صيغة غربية لإنهاء حكم الأسد/ عبد الكريم أبو النصر
“الحشد العسكري الروسي الكبير في سوريا لم يمنح القيادة الروسية القدرة على فرض شروطها ومطالبها على أميركا والدول الغربية والاقليمية المؤثرة، ولم يدفع هذه الدول الى تغيير مواقفها الاساسية والجوهرية من طريقة تسوية الصراع السوري، ولم يجعلها تتخلى عن التمسك بضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد والمرتبطين به عن السلطة من أجل القضاء على “داعش” ووقف الحرب وانجاز حل سياسي شامل للأزمة. والتصريحات الاميركية والفرنسية والبريطانية والالمانية الاخيرة تعكس في وقت واحد الاصرار على ضرورة انهاء حكم الأسد وبعض المرونة الشكلية من أجل تحقيق هذا الهدف والتي أخطأ كثيرون في تفسيرها”. هذا ما اطلعنا عليه مسؤول أوروبي معني بالملف السوري في باريس ومشارك في الاتصالات والمشاورات في شأن هذه القضية، وركز على مسألة مهمة تتعلق باقتراح بقاء الأسد موقتاً خلال المرحلة الانتقالية فقال: “ان اميركا والدول الغربية الحليفة لها أبلغت القيادة الروسية وجهات دولية واقليمية ذات صلة بالأزمة انها تضع أربعة شروط للموافقة على بقاء الأسد فترة موقتة ومحدودة ومتفقاً عليها في المرحلة الانتقالية التي تمهد لانتقال السلطة الى نظام جديد، وهذه الشروط هي الآتية:
أولاً: يجب أن يقبل الأسد رسمياً بنقل السلطة الى نظام جديد وأن يلتزم دعم عملية الانتقال هذه من أجل قيام نظام جديد يرتكز على التعاون بين ممثلين لنظامه وممثلين للمعارضة المعتدلة استناداً الى بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012. ويدعو هذا البيان خصوصاً الى تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للنظام وللمعارضة تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الأجهزة العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة. وقد رفض الأسد حتى الآن تطبيق بيان جنيف وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي.
ثانياً: يجب أن يتخلى الأسد عن صلاحياته التنفيذية وينقلها الى هيئة الحكم التي ستتولى السلطة موقتاً وتعمل على قيام النظام الجديد من طريق صوغ دستور جديد واجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعددية في اشراف الأمم المتحدة.
ثالثاً: يجب أن يمتنع الأسد عن عرقلة عملية انتقال السلطة ويدعم مهمة هيئة الحكم ويدعو انصاره الى مساندة هذه الهيئة من أجل الانتقال الى مرحلة السلام والبناء وضمان الاستقرار.
رابعاً: يجب أن يقبل الأسد بالبقاء في منصبه من غير صلاحيات تنفيذية سياسية أو عسكرية أو أمنية فترة زمنية محددة وقصيرة متفقاً عليها في المفاوضات التي ستجري في رعاية الأمم المتحدة وفي ظل الدعم الدولي والاقليمي لها.
وأوضح المسؤول الأوروبي ان هذه الشروط “ليست هدية للأسد” بل تظهر ان الدول الغربية المدعومة عربياً واقليمياً على نطاق واسع تركز على ضرورة رحيل الأسد وتبحث عن أفضل الوسائل لتحقيق هذا الهدف. وأعطى المسؤول مثلاً آخر يتعلق بالتفسير الخاطئ للمرونة الشكلية الغربية في التعامل مع عقدة الأسد، إذ قال كثيرون من المراقبين والمحللين ان الدول الغربية تخلت عن شرط رحيل الرئيس السوري سلفاً عن السلطة وقبل بدء المفاوضات، وان ذلك يعكس تنازلاً غربياً للقيادة الروسية. هذا الكلام يتناقض مع الوقائع والحقائق. فقد تفاوضت المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، مع ممثلي النظام في مؤتمر جنيف – 2 طوال أكثر من اسبوعين مطلع 2014 وفي رعاية المبعوث الأممي الأخضر الابرهيمي وبدعم كامل من كل الدول الغربية والاقليمية باستثناء ايران، من أجل تطبيق بيان جنيف ومحاولة تشكيل هيئة حكم انتقالي. حصل ذلك من غير أن تطالب المعارضة والدول الداعمة برحيل الأسد سلفاً عن السلطة. وفشلت هذه المفاوضات، كما هو معلن ومعروف، لأن وفد النظام رفض مناقشة قضية تشكيل هيئة الحكم ونقل السلطة واصر على ضرورة تركيز النقاش على محاربة الارهاب والقضاء على “الارهابيين” أي على جميع الثوار والمعارضين قبل التطرق الى أي موضوع سياسي.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “نشهد في المفاوضات مرونة غربية شكلية من أجل تسهيل انطلاق عملية تفاوض جديدة، لكن الهدف الغربي الأساسي المدعوم عربياً واقليمياً على نطاق واسع لم يتغير، وهو ضرورة انهاء حكم الأسد، ولو بقي الرئيس السوري موقتاً ولبضعة أشهر في منصبه ومارس دوراً رمزياً أو بروتوكولياً ضمن الشروط المحددة. وهذا هدف كبير لن يتحقق بسرعة أو بسهولة. لكن القيادة الروسية عاجزة في المقابل ولو بالتعاون مع ايران، عن انجاز ما تريده في سوريا على رغم كل ما تقوله وتفعله. والاولوية هي في وقت واحد لمحاربة “داعش” وللعمل الجدي سياسياً أو عسكرياً على انهاء حكم الأسد”.
النهار