طموحات إيران.. لماذا ترغب طهران في الحصول على قواعد بحرية في سوريا واليمن؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت إيران إعلانًا غير معتاد، حيث صرّحت أنّها تخطط لبناء قواعد بحرية في سوريا واليمن، والتي «قد تكون أكثر فاعلية بـ 10 مرات من القوّة النووية». وعلى الرغم من أنّ إيران سعت طويلًا لترسيخ نفسها كدولة إقليمية رائدة، وكانت المواقع البحرية أداة رئيسية لتحقيق ذلك الهدف، كانت هذه هي المرّة الأولى التي تعلن فيها طهران رسميًا عن نواياها لبناء مثل تلك القواعد خارج حدودها.
ويمثّل وجود قواعد في اليمن وسوريا أهمية خاصة لدى إيران. فاليمن تقع على طريق الشحن الاستراتيجي لمضيق باب المندب، وهي أحد من أكثر الممرات المائية في العالم كثافة مرورية. وسيعطي التواجد البحري هناك وصولًا غير مقيد لطهران بالبحر الأحمر وسيضعها في موقع أكثر تهديدًا لمنافسها الإقليمي، السعودية. وبوجود قاعدة لها في اليمن، ستتمكن إيران أيضًا من تقديم الدعم للحوثيين بشكل أفضل، وهم واحد من وكلائها في المنطقة، والذي استولى على صنعاء في سبتمبر/ أيلول عام 2014. ومنع الحصار الذي تقوده السعودية على اليمن إيران من الوصول لسواحل اليمن. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، اضطرت سفن إيرانية تحمل دعمًا للحوثيين إلى العودة بعد أن اعترضتها سفن حربية أمريكية، وهي خامس شحنة أسلحة إيرانية للحوثيين تمنعها الولايات المتّحدة خلال عام ونصف. وقد أجبر ذلك إيران على تغيير مسار التهريب ليكون من خلال عمان. وبوجود قاعدة لإيران في اليمن، فإنها تستطيع حل هذه المشكلة إلى حدٍ ما.
أهمية كبيرة
وقد أبرزت الاشتباكات الأخيرة في باب المندب الأهمية الكبيرة للبعد البحري في حرب اليمن. وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول، أطلق الحوثيون صواريخًا إيرانية باتجاه سفينة إماراتية. والإمارات جزء من الحملة العسكرية التي تقودها السعودية والتي فرضت حصارًا بحريًا حول اليمن. وبعد عدة أيام، أطلق الحوثيون صواريخًا باتجاه سفينة بحرية أمريكية، والتي كانت، وفقًا للبيت الأبيض، متواجدة في المنطقة من أجل «تنفيذ عمليات روتينية». ودفع الهجوم الولايات المتّحدة للاشتراك في ضربات انتقامية «محدودة للدفاع عن النفس» ضد المنشآت المشاركة في الهجوم.
وإذا استطاعت إيران تحقيق هدف إنشاء قاعدة لها في سوريا، سيوسّع ذلك من نفوذ البحرية الإيرانية على البحر المتوسط ويعزز من التواجد العسكري الإيراني بالقرب من السواحل الأوروبية. وسيساعد ذلك أيضا حلفاء طهران في لبنان وفلسطين وسوريا، حزب الله وحماس ونظام «بشار الأسد»، على التوالي. وستتمكن إيران بذلك من نقل الإمدادات بانتظام وتوفير المساعدة لحزب الله دون الاعتماد على النقل البري أو النقل الجوي عبر العراق أو تركيا. وستقلل هذه القواعد أيضًا من اعتماد إيران على السودان. وبالرغم من أنّ السودان كانت طويلًا معبرًا أساسيًا لأسلحة إيران إلى البحر المتوسط وأفريقيا، فإنّ حليف طهران الإفريقي يغير من سياسته في السنوات الأخيرة، واقترب بشكل أكبر من السعودية. (ويرجع آخر تقرير عن رسو سفن إيران في ميناء سوداني إلى مايو/ أيار عام 2014). ويبدو أن الخرطوم، المتعطشة للاستثمارات السعودية، أغلقت موانئها أمام البحرية الإيرانية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة على إيران تهريب السلاح إلى حزب الله وحماس. علاوة على ذلك، ففي المعركة الإقليمية بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، اكتسبت الأخيرتان أفضلية في البحر الأحمر، بافتتاحها لقواعد بحرية في جيبوتي وإريتريا.
وتنسجم القاعدتان مع خطّة أكبر لإيران للتوسّع إقليميًا وعالميًا. طهران بصدد بناء تواجدها بطول سواحل الخليج العربي وخليج عمان، وهي السياسة التي أعلن عنها في نوفمبر/ تشرين الثاني أيضًا. وقال الأدميرال «حبيب الله سياري»، قائد القوات البحرية الإيرانية: «نبني منطقتين بحريتين وثلاث قواعد بحرية على سواحل مكران»، وقد قال ذلك خلال مؤتمر صحفي في طهران.
وذكر «سياري» أيضًا، ولم تكن المرة الأولى، أهداف إيران في مياهها الإقليمية. وقال: «بلا شك، سيحيط أسطولنا البحري، عمّا قريب، بأفريقيا وعبر المحيط الأطلسي». وأشار كذلك إلى مياه شرق آسيا. وفي سعيها لتحقيق تلك الأهداف، قامت إيران بزيارات ومناورات بحرية مشتركة مع بلدان في أفريقيا وآسيا، مثل الصين وسيريلانكا والهند في آسيا، وجنوب أفريقيا وتنزانيا.
وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق «هنري كيسنجر» قد ذكر أنّ التحدّي الأعظم أمام الشرق الأوسط هو «الهيمنة المحتملة على المنطقة من قبل إيران الإمبريالية والجهادية». ومضى في شرح أنّ واشنطن يجب عليها أن «تكون واضحة أنّنا نعارض مزيد من التوسع الإقليمي لإيران، وأنّ ما نطالب به إيران أن تتصرف كدولة، وليس مثل الحملات الصليبية».
توسع مثير للقلق
ومع ذلك، فإنّ سرعة توسّع البحرية الإيرانية تكفي لإثارة قلق الدول المجاورة. وفي عام 2009، بدأت إيران القيام بعمليات مستقلة بالقرب من خليج عدن، مدّعيةً أنّها كانت تقاتل القراصنة. وفي عام 2011، أرسلت سفينتين عبر قناة السويس إلى ميناء اللاذقية في سوريا. وأثارت الخطوة الأخيرة مخاوف دول المنطقة، الأمر الذي دفع السعودية للدعوة إلى مناورات بحرية عربية مشتركة تقودها الرياض مبدئيًا. وتمّ الحديث عن هذه الخطّة مرة أخرى أعوام 2014 و2015، لكنّها تشهد مشاكل هذه المرّة بسبب الاختلافات الدائرة بين الدول الـ 11، المعنية بتشكيل القوّة والمهام.
وإذا تركت إيران لحالها، ستكون قادرة على تهديد الملاحة البحرية في بحر قزوين والمحيط الهندي. لكن قد تقود تصريحات إيران الأخيرة، التي تكشف عن نيّاتها التوسّعية، إلى تعاون بين (إسرائيل) والعالم العربي. ومن جانبها، نأت الولايات المتّحدة، تحت رئاسة «باراك أوباما»، بنفسها عن المواجهة مع إيران في كل الحالات تقريبًا. واختارت البحرية الأمريكية عدم مواجهة الاستفزازات المتزايدة في الخليج العربي من قبل البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني. وقد تمّ تسجيل 31 حالة «لقاءات غير آمنة» في عام 2016، مرتفعة من 23 في عام 2015، وفقًا للبحرية الأمريكية. وقد أدّى عدم وجود ردّ من جانب واشنطن إلى فقدانها مصداقيتها كقوّة معارضة لطهران.
وينبغي أن تقدم إدارة «ترامب» القادمة المزيد لمواجهة التهديد الذي تشكّله إيران، لاسيما في الساحة البحرية، التي تتمتّع فيها الولايات المتّحدة بتفوق شاسع. ويتعين عليها رسم «خطوط حمراء» لضمان عدم مرور أي استفزازات من قبل البحرية الإيرانية دون رد. وبالعودة إلى عام 2015، قال المرشد الأعلى الإيراني، «علي خامنئي»، أنّ البحرية الإيرانية هي «الوسيلة المثلى لمواجهة الأعداء والتعاون بفاعلية مع الأصدقاء»، مضيفًا أنّ إيران في الوقت الذي سبق الثورة، افتقدت لـ «حساسية البحر». وانطلاقًا من تصريحات طهران الأخيرة وحدها، فإنّ إيران تغيّر بالفعل مسارها في البحر، وعلى إدارة «ترامب» أن تستجيب لذلك عن طريق وضع سياسة أكثر شمولًا فيما يخص إيران والتي تدفع للحد من الطموحات الإيرانية.
المصدر | فورين أفيرز