عائلة الأسد تُحب سوريا وتكره السوريين…
فاضل الخطيب
العملية جارية للإطاحة بأكثر أنظمة المنطقة استبداداً، وفساداً، حيث السلطة كلها في عائلة الرئيس والتي وضعت كامل المجتمع السوري في جرابها. وكان أطفال درعا أطلقوا شرارة الأمل وفي حقائبهم المدرسية ابتساماتهم مرسومة على خارطة الوطن، وانتشرت حملة تكنيس شوارع وساحات المدن والبلدات لتشمل كل الوطن تقريباً.
انتفاضة أي شعب لا تكون دائماً مثالية رغم قدسيتها، ومثل هكذا مظاهرات لا يمكن التنبؤ بها سلفاً، ويُعطيها القدرة على الاستمرار وقوة في التأثير عندما تأخذ شكلاً منظماً وقاسماً مشتركاً. وتطورت شعارات الانتفاضة حتى صار سقف مطالبها كلها “الشعب يريد إسقاط النظام”، “وحدة، سلمية، …إلخ.”. ويبدو من خلال قراءة تركيبة النظام السوري وتداخلاته المحلية والإقليمية أن انتصار ثورتنا بشكل كامل سيأخذ وقتاً ليس بالأسابيع وربما تستمر شهوراً ليست قليلة. ورغم وجود أسباب وأهداف عامة لاندلاع الثورات العربية، إلاّ أنه هناك بعض “الخصوصية” السورية من حيث ارتفاع درجة القمع وتمركز السلطة بيد الأجهزة الأمنية وحدها وغياب الدولة، والتركيبة الإثنية والمذهبية للبلد. إن الاستفادة من تجربة تونس ومصر مهمة جداً لنا، كي نتجاوز بعض عناصر الضعف على طريق انتصار الثورة، قد يكون مهماً وأنا أفكّر بصوت عالٍ –مثلاً تسمية شخصٌ أو أشخاص زعماء حقيقيون يتحملون مسئولية التمثيل والمتابعة، أو برنامج سياسي واضح، وتصورٌ لكيفية حلّ المشاكل والأزمات. من الضروري الانتباه لمحاولة تسلل بعض الأفراد أو حتى الجماعات الدينية الراديكالية المتطرفة إلى القرب من دفة توجيه الثورة. خصوصاً أن النظام يخترع بدعة سخيفة تقول أن الانتفاضة هدفها إقامة إمارة إسلامية هنا أو هناك، وكأنه يريد القول أن الإمارة الأسدية المُصححة هي السد والحل، ومازال هناك من يؤمن بذلك. من المفيد الانتباه إلى تنشيط العنصر النسائي في النخبة السياسية الجديدة وأن تكون تلك النخبة الجديدة قادرة على أخذ دور هام بعد استلام السلطة كمرحلة إنتقالية. أن لا يكون لعناصر النظام دوراً مفصلياً في مرحلة المتابعة وبالتالي إعطاءها فرصة محاولة إجهاض الثورة أو إعادة إنتاج جزء من النظام تحت علم الثورة. وتجنباً لقيام فوضى من نوعٍ ما، من المفيد أن يكون الشباب هم فعلاً القوة الرئيسية في قيادة التشكيلات الجديدة والتي من مصلحتها خلق نظام جديد قابل للحياة ويحمل الأمل والكرامة والغد الأفضل. وباستثناء الحرس الجمهوري وبعض الوحدات العسكرية التي يشرف عليها ماهر الأسد وأقربائه فإن رواتب الموظفين وضباط الجيش وحتى العناصر الأمنية العديدة هي رواتب متواضعة ولا تكفي للعيش الكريم، أي أن مصلحتهم الشخصية أيضاً تكمن في التغيير.
مع بداية فتح صفحة جديدة في تاريخ وطننا، من الضروري تأكيد وإعادة التأكيد مراراً أن الاختيار الجديد لنظام الدولة لن يكون ناجحاً مع الخوف من دور الإسلاميين، وأنه يجب التأكيد للعالم أن مبادئ حقوق الإنسان وملحقاتها لا مساومة عليها، ولا مكان للتطرف والتدخل الديني الإقصائي، ويجب عزل الأصوات المتطرفة دينياً وفضحها مهما كان مركزها ومصدرها. من الضروري التأكيد على مسئولية عائلة الأسد وزبانيتها من كل الطوائف، وزبانيتها مسئولون معها عن كل ما سببته من دمار أخلاقي واقتصادي وتفريط بالوطن وجعل ما تبقى منه مزرعة. من المفيد الاستفادة لاحقاً من تجربة دول أوربا الشرقية في إعادة بناء الدولة، وخاصة الدول التي كانت قمعية وذات تعددية إثنية مثل رومانيا وبلغاريا، وهي أقرب من غيرها نتيجة لأنظمة الحكم التي كانت فيها، ومحاولات التفاف بعض رجالات النظام السابق على الثورة وتسلقهم السلطة من جديد.
إن عدوى الانتفاضة منتشرة في كل بقاع المنطقة، ولا يمكن تجنب التغيير، وجيل الشباب قرف من كل سياسات ونفاق الأنظمة، لكن هذا لا يعني أن التغيير أو متابعة الثورة بعد انتصارها سيأخذ نفس الطريق في كل بلدان المنطقة، ويخاف البعض وأفترض أن دافعه نبيل من نتائج سقوط النظام السوري وتمرد مشاكل الوطن الاجتماعية المتراكمة والتي خلقها النظام بنفسه، وعدم القدرة على ضبطها. لكن التغيير ليس هدف بحد ذاته، بل هو وسيلة تفتح الفرص لإيجاد آليات الحلّ وليس التجميد، فرصة للسيطرة غير القسرية الاصطناعية على تلك التناقضات وتلطيفها، وربما تكون مواجهتها صعبة، لكنها ستكون أصعب بكثير كلّما طال زمن نظام العائلة وكلما هربنا من مواجهته ومواجهتها بإيجاد وتطوير وسائل معالجتها السلمية. بعد نجاح انتفاضة الشعب ضد النظام وانفلات الحقد الثوري قد يحدث تنفيساً للشعب بتقليل الضغط على النظام الجديد وهذا يعطي فرصة للإجهاض على بعض المكتسبات، ويمكن تدارك ذلك وحماية منجزات الثورة من خلال منظمات المجتمع المدني، والتي علينا من الآن دعمها ومحاولة توسيع رقعتها، لأنها هي حامية الثورة بعد انتصارها، ولأن قوة الديكتاتورية تزداد مع ضعف حياة المجتمع المدني.
حيث تحكم حفنة صغيرة غير منتخبة ديمقراطياً، لا يمكن أن يعمل الاقتصاد على أساس عقلاني بسبب غياب طبقة تكنوقراطية مستقلة، وهذا يسمح للفساد والاستبداد أن يملأ هذا الغياب. وهذه الأنظمة وبدون أن تنتبه إلى ضرورة إصلاح نفسها نرى أن ضمان استقرارها يحققه غياب قوة التمرد عند الشعوب، وعندما ينفجر الغضب يصبح أعمى وقاسي ولا يمكن إيقافه. وكان اعتقال أطفال درعا هو الرمز لشرارة الثورة السورية. وسيكون التأثير الحقيقي لانتفاضة تونس ومصر في المنطقة العربية ككل هو مدى تجذّر الديمقراطية فيهما، ويعمل أعداء التغيير في المنطقة كي يكون ثمن نتائج الثورات الاجتماعي كبيراً جداً –وهذا ما يسعى النظام السوري وغيره لافتعاله، وأكاد أجزم أن أصابع المخابرات السورية ليست بعيدة عن أحداث إمبابة في مصر وعودة التفجيرات والاحتقانات هنا أو هناك.
واستناداً لتجربة الباسيدج الإيراني في قمعه تمردات شعبه، استخدم الأمن السوري ذلك بعزله المدن، ثم بتقسيمه للمدينة إلى مناطق معزولة عن بعضها، وفي كل الأحوال تلك الحلول القائمة على القمع تبقى مؤقتة وذات مدى قصير. لقد حازت حركات الاحتجاج الإيرانية تعاطفاً كبيراً في أوربا والعالم، بينما انتفاضات الشعوب العربية لاقت وتلاقي اهتماماً خجولاً جداً، وانتفاضة الشعب السوري تلاقي استهتاراً من الشعوب العربية ودول العالم الديمقراطي أيضاً، رغم أنها الأكثر دموية وقمعاً من نظام الأسد. أعتقد أنه توجد الآن فرصة استثنائية أمام حركات المجتمع المدني الأوربي ودولها وحكوماتها لتغيير الصورة التي تركتها تحالفات حكوماتها ولعقود طويلة مع أنظمة القمع في المنطقة، ومن أجل بناء علاقات جديدة في المستقبل. ويعتبر المواطن العربي أن أنظمة القمع والفساد في بلادنا هي امتدادات فعلية سيئة لفترة الاستعمار، وبالتالي دعم الديمقراطية أخلاقياً وسياسياً من قبل الغرب هو البرهان على أن الغرب قام بالطلاق نهائياً مع العصر الاستعماري الذي مازال ماثلاً بعضه في ذاكرة العربي، ولم تعد مقبولة تلك المبررات من خوفهم وتخويفهم من فزاعة الإسلام السياسي. لقد وصلت الانتفاضة السورية إلى مفترق طرق، إما أن يكون عندها القدرة على الاستمرار حتى تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود، أو الاكتفاء بوعود الإصلاح التي انتزعتها وتنتزعها من السلطة، وبالتالي تكون حققت نصف طريقها، وربما يصبح هذا النصف هو الانتفاضة المضادة والتي ستقضي على كل شيء. والشيء الأكيد أن الوقائع (الحقائق) لا تؤمن بالنظريات، وخاصة النظريات المسبقة. انتفاضة/ثورة شعبنا تصنع نظريتها الخاصة بها، والتي ستصبح مدرسة في علم الثورات. وسنقولها من جديد “راحت على اللّي ما حضر!”..