صفحات العالم

صناعة الحرب الأهلية

عبد الوهاب بدرخان
لا تصح المقارنات دائماً، لكن خبرة اللبنانيين تجعلهم يحدسون بأن تفجيرات دمشق وحلب، وخصوصاً اشتباكات المزّة، تدفع بسوريا الى النفق الطويل الذي مرّ به لبنان، ولعله لا يزال يقف عند فتحة الضوء لأن البعض المرتبط بأجندات خارجية سوداء قد يرى مصلحة له في اعادة البلد الى النفق.
انتقال المواجهات الى قلب دمشق يشكل منعطفاً مهماً وخطيراً في الأزمة السورية. فهي ليست مدينة أخرى يمكن النظام ان يدمرها من دون ان يرف له جفن، انها العاصمة، انها مقره ويفترض أنها معقله، واذا لم تعد آمنة لقواته فقد يضطر الى البحث عن ملاذات أخرى لقيادته وأجهزته. وما حدث يوم الاثنين إنذار أولي للنظام بأن العسكريين الذين انضموا الى المعارضة يتعلمون بسرعة من تجاربهم، بل انهم يقومون بهذه التحديات حتى قبل أن يتعزز تسليحهم. فكما ان النظام ترصدهم في حماه وحمص والرستن وأدلب، كذلك هم رصدوا ثغراته ونقاط ضعفه. باتت معركة وجود للطرفين.
في الأيام الأخيرة صارت الانشقاقات العسكرية أكثر عدداً. قد يقال إن هذا النزيف لا يؤثر في فاعلية قوات النظام، لكنه مستمر، وينعكس على معنويات الآخرين، ثم أنه أوجد حالاً قتالية باتت مزعجة في مناوئتها للنظام.
وفي الفترة المقبلة ستدخل حلب الانتفاضة بشكل قوي ومفتوح، اذ ان الطرفين عمدا خلال الشهور الماضية الى تسليح الناس. فالنظام الذي اطمأن الى عدم مشاركة المدينتين الكبريين في الانتفاضة لم يفطن الى الغليان الشعبي فيهما، أو الى تدهور الاوضاع المعيشية بعد اضطرار الكثير من المؤسسات للتوقف عن العمل وهجرة اعداد كبيرة من أصحاب الأعمال. وما كان النظام والمعارضة ينفيانه من احتمالات نشوب حرب أهلية سيفرض نفسه، للأسف، في دمشق وحلب وسواهما.
عندما بدأ من الجامعة العربية تدخلها المتواضع في الأزمة، أواخر العام الماضي، قفزت الانتفاضة وكذلك قمع النظام لها من تصعيد الى تصعيد. ومع وصول المراقبين العرب أوائل هذه السنة بدأت مرحلة أخرى نوعية ثم انتهت سريعاً بوضع الأزمة في كنف مجلس الأمن، واستغل النظام الوقف الانتقالي بين المبادرة العربية والمبادرة الدولية محاولاً الحسم العسكري فارتكب مجازر في بابا عمرو وريف أدلب. ومع دخول مهمة كوفي أنان الحيّز العملي، خصوصاً لوقف النار، بدا متوقعاً ان يتأجج التصعيد لئلا يُفرض حل سياسي وفقاً لموازين القوى العسكرية، فهي حالياً لمصلحة النظام.
لا تبدو التحركات العسكرية الروسية مؤشراً للمساهمة في انهاء الأزمة، بل محاولة يائسة لدعم نظام تدرك موسكو انه غارق في اخطائه. لكنها تحركت لأن الفشل المتوقع حالياً لمهمة أنان سيدفع الوضع الى الخيارات الأسوأ، وإذا كان التقسيم أو التفتيت من بينها، فإن النظام هو من سيرتكب الشروع فيها إذ تتقلص طموحاته الى حماية شخوصه والعائلة والطائفة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى