صفحات العالم

صراع الهواجس… حول سوريا!

ترودي روبن

تضغط فرنسا وبريطانيا حالياً على الاتحاد الأوروبي حتى يلغي حظر الأسلحة المفروض على المعارضة السورية، على أمل أن تستطيعا تشجيع الرئيس الأميركي على الحذو حذوهما. وكان إحباط الزعيمين الفرنسي والبريطاني تجاه موقف الولايات المتحدة بشأن سوريا محسوساً في بروكسل الأسبوع الماضي. إذ بينما ارتفع تدفق اللاجئين من سوريا إلى مستويات كبيرة جداً، مهدداً بزعزعة استقرار معظم المنطقة، أعلن الرئيس الفرنسي صراحة أن «أكبر خطر هو عدم فعل أي شيء».

وفي رد فعله، قال وزير الخارجية الأميركي إن واشنطن لن تقف في طريق الخطوات التي يتخذها حليفاها من أجل تسليح المعارضة السورية، لكن الإدارة الأميركية مازالت ترفض تزويد مجموعات الثوار السوريين الرئيسية بأسلحة، في وقت يحصل فيه الإسلاميون المتشددون على المال والسلاح.

والواقع أن الفرنسيين يقدمون حججاً مقنعة بشأن ضرورة إعادة النظر في هذا الموقف. وفي هذا السياق، قال مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الفرنسية جيستان فيس، في منتدى بروكسل، وهو مؤتمر سنوي ينظمه صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة، قال: «نعتقد أنه لن يكون ثمة مخرج للأزمة إلا عندما يتغير الوضع العسكري على الميدان».

ويرى فيس أن حظر الأسلحة الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على الثوار حالياً يأتي بنتائج عكسية، فقوات النظام تحصل على الأسلحة من إيران وروسيا، بينما المعارضة المعتدلة غالباً ما تفتقر للسلاح والذخيرة. كما أن النظام يستطيع قصف المدنيين السوريين بدون خوف من الحساب، فيما تجاوز عدد القتلى 70 ألف سوري حتى الآن. وقال فيس في هذا الصدد: «إن حظر السلاح أخذ يفرز نتائج عكسية الآن»، مضيفاً أن «ميدان اللعب غير متساو، فالمعارضة تقاتل وأيديها مقيدة وراء ظهورها». «ولهذا السبب ستطلب بريطانيا وفرنسا إنهاء الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي عندما ينتهي أجله في نهاية شهر مايو». وإذا فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على إنهاء الحظر، فإن فرنسا قد تقوم بإرسال أسلحة إلى الثوار مع ذلك.

المسؤولون الأميركيون يقولون، وعن حق، إن الأزمة السورية لا يمكن حلها إلا عبر تسوية سياسية، وليس بواسطة حل عسكري. لذلك، فإن واشنطن مازالت تأمل في أن تضغط موسكو على النظام حتى يتفاوض، ومازالت تدعم جهود الأمم المتحدة لرعاية المفاوضات.

والواقع أن فرنسا وبريطانيا تسعيان أيضاً وراء حل متفاوض بشأنه. لكن المفاوضات، يقول فيس، «لن يلجأ إليها الأسد إلا عندما لا يكون لديه خيار آخر. فالعملية السياسية… تراوح مكانها، لأن الوضع على الأرض غير موات». وهو محق في ذلك؛ فالمأزق العسكري الحالي يدفع الرئيس السوري إلى الاعتقاد بأنه يستطيع الصمود ومواصلة القتال. وخلال زيارة قام بها إلى موسكو مؤخراً، حاول أولاند سدى إقناع الرئيس الروسي بتسهيل المحادثات بين زعماء المعارضة والمسؤولين الأقل تلوثاً في الحكومة السورية. لكن عدم اهتمام بوتن أقنع الفرنسيين بأن روسيا لن تلعب دوراً إيجابياً.

وتعتقد فرنسا أنه إذا قام الحلفاء بتزويد قادة المعارضة الذين خضعوا للتدقيق بأسلحة أرض -جو، المعروفة بـ«مانبادز»، فإن ذلك يمكن أن يكسر حالة الجمود الحالية. وقال فيس في هذا السياق: «إن أحد أكبر عوامل تفوق النظام هو السيطرة الجوية»، مضيفاً: «لكن عندما يتم إسقاط طائرة أو طائرتين، قد تتغير الظروف».

وهو ما يحيلنا إلى التخوف الرئيسي الثاني لإدارة أوباما: إمكانية أن ينتهي الأمر بأسلحة متطورة بين أيدي إسلاميين متشددين. و«هذا ما حدث منذ بعض الوقت في الواقع»، كما قال رئيس الوزراء البريطاني خلال مؤتمر صحفي في بروكسل الأسبوع الماضي. ونظراً لحصولهم على معظم المال وأفضل الأسلحة، فإن الإسلاميين هم الأقدر على الاستيلاء على مثل هذه الأسلحة من الجيش السوري، أو شرائها من السوق السوداء.

غير أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أمضت عاماً في التدقيق مع قادة المعارضة غير الإسلاميين وتعتقد أنها تعرف لمن يمكن تقديم مثل هذه الأسلحة. وبالتالي، فلماذا لا تقوم بتزويد قادة المعارضة الذين تم التدقيق معهم بأسلحة «مانبادز» بدلا من انتظار حصول إسلاميين متشددين عليها؟

ثم أليس من المنطقي أكثر السماح للمعارضة بفرض منطقة حظر طيران باستعمال أسلحة «مانبادز» بدلا من استعمال قاذفات أو قوات أميركية «كما يدعو إلى ذلك بعض السيناتورات الأميركيين حالياً»؟

وخلال منتدى بروكسل، تساءلت لويز آربر، رئيسة منظمة الأزمات الدولية، حول ما إن كان الفرنسيون مستعدين لإمكانية عدم استسلام الأسد رغم تسليح المعارضة. فماذا عساهم يفعلون في تلك الحالة؟

والواقع أن السؤال في محله، لكن السؤال الأهم هو: ماذا ستفعل واشنطن في حال أدى عدم تحركها إلى قيام دولة سورية فاشلة يخترقها جهاديون يضعون أياديهم على أسلحة الأسد؟ الواقع أن فرنسا وبريطانيا مستعدتان للمجازفة والسعي لتجنب هذا السيناريو. غير أنهما لا تستطيعان إقناع الأسد (أو موسكو) بأن أيامه معدودة إلا إذا ساعدتهما الولايات المتحدة على تغيير ميزان القوى على الأرض.

ترودي روبن

محللة سياسية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى