طوائف متقاتلة/ ميشيل كيلو
ثمّة فكرة مسبقة عن الثورة السورية ترى فيها “طوائف تتقاتل”، نقلا عن صورة كاذبة، روجها النظام، منذ بدء التمرد السياسي والعسكري الكبير ضده.
هل يتفق ما يجري في سورية مع هذه الصورة؟ هل قامت الثورة، لأن السوريين طوائف ترفض العيش المشترك، اختارت أن تنفصل بالعنف؟ وقبل هذا وذاك: هل يتوزع السوريون على طوائف، هي كيانات متعادية، لا تشكل مجتمعةً شعبا بمقومات توحيدية، تتربص كل منها بالأخرى، وتخطط للانقضاض عليها، في أول فرصة؟ أخيراً: هل كانت الثورة هذه الفرصة التي انطلق، بعدها، اقتتال طوائف تشهده البلاد، منذ ثلاثة أعوام ونيف؟
هذه الصورة، الكاذبة من ألفها إلى يائها، لا تعبر عن واقع الحال في سورية. صحيح أن أحداثا طائفية الطابع وقعت في أماكن مختلفة، إلا أن وقوعها لا يعني أن ما يجري في بلادنا من صراع وقتال يعبر عن تحول شعبنا إلى طوائف متقاتلة. ومع أن الاستهانة بما يقع، وتجاهل ما يحركه من سياسات ومصالح وقوى، قد يتسبب في انهيار الثورة، وانتصار النظام، فإن تحويله، في المقابل، إلى اقتتال بين طوائف، انعدمت بينها الجوامع والمشتركات الوطنية، يؤدي إلى النتيجة ذاتها: هزيمة الثورة وانتصار النظام، خصوصاً إن رسمت المعارضة سياساتها، واتخذت مواقفها انطلاقا منه، مع ما سيعنيه ذلك من تحولٍ، يجعل منها قوى طائفية، يخدم أي جهد تبذله ضد النظام أغراضه وخياراته، خصوصاً منها رهانه الرئيسي الذي قام، منذ بداية ثورة الحرية، على تحويلها إلى اقتتال طائفي، لا سيطرة لأحد غيره عليه.
ليس السوريون طوائف متقاتلة. إنهم لم يصيروا طوائف متقاتلة بعد، لكن خطر تحولهم إلى طوائف كهذه لن يكون مستبعداً، إن هم استجابوا لمخططات النظام، ورفضوا التفريق بين من ينضوون في أجهزته ومؤسساته القمعية والسلطوية من العلويين، والكيان المجتمعي/التاريخي الذي نسميه الطائفة العلوية بملايين المواطنين، العاديين كغيرهم، المنتسبين إليها الذين يعيشون على هامش السلطة، كما يعيش بقية مواطنيهم السوريين، ويفتقرون إلى أي سلطان عليها، كما يفتقر هؤلاء، ويضحى بهم بالجملة والمفرق، من أجل بقاء قادتها عامة، ورئيسها بصورة خاصة، ويعانون ما يعانيه غيرهم في السلم، ويموتون كما يموت غيرهم في الحرب. وتكمن مأساتهم ومأساتنا، ومأساة العمل الوطني، في نجاح النظام بإقناع قطاعات واسعة من السوريين أنهم يتماهون معه، وانه يتماهى معهم، ويعبر عن كل فرد فيهم، وإقناعهم هم بأن سقوطه يعني موتهم، وبقاءه ضرورة لحياتهم، وأن الدفاع عنه واجب مقدس، بما أنه، في حقيقته، دفاع عن وجودهم، جماعة وأفراداً.
لم تجابه الثورة هذه المغالطة بأية مؤسسات عمل وطني جامعة، تضم السوريات والسوريين، من دون أي اعتبار لانتماءاتهم الدنيا، ما قبل المجتمعية، المتجسدة في كيانات جزئية، ما قبل مجتمعية، نسميها الطوائف. لم يفت الوقت بعد، لإقامة مثل هذه المؤسسات، ليس فقط لأن الصراع مع نظام الأسد الطائفي قد يطول، بل كذلك لأننا لن نرى سورية حرة وديمقراطية، إن لم تنبث عن تضحيات جميع أبنائها، العابرة للطوائف، التي إن تقاتلت، حقاً، ضاع ما قدمناه في سبيل الحرية من تضحيات، بل وضاعت سورية ذاتها!