صورة البكاء النفسية – هيتشكوك السوري/ ريبر يوسف
ثلاث صور تتخلل النظرة الواحدة؛ إذ تصوّب الكاميرا نفسها على عين أحدهم، الكاميرا مستقرة على عيني الممثل أو الشخص أمامها، بينما تتخلل النظرة تلك، الثابتة، ثلاث صور؛ الصورة الأولى لطفل، والثانية لامرأة شبه عارية، والثالثة لطبق من الطعام. هذه هي نظرية المخرج الإنجليزي (ألفريد هيتشكوك)، أو إحدى نظرياته واستخلاصاته التي أسس عبرها (العلم في السينما)، إذ لا يمكن دراسة التصوير والإخراج السينمائيَين دونما الانعطاف أو دراسة عِلم (هيتشكوك).
إذاً هنالك ثلاثة استنتاجات مختلفة إثرَ مشهد واحد، الكاميرا مصوّبة على عيني الممثل، في الصورة الأولى التي تقطع نظرة الممثل تُفضي إلى حالة التوق إلى إنجاب طفل. في الصورة الثانية، الرغبة الجنسية. أمّا في الصورة الثالثة، والتي تتداخل هي الأخرى، نظرة الممثل الثابتة والموحّدة في كافة المشهد، فتدلّ على حالة الجوع.
كان ممكناً أن يكون هذا المشهد – المتداخل من ثلاث صور مختلفة – طبيعياً ومنطقياً قبل ظهور نظريات (هيتشكوك) النفسية في السينما، إلا أنّه استخدم ذات النظرة للممثل، أي، بما معناه، لم تتغير حدّة النظرة عند الممثل طوال المشهد المتداخل من ثلاث صور.
ثمّة أحداث لا متناهية أدّت إلى نتائج عفوية خارج السياق المعرفي الذي اشتغلت عليه النظريات الفنية في عصرنا هذا، بطريقة أخرى مثلاً، يمكن استنهاض وتتبّع نظرية المخرج (هيتشكوك) عبر الثورة السورية، آنها سنصل إلى استنتاجين مختلفين، الأول هو (قراءة بصرية للصورة) والثاني هو (قراءة نفسية) ما لم يتطرق إليه (هيتشكوك) والذي أظهره وفعّله الموت السوري.
في الحديث عن القراءة البصرية وإسقاطها على الحالة السورية، نصل إلى شرح نظرية المخرج الإنجليزي في تعدد الاستنتاجات من خلال الصورة الواحدة الثابتة المكسوّة بصور متداخلة مختلفة.
مثلاً، فلننظر في صورتين مأخوذتين من ذات الزاوية بعناصر الإضاءة ذاتها وقياس الصورة نفسها لامرأة من مدينة الرقة، الصورة الأولى مهمّشة بعبارة (امرأة من مدينة الرقة عام 2007)، والصورة الثانية والتي هي لذات المرأة مهمّشة بعبارة (امرأة من مدينة الرقة عام 2017)، ثمة قراءتان مختلفتان لذات المرأة في الصورتين المتشابهتين بالمطلق، في الصورة الأولى سيذهب المتلقّي إلى حيث الوضع السوري قبل عام 2007، سيسعى المتلقي إلى استدراك ذاكرته بحالة مدينة الرقة قبل الثورة السورية. أما في الصورة الثانية، والتي هي لذات المرأة، سوف يذهب المتلقي صوب حالة الدمار والموت والقصف الذي يحصل في تلك المدينة، ترى، كيف لذات الصورة أن تنقل استنتاجين مختلفين في ذات اللحظة؟
الأمر مرتبط مباشرة بأيّ صورتين متشابهتين في سورية، لكن بتاريخين مختلفين، قبل الثورة وبعدها، ثمّة إذاً استنتاجان مختلفان يؤديان إلى خلاصة نظرية (هيتشكوك) على الطريقة السورية المعاصرة التي أضافت بطريقة ما استنتاجاً نفسياً أو القراءة النفسية – هذا ما لم يشر إليه (هيتشكوك) – خلال نظرياته المتعددة في السينما، الأمر يكمن في السمع، ثمة صوتان لذات المرأة – الصورة غائبة – بتاريخين مختلفين، الأول قبل الثورة والثاني بعدها، في المقطع الصوتي الأول والذي هو بتاريخ ما قبل الثورة تقول المرأة مثلاً: “أنا بخير لم أمت بعد”، أما خلال المقطع الصوتي الثاني والذي هو لذات المرأة مؤرخ بما بعد الثورة إذ تقول: “أنا بخير لم أمت بعد” آنها ستحلّ الحالة السمعية محل البصرية المفضية إلى القتل والحرب والدمار العام الذي تشهده سورية التي أوجدت نظريات لا متناهية في الفن عبرَ الموت.
ضفة ثالثة