيسة “في مشكلات السرد الروائي” بالسخط، لأنه أجرى استنطاقاً نقدياً وضّح فيه المشكلات التي لم يستطع عدد من الروائيين السوريين الآباء المعروفين تجاوزها، سواء في الأداء اللغوي، أو النزوع الأيديولوجي، أو عدم استيعاب الحداثة، أو ارتباكات الحداثة كما سمّاها.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى