صوتكِ أعلى من الحريّة
فواز قادري
صوتكِ أعلى
من تقافزغزلانها النافرة
أعلى من قرع صنوجها
ومن موج ندائها الجارح
صوتكِ أعلى بكوكبين
ونجمتين شهدتين وقمر
يهتف ماء الشعر باسمكِ
فتذوب الكلمات
وتنعجن في فمه:
فتولدين انتِ
يا قصيدة الصبيّة.
**
صوتكِ أعلى
بمنديل قلبي الأبيض وبالعافية
مسح الشهداء صوتكِ الذابل
باركتُ دمنا الراكض نحوكِ
وأصغيتُ:
هل اكتفيتِ يا أرض؟
يا أمّ أرحامنا
ويا راحة الأنفاس
هل اكتفيتِ؟
أيّ الزهور ستبدعين؟
بعد كلّ هذا المطر!
**
طفل ينظر إلى الغيوم
يرسم على الجدار مطراً أخضر
شموع تتمعن بالظلام
وتذرف شموساً صغيرة على العتمة
أغنية يصكّ على كلماتها القلب
حين تردد أسماء الشهداء
ليل طويل
يلفظ أشباحه الأخيرة
وطن جريح
يتعلّم درس العافية الأول
صرخة لا تتوقف
في حنجرة البلاد التي
صوتها أعلى من الحرية.
**
مطر ينقر نافذة البلاد المغلقة
ليمحوعن أفقها
تجاعيد القهر والخوف
عصفور يراسل سنبلة في عشّه
على بريد الزقزقة والغناء
**
أكتب ليلكة
فيسيل علي حبر أعمى
أكتب رغيفاً
تهبّ رائحة الطحين
أكتب رصاصة
وألوي عنقها بيدي
أكتب قطيع خراف
فيعشب بياض الصفحات
أكتب نبعاُ
تتراكض على أرضي الغزلان
أكتب نسيماً
فيرفرف شعر الأشجار
أكتب قصيدة الشهداء
لتكفكف دموعها بلادي
وتخلع جلافتها الأسوار.
**
طفل قلق في لحده الرطب
يضع يده على فمي
لكي لا أصرخ أكثر
مقدّراً حاجتي للغناء
أغنّي سماءكِ ذات الأرواح
مع الراقصين في الساحات
لتشلّ أيادي الموت وأقدامه
ولأذكّر أولادك
بأعياد كثيرة هاربة
وألعن أسلاف الألم
لن يمنعي قدر
من الغناء لكِ
فمهلاً علي مهلاً
يا أمّ أحلامي مهلاً
أنا فلاح روحكِ الخضراء
مقسّم الحب على القلوب
بين الحدائق والأمطار
بين الأنهار والضفاف
بين السنابل والتراب
بين الدم والطعنة
بين العجين ولهب التنور
بين الخبز وتضوّر الجائع
لكنّي فارغ اليدين
وأغنّي بحنجرة فصول مجروحة:
ما يأتي سيأتي بلا معجزة
وما ذهب ذهب بمعجزة!
على كلّ حال
على كلّ حال
تلوتُ عينيكِ الدامعتين
بما يكفي أجيالاً للبكاء
أحاول أن أرسم ثغركِ الآن
بطعم ابتسامة فرحانة
شاخ يأسي القديم
تعلّمتُ من أولادكِ
درساً جديداً عن الأمل
وكيف لا؟
وقلوبهم المدمّاة
تطبطب على أكتافي
وتحيي فيّ
ميّت الخلايا.
**
لدمعتي وجهان
وللبومة وجه واحد
وللحزن وجوه سأخلعها غداً
للحبّ جهات سالكة
وللكره أذرع أخطبوط هائج
تلتفّ حينما تلتفّ في الآخر
على عنق صاحبها
أبشّر بالحب
وأتلو مزاميره في الحارات
بكلّ لغة قادرة
على فهم شيفرة الإنسان
وفي اللحظة التي أقطر فيها حزناً
أنظر إلى أصغر نافذة تُفتح فيكِ
وإلى طير يحلّق للمرّة الأولى
فرحاً كأمّ عروس عانس.
شاعر من سورية يقيم في المانيا