“طفولة في ظلّ الحرب”:العنف صار في قلوب الأطفال السوريين/ يارا نحلة
العنف هو إحدى سمات الحرب واللجوء الأساسية، والأطفال هم الأشد حساسية تجاهه. وقد عانى الأطفال السوريون، وما يزالون، من مآسي الحرب واللجوء ما يضع صحتهم العقلية والنفسية في وضعٍ حرج، ويطرح “إحتمال نشوء وضع كارثي نتيجة مضاعفات الصحة العقلية المستقبلية لجيل بأكمله”، بحسب إيان رودجرز، المدير القطري لمنظمة”Save the Children” في لبنان.
وكان التعافي النفسي للأطفال الهاربين من الأزمة السورية موضوع تقرير لمنظمة “Save the Children” بعنوان “طفولة في ظل الحرب”، والذي يُقدِّم لمحة عن الضغوط اليومية التي يعيشها لاجئون سوريون في لبنان والأردن وإقليم كردستان العراق، بالإضافة إلى الأطفال العراقيين المشردين داخل بلادهم.
إلا أن ما يضاعف من خطر الأزمات النفسية الناتجة عن ظروف الحرب، قلة الأموال اللازمة لحماية الأطفال، والزيادة المتصاعدة في أعداد اللاجئين، والضغوط الشديدة على موارد الدول المُضيفة، بحسب تقرير المنظمة الذي يكشف عن توفّر “نسبة 26% فقط من الأموال المطلوبة لحماية الأطفال استجابة للأزمة السورية حتى شهر تشرين الأول 2015”. ففي لبنان وحده، نحو مئتي ألف طفل لاجئ يبقون من دون تعليم، وهذا بالإضافة إلى “معايشة توتر وقلق شديدين داخل البيت، والانفصال عن الأصدقاء والأقارب، والتمييز اليومي ضدهم، وعملهم لكسب الرزق، وإجبارهم على الزواج المبكّر، والعيش في مناطق فقيرة وغير آمنة من المدن أو البلدات، وجميعها لها آثار خطيرة وعميقة على صحتهم العقلية والنفسية”.
“طفولة في ظلّ الحرب” هو نتاج بحث إقليمي أجرته المنظمة سجلت فيه شهادات ما يفوق 150 طفلاً، 100 من بينهم سوريون يقيمون في لبنان. ويشير التقرير إلى أن 51% من اللاجئين هم تحت سنّ الـ18، وشهدوا بمعظمهم القتال بأعينهم، كما فقد الكثير منهم أحد الوالدين. هذا بالإضافة إلى أن الحرب لحقت ببعضهم إلى المناطق المضيفة، كما في طرابلس التي شهدت صراعاً وخلافات مع تدفق اللاجئين إليها.
المسببات الأخرى التي قد تؤدي إلى عدم إستقرار صحة الأطفال النفسية هي التشرّد، الفقر، الزواج المبكر والتوترات بين اللاجئين والمجتمعات المُضيفة. ويشير التقرير إلى أن مصدر القلق الرئيسي عند الأطفال اللاجئين وأولياء أمورهم يتمحور حول “حالتهم الإقتصادية الهشة”. فالأطفال في طرابلس، حتى الصغار جداً بينهم، “عبّروا عن إحباطهم لعدم إمتلاكهم ما يمتلكه الأطفال اللبنانيون، ما يزيد شعورهم بإختلافهم”.
تساهم هذه الظروف الإقتصادية الصعبة في ظهور أزمات أخرى على صعيد الأسرة، كالعنف ضدّ أفراد العائلة، وتطوير أساليب تكيّف كالإفراط في تناول الكحول، كما تتسبّب، بشكل أساسي، في انتاج ظاهرة الزواج المبكر. فوفق ما جاء في التقرير فإن “سوء الأوضاع الاقتصادية الذي تعاني منه بعض العائلات يدفعها إلى تزويج بناتها الأصغر سناً لشعورها بأن لم يعد بوسعها توفير المعيشة لهن”. كما أن تنامي ظاهرة التحرّش الجنسي تدفع بالآباء، بشكل خاص، إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة بحجة “حمايتهن من التحرش الجنسي من الرجال في المخيمات أو الأحياء التي يعيشون فيها”.
التوتر والصراع بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة هي إحدى أبرز المشكلات الناتجة عن اللجوء، ويتعرّض على إثرها اللاجئون لأشكال مختلفة من العنف. وقد أظهر البحث الميداني، عن نمط متكرّر في حديث الصبيان اللاجئين وهو مرتبط بقلقهم إزاء عنف الأطفال الآخرين تجاههم. فـ”الضرب، لجهة التعرض له أو ممارسته، هو موضوع الإهتمام الرئيسي عند الصبيان، وبعض الفتيات، في طرابلس على وجه الخصوص”. كما تحدّث معظم الأطفال، بحسب التقرير، عن سوء معاملة الأساتذة لهم. لهذه الأسباب، عمدت المنظمة إلى “توفير برامج الدعم النفسي للمجتمع المحلي حيث تقتضي الحاجة”.
ويلفت التقرير إلى أن هذه الظروف تدفع اللاجئين في عمر المراهقة إلى إتخاذ خيار الهجرة. وقد تحدّثت أم مقيمة في طرابلس عن رغبة إبنها البالغ من العمر 14 سنة بـ”الحصول على جواز سفر مزوّر للسفر إلى تركيا، ومن ثمّ إلى أوروبا، لأن الحياة هنا أصبحت لا تُحتمل مع كلّ هذه المصاريف”. كما عبّرت كثير من الفتيات عن إشتياقهن لأشقائهن الذين هاجروا، فقالت إحداهن “أشعر بالحزن تجاه أسرتي، وهم لا يريدونني أن أحزن على شقيقي الذي غادر، لكن جلّ ما أريده هو أن أعيش بسعادة مع عائلتي”.
بالإضافة إلى كلّ هذا العنف المعاش بشكل مباشر، تشكو كثير من الأمهات السوريات في طرابلس من معدلات العنف المرتفعة في البرامج التلفزيونية، والتي لم يكن أطفالهن يتعرضن لها في سوريا، ويرجعن إليها بعض سلوكيات أطفالهن العدوانية.
هكذا، توّثر كل هذه الجوانب على صحة الأطفال العقلية، وتؤكّد المنظمة على ضرورة تأمين “الرفاه النفسي للأطفال من خلال تدخلات على مستويات متعددة، ووجود برامج لمعالجة الضغوط النفسية لدى الأطفال وتنمية قدرتهم على الصمود والتحمل”. فالعنف أصبح جزءاً أساسياً من حياة الأطفال السوريين، وبحسب إحدى العاملات في مجال حماية الأطفال فإن “الأطفال يتكلمون عن العنف طوال الوقت. المشكلة لن تُحلّ في ستة أشهر، فالعنف صار في قلوب الأطفال”.
المدن