صفحات الناس

طريق الحرب الوعرة من تركيا إلى ريف إدلب/ هديل عرجه

 

ريف أدلب (سورية)

رحلة العبور إلى المجهول… بهذه العبارة يمكن أن تلخص رحلة العبور إلى سورية هذه الأيام، فالحرب السورية دخلت عامها الرابع، لتدخل معها سورية في دوامة كبيرة من العنف والضياع. مدن وبلدات دمرت، ملايين البشر هجرت، والغلبة على الأرض للأقوى.

بضع دلائل يمكن أن تشير الى أنك في منطقة تحت سيطرة المعارضه السورية في ريف إدلب، أعلام الثورة بالإضافة إلى أعلام الفصائل التي تقاتل النظام السوري على الأرض، سيارات حديثة كالفيراري تسير في مناطق شبه نائية ومدمرة، سيارات لا تحمل أي رقم أو دليل على الدولة التي تعود لها، صهاريج نقل النفط والمصافي البدائية على أطراف الطرق، بسطات بيع المحروقات المكررة… هي بضعة أشياء إن واجهتك خلال رحلتك فاعلم أنك في الجزء المحرر من سورية.

رحلتك تبدأ بمجرد أن تقترب من الحدود، وبمجرد أن تطأ قدمك أرض المنطقة الحدودية حتى يتهافت عليك العشرات من الشبان والأطفال الذين يعملون في مجال التهريب على الحدود ونقل البضائع بين الطرفين السوري والتركي.

هنا الأمر لا يخلو من لمحة لمافيا تسيطر على هذه المنطقة، فرغم الوجود المكثف للجيش والشرطة التركية إلا أن هؤلاء الصبيه لن يتورعوا عن سلبك أي أمر تسهى عنه بدءاً من جهاز الخليوي الخاص بك إلى جواز السفر وحتى الحقائب التي تحملها، ليقوموا في ما بعد ببيعك إياها بالدولار ووفق أهمية القطعة المسلوبة بالنسبة لك والتي قد يتجاوز سعرها في بعض الأحيان الألف دولار.

مشاهد كثيرة تختلط عليك ويصعب على العابر تذكر تفاصيلها كاملة ولكن أهم اللقطات التي تبقى عالقة في ذهنك، هي طابور من السوريين يحملون جوازات سفرهم بانتظار أن يحصلوا على ختم الدخول إلى سورية أو بالعكس إلى تركيا، بينما تحمل وجوههم الكثير من القصص التي تبوح بهموم تجاوز عمرها الأربعه أعوام.

هنا يمكن أن تلاحظ ضخامة عدد الأشخاص الذين يتم رفض جوازات سفرهم كونها مزورة أو لمجرد الشك بها، حيث كثرت في الآونة الأخيرة عمليات التزوير لجوازات السفر السورية وغيرها من الوثائق التي تثبت الهويه الشخصية.

حواجز المسلحين

الطريق إلى قرى ريف ادلب بات يمر عبر العشرات من الحواجز التي تختلف راياتها تبعاً للفصيل الذي يسيطر عليها، كما تختلف المعاملة أيضاً من حاجز إلى آخر، فهناك من يسمح لك بالعبور دون الاكتراث إلى البطاقة الشخصية أو غيرها من الأمور فالمهم لديه هو السيارات التي تثير الريبة والشك، بينما تقف على الحاجز الذي يليه والذي يمكن له أن يتدخل حتى بأدق تفاصيل حياتك الشخصية، وكثيراً ما تقع المشاكل بسبب تدخل هذه الحواجز بما ترتديه السيدات من ثياب.

قد تختلف عليك الطرقات والمناطق فالحرب حولت الكثير من الأرياف إلى مناطق شبه مهجورة بينما دمرت الكثير من القرى والمدن على امتداد الأرض السورية، فالطريق من الحدود إلى الريف الإدلبي يمر عبر الكثير من الدمار، كما ستلحظ أن الطرقات اختلفت وبات الكثير منها يمر عبر الأراضي الزراعية لتجاوز منطقة اشتباك مع الجيش السوري النظامي.

من هجر منزله بسبب القصف أو الدمار بات يسكن اليوم في خيمة على الحدود أو داخل خيمة أو غرفة بناها على أرض زراعية في منطقة آمنة وهو ما يمكن أن تعزى له الحركة العمرانية الكبيرة التي تشهدها المنطقة بشكل عام.

من يعيش خارج الأرض السورية ويزورها بعد ما يشاهده من أخبار على القنوات الفضائية، يظن للوهلة الأولى أنه سيزور أرضاً من الدمار والموت، غير أن الواقع على الأرض يحكي العكس تماماً، فالمناطق المحررة بات يشهد الكثير منها حركة عمرانية وتجارية كبيرة، فمنطقة سرمدا القريبة من الحدود السورية التركية باتت على سبيل المثال أكبر سوق للسيارات الأوروبية الحديثة والمستعملة، حيث يمكن أن تشاهد كل أنواع السيارات فيها بدءاً من الفيراري وانتهاء بالسيارات التي يتم استخدامها للمعارك، وباتت شوارع ريف إدلب معرضاً متحركاً لأحدث أنواع السيارات حيث تطغى السيارات الأوروبية الحديثة على الشوارع وسط تناقض كبير بين طبيعة المنطقة الريفية وبين السيارات الحديثة، وسط غياب شبه تام لأرقام السيارات أو أي شيء يمكن أن يثبت ملكيتها.

الحركة العمرانية لها قصتها هي الأخرى بخاصة بعد ازدهارها نتيجة لدمار الكثير من القرى التي هجرها اهلها إلى الأراضي الزراعية في المناطق الآمنة.

مهن وأعمال الحرب

الأعمال في الحرب تختلف عن الأعمال قبلها، فالحرب خلقت أعمالاً جديدة تتناسب واحتياجاتها، فمن تجار الأسلحة إلى تجار الآثار إلى مصافي النفط المحلية الصنع التي باتت تغزو أطراف الشوارع وبات دخانها الأسود يترافق مع المناطق التي تسيطر عليها المعارضه.

تجارة الأسلحة باتت أمراً عادياً جداً فيمكنك شراء السلاح بدءاً من رصاصة وانتهاء بدبابة، ليظهر أثرياء الحرب من تجار السلاح بأموال تتجاوز مئات الملايين، ومثلهم تجار الآثار الذين يبنون ثروتهم على أكتاف منقبي الآثار من الفلاحين البسطاء الذين يجوبون أراضيهم بأجهزة بسيطة بحثاً عن حلم بالثراء لا يدر عليهم سوى بضعة قروش تعود على التجار الكبار بالملايين.

النفط له حصته من هذه الأرض، فعلى رغم المسافات التي تفصل عن آبار النفط إلا أن كل وسيلة نقل باتت قادرة على نقل النفط من الآبار في الشرق السوري كدير الزور إلى مختلف المناطق المحررة، فالحافلة تحولت إلى صهريج ينقل النفط لتتم تصفيته ويباع على أطراف الشوارع مثله مثل مياه الشرب.

الزراعة وهي المهنة الأساسية لغالبية سكان الريف السوري باتت بخطر، هو لسان حال معظم من يعمل فيها في الريف الإدلبي، وجوه فلاحيه باتت جافة كجفاف أرض باتت لا تنتج ما يعوض على من يحرثها ثمن تعبه وخسارته من البذار والسماد والري الذي بات مشكلة كبيرة في ظل تناقص حاد في الأمطار.

للطفولة مع الثورة حكاية أخرى… يمكن القول هنا إن جيلا بأكمله مهدد بالضياع، فبين مشرد ولاجئ ومقاتل في صفوف المعارضة السورية، قسم كبير من أطفال سورية باتوا بعيدين من المعنى الحقيقي للطفولة وبعيدين كل البعد من مقاعد الدراسة، التقيت ببعض الأطفال بمخيم للنازحين، حيث لجأوا إليه من قريتهم القريبة من معسكر وادي الضيف المحاصر بريف ادلب، معظمهم لم يدخل المدرسة أو يمسك الكتاب منذ أكثر من عامين، بعضهم اتجه للقتال إلى جانب الجيش الحر وبعضهم الآخر بات يعمل لجني لقمة العيش التي باتت صعبة في بلد يقاسي الحرب منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى