صفحات المستقبل

صور الحرية ورسائلها.. من المدونين العرب/ روجيه عوطة

من الممكن إختصار حال التدوين في عالم اللغة العربية بصورةٍ، رُفعت على موقع “ملتقى المدونين العرب”. في هذه الصورة، يظهر كل من المدونين: باسل الصفدي، الذي لا يزال معتقلاً في إحدى زنزانات النظام السوري منذ آذار  2012، وعلاء عبد الفتاح، الذي اعتقلته السلطة المصرية في تشرين الثاني 2013.  فالأنظمة في الشرق الأوسط، تدرك أن الحراك الإلكتروني يهددها، ويشكل خطراً على سيرها القمعي، لا سيما بعد اندلاع الثورات في وجهها، ما دفعها إلى تشديد احتكارها المعرفي، فضلاً عن استهداف الناشطين في الشبكة العنكبوتية، والذين وجدوا أنفسهم أمام واقع افتراضي جديد، تُسجل فيه إنتصارات لهم، وأخرى عليهم، من دون أن يتقاعسوا في معارك الحقوق والحريات.

غير أن صورة الصفدي-عبد الفتاح، سرعان ما تكاثرت، وأنتجت صور أخرى، التقطها عامر سويدان، للمدونين، ونُشرت على موقع مؤسسة “حبر”، تحت عنوان “رسالة من ملتقى المدونين العرب”. إذ عمد كل من المشاركين في الملتقى الذي عقد في عمان، الأسبوع الماضي، إلى رفع لافتة ورقية أمام عدسة الكاميرا، بعد أن يكتب عليها عبارة عامة أو خاصة. فرفع أحد المدونين عبارة “ويستمر النضال”، وكتبت إحدى المشاركات على لافتتها: “الحرية لرزان زيتونة وجميع الناشطين المختطفين في سوريا”، كما رفع آخر عبارة “طُز”. ومن الشعارات، التي رفعها المدونون والناشطون الإلكترونيون:”المعلومات حق للجميع”، بالإضافة إلى “الثورة شخصية”، و”يسقط حكم العسكر”، و”لا للعنصرية”، إلخ.

لقد عبّرت هذه اللافتات عن مساعي المشاركين، الذين قبل أن يلتقوا على مدى ثلاثة أيام في عمان، كانوا قد اجتمعوا على مجابهة الأنظمة العربية إنترنتياً، بغاية تحرير المعلومات من القيود الإحتكارية، ومن ثم إيصالها للجميع. فعند بلوغ هذه الغاية، تتحقق رغبة كل من باسل الصفدي وعلاء عبدالفتاح، وغيرهم من المعتقلين، الذين صمموا على مقاومة السلطات، وإسقاطها بالتحرر منها.

على هذا الأساس، انعقد الملتقى الذي شاركت شبكة “الأصوات العالمية”، إضافة إلى “هنرش بول” في تنسيقه، للتحاور حول تحديات التدوين العربي، وكيفيات تذليلها، وقد ضم الملتقى مدونين وناشطين رقميين، من بلدان مختلفة، مثل لينا عطا الله (مصر)، وهشام المرآة (المغرب)، وأسماء الغول (فلسطين)، ومورجان ماركيز-بوار (نيوزلندا)، وأحمد عسيري (اليمن)… وغيرهم من المدونين، الذين يستمد الملتقى أهميته من “التشبيك بينهم وبين المنظمات النشيطة إلكترونياً، ومن دعم الأصدقاء المعتقلين داخل سجون الأنظمة”، حسبما قال الناشط الإلكتروني محمد نجم، وهو أحد منظمي النشاط، للـ”المدن”.

وكان الملتقى قد حدد رسالته بثلاث نقاط متشابكة، وهادفة إلى إعانة المدونين في حراكهم. إذ يسعى ، أولاً، إلى استعراض المشاريع المجتمعية، التي تؤدي إلى تفعيل المشاركة المدنية على الإنترنت، وثانياً، إلى تأسيس وحدة معرفية، تتيح التعاون والتعاضد بين المدونين، للبحث في السياسات الإنترنتية، لا سيما الأمن الرقمي، وثالثاً، إلى تنشيط المناقشة بين المختلفين سياسياً، لكنهم، وفي الوقت نفسه، يجتمعون على همّ رئيسي، أي الدفاع عن الحق في معلومة حرة، لا تعتقلها سلطة، أو ينفيها نظام. من هنا، يشدد هشام المرآة، وهو مدير المناصرة في منظمة “أصوات عالمية”، وواحد من المشاركين في الملتقى، للـ”المدن”، على “أن أهمية الأخير تكمن في جمعه المدونين، المختلفين في الرأي والموقف السياسيين، حول محاور ومواضيع تخصهم، ما أدى إلى تنشيط الإبتكار والبناء والإختلاف، وانتشال المشاركين من جو الإحباط السياسي، السائد بينهم”.

 لا يعيِّن الملتقى نقاطه الثلاث بسوى الإنطلاق من إشكالية طارئة على التدوين العربي اليوم، وهي الخشية من ثورة رقمية مضادة، يبدو أن الأنظمة العربية تعتمدها لمحاصرة إمكانية أي حراك إلكتروني، وذاك، بمساعدة بعض الشركات غير الحكومية، أو الخاصة، التي ستعين السلطات على تطوير استراتيجياتها الرقابية. هذا، بالتوازي مع ركون الأنظمة إلى قوانين تعسفية، تحدّ من حرية الرأي والتعبير الإنترنتية، أو بالأحرى تمنعها، معرضة ً مواطني الشبكة العنكبوتية إلى خطر السجن.

من هذه الناحية، جاء في إعلان الملتقى، أن الحاجة، في هذه الأيام العربية، إلى اجتماع تدويني، ملِّحة، وتحقيقها أكثر من ضروري، خصوصاً أن المؤتمرات السابقة، كانت بالكاد تحاكي الواقع الإلكتروني المحلي، وغالباً ما تتبع عناوين غير متعلقة به. فلا بد من مراجعة نقدية للنشاط التدويني قبل ثورات العالم العربي وبعدها، والتي كان للمدونين والناشطين أدوار مهمة فيها، أكان على مستوى الإعلام، أو على صعيد مواجهة العنف الإفتراضي، الذي تمارسه السلطات عبر المراقبة والحجب.

 بالتالي، لم تبتعد الإستفهامات، التي تتضمنها جدول أعمال الملتقى، عن هذه المراجعة، بحيث أن المشاركين ناقشوا دور المدوّنين العرب، وكيفية انتقالهم من مراقبين إلى أطراف فاعلة، كما أنهم أثاروا موضوع النشاط الرقمي، وتأثير التغيرات الثورية عليه، بالإضافة إلى حوكمة الإنترنت، إن كان العالم العربي في حاجة إليه أم لا. وفي الجهة عينها، كان النقاش اللقائي، قد قسم إلى أربع محاور أساسية: السياسات والقوانين التي تسن للإنترنت في العالم العربي، الأمن الرقمي، القصة الرقمية، و تصميم البيانات (infographics).  كما طرح الملتقى سؤالاً عن الفن، المولود على إثر الثورات، وعن العوائق التي تمنعه، أو تشلّه.

ذاك، أنه استعان بالعالم الإفتراضي كي ينتشر، مخترقاً القيود الرسمية، التي كبلته، أو عرقلت سُبله الإبداعية، لأنه يشذ عن قواعدها، أو يخالف قوانينها. مع العلم، أن التدوين شكل من أشكال الفن أيضاً، لا سيما حين يعبّر عن الممنوع، ويتخطى الخوف من المجهول، بالكتابة المغايرة على أنواعها، فبالنسبة إليه، كما جاء في لافتة إحدى المدوِّنات: “لا صوت يعلو فوق صوت الحرية”، أكان في الواقع أو في الإفتراض!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى