صفحات العالم

“عاصفة الحزم” –مجموعة مقالات-

 

عاصفة الحزم”: قليل هزيل… تأخر كثيرا/ صبحي حديدي

بين أن تندرج في الحكمة العتيقة الأولى، حول وصول متأخر يُحتسب أفضل من الغياب التامّ؛ أو الحكمة العتيقة الثانية، حول ذاك الذي يزرع الريح فيحصد العاصفة؛ تبدو عملية «عاصفة الحزم» ضدّ الحوثيين في اليمن (كما هو معلَن رسمياً)، وضدّ الوحدات العسكرية الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح (كما هو مغفَل في الإعلان الخليجي الخماسي)، وكأنها استفاقة ضائعة: بين رفع العتب، وتبديد المخاوف، واستباق الأخطار. الأسباب عديدة بالطبع، ومعظمها لا يتصل بالحوثيين وسادتهم في طهران، بقدر ما يرتبط مباشرة بسياسات المملكة العربية السعودية/ الولايات المتحدة تجاه انتفاضة الشعب اليمني، أوّلاً، ونظام صالح وتركيبته السياسية والقبلية ثانياً، وهستيريا الخواف من «القاعدة» والإسلاميين ثالثاً.

ليس خافياً، بادىء ذي بدء، أنّ الرياض ظلت تمنح صالح غطاء سياسياً، كانت له استطالات قبائلية بالضرورة، طيلة الفترة التي أعقبت الإطاحة به؛ وأنه هو الذي قلب لرعاته ظهر المجنّ، فاستدار للمناورة مع الحوثيين، وأتاح لهم أن يدخلوا صنعاء وتعز دون قتال عملياً، أو بإسناد عسكري من وحداته الموالية حين اقتضت الحال. صحيح أنّ إيران زوّدت أتباعها في اليمن بعتاد ومال وتدريب، ولكنّ الاختراقات الأولى تحققت بجهود محلية، كان صالح هو عرّابها الأبرز، عسكرياً في الجوهر، ثمّ سياسياً ومالياً في المستويات التكميلية من مشروع تسخير الحوثيين. كان عبد الله بن عبد العزيز، الملك السعودي الراحل، يفضّل سياسة ترك الحوثيين يقومون بالأعمال القذرة ضدّ «القاعدة» و»حزب الإصلاح» والإسلاميين عموماً، ظاناً أنّ أخطار التوغل الإيراني في اليمن أقلّ أذىً من أخطار التوغل الإسلامي في المملكة. وكانت واشنطن راضية عن خيار كهذا، فالطائرات الأمريكية بدون طيار تمارس الاغتيالات ضدّ «القاعدة» في اليمن، والسكوت الأمريكي عن الزحف الحوثي يرطّب أجواء المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.

ومن مهازل الأقدار أن تتحدث تقارير صحافية عن قيام وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان بـ«تحذير» العميد أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس المخلوع، من مغبة الزحف على عدن… رغم أنّ الأخير، الذي كان قائد الحرس الجمهوري حتى أواخر 2012، يعمل سفيراً لليمن في دولة الإمارات، بقرار من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي شخصياً! وسبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر: ها أنّ قاعدة «العند»، التاريخية العريقة ذاتها ـ التي سقطت في أيدي قوات صالح بدعم غير مباشر من الرياض، خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، في أيار (مايو) 1994 ـ تسقط، اليوم، في أيدي الحوثيين، بدعم مباشر من وحدات صالح، وتتباكى عليها الرياض! وأيضاً: هؤلاء الحوثيون، الذين كانوا حتى أيلول (سبتمبر) الماضي مجرّد حشود تتظاهر ضدّ رفع الأسعار، وتطالب بصوت لها في ما سُمّي «مخرجات الحوار الوطني»؛ تستدعي عملية عسكرية تشارك فيها عشر دول، خليجية وعربية ومسلمة، بطائرات مقاتلة، وحشود عسكرية ضخمة على الحدود السعودية ـ اليمنية؟

ولأنّ التاريخ لا يكرر حوادثه بقدر ما يعيد التنويع على بعضها، من زاوية المأساة تارة والملهاة طوراً، كما في حكمة عتيقة أخرى؛ فإنّ عقداً كاملاً أعقب تمرّد الحوثيين، أواسط 2004، كان كافياً لتحويل هذه المجموعة من أنفار محدودة في «منتدى الشباب المؤمن»، إلى رقم يُحسب له ألف حساب اليوم، وتُحشد لمواجهته جيوش جرارة، تبدأ من المغرب، لتمرّ في السودان ومصر، وتقطع الباكستان، فلا تنتهي عند البحرين والكويت والسعودية! كان ذلك المنتدى قد تأسس سنة 1990، في صعدة، وأجنداته لا تتجاوز تدريس العقيدة الشيعية الزيدية في نطاق محلي، وتنظيم تظاهرات سلمية تهتف بالموت لأمريكا، والموت لإسرائيل؛ ولقد صار، اليوم، «حركة انصار الله»، بمئات الآلاف من المقاتلين، وبأجندات انقلابية وتوسعية ومذهبية تتجاوز اليمن إلى الجوار الإقليمي، ويطيش لها صواب «ممانعين» باتوا يرون في شخص عبد الملك الحوثي ذلك الملك الأوحد المتوّج على جزيرة العرب، من باب المندب وحتى قصر دسمان في الكويت!

صحيح، تماماً، أنّ صعود الحوثية اقترن منذ البدء بمطالب ذات أبعاد مذهبية، الأمر الذي استغله إعلام النظام فصنّف «منتدى الشباب المؤمن» في خانة مجموعات أصولية إرهابية تهدف إلى إسقاط النظام الجمهوري وإعادة نظام الإمامة استناداً إلى الشريعة الإسلامية في تفسيرها الشيعي المتشدد تحديداً. إلا أنّ ما سيُسمّى «التمرد الحوثي» جرى في حقبة لم تكن قد شهدت ولادة الهجمة الإيرانية صوب المنطقة، عموماً، وبلدان الخليج واليمن بصفة خاصة؛ ولهذا فقد كان نظام صالح، وليس طهران على وجه التحديد، هو الذي استغلّ الصعود الحوثي للمناورة مع الخصوم في الداخل، «الإصلاح» والقبائل خصوصاً، وكذلك لتنفيس «الحراك الجنوبي» الذي تبنى الحوثيون الكثير من مطالبه ومظالمه. وهنا، مجدداً، فإنّ أسهل التحليلات، وبالتالي أكثرها تسطيحاً للحال، تلك التي تناقش الصعود الحوثي من زاوية مذهبية مجردة.

ذلك لأنّ الزيدية، للمفارقة، هي أقرب فرق الشيعة إلى السنّة، حسب إجماع الكثير من الدارسين؛ وتتصف عموماً بالاعتدال، ومؤسسها (زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، 695 ـ 740 م) كانت له آراء جريئة في الشريعة والمجتمع والسياسة والفلسفة، تختلف عن إجماع الفقه الشيعي العامّ ذاته. كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ الزيدية تركزت في أرض اليمن بصفة خاصة، مترافقة مع نظام الإمامة، ولهذا فإنّ بعض جذور الصراع مع الحوثيين تضرب في فكرة إحياء الإمامة على هذا النحو أو ذاك. ويُذكر، هنا، التصريح الشهير الذي يُنسب إلى بدر الدين الحوثي، الأب، حول وجود نوعين من الحكم في الإسلام: «نوع يسمى بالإمامة، والإمامة لا تكون إلا من آل البيت، ونوع يسمى الاحتساب، وهذا يمكن أن يكون في أي مؤمن عادل على أن يحتسب الله ويحكم بالعدل (…) ولا يجوز الاحتساب الا اذا انعدم الإمام».

هذه ملفات فات أوان الخوض فيها، مع ذلك، لأنّ المغامرة الحوثية الراهنة تجاوزت الأجندات المناطقية أو المذهبية وصارت أسيرة مشروع إقليمي وبرنامج محلي، يتكاملان في الطور الراهن، ولكن احتمالات وقوعهما في تناقض تناحري واردة عند أيّ تطوّر حاسم: المشروع الإيراني، الذي يتورّط أكثر فأكثر في رمال عربية متحركة، في سوريا والعراق بصفة خاصة؛ وهذا المشروع ذاته في تكامله مع برنامج الرئيس اليمني المخلوع لإعادة إنتاج نظامه، في شخصه هو أو في أي بديل يمثله ضمن عائلته وأنصاره. وقد تنقلب الاستفاقة السعودية، وتتويجها الأحدث عملية «عاصفة الحزم»، إلى عامل تنغيص يعكّر هذا التوازن بين المشروع والبرنامج؛ ولكن من الصعب الجزم حول إمكانية تحويل التعكير إلى تعطيل تامّ، أو حتى متقدم، يعيد عقارب الساعة إلى ما قبل أيلول/سبتمبر 2014، حين زحف الحوثيون على العاصمة صنعاء.

والآن وقد سقطت قاعدة «العند»، بسهولة لا تفاجىء إلا السذّج المؤمنين بأنّ الرئيس اليمني هادي، أو وزير دفاعه، أو أيّا من ضباط الرئاسة الموالين، هم في دفة القيادة الفعلية؛ فإنّ سقوط مدينة عدن ذاتها لن يكون احتمالاً عسيراً، أو حتى مفاجأة صاعقة. وفي هذا لن تكون عملية «عاصفة الحزم» أفضل من عشرات العمليات المماثلة التي توهمت أنّ القصف الجوي وحده يمكن أن يحسم حرباً، أو جولة كبرى فيها. هذا قليل هزيل، تأخر كثيراً، فصار مثل قلّته!

 

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

حذار من لهب في أذيال الخليج/ محمّد علي مقلّد

اليمن غير السعيد مبني على معادلات ربما كانت صالحة ومفهومة في مرحلة ما قبل الربيع العربي لكنها لم تعد قادرة على الصمود بعده. بلاد الحوثيين كانت عصية على الاستعمار. الأتراك مروا فيها مرورا عابرا، والانكليز فضلوا البقاء على السواحل الجنوبية، والجيش المصري الناصري انهزم أمام صلابة نظامها القبلي، والزيديون هم سليلو آل البيت من الطالبيين، لكنهم حنفيون في عقيدتهم. بعد أن ظلوا طويلا حلفاء لآل سعود، ها هم اليوم ضدهم في خندق واحد مع خصوم الأمس “الساسانيين”، وعلي عبدالله صالح ثعلب اليمن الماكر الذي يمني النفس في أن يشهد موت اليمن قبل أن يموت، كان حليفا للمملكة فصار عدوا لها ولمصر ولكل الخليج.

المشهد من الخارج ليس أقل تعقيدا. لا نعرف بدقة أين سيقف تنظيم القاعدة على مسرح العمليات السياسية والعسكرية، بعدما انهار البناء القديم كله في اليمن. فهو، بحكم تكوينه ونشوئه نهض على تربية معادية للغرب وللإلحاد وللنظام الملكي، واتخذ من تلك البلاد منطلقا لهجماته البرية والبحرية على أعدائه المقيمين في دار الكفر. فهل سيختار التحالف مع داعش والاسلام السياسي السني في مواجهة الحوثيين، أم سيكون صديقاً لهم ولأصدقائهم الفرس ضد النظام الخليجي ومصر السيسي وتركيا الأردوغانية والغرب الأطلسي؟

شيعة العراق الموالون للعقيدة متضامنون مع الحوثيين، والموالون للعروبة متحمسون للتدخل الخليجي، ومرتابون، في الوقت ذاته، من الدور القيادي السعودي في هذا التدخل. داعش العراق والشام مع السعودية وضدها، ومع إيران وضدها. بعض اليسار العربي قلبه مع الحوثيين وبعضهم سيفه عليه، والهويات اليسارية على أنواعها وبكل صنوف انشقاقاتها غريبة عن المعسكرين وضحية دائمة لهما.

لوحة قد تبدو على هذا القدر من التعقيد بسبب تعدد زوايا النظر وتشعب الصراعات القبلية والدينية والمذهبية والإتنية والحزبية وتشابك المصالح بين الدول والحكومات والقوى المحلية في هذه المنطقة الشاسعة، وتضارب المصالح الدولية وتنافسها على الذهب الأسود وتناقض مواقفها من المشروع الصهيوني ومن القضية الفلسطينية، ولأن هذا الشرق العربي والاسلامي الممتد من الجزائر حتى الهند يبدو كأنه أمام طريق للتطور مسدود.

اللوحة معقدة مما قبل الاجتياح الحوثي. ومن أجل فك طلاسمها قد يكون مفيدا النظر إلى بداياتها مع الربيع المصري والتباسات الموقف الدولي والعربي من دور الجماعة الاسلامية وحكم الرئيس مرسي، ثم مع بداية الربيع السوري وتنازع المواقف الخليجية وتناقضها وتردد المجتمع الدولي، بسبب ذلك، وتلكؤه عن مناصرة أهل الانتفاضة.

أحداث اليمن لم تكن، منذ البداية، إلا جزءا من سياق ثورات الربيع العربي التي اندلعت بأهداف واضحة يلخصها الشعار المشترك التونسي المصري الليبي السوري اليمني ” الشعب يريد إسقاط النظام”. تونس أعفت بلدان الأمة العربية من إلحاح التضامن معها حين استعجلت حسم المسألة بقواها الذاتية، والنظام الليبي أعفى الأمة من الارتباك لأن القذافي وحدها على كرهه وعلى التخلص من نظامه من غير تحفظ.

إسقاط النظام يعني أمراً واحداً، وهو التخلص من أشكال الاستبداد المتنوعة، بدءا بذاك المقنّع “بالثورات التقدمية” أو “الانقلابات القومية” أو الجمهوريات الوراثية. إنه ، بعبارة أخرى، دعوة إلى استكمال عملية الدخول في حضارة العصر الرأسمالية من بابها السياسي الذي أوصدته الأنظمة منذ تأسيس الكيانات العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وفتحت بديلا عنه أبواباً لا تفضي الى غير الاستبداد والطغيان وتعطيل الدساتير وتعميم الأحكام العرفية.

أوروبا الغربية كانت سباقة إلى إنجاز هذه المهمة، ثم توالت بعدها دول أخرى ومناطق ، في أوروبا الشرقية وإفريقيا وأميركا اللاتينية، على الدخول في جنة الأنظمة الديمقراطية. ضمن هذه اللوحة بدت أنظمة “إلى الأبد”، الممتدة أربعين عاما في ليبيا وثلاثين في تونس ومصر وأكثر من خمسين في سوريا وعقوداً في اليمن، لطخة على جبين هذه المنطقة ذات الأزمات المتراكمة والمتفاقمة.

دول وقوى كثيرة أربكها الربيع العربي وترددت في التضامن مع ثوراته، متخوفة من الترددات التي قد تصيبها منه، فأشاحت بنظرها عن التفسير الحقيقي لعوامل اندلاعه، وراحت تبحث عن دوافعه في تعقيدات القضية الفلسطينية والتسويات المزعومة حولها ، وفي الصراعات الاقليمية ، خصوصا مع إيران، وفي الصراع مع الامبريالية والاستعمار والصهيونية، أو في قضايا الجوع والتفاوت الطبقي، وهذه كلها موجودة من دون شك، لكنها لا تشكل عاملاً جوهرياً في انفجار أحداثه، رغم أن شرارة الحريق بدأت بقضية ذات طابع اجتماعي تمثلت بحادثة بوعزيزي في تونس.

لهب الربيع كاد يشعل أذيال الخليج أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، لكنهم نجحوا، ولو مؤقتا، في إطفاء نار البحرين، وسعوا إلى إبعاد حرائق داعش عن حدود الجزيرة، وتعاونوا على محاصرة الأزمتين السورية والعراقية وتمديد آجالهما. غير أن التوسع الحوثي صوب باب المندب بدا أكبر من طاقة الخليج والأمة العربية والاعتدال السني على الاحتمال، لأنه يستحضر صورة الغزو الفارسي الذي وصل ذات مرة إلى شواطئ المتوسط وتجاوز البحر الأحمر وبلغ أراضي السودان.

يخطئ المتقاتلون اليوم على أرض اليمن إن هم اعتقدوا أن الدوافع لاندلاع حروب اليوم هي ذاتها دوافع حروب الأمس، وأن مضامينه هي ذاتها بخصوماتها وصداقاتها، أو توهموا أن الربيع العربي، رغم كل مآسيه ودواعشه، لا يستحق أن يسمى ربيعاً، أو رغبوا في أن يبقوه محصورا ليتجنبوا حرائقه، أو حاولوا أن يبعدوا “الكأس المرة”، كأس الديمقراطية والدساتير الحديثة عن أنظمة السلالات والجمهوريات الوراثية.

ربما بات يتوجب على أنظمة الخليج، في غمرة مواجهة المشروع الفارسي، أن تبتكر شكلا لربيعها المحتوم، تتفادى فيه عنف الأحزاب الشمولية ووحشية أحزاب الاسلام السياسي، لأن الحرائق، إذا ما اندلعت في أراضيها، لن تكتفي بتدمير اليابسة بل ستلغي احتمالات التنفس من فضاء الأمة العربية.

المدن

 

 

 

 

المنظومة العربية تردّ على «الإمبراطورية» الإيرانية

رأي القدس

بدأت السعودية أمس عملية عسكرية كبيرة ضد حركة «أنصار الله» الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح حظيت بمشاركة أو موافقة دول عربية (أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والمغرب والسودان) وإسلامية (باكستان وتركيا) كما قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية غطاء استخباراتياً ولوجستياً لها، فيما «أكّد» الأمين العام للأمم المتحدة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي (مع الديباجة الاعتيادية المطلوبة حول «وحدة وسيادة اليمن»).

في المقلب الآخر للحدث رأينا «قلقاً» أوروبياً من التداعيات الإقليمية للهجوم السعودي (فيما تفهّمت إيطاليا، لغرض ليبيّ في نفسها ربما، أسبابها)، كما أن خارجية النظام السوري أبدت بدورها «قلقها» (بينما هاجم إعلامها «عدوان السعودية السافر»)، وصولاً إلى وصف إيران العملية بـ«الخطوة الخطيرة» واعتبار وزير خارجيتها أن التدخل العسكري من الخارج «ضد وحدة أراضي اليمن وشعبها لن تكون له أي نتيجة سوى مزيد من القتلى وإراقة الدماء»، وهو أمر يتراوح بين التنبؤ والتهديد.

الحوثيون الذين تلقّوا الضربة الكبيرة غير المتوقعة عادوا فجأة من موقع الطاغية الصغير المتنمّر الذي يطلق الرصاص على المظاهرات السلمية إلى استخدام تظاهرات لأنصارهم في صنعاء وخُطب لقادتهم تؤكد «الانتصار على المعتدين»، فيما تراجعت قوّاتهم على الأرض كالجزر البحريّ بعد مدّ كبير.

تبدو الضربات الجوية السعودية فاتحة لخروج المنطقة من إشكاليات استراتيجية بدأت مع الثورات العربية، لكنّ على رأسها إشكاليات سياسية للسعودية نفسها.

فالرياض التي قامت باحتضان الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأعادته إلى كواليس ممارسة القوّة في اليمن، غفلت عن التخلخلات الجيولوجية العميقة للبنية السياسية في اليمن والمنطقة، فالعمل على تحجيم الحراك الشبابي أدّى لاحقاً لاستهداف اتجاه الإسلام السياسي (السنّي)، ما خلق فراغاً كبيراً ملأته الحركة الحوثية المدعومة إيرانيا وما لبث صالح، الحليف المفترض للرياض، أن انضمّ للقافلة حالماً بالعودة إلى رأس السلطة ملتحفاً بالحوثيين وإيران.

وهذا المأزق الاستراتيجي تبدّى أيضاً في العراق، حيث وجدت الرياض نفسها في موقف لا تحسد عليه تقوم خلاله طائراتها بتقديم غطاء جوّي لقوات «الحشد الشعبي» الشيعيّة الموالية لإيران التي تهاجم مناطق سنّية وتقوم بانتهاكات بشعة ضد السكان والمدن التي تعتبر السعودية حليفها الطبيعي، وهو فعل يصبّ في المحصلة النهائية في صالح إيران، كما حصل في اليمن.

ردود الفعل الشعبية والدولية على العملية تؤكّد أنها ترسم خطّاً جديداً للصراع في المنطقة، شادة العصب لمنظومة عربية متهالكة وهشة، دافعت عن أجندات غيرها، وامتنعت عن المبادرة فخسرت مصداقيتها لدى شعوب المنطقة، وتراجع تأثيرها إلى درجات غير مسبوقة.

العملية المفاجئة تفصح عن إحساس سعودي وخليجي بأن الحلفاء قبل الأعداء صاروا ينظرون إلى الأنظمة العربية باعتبارها نموراً من ورق تشاهد اقتراب النار من بلدانها ولا تصنع حيالها شيئاً.

كما أنها تبين إن واشنطن لا يمكن أن ترفض مبادرة عربية تشارك فيها كل هذه الدول، رغم أنها جاءت في وقت حاسم من مفاوضاتها حول النووي الإيراني، وهذا تغيير عن الموقف الانتظاريّ لتحرّك أمريكي لن يأتي أبداً، كما حصل في سوريا.

وتحمل مشاركة (أو دعم) كل من قطر وتركيا ومصر في العملية دلالة رمزيّة كبيرة، فهي تصحّح، نظرياً على الأقل، خطأ استراتيجيا مصرياً تمثّل في جعل الصراع الداخليّ (مع الإخوان المسلمين) أولوية كبرى تفوق أهمية الصراع الجاري على المنطقة.

وبذلك تكون العملية ردّاً من المنظومة العربية وحلفائها على تمدّد «الإمبراطورية» الإسلامية الإيرانية أكثر بكثير مما تحتمله المنطقة.

لكل ذلك وغيره، فإن العملية تقدّم سابقة ستكون لها، على الأغلب، مفاعيل كبيرة.

القدس العربي

 

 

 

إيران بين الشاهنشاهيّة والإسلامويّة/ حازم صاغية

قبل سقوط نظام الشاه محمّد رضا بهلوي في 1979، كانت العلاقة بينه وبين الدول العربيّة المجاورة لإيران على شيء من التفاوت والاختلاط. ففي المجال النفطيّ مثلاً، ساد خليط من التنافس والتنسيق بينه وبين الدول العربيّة المنتجة للنفط، وفي النهاية كان الطرفان، من داخل منظّمة الأوبك، يحتكمان للسوق وحركتها. وفي الاصطفاف الدوليّ إبّان الحرب الباردة، كان الطرفان منسجمين في موقفيهما المناهضين للاتّحاد السوفييتيّ وكتلته الشرقيّة، وهو ما انعكس إقليميّاً في محطّات عدّة ربّما كان أهمّها الموقف المشترك الذي اتّخذاه ممّا عُرف بـ “ثورة ظفار” في سلطنة عُمان، أواخر الستينات وأوائل السبعينات.

لكنْ لدى الانسحاب البريطانيّ من منطقة الخليج، وخصوصاً مع استقلال البحرين في 1971، لم تكتم طهران رغبتها في ضمّ الدولة العربيّة المستقلّة، إلاّ أنّ الضغوط الغربيّة، الأمريكيّة منها والبريطانيّة، حالت دون ذلك. وكانت النقطة الأسوأ والأشدّ سواداً في سجلّ العلاقة إقدام إيران، في ذاك العام نفسه، على احتلال الجزر الإماراتيّة الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

على أيّة حال، اقتصر هذا العمل العدوانيّ على فعل خارجيّ، بمعنى أنّ إيران الشاهنشاهيّة آثرت ألاّ تتدخّل في الشؤون الداخليّة للبلدان العربيّة. أمّا حين تدخّلت، داعمةً الانتفاضة الكرديّة التي قادها الملاّ مصطفى البارزاني في شمال العراق، فإنّها لم تُعط تدخّلها أيّ بُعد إيديولوجيّ بحيث اقتصر على تنافس بين الدولتين المتجاورتين، إيران والعراق، مداره الصراع على النفوذ. وفعلاً فبانتهازيّة كاملة أوقفت طهران فجأة دعمها للأكراد الذين انهارت ثورتهم، مقابل ضمانات سياسيّة وترابيّة قدّمها لها النظام البعثيّ يومذاك في ما عُرف بـ “اتّفاق الجزائر”.

وهذا على عمومه لم يكن سجلاًّ ناصعاً على الإطلاق. بيد أنّ ما حصل لاحقاً، في ظلّ الثورة الخمينيّة، كان، ولا يزال، أمرّ وأدهى بلا قياس. فلئن كان صدّام حسين هو البادئ في العدوان، بُعيد قيام الثورة، فإنّ الخميني استغلّ تلك الحرب لأهداف عدّة من بينها تمتين النظام والتخلّص من كلّ معارضة. ولهذا راحت طهران تطيل أمد الحرب وتسدّ كلّ الأبواب أمام الخروج العراقيّ منها. لكنْ في ما يعنينا هنا، استُخدمت تلك الحرب ذريعة لنشر “تصدير الثورة” إلى الجوار كمبدأ راسخ لا يتزحزح.

وفضلاً عن الاحتفاظ بالجزر الثلاث التي احتلّها النظام البائد (وكان يُفترض بالثورة أن تنسحب منها)، تحوّل “تصدير الثورة” عنواناً لأعمال عدوانيّة موسّعة ضدّ الدول العربيّة، لا في حدودها أو أطرافها، بل أساساً في دواخلها وعلاقاتها الأهليّة وطرق صنعها للقرار. وعن طريق أطراف كمثل “حزب الله” اللبنانيّ و”أنصار الله” (الحوثيّين) في اليمن والجماعات الطائفيّة الشيعيّة في العراق، ناهيك عن نظام بشّار الأسد في سوريّا، باتت إيران اليوم تهيمن، كلّيّاً أو جزئيّاً، على أربعة بلدان عربيّة فيما تهدّد بلداناً عربيّة أكثر عدداً.

وما نشهده اليوم خصوصاً في اليمن، من احتراب أهليّ صرف، على قاعدة طائفيّة معلنة، لا يترك أيّ مجال للشكّ في المآلات التي تقودنا إليها سياسات الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

فهل يخطئ الذين يقولون إنّ أنظمة الاستبداد غير الإيديولوجيّ، كنظام الشاه، أقلّ سوءاً وخطراً بلا قياس من أنظمة الاستبداد الإيديولوجيّ، كحال النظام الخمينيّ الراهن؟

موقع 24

 

 

 

 

“عاصفة الحزم”: الحسابات والمآلات

مركز الجزيرة للدراسات

ملخص

لعل ما عجَّل بتحديد ساعة الصفر للبدء في عملية “عاصفة الحزم” هو تقدم الحوثيين وقوات صالح نحو عدن للسيطرة الكاملة على اليمن، واعتبار السعودية ذلك، منذ مدة، خطا أحمر لن تسمح بتجاوزه لأنه يوقع اليمن تحت النفوذ الإيراني، فيتعرض أمنها وأمن جيرانها في منظومة مجلس التعاون الخليجي لخطر داهم.

ستكون السعودية، من بين الدول الخليجية المشاركة، اللاعب الأكبر في تحديد النتيجة النهائية للحرب لأنها تتقاسم حدودا مشتركة مع اليمن، وتوجد صعدة مقر الحوثيين على مقربة من حدودها الجنوبية، وستحرص على أن تقضي بالكامل على أي خطر قد يمثله الحوثيون عليها مستقبلا، وتقضي على إي إمكانية لتمدد إيراني بجوارها الجنوبي.

مقدمة

شنَّ عدد من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية، في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس الموافق 26 مارس/آذار 2015، عددًا من الغارات الجوية على مواقع تابعة لجماعة الحوثي اليمنية والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بعد طلب رسمي من الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، ناشد فيه دول الخليج “تقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية المدعومة من قوى إقليمية”.

يبدو أن ما عجَّل بتحديد ساعة الصفر للبدء في عملية “عاصفة الحزم” هو تقدم الحوثيين وقوات صالح نحو عدن للسيطرة الكاملة على اليمن، واعتبار السعودية ذلك، منذ مدة، خطا أحمر لن تسمح بتجاوزه لأنه يوقع اليمن تحت النفوذ الإيراني، فيتعرض أمنها وأمن جيرانها في منظومة مجلس التعاون الخليجي لخطر داهم.

علاوة على أن هذه العملية وقعت أيضًا قبل يومين فقط من اجتماع القادة العرب في قمتهم المقرر عقدها في شرم الشيخ المصرية، وقبل أيامٍ قليلة من الموعد المحتمل (نهاية مارس/آذار الجاري) لتوقيع اتفاقية مهمة بين دول مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن+ألمانيا) من جهة وإيران من جهة أخرى، بخصوص ملفها النووي.

لكن مجريات العملية تدل على أن السعودية اتخذت القرار منذ أيام، لأن الضربات الجوية قصفت بنكا من الأهداف التابعة للحوثيين وصالح، مما يعني أن هناك تعاونا استخباراتيا وتنسيقا عملياتيا ودبلوماسيا بين الحلفاء الرئيسيين، ويمكن ترتيب القوى المنخرطة في العملية من حيث الأهمية في دوائر تحيط ببعضها، فدائرة القلب تضم دول الخليج المشاركة، والدائرة التي تليها تضم أمريكا على وجه الخصوص، لكن التحرك المتأخر لبعض الحلفاء المشاركين في العملية أو إعلانهم بأنهم لا يزالون يدرسون طريقة مشاركتهم يدل على أنهم لم يكونوا ضمن الدائرة الضيقة التي اتخذت القرار.

أدخل هذا التطور العسكري عوامل جديدة في التفاعلات الجارية بالمنطقة؛ فالسعودية فاجأت خصومها بقدرتها على تشكيل تحالف واسع من الدول العربية والإسلامية وإقناع الولايات المتحدة بالتعاون معها، وبمبادرتها إلى شنِّ حرب ظنوا أنها لن تجرؤ على القيام بها دون غطاء من الجامعة العربية أو مجلس الأمن. وقد أظهر هذا التدخل أيضًا أن السعودية وضعت خطوطًا حمراء لأمنها ولرؤيتها لأمن المنطقة وأنَّ تجاوزها سيكون مكلفًا، وأنها قادرة على فرض أجندتها بعيدًا عن الأولويات الأميركية التي كانت تحرص على تفادي عوامل التوتر مع إيران من أجل تمرير الاتفاق النووي.

هذه الاعتبارات ستعيد ترتيب أولويات الفرقاء المنخرطين في الأزمة اليمنية داخليًّا وخارجيًّا، وتدفعهم إلى تغيير استراتيجياتهم وتحالفاتهم ومساراتهم.

معضلة فرقاء الداخل

يمكن تصنيف القوى اليمنية المعنية بهذه التحولات إلى طرفين رئيسيين، تندرج تحتهم تشكيلات عديدة، وهما: القوى الملتفة حول الرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة، وجماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة أخرى.

سيواجه الرئيس هادي صعوبة في التوفيق بين تكاليف التدخل الخارجي، والحفاظ على الدعم الداخلي لمشروعيته، فمن جهة يبدو لجوؤه إلى القوة المسلحة، في نظر المؤيدين له، دفاعًا مشروعًا عن النفس في وجه عدوان داخلي وخارجي على شرعيته؛ فالحوثيون والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح انقلبوا على كل مخرجات الحوار التي توافق عليها اليمنيون لترتيب المرحلة الانتقالية ورعتها الدول الخليجية والأمم المتحدة، ولجؤوا إلى القوة لفرض سيطرتهم على البلاد. أما إيران فقد باتت طرفًا في الانقلاب لأنها عقدت صفقات اقتصادية مع الحوثيين وأمدَّتهم بالسلاح واعتبرت توسعهم مكسبًا يعزز نفوذها ويُضعف من مركز خصومها الخليجيين. لكن من جهة أخرى سيحاول الحوثيون والرئيس المخلوع صالح إحداث شروخات في صفوف خصومهم، بتحميل الرئيس هادي مسؤولية سقوط ضحايا مدنيين نتيجة الغارات الجوية التي يشنُّها التحالف، واتهامه بالتفريط في حياة اليمنيين من أجل السلطة. إلا أن من المرجح أن تحالف هادي سيظل متماسكًا لأن البديل عن التدخل الخارجي هو سيطرة عسكرية للحوثيين وصالح تقضي على نتائج الثورة والحوار الوطني، وتعيد اليمن إلى سلطة تجمع بين الديكتاتورية والطائفية.

أما القوى الجنوبية المطالبة بالاستقلال، فقد حاولت أن تُجنِّب عدن والمناطق الجنوبية الصراعات على السلطة المركزية بصنعاء، وظلت تحاول إقناع هادي بتبني مطلب الاستقلال، لكن تقدم الحوثيين وصالح إلى عدن وتنامي مخاطر سيطرتهم عليها، جعلها تفاضل بين قبول شرعية هادي، الرئيس الجنوبي، أو القبول بالوقوع تحت سيطرة القوى الشمالية التي يمثلها الحوثيون والرئيس المخلوع صالح الذي حاربهم في 1994، وستميل إلى الخيار الأول دون أدنى شك.

 

من الجهة المقابلة، أوقع التدخل العسكري الخارجي الحوثيين في مأزق، فإذا استماتوا في التقدم جنوبًا نحو عدن للقضاء على أية سلطة تنازعهم سلطتهم على البلاد فإنهم يفتقدون القوى التي تحمي مركزهم الرئيسي بصعدة في الشمال على تخوم الحدود السعودية، لكن إن قرروا التراجع عن عدن والعودة إلى الشمال لشنِّ حرب داخل الأراضي السعودية فإنهم يخسرون المواقع التي سيطروا عليها باليمن وتخرج صنعاء من أيديهم، فلا يعود لديهم أوراق يفاوضون بها في التسوية السياسية القادمة. ولعل الراجح أنهم سيضطرون إلى التراجع لأن خسارتهم عدن خصم من نفوذهم أما خسارتهم لصعدة فتقضي على وجودهم بالكامل.

أما الرئيس المخلوع صالح، فيُعدُّ الحلقة الأضعف في هذه التحولات، فهو يتأرجح بين التعاون مع الحوثيين ليمهد الطريق إلى تولي ابنه أحمد رئاسة اليمن، وبين حرصه على الغطاء الخليجي الذي منحه الحصانة عقب الثورة ومثَّل ملجأً لكثير من أمواله التي كشف تقرير أممي أنها تبلغ نحو 60 مليار دولار، علاوة على أن القوى الشمالية التي تشكِّل حزبه، خاصة القوى القبلية، ترتبط بعلاقات قوية مع العربية السعودية، وقد لا تسايره إن قرر التصدي عسكريًّا للسعودية من أجل تحقيق طموحاته العائلية. وقد يقرر صالح الابتعاد عن الحوثيين والمطالبة بحلٍّ سياسي يحافظ على مكاسبه السابقة ويمنع قواته من الانهيار، لكن إن أخطأ التقدير وأصرَّ على الحسم العسكري، فإن من المرجح أن تقع شروخ كبيرة في بنية قواته.

من التقديرات السابقة، يتضح أن صالح هو الحلقة الأضعف، وقد يقع الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي عليه حتى يتخلى عن الحوثيين، فيصيروا دون غطاء يحمي ظهورهم، وينتقلوا من الحرب الهجومية إلى الحرب الدفاعية للاحتماء بجبال صنعاء مجددًا.

دول الخليج: ترتيب الأولويات

تجدر الإشارة إلى أن البيان الذي أعلن بدء العملية العسكرية صدر بإسم خمس دول خليجية، وهي السعودية، قطر، الإمارات، البحرين والكويت؛ ما يدل على أن مجلس التعاون كمنظمة إقليمية تضم ست دول لا تمثل الجهة التي أصدرت البيان، وهذا ما يفسِّر استثناء سلطنة عُمان من مجموعة الدول الخليجية التي أعلنت انضمامها إلى العملية العسكرية.

ولعل الموقف العماني يندرج في اتجاه سابق، جعل السلطنة تتفادى الدخول في مواجهة مع إيران، لأنهما يتقاسمان مضيق هرمز، ولا يوجد في السلطنة مكون شيعي نشط قد تستعمله إيران لإثارة القلاقل، علاوة على أن إيران ساندت في عهد الشاه العرشَ العُماني في القضاء على ثورة ظفار اليسارية.

وتُعد مشاركة باقي دول الخليج إشارة إلى أنها تشترك في اعتبار التمدد الإيراني خطرًا على أمنها، وأنها تتجاوز خلافاتها الجانبية للتصدي له، وتستعيد التضامن فيما بينها، وستقبل بتقديم تنازلات متبادلة في مناطق وقضايا أخرى من أجل الحفاظ على التماسك في هذا الامتحان المهم. وستضع إيران هذا التضامن في الحسبان مستقبلًا فتكون أكثر حذرًا في تحركاتها بمنطقة الخليج، وتحاول أن تتفادى التوتر والصراع حتى لا توقِع نفسها في عزلة إقليمية تسعى جاهدة للخروج منها.

ستكون السعودية، من بين الدول الخليجية المشاركة، اللاعب الأكبر في تحديد النتيجة النهائية للحرب لأنها تتقاسم حدودا مشتركة مع اليمن، وتوجد صعدة مقر الحوثيين على مقربة من حدودها الجنوبية، وستحرص على أن تقضي بالكامل على أي خطر قد يمثله الحوثيون عليها مستقبلا، وتقضي على إي إمكانية لتمدد إيراني بجوارها الجنوبي. إلا أن السعودية تواجه تحديا جديا، وهو أن الحرب قد تشغلها باليمن فترة طويلة، فينقص تركيزها على جبهات أخرى مثل سوريا والعراق، فتنتهز إيران الفرصة وتشدِّد قبضتها أكثر على البلدين.

إيران: تكلفة التوتر

اليمن ساحة مهمة جدًّا لإيران لكي تمد نفوذها في المنطقة، فهو يقع بالخاصرة الجنوبية لخصمها الرئيسي، العربية السعودية، فركَّزت على بناء تحالف قوي مع الحوثيين؛ حيث قدَّمت لهم كثيرًا من الدعم المالي والعسكري، وكانت تحرص على أن يكونوا لاعبًا رئيسيًّا في المعادلة اليمنية.

 

وخلال الأشهر الأخيرة صدر الكثير من التصريحات بإعتبار التمدد الحوثي في اليمن هو استمرار لمسار الثورة الإيرانية، وأُطلقت تهديدات بأن الدور القادم على السعودية، لكن التطورات العسكرية الجارية وضعت إيران في مأزق: كيف يمكنها مساندة الحوثيين دون الوقوع في عزلة إقليمية مجددًا؟

السيناريو الأول: تحريك الخلايا النائمة لزعزعة القوى الخليجية المناوئة، لكن هناك عائقان أمام هذا السيناريو، ويتمثلان في أن هذه الخلايا النائمة لا تمتلك القوى المسلحة الكافية لقلب الأوضاع، علاوة على أنها تخشى من أن يُعتبر تحركها خدمة لأجندات خارجية طائفية تكشفها داخليًّا بدول الخليج.

السيناريو الثاني: استعمال الحوثيين لاستدراج السعودية في حرب استنزاف، لكن مخاطر هذا السيناريو مرتفعة، لأنه قد يؤدي إلى إنهاك كامل للحوثيين وقد يهدِّد بقاءهم ويفرض عزلة متزايدة على إيران.

السيناريو الثالث: امتصاص الصدمة المسلحة بتهدئة الأجواء والدعوة إلى تغليب التسوية السلمية والحوار، ويقوِّي حظوظ هذا السيناريو حرص إيران على عقد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وتخوفها من أن اختيارها تصعيد المواجهة مع دول الخليج المشاركة في العملية قد يضطر الدول المحايدة أو المترددة في العالم العربي والإسلامي إلى الالتحاق بالتحالف الذي تقوده السعودية، فتزيد من العزلة المفروضة عليها إقليميًّا منذ عشرات السنوات بدلا من كسرها كما كانت تأمل.

حسابات دولية

سوف تؤثر الأزمة اليمنية على عدة ملفات دولية، أهمها: إعاداة تشكيل التحالفات الإقليمية؛ فقد ينشأ محور سُنِّي جديد يمتد من باكستان إلى السودان موجَّه ضد إيران، وقد يستغل النظام السوداني الفرصة للحصول على غطاء خليجي يعيد تأهيله دوليًّا بعد أن ظلَّ معزولا، وأيضًا قد تنتهز باكستان فرصة هذه الحملة في عدد من الملفات الدولية، من بينها الاستعانة بالسعودية لتقوية نفوذها في أفغانستان على حساب الهند وإيران، وقد تدفع هذه الحرب طهران إلى القبول بتسوية سياسية في سوريا بعد أن تأكدت من أن السعودية قادرة على تشكيل تحالف واسع والتدخل العسكري لوقف التمدد الإيراني. أو على العكس، قد ترد إيران على تعثر مشروعها باليمن بإقصاء حلفاء السعودية في كل من العراق ولبنان وسوريا من أي إمكانية للمشاركة السياسية.

من جانب آخر، يدل تدخل السعودية العسكري في اليمن على أن الولايات المتحدة اعترفت للسعودية باستقلالية أوسع في التحركات الإقليمية حتى وإن كانت أولوياتهما تختلف، بعدما كانت ملفات المنطقة المهمة تدار بشكل رئيسي من قبلُ بين الولايات المتحدة وإيران كما في العراق.

وستدفع العملية العسكرية أسعار النفط إلى الارتفاع في الأسواق الدولية، فتخف الأعباء المالية على روسيا قليلًا، ولعل موسكو ستحرص على إطالة أمد المواجهة بل ومساندة الحوثيين حتى تطيل أمد الصراع، فتظل أسعار البترول متجهة إلى الأعلى، والأنظار بعيدة عن تحركاتها في أوكرانيا.

مسارات

ستغيِّر عملية “عاصفة الحزم” توازنات القوى بين الفرقاء اليمنيين، فتجعل تكلفة الانقلاب مرتفعة بحيث قد توقع شروخًا بين الحوثيين وصالح تقضي على تماسكهم واستمرار مشروعهم. وستصر السعودية على استمرار العملية العسكرية حتى ينشأ ميزان قوى جديد يفرض على الحوثيين القبول بالمشاركة في العملية السياسية حسب مقررات الحوار الوطني، فيكون من نصيبهم إقليم من بين الأقاليم الستة، المقررة في مشروع الدستور، دون منفذ على البحر يمكنهم من الاستعانة بالإيرانيين لتنمية قواتهم المسلحة. ولعل ما يدل على أن السعودية ترمي إلى إنشا ميزان قوى جديد بإضعاف الحوثيين أن ضرباتها الجوية لم تنحصر في التصدي للقوات المتقدمة نحو عدن، بل كانت أغلبية الضربات مركزة على صنعاء لإضعاف قبضة الحوثيين عليها لأنها مركز الثقل الإداري واللوجيستي والاقتصادي، وإذا تضعضع مركزهم فيها فقدوا توازنهم في باقي المناطق فتشرع قواتهم في الانهيار، فينشأ ميزان قوى جديد نتيجة فقدانهم الأفضلية العسكرية.

أمَّا خارجيًّا فإن “عاصفة الحزم” أظهرت أن السعودية قادرة على تشكيل حلف دولي يتصدى للتمدد الإيراني، وأن الولايات المتحدة اعترفت لها باستقلالية أوسع في القرار، وأن ترتيب شؤون المنطقة لن يحسمها أي توافق أمريكي إيراني يفتقد لإذن سعودي خليجي.

مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

التخريب الحوثي والتوازن الكارثي “المضاد”/ وسام سعادة

إيرانية كانت أو غير إيرانية، جماعة «أنصار الله» الحوثية لم تعد تكتفي بالسيطرة على الهضبة اليمنية من صعدة حتى صنعاء ذات الغلبة المذهبية الزيدية، وأخذت تستولي على مناطق ذات غلبة مذهبية شافعية وصولاً الى تعز، وهذا معطى أخطر بكثير من واقعة سيطرة هذه الجماعة على العاصمة اليمنية نفسها، لأن البلد الذي لعب العامل المذهبي دوراً أساسياً في انقساماته، كان يتفاعل مع جملة عوامل أخرى في ما مضى، في حين أنه اليوم، وبالمقويات التوجيهية والتجهيزية الإيرانية يراد تحويله ليس فقط الى عنصر الفرز الأساسي بين اليمنيين بل الى عنصر غلبة بعضهم على بعض. الحوثية التي تعمل على إعادة إنتاج الانتماء المذهبي الزيدي على نحو مهدوي وأيديولوجي يحاكي المتواتر من إيران، تبتغي في الوقت نفسه فرض سيطرة أهل مذهب على آخر، متجاوزة النسبة الديموغرافية التي تعطي رجحاناً للشوافع على الزيديين، ومغامرة في الوقت نفسه بالثقل العددي لليمن ككل، كما حال المغامرة المذهبية بالثقل العددي للعراق، حيث إننا نرى في البلدين، كيف أمكن للسياسة الإيرانية، وليس فقط الإيرانية، بل للجماعات الأهلية المسلحة المستعينة أو المستوحية من هذه السياسة، أن تطلق العنان لنزعات استيلاء وغلبة، تفضي لا الى الهيمنة على الكيان، بل الى تبديده، ولا الى إنشاء امبراطورية إيرانية مزعومة، بل الى المزيد من تبعية هذا الشرق العربي لآليات التحكم والابتزاز التي تتداولها الدول الكبرى. فمن يصل به هذيانه حد توهم أن ما يجري إن في العراق أو في اليمن هو «نهضة» أو «صحوة»، يجيبه الواقع بأن هذين البلدين، والمنطقة الممتدة حولهما، قد تآكلت فيها بشكل غير مسبوق المعالم الكيانية والتحررية الوطنية.

يراهن الحوثيون على إفراز واقع يجعل شمال البلاد حتى تعز في أيديهم، ويطلق يد الحركات الجهادية، «القاعدة ومشتقاتها» في جنوب البلاد، بحيث يصير الحوثيون من «عصبة مكافحة الإرهاب الأممية» التي تخطب ودّها الولايات المتحدة الأميركية، وبحيث يؤمّن هذا الواقع في سنوات قليلة انقلاب التوازنات المذهبية – الديموغرافية والسياسية جنوب غربي الجزيرة العربية. وهذا، بشكل عام، هو رهان أنصار إيران في العراق أيضاً، على أن يكون القسم العربي السني فيه في يد الجماعات الجهادية، فتصير طائفة «إرهابية» والأخرى «مكافحة للإرهاب». النظام الديموقراطي الليبرالي – الحقوق إنساني في سوريا بقيادة بشار الأسد لم يقل غير ذلك أيضاً. وطبعاً، لإيران تجربة في تحويل أهل بلوشستان فيها إلى «إرهابيين» تعمل على مكافحتهم. المثال البلوشي يراد له أن يعمم. في بلوشستان يحاسب كل الشعب على أفعال «جند الله»، وفي اليمن تطلق يد «أنصار الله»، ومن غير شرّ في الآونة الأخيرة أخذ أهل النظام السوري يتسمون هم أيضاً على فضائياتهم بـ»رجال الله».

هذا المنطق لا يجد من يعترضه بشكل جدي، وحيوي، وهنا الخطورة. من جهة، الحركات الجهادية «تقع في المصيدة» التي ينصبها لها أنصار إيران والنظام السوري. تسلّط على المناطق السنية فيتردّد الغرب قليلاً ثم يبدأ فيه التأثر بالاقتباس والتعميم الإيرانيين لثنائية «إرهاب ومكافحة إرهاب»، من دون أي شعور بفداحة تحويل الحوثيين والأسديين وخلافهم الى «مكافحي إرهاب».

ومن جهة ثانية، المنظومات الحكومية عبر المنطقة العربية، وهذه أيضاً تكبّل نفسها بنفسها، وتخفي من وراء أفعالها المرتجلة حيرة داخلية، إذ تشعر بأنها محاصرة بين مجاهدي إيران من جهة، والجهاديين في الوقت نفسه.

ومن جهة ثالثة، الغرب الذي راقت له ثورات الربيع العربي يوم بدت تشبه «الثورات المخملية» في أوروبا الشرقية، فما كان منه إلا أن عدّل النظرة أول ما سالت الدماء، وعمّم الموقف الإسلاموفوبي، بأنّ عادة أن يتقاتلوا بين بعضهم البعض هكذا، والمهم الاحتماء منهم.

كل هذا، يجعل التخريب الحوثي نموذجاً ليس من يصدّه؛ لكنه في الوقت نفسه، كما حال مرادفاته في العراق او في سوريا، تخريب عبثاً يتجاوز الواقع الداخلي اليمني نفسه، او السوري او العراقي. وهذا الواقع معادلته الأساسية بسيطة، بسيطة جداً، لكنها تنتج مضاداتها الحيوية: بالإمكان تبديل الأحجام الديموغرافية الإثنية والمذهبية وانتشارها الجغرافي، لكن لا يمكن إفراز واقع مثالي مستقر لسيطرة الجماعات المسلّحة الموالية لإيران. التوازن الكارثي سيبقى سيد الموقف إذاً، بأشكاله التناحرية، إن في العراق أو في سوريا أو في اليمن، وبشكله «المحتبس»، كما في لبنان.

المستقبل

 

 

 

 

تحالف إقليمي لمواجهة تمدد إيران؟/ غازي دحمان

يصر الإعلام الإيراني على نشر صور قاسم سليماني “قائد فيلق القدس” وهو يتنقل بين الجبهات من تكريت إلى درعا وبيروت، في طريقة استعراضية لم يعد خافيا الهدف من ورائها، وهو إرسال رسالة لأصحاب الشأن من القوى الإقليمية والدولية بأن ذراع إيران الضاربة باتت تطوق المنطقة وتخضعها بالكامل.

وما دامت الصورة خير من ألف كلمة -حسب المثل الصيني- فإن صور قاسم سليماني هي كناية عن تطويب (منح) الساحات في ملكية المشروع الإيراني وإعلان طهران أن الأرض التي يقف عليها سليماني والحدود التي يصل إليها مدى منظاره صارت اختصاصا إيرانيا صرفا.

هل ثمة مبالغة في تفسير مضامين الرسالة الإيرانية؟ ربما يكون الواقع أكثر قسوة من ذلك بكثير، فالأرض التي وطأتها القدم الإيرانية في العراق وسوريا أفرغت تماما من سكانها وبحجة تحريرها من معارضي المشروع الإيراني يحرم على أهلها العودة إلى ديارهم.

في جنوب دمشق جرى تهجير سكان مناطق واسعة بجوار مدينة السيدة زينب، وقبلها من القصير والقلمون، والآن يجري الأمر في أرياف درعا والقنيطرة الشمالية، ويجري كذلك بكثافة في الرمادي وصلاح الدين، حتى أن مدنا شقيقة في العراق ترفض استقبال أبناء تلك المناطق فيما يبدو أنها عملية دفع لخارج العراق نهائيا.

أما البنى والهياكل السياسية في سوريا والعراق فقد انتهت إلى سلطات محلية تحت إشراف القيادة الإيرانية، أو جزء من منظومة إقليمية ذات اختصاصات وصلاحيات محددة يتم الإشراف عليها وتسييرها وفق خطة مركزية تصدرها طهران.

أمام هذا المشهد، ثمة تحركات دبلوماسية تدور في المنطقة يستشف منها محاولة لتأسيس تحالف مواجه لإيران الهدف منه تخفيف منسوب ودرجة الأضرار التي أحدثتها في الإقليم بعد سنوات طويلة من هجوم اتخذ في البداية أسلوب سياسات ناعمة ما لبث أن تحول إلى نمط من السياسات الهجومية الكاسحة.

لم يعلن حتى اللحظة بشكل صريح عن النية في إنشاء هذا التحالف، ربما لأن إعلانه يحتاج إلى تسويات وترتيبات معينة بين أطرافه، وربما انتظار لما ستؤول إليه التطورات وخاصة مضامين ومآلات الاتفاق النووي المزمع عقده بين واشنطن وطهران، لكن ما يتم استخلاصه من الحركة الإقليمية أن أوراق اعتماد هذا التحالف جرى تقديمها وهو في طور استمزاج الأطراف المدعوة له وتفحص مواقف القوى الفاعلة في العالم ومدى دعمها أو اعتراضها على اعتبار أن التحالف سيكون له تداعيات على الأمن العالمي، فيما الطرف الأميركي مشغول كلية بإنجاز الاتفاق النووي.

غير أن ثمة أسئلة لا بد من طرحها، بعيدا عن الرغبة في إنشاء هذا التحالف ومدى المصلحة المتحققة منه للكيانات والمكونات المتأثرة من التدخل الإيراني، ذلك أن شعوب المنطقة وبالنظر للواقع المأساوي الذي تعيشه وبالنظر للخيبات التي راكمتها من الوعود المهدورة عن مناصرة حقها في الحياة وحمايتها من الموت المسلط عليها، لم تعد لديها القدرة على ضمان أكثر من خيمتها التي تتظلل تحتها، وبالتالي فإن هذا التحرك صوب إنشاء التحالف مطلوب منه الإجابة عن ما يلي:

أولا: ما هو الإطار الذي سينضوي تحته العمل في هذا الحلف، هل هو تشكيل إقليمي محدد المؤسسات والآليات، بمعنى أنه إعادة صياغة للنظام الإقليمي بما يتطلب إلغاء النظام القديم وإعلان موته نتيجة انتهاء فعاليته وبالتالي تشكيل بديل مختلف على أسس واعتبارات جديدة؟ أم مجرد تحالف لتحقيق أهداف محددة ذات طابع عسكري وينتهي بانتهاء المهمة المكلف بها، وإذا لم يكن هذا وذاك فهل الحراك الحاصل بالخصوص كان لمجرد التأكيد على رفض ممارسات إيران وتجديد المعارضة لمشروعها؟

طرح هذه الأسئلة يأتي نتيجة الخبرة في العمل الإقليمي تجاه الأزمة السورية، ذلك أن كل الأطراف التي من الممكن أن تذهب إلى تأسيس الحلف المنشود كانت منخرطة بطريقة أو أخرى في الأزمة السورية لكن بشكل فوضوي افتقد للتنسيق وللرؤية وللإستراتيجية الموحدة لذلك لم يثمر جهدها نتائج إيجابية على الأرض، بل إنه في التقدير المحايد كثيرا ما جاءت نتائجه عكسية ومضرة، رغم الجهود والأموال الكبيرة التي تم صرفها، وإذا لم يكن هناك تنسيق وقيادة فاعلة وموحدة لمثل هذا التحالف فإنه لن يكون سوى إطار لتصريف الغضب تجاه إيران بطريقة عشوائية.

والواقع أن تجربة إيرن كانت أكثر نجاحا على الصعيد العملياتي وذلك عبر التنسيق والضبط والإدارة الموحدة لمسرح العمليات، يكفي أنها استطاعت حتى اللحظة تثبيت بشار الأسد كواجهة للحكم في سوريا، بل انتقلت إلى مرحلة الهجوم عبر قيادتها للعمليات في درعا وحلب.

ثانيا: ما هي آليات هذا التحالف وأدواته، هل ستكون على نمط آليات التحالف الدولي ضد داعش، بمعنى أن يكون له هيكل عسكري وتشكيلات تنفيذية وكيف يمكن التعامل مع التشكيلات الإيرانية؟ من المعلوم أن لإيران جيوشا حقيقية عاملة على الأرض في سوريا، لها مسميات عديدة وتنتشر في غالبية الجغرافية السورية، ومواجهة إيران تعني تفكيك هذه الجيوش وانكفاءها عن الأرض السورية نهائيا، بالرغم من أن بعض التقديرات تذهب إلى أن عدد هذه الجيوش يبلغ عشرات الآلاف، ما يعني أن مواجهتها تتطلب جيوشا مكافئة في العدد والتسليح.

وقد جرى بناء هذه التشكيلات الإيرانية على مدار زمني مريح وتمت موضعتها في مسرح العمليات بطريقة أقرب إلى الحقن، ما يعني أن استئصالها يحتاج لعمليات جراحية معقدة، وليس عمليات سطحية سريعة، وبالتالي فإننا نكون أمام مواجهة قد ينتج عنها تدمير سوريا بشكل نهائي وخاصة أن أغلب التشكيلات الإيرانية تتواجد في المدن الرئيسية وفي مناطق الكثافة السكانية العالية، فهل التحالف المنوي تأسيسه قادر على خوض هذه المغامرة؟

ثمة بديل قد يكون أجدى وأقل ضررا وهو مواجهة رأس المشروع بشكل مباشر الأمر الذي سينتج بشكل أوتوماتيكي انكفاء أذرعها وتراجعها في سوريا وربما في العراق، لكن ذلك يعني مواجهة إقليمية مباشرة وواسعة، فهل الأطراف مستعدة لهذا الاحتمال؟

ثالثا: ما هو التبرير السياسي والأمني الذي سيتأسس عليه هذا التحالف؟ هل سيكون تحت شعار مبدأ الحماية الإنسانية بتطبيقات إقليمية ودون الرجوع إلى مؤسسات النظام الدولي كمجلس الأمن، في هذه الحالة ما هو مدى التنسيق بين القوى الإقليمية المنخرطة في التحالف وبين القوى الوازنة في النظام الدولي، أقله لضمان وجود شبكة حماية دولية تحميها من ردات فعل القوى الدولية المؤيدة لنظام الأسد، أم إن التحالف سيتم تبريره استنادا إلى حماية الاستقرار الإقليمي وخاصة أن هذا الاستقرار بات على شفير هاوية الانهيار، وأن دولا عدة في الإقليم باتت على بعد خطوات من حدوث تحولات قاسية بداخلها نتيجة حالة الفوضى الإقليمية التي تسببت بها إيران، أم سيرتكز على قاعدة حماية الأمن الوطني لكل دولة بعد أن صارت إيران تهدد أمن هذه الدول بأسلوب فج لا يخلو من التحدي المعلن؟

من واقع الخبرة الدولية في تأسيس تحالفات القوة الإقليمية والعالمية في مواجهة المخاطر أنها ارتكزت بالدرجة الأولى على الإرادة السياسية لأطرافها، ذلك أن أغلب التحالفات التي شهدها التاريخ، وخاصة المعاصر منها، التحالف ضد نابليون في أوروبا وضد النازية كانت استجابة للتحديات التي طرحتها هذه الأطراف في وجه أوروبا، فيما يخص مسائل جوهرية تتعلق بمصيرها وهويتها ونمط عيشها، وبالتالي كانت أحلاف ضرورة وحالة إكراهية، وثبت أن التأخر في إنشاء تلك الأحلاف كان عاملا سلبيا زاد من حدة الخسائر في العمران والأرواح.

وفي الشرق الأوسط يبدو أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة صادمة، حيث تمثل إيران هنا القوة التي تسعى إلى إعادة صياغة المنطقة بما يتفق ورؤيتها وأيديولوجية النظام الحاكم فيها، وتتخذ هذه الصياغة منهجا عنيفا وصل حد الإبادة والتطهير العرقي في مناطق كثيرة من سوريا والعراق، وبالتالي لم يعد هناك من داع للمواربة في الاستجابة للتحدي الذي يطرحه قاسم سليماني على المنطقة وهو يوقع صوره بشعار” جئتكم بالإخضاع أو التهجير والذبح”.

 

 

 

 

 

 

الثورة الإيرانية ثورة مضادة عربياً (وإيرانياً)/ حازم صاغية

إذا كان نجاح الثورة الفرنسية قد أطلق الحرب النابوليونية والحركات القومية وعدداً لا يُحصى من التحولات الكبرى في أوروبا والعالم، فإن فشل الثورات العربية لم يطلق إلا الحروب الإقليمية الضعيفة المعنى، ممزوجة بقدر من العفن تعبر عنه حركات العنف الحاكمة منها والمعارضة.

لكن هذا لا ينبغي أن يحجب حقيقة صارخة هي أن النظام الإيراني، الذي ولد من رحم ثورة شعبية جبارة، كان من البداية مصدراً لا ينضب للثورة المضادة في العالم العربي.

فلئن اتُهمت أنظمة كثيرة تشتبك اليوم مع إيران بمحاولات استيعاب الثورات أو تدجينها أو حرفها عن أهدافها، ولئن حاولت أنظمة كثيرة في المنطقة أن ترعى الثورات المضادة، بقي أن طهران لم تفوت فرصة للوقوف على رأس المدافعين عن «العالم القديم»، كي تبقى وحدها من يحتكر «الثورة». وهي إنما فعلت ذلك بانتظام ومنهجية افتقر إليهما كل الأنظمة الأخرى على اختلافها.

وإذا كان من السهل البرهنة على هذا الافتراض في بلد كسورية، حيث الإيرانيون وتابعوهم هم الذين يسندون نظام البراميل الأسدي، المتفرع عن نظام قام في 1963، فإن اليمن يستعرض الحقيقة ذاتها، وبالشفافية عينها التي ينم عنها الوضع السوري. ذاك أن طهران، وكما هو معلوم جيداً، هي الطرف الداعم لتحالف يضم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وقواته العسكرية والأمنية.

وأمر الوقوف مع الأنظمة القديمة والأوضاع القديمة، بالاستفادة من التناقضات الأهلية في البلدان المعنية، لا يقتصر على دول الثورات. فكمثل الحوثيين في اليمن، وفر «حزب الله» اللبناني، خصوصاً من خلال حربه في 2006، الأداة والمناسبة المطلوبتين لإرجاع الحياة السياسية اللبنانية إلى ما كانته قبل 2005، أي طغيان الأجندة التي وضعها النظام الأمني السوري – اللبناني على أجندة ما بعد اغتيال رفيق الحريري، والتي تصدرها طلبا السيادة والاستقلال. أما في العراق، فبدل الارتقاء بالوضع الناشئ عن إطاحة صدام حسين لبناء نموذج تعددي مقبول، صب الجهد الإيراني، علناً وسراً، في مشروع قوامه استبدال الهيمنة السنية الجلفة لصدام حسين بهيمنة شيعية لا تقل عنها جلافة.

ومفاد هذه التصرفات والأعمال في عمومها تحويل المنطقة منطقة احتراب طائفي مفتوح، أو تهيئة الظروف المواتية لذلك. هكذا لا يبقى من وظائف التدخل في بلد كالبحرين سوى إضعاف الطابع الثوري المحلي لمصلحة الطابع الإلحاقي إقليمياً.

وأسوأ من هذا كله في دلالته على النزعة المضادة للتقدم ذاك السعي النووي الذي سوف يستجر بالضرورة سباقاً نووياً يزيد في إضعاف شروط التنمية، وهي ضعيفة أصلاً، في هذه المنطقة العطشى إلى كل ما يفيد.

وهذا إنما يعيدنا إلى المربع الأول، أي إلى الثورة الإيرانية نفسها، والتي كانت، في موقفها من المرأة ومن الإصلاح الزراعي ومن الاتصال بالعالم، مشروعاً مناهضاً للثورة ثاوياً في بطن الثورة الخصيب.

وهذا كلام ينبغي قوله بصراحة لا تعيقها مواقف الشاه من أميركا ومن إسرائيل. فأن نفهم تلك البداية هو إحدى مقدمات الفهم لما يجري اليوم.

 

 

 

 

 

قمة الهجوم المضاد/ غسان شربل

> حين يفتح القادة العرب، في شرم الشيخ اليوم، خريطة العالم الذي ينتمون إليه ستفوح رائحة الدم. الدم السوري. والعراقي. واليمني. والليبي. والصومالي. فضلاً عن دم القضية المركزية أو التي كانت تحظى بهذا الوصف.

وإذا أمعنوا النظر استقبلتهم الأهوال. خرائط ممزقة. وشعوب تائهة. ودول مفككة. وحدود منتهكة. وجيوش متهالكة. وأسراب من الظلاميين. وميليشيات عابرة للحدود. وسكاكين مذهبية. وحدها مصانع الجثث والأرامل والأيتام تعمل بكامل طاقتها. لم يعد حديث «الربيع» مطروحاً لا من الخائفين منه ولا من الخائفين عليه. القصة أكبر وأخطر.

وحين تضرب رياح الظلم والظلام مواقع أساسية في الجسد العربي وتوقع المنطقة بأسرها في دوامة الخوف أو التشدد لا يفاجأ المراقب بما حل بالعرب. خسروا دور اللاعب وتحولت ديارهم ملاعب. ضرب الإعصار استقرارهم. واستنزف اقتصاداتهم. وها هم شعوب كاملة من اللاجئين والعاطلين من العمل واليائسين.

الدول المجاورة ليست جمعيات خيرية. تزداد الصعوبة حين تكون هذه الدول وافدة من ركام امبراطوريات. ومن ذاكرة مجروحة تهجس باستعادة مجد ضاع. والفراغ يستدرج الجيران ويشجعهم على ارتكاب التدخلات ومحاولات تغيير الموازين والملامح.

ليس كثيراً أن يطالب العربي العادي قمة شرم الشيخ أن تكون قمة الهجوم المضاد. قمة تبدأ بوقف الانحدار العربي وتنطلق لاستعادة أبسط حقوق العرب في الإقليم. حقهم في الإمساك بمصيرهم. ووضع اليد على ملفاتهم. وحقهم في استرجاع استقرارهم. واسترداد الشعوب من الحروب الأهلية والمغامرات المكلفة وردع المتعصبين والذباحين الذين خرجوا من كهوفهم لاقتياد الأمة إليها.

ليس كثيراً أن يطالب العربي القلق بإيقاظ العروبة التي سقطت تحت ضربات التعصب والتربص وتسديد الحسابات القديمة. إيقاظ عروبة حضارية تسمح بالاختلاف والاعتراف المتبادل والإنصاف وتعيد اجتذاب من سرقتهم عقدة الهويات المسورة بالدم. عروبة تتسع للأعراق والأديان والمذاهب. تتسع للأكثريات والأقليات تحت سقف الدولة والمؤسسات.

قتلنا سقوط العروبة. أعادنا جزراً متكارهة ومكونات متحاربة ومناطق متربصة. ثوب العروبة أكثر رحمة من الملابس الضيقة المحروسة بالخطافات والخناجر. عروبة حضارية ومتسامحة. ودول طبيعية يذهب فيها الأولاد إلى المدارس لا إلى ثكن الميليشيات.

إنه حق العرب في أن يكونوا أمة حرة وطبيعية. وأن يدافعوا عن وجودهم ومصالحهم. وأن يتعايشوا مع الآخرين ويتاجروا معهم. وأن تكون الحدود فرص تعاون وتبادل لا كمائن للتسلل وفرصاً للاشتباك. لهذا ليس المطلوب استحضار جروح التاريخ وفواتيره. ليس مطلوباً إيقاظ العروبة لا ضد الفرس ولا ضد العثمانيين. المطلوب إيقاظها من أجل أن يكون للعرب في هذا الشرق الأوسط الرهيب بيت يعيشون فيه حاضرهم ويبنون مستقبلهم.

انطلاقاً من عروبة من هذا النوع يمكن أن يبدأ الهجوم المضاد. استجماع طاقات الدول العربية الأساسية والانطلاق لتوظيف الثقل هذا في وقف المذابح العربية وعلى قاعدة البحث عن حلول سياسية واقعية. لن يشعر العالم العربي بالاستقرار ما دامت النار مندلعة داخل ضلوعه. إن مهمة إخماد النار ملحة حتى ولو استلزمت أحياناً بفعل موازين القوى تجرّع كاسات من السم أو قطرات منه.

ليس صحيحاً أن العالم العربي سقط إلى غير رجعة. وأن دوله الأساسية مشلولة أو مكبلة. وأنه لم يعد قادراً على التذكير بمستلزمات أمنه القومي وحقوقه ودوره. والدليل أن تطورات اليمن وباب المندب أدت إلى قيام تحالف مؤثر أطلق عملية «عاصفة الحزم» وهي عاصفة لم يتوقع كثيرون إمكان هبوبها. وبكلام أوضح شكل التحالف الجديد، المنطلق من تحالف سعودي-مصري، أول محاولة عربية جدية لتعويض غياب الدورين العراقي والسوري معاً. الملفت مسارعة أردوغان إلى تأييد العاصفة واتهام إيران بمحاولة الهيمنة على المنطقة.

لا شك أن ولادة نواة عربية مؤثرة ستمكن العرب من التحدث إلى القوى الإقليمية والدولية من موقع آخر. ستعطيهم أيضاً حق التقدم لمعالجة الملفات العربية الساخنة أو على الأقل حق الحضور في هذه المعالجات. إن إعادة بناء الدور العربي على قواعد منطقية ستعيد اجتذاب من اجتذبتهم خيارات أخرى في مرحلة غيبوبة الدور العربي. شرط نجاح الهجوم المضاد هو امتلاك رؤية واقعية للأمن والاستقرار والأدوار والعلاقات داخل الإقليم وخارجه. وحين يسترجع العرب قدرتهم على تقديم أنفسهم لاعباً مقنعاً على أرض المنطقة ستتراجع شهية الآخرين في تسجيل الاختراقات داخل الملعب العربي.

 

 

 

 

 

عاصفة اليمن وما يلي/ الياس الديري

إلى أين من هنا، ومن هذه التطوّرات المفاجئة في اليمن، والتي لا تختلف بأحداثها الخاطفة والمتسارعة عن حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة.

وخصوصاً بعدما أُعلن رسمياً أن “عاصفة الحزم” تمكّنت من إخماد كل دفاعات الحوثيين في كل أرجاء اليمن خلال ربع ساعة من بداية الجولة الجويّة الحاسمة التي استيقظت على أثرها المنطقة العربية، ومعظم العواصم الدولية، وحيث كان الجميع على موعد غير مضروب لمفاجأة لم تكن في الحسبان.

من المبكر، طبعاً، الدخول في حسابات إيران، وتقديراتها، بالنسبة إلى قرار العاصفة التي هزّت معالم ومواقع كثيرة في المنطقة. وليس من المستحيل أو غير الوارد أن تكون طهران قد استيقظت أو صحَت من حلم الطموح الامبراطوري على واقع جديد، بعدما وسّعت مساحة تطلّعاتها، وانتشار نفوذها.

ليست هي المرّة الأولى “يُستعمل” اليمن وسيلة، أو محطة، أو معبراً يؤدّي بأصحاب الأحلام التوسّعية إلى خراج أو حدود المملكة العربيّة السعوديّة.

لقد سبق الفضل. وسبق للرئيس جمال عبد الناصر أن حاول أن يخترق المستحيلات الثلاثة بمستحيل رابع. إلا أن جيشه تمزّقت قدراته، وتفرّق جنوده أيدي سبأ. أما الرئيس صدام حسين فقد فضّل الكويت طريقاً ومدخلاً يؤدّيان إلى الغاية ذاتها. فكانت النهاية المعروفة.

الآن، هناك طموحات إيرانية في الاتجاه ذاته، ولا بدّ أن يتذكّر البعض زمن الامبراطورية.

على الاقلّ، هذا ما يذهب إليه بعض المحلّلين، مع الاستعانة بتذكير الجميع أن إيران موجودة عسكريّاً وسياسيّاً في كل من سوريا والعراق ولبنان وليبيا، وربّما في دول وأمكنة أخرى.

إلا أن ذلك كلّه على أهميّته لا يعطي أصحاب الأسئلة المستعجلة أية إشارات صالحة لتشكيل جواب، أو مشروع جواب مقنع. فالعاصفة اليمنيّة في بداياتها. والمواجهات في العراق انضمّ إليها الائتلاف الدولي “جواً”.

اللافت أيضاً في المستجدات السعوديّة اليمنيّة أن التفافاً عربيّاً ودوليّاً، وخصوصاً أوروبيّاً، غير مسبوق في ماضي أزمنة الحروب مع إسرائيل، أو مع الداخل العربي، أحاط السعوديّة، وقائدها الحكيم الشجاع الملك سلمان بن عبد العزيز بالتأييد والدعم، والشدّ على الأيدي، وإعلان الاستعداد للمشاركة والمساهمة في هذه “العاصفة المصيريّة”.

حتى الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح سارع إلى غسل يديه من الحوثيين… الذين كان يراهن عليهم وعلى “مرجعيّتهم” ليستعيد مُلكاً تنعّم به وبخيراته ثلث قرن.

لا بدّ من الانتظار بعض الوقت لجلاء مهمة “عاصفة الحزم” والنتائج والتداعيات.

 

 

 

 

 

أحداث اليمن كسرت معادلات وتجاوزت حسابات فهل تبقى قواعد الستاتيكو الداخلي صامدة؟/ ابراهيم بيرم

مصطلح الساحات المترابطة على نسق نظرية الأواني المستطرقة هو الذي ساد منذ اشتعل فتيل الأزمة في الساحة السورية قبل أربعة أعوام ونيف وازداد ترسخاً وحضوراً مع اندلاع المواجهات في الساحة البحرينية ثم في الساحة العراقية وصولاً الى ساحة اليمن غير السعيد في أقاصي شبه الجزيرة العربية.

في بيروت ثمة من شرع منذ زمن بعيد في عملية ربط منسقة ودقيقة بين سلسلة أحداث وحروب صغيرة توالت في الساحة اللبنانية، وبين الحروب والمواجهات المتنقلة في هذا البلد وتلك الساحة، وبنى على هذا الربط عمارة من الحسابات والاحتمالات السياسية.

ولا شك في أن الحدث اليمني الداخل للتو فصلاً جديداً غير مسبوق مع الغارات التي تشنها طائرات التحالف “العشري” على مناطق متعددة من الأراضي اليمنية، أعاد السؤال وحبل الهواجس مجدداً عن مدى تأثر، وتفاعل، مكونات الساحة الداخلية مع هذا الحدث المنطوي على فيض من الاحتمالات التفجيرية.

ربما يكون وزير الخارجية جبران باسيل قد نجح في ابتداع صيغة حمّالة أوجه في مقاربة الحدث اليمني خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب في شرم الشيخ أول من أمس، مما أرضى كل افرقاء الصراع من دون استثناء. ولكن يتبدى للمراقبين ان ثمة صعوبة كبرى هذه المرة في تحصين الساحة الداخلية في وجه تفاعلات الحدث اليمني وتداعياته المحتملة والبالغة الخطورة وذلك بفعل عوامل واعتبارات عدة أبرزها:

– ان الحدث المتسارع كاسر للمعادلات والتوازنات المعهودة ويكاد يكون خارج المألوف من الصراعات منذ انتهاء الحرب العراقية – الايرانية، اذ للمرة الأولى، على سبيل المثال، يتجلى تحالف واسع نسبياً على أساس من الخلفية المذهبية تقوده السعودية مباشرة بما تمثل ماضياً وبما تختزن حاضراً من توجسات ومخاوف وطموحات. وبمعنى أكثر وضوحاً نجحت الرياض عبر الحلف الذي تتصدره الآن في اسقاط تحليلات وقرارات سرت قبل فترة قصيرة فحواها ان السعودية قصرت عن اقناع دول بعينها، وفي مقدمها مصر وباكستان، في الانحياز اليها في مواجهتها المتوالية فصولاً واشكالاً مع طهران.

– ان لجوء السعودية وحلفها العريض الى هذا النوع من الحروب والمواجهات تحت عنوان مكافحة التمدد الايراني يعني أمرين: الاول انسداد الأفق أمام أي عمل سياسي وديبلوماسي، والثاني ان مستوى الصراع السعودي – الايراني قد بلغ مرحلة غير مسبوقة خصوصاً في العقدين الماضيين. صحيح أن الحوثيين في اليمن سبق لهم أن دخلوا في تجربة مواجهة عسكرية مباشرة مع السعودية خلال الاعوام السبعة الماضي، إلا أن الأمر مختلف هذه المرة إذ لم يعد الصراع نزاعاً حدودياً كما في السابق بل على كل الجغرافيا اليمنية البالغة أكثر من 500 الف كيلو مربع بعدما نجح الحوثيون في الخروج من معقلهم الأساسي صعدة الجبلية وبلغوا في رحلة تمدد وعرض قوة صنعاء وأخيراً عدن على سواحل باب المندب الاستراتيجي، وصار يشار اليهم على انهم حلفاء طهران الخلّص كحال “حزب الله” في لبنان.

– ان للحدث اليمني مقدمات تراكمية أبرزها أن الرياض لم يعد في مقدورها ادارة صراعها الطويل مع طهران وفق قواعد اللعبة المعروفة، لذا قررت انتهاج تجربة أكثر صدامية وجرأة بعد سريان مقولة ان طهران نجحت في بسط نفوذها المباشر على 4 عواصم عربية خلال أقل من عقد من الزمن.

– ان ثمة مناخات توحي بأن الضربة التي بدأت على اليمن قد تتدحرج لتبلغ حدود التدخل البري والانزال البحري، مما يعني ان الاوضاع مشرعة على احتمالات التصعيد.

– على المستوى الداخلي اللبناني، كان لافتاً ان انصار المحور السعودي او الذين قدموا طلبات انتساب اليه، لم يتركوا فسحة من الوقت ولو قصيرة للانتظار اذ سرعان ما جاهروا بتأييدهم للخطوة السعودية ووصفها بأنها خطوة حكيمة وشجاعة و”تندرج في اطار الحق المشروع للدفاع عن أمنها القومي” لان ايران بلغت حديقتها الخلفية.

– في المقابل بادر انصار المحور الايراني الى ادراج العملية في خانة العدوان المدان والمغامرة غير المأمونة العواقب تذكيراً بالوصف الذي اطلقته الرياض على عملية “حزب الله” ضد الاسرائيليين في تموز 2006 والتي فتحت باب الحرب الاسرائيلية على لبنان عامذاك. في حين كانت المناخات الواردة من الضاحية الجنوبية تشير الى أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله سيطلق مواقف صادمة ويقول الأمور كما هي بدون ديبلوماسية في مقام قراءة عميقة للتطورات على باب المندب.

من خلال كل هذه الوقائع لا بد لأي مراقب من ان يستنتج ان المنطقة أمام طور آخر من الصراع الاقليمي الضاري، مما يعني ان المطلوب بذل جهود أكثر استثنائية من ذي قبل للحفاظ على الوضع الذي نشأ منذ كانون الأول الماضي، أي لحظة انطلاق حوار “حزب الله – تيار المستقبل” والذي انطوى في حينه على أبعاد ودلالات تشي برغبة الطرفين في السعي لايجاد عازل يقي الوضع الداخلي صدمات الخارج التي يتوقع ان تكون تراكمية ومتدحرجة.

ففي الوقت الذي نمت معادلة رغبة الطرفين في تامين نوع من الاستقرار الداخلي، لم تكن الأمور قد بلغت حد انتزاع الحلف اليمني المسحوب على طهران مدينة عدن بسرعة قياسية قلبت كل المعادلات والموازين واطاحت كل المعادلات التي كان خصوم المحور الايراني يسعون لتكريسها في كل ساحات الصراع ولاسيما في الساحة السورية. وهكذا فالواضح ان الصراع الاقليمي بلغ ذروته خلال الساعات الماضية وبدا وكأن وجه المنطقة في طور التحول اذ لا يمكن منظمة الدول الخليجية ان تخسر اليمن وهي التي لم تهضم بعد خسرانها للعراق.

الذين زاروا رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال الساعات الماضية لم يجدوا عنده موجة التفاؤل المعتادة حتى في أكثر الأوقات عصبية، بل وجدوا حالاً من التوجس ودرجة عالية من المخاوف. وعليه ثمة مبررات لطرح السؤال: هل يصمد الستاتيكو الذي ارتسم أخيراً في الساحة اللبنانية وتجلى أكثر ما يكون في حوار عين التينة في ظل هذا الاحتدام غير المسبوق وفي ظل نظرية الساحات المترابطة شاء اللاعبون فيها أم أبوا؟

 

 

 

 

الأساس تحرير سوريا/ علي حماده

أطلق التحالف الاقليمي بقيادة المملكة العربية السعودية عملية “عاصفة الحزم” لوضع حد للإنقلاب الحوثي على الشرعية اليمنية، وبمعنى أدق لوضع حد لتمدد إيران في جنوب الجزيرة العربية لجهة مضيق باب المندب بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. هذا التمدد الذي لا يهدد باب المندب فحسب بل يهدد الأمن القومي السعودي وشركاءه الخليجيين، ويكمل الطوق الإيراني على المشرق العربي من العراق وسوريا الى أبعد نقطة في الجزيرة العربية. كان لا بد من مواجهة السياسة التوسعية الإيرانية بأي وسيلة، حتى لو كانت الحرب. ففي مراحل مفصلية تكون الحرب الحل الوحيد المتاح لإنقاذ منظومات إقليمية يتهددها مشروع توسعي عدائي كالمشروع الإيراني الذي نجح في التغلغل في العراق وسوريا ولبنان تحت مسميات متنوعة.

حسناً فعل السعوديون في تدارك الوضع بعد طول تلكؤ فرضته عوامل عدة أهمها السياسة الأميركية التي غضت الطرف عن التمدد الايراني الخطير في المنطقة مخافة افشال المفاوضات الدائرة حول البرنامج النووي، فضلاً عن غياب أي رؤية استراتيجية أميركية الى المنطقة بعدما اختار الرئيس باراك أوباما الانسحاب منها ثم عاد تحت وطأة الأحداث والتطورات (داعش) الى دور قام على سياسة رد الفعل وليس الفعل. لم يسبق للولايات المتحدة أن عانت غياباً وضعف حضور وتشتتاً في الاستراتيجية حيال الشرق الأوسط كما حصل في ولايتي الرئيس باراك أوباما. ولم يسبق أن شهدت السياسة الأميركية انهياراً في عامل الثقة لدى الحلفاء التاريخيين كما حصل مع أوباما. اليوم نحن أمام محاولة عربية جدية لإعادة التوازن الى المشهد الإقليمي الذي اختل بقوة مع تزايد الخطر الإيراني، واختراقه الإقليم بأسره بدءاً بالعراق وصولاً الى اليمن مروراً بسوريا ولبنان. وعملية “عاصفة الحزم” في اليمن التي يفترض أن يكون هدفها الأقرب ضرب الانقلاب الحوثي وصد الاختراق الايراني بالقوة، وهدفها الأبعد إعادة وضع اليمن على سكة الحل السياسي وفق المبادرة الخليجية التي تشمل جميع القوى بمن فيها الحوثيون بعد ضبطهم، هذه العملية ينبغي أن تكون مدخلاً الى التفكير بالعمل على أرجاء الإقليم وليس في اليمن وحده وعلى قاعدة رد الفعل. على النظام العربي الذي تقوده السعودية وتتصدره مصر التحرك في الهلال الخصيب. فلا أمن للخليج العربي ولمصر من دون تحقيق التوازن في العراق، وحسم الصراع في سوريا بالتحالف مع تركيا القوة الكبرى الموازية لإيران. سوريا هي قلب المعادلة، ومنها تبدأ المواجهة الحقيقية مع المشروع التوسعي الإيراني. منذ سنوات ونحن ننادي بعمل عربي – تركي مشترك في سوريا، ولعل الفرصة أصبحت سانحة مع تجاوز طهران كل الخطوط الحمر في المنطقة وتهديدها الأمن القومي العربي والتركي على حد سواء. لا يجوز انتظار الأميركيين للعمل على إخراج الايرانيين من سوريا. إن تحرير سوريا يبقى الأساس

 

 

 

العملية السعودية تفتح باب الأبعاد المفاجئة قيادة تحالف بلا أميركا وتضييق على الردّ الإيراني/ روزانا بومنصف

حظي اليوم الثاني من الحملة السعودية ضد خطر تمدد الحوثيين في اليمن بفرصة الخروج من وقع المفاجأة الذي شكله العمل العسكري في حد ذاته كما طبيعة التحالف الاسلامي العريض والواسع بقيادة المملكة العربية السعودية. ومع ان تكهنات سياسية كثيرة كانت ذهبت في اتجاه استحالة السماح للحوثيين او لايران عبرهم بالتمدد والسيطرة على باب المندب الاستراتيجي او تطويق المملكة السعودية ايا يكن الثمن، الا ان باب المفاجآت فتح على جملة امور. اذ لم يخرج تولي المملكة قيادة تحالف عسكري عريض من دول المنطقة الاسلامية لمرة اولى في تاريخها الى العلن قدرة الدول العربية الاسلامية على ان تكون متضامنة حول هدف واحد محدد فحسب بل هو كرس زعامة المملكة للعالم الاسلامي وقيادته في هذا الظرف الدقيق على نحو ساهم في تقوية موقعها واوراقها على نحو لا سابق له وعلى نحو يفترض ان يحسب له حسابات في اتجاهات متعددة من بينها في الدرجة الاولى قدرة هذه الدول على تولي معالجة الكثير من القضايا والمسائل الشائكة في المنطقة في حال كانت هذه الدول على رأي واحد موحد من هذه القضايا. يصح ذلك في رأي المراقبين على ازمات معقدة كتلك التي تصيب عددا من دول المنطقة كما يصح على قدرة هذه الدول على ان تتولى بنفسها معالجة الملف الشائك المتمثل بتنظيم الدولة الاسلامية. فتحالف الدول الاسلامية بغرض اعادة الشرعية الى اليمن ومنع سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن تفسح في المجال امام تأكيد شرعية تمثيلها وحدها رسميا وشرعيا للشعوب الاسلامية من منطلق توليها الدفاع بنفسها عن حقوق الطوائف الاسلامية بحيث تقفل الابواب امام توظيف تنظيم الدولة الاسلامية او تنظيم القاعدة للتمدد الشيعي في المنطقة من اجل مواجهته. يضاف الى ذلك ان الفرصة التي اتيحت عبر هذا التحالف الكبير انما تفسح في المجال امام الدول العربية المعنية للتعاطي مع ملفات المنطقة من موقع قوة والتفاوض على هذا الاساس.

واكتسبت الحملة العسكرية بقيادة المملكة السعودية اهميتها او ابعادها الحقيقية اولا من الدعم كما من التفهم الاميركي والاوروبي الذي لقيته الحملة وكذلك الدافع السعودي او الخليجي وراءها مما احرج في المقابل ايران ووضعها في موقع صعب خصوصا انه قد تمت تسميتها بالاسم مرارا في هذا السياق باعتبار ان الشرعية اليمنية التي تسعى المملكة الى استعادتها هي الشرعية المعترف بها دوليا. الامر الذي يضيق هامش الردود الايرانية الميدانية لهذا الاعتبار كما لاعتبار احتمال تعريض المفاوضات حول النووي لخطر افشالها او نقل ايران من مأزق العقوبات التي تسعى بقوة الى التخلص منها الى مأزق حرب مع مجموعة من الدول الاسلامية السنية ما يفتح حربا مذهبية ابدية في المنطقة. وثانيا من كونها حملة منسقة ومنظمة من خارج الاستعانة او الاعتماد على قيادة الولايات المتحدة لهذا التحالف وفي وقت كانت سحبت الولايات المتحدة كل عناصرها من اليمن وذلك على عكس ما كان يحصل من تحديات خطيرة في المنطقة كانت تلعب واشنطن فيها دورا طليعيا وقائدا وآخرها كان التحالف التي لا تزال الولايات المتحدة تقوده ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. ومع ان الولايات المتحدة تحدثت عن تنسيق تقني مع المملكة السعودية فان واشنطن في المقابل تساعد القوات والميليشيات العراقية بعمليات عسكرية جوية في تكريت. الامر الذي ينزع عصبا من المنطق الايراني المستخدم في حالات مماثلة ويضع ايران وجها لوجه في صراع مذهبي مباشر مع الدول السنية في المنطقة.

ولعل اقدام التحالف العربي على المبادرة في اتجاه اليمن يسمح بالتعويل بقوة على اتجاهات متعددة اولها يكمن في التمتع بموقع افضلي ومميز يسمح بالحوار في ملفات المنطقة ومن هنا اهمية ان تفتح تطورات اليمن الباب على ذلك انطلاقا من ان الحملة العسكرية على الحوثيين في اليمن انما تهدف الى اعادة الاوضاع الى احجامها وتاليا اعادة جمع الافرقاء الى طاولة الحوار بعيدا من المطامع والنزعات السلطوية. وثانيا الاستفادة من المروحة الواسعة من الدول المشاركة او الداعمة من اجل توجيه رسالة قوية عن القدرة على تولي معالجة بعض الامور المهمة كمواجهة تنظيم داعش او تنظيم القاعدة في ظل ظروف سياسية مختلفة عن تلك التي يتفاعل من ضمنها التنظيمان في بعض الدول. وثالثا مع ان التحالف الاسلامي الواسع لا يشي بالتقائه على ما هو ابعد من اليمن اي لا يصل الى العراق وسوريا او سواهما نتيجة اعتبارات متعددة، الا انه يشي في مكان ما بالرغبة في وضع حد لطموحات ايران في المنطقة. وهذه نقطة اخرى جامعة لعلها الاكثر تأثيرا على ايران في عز سعيها الى الخروج بمكسب في الاتفاق على ملفها النووي والذي يفترض انه سيتوج سلسلة مكاسبها في ما فاخر مسؤولوها بانه سيطرة على اربع عواصم عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن.

هناك حسابات جديدة مختلفة في المنطقة لا يمكن القفز فوقها ويترتب على لاعبين اقليميين كثر اخذها في الاعتبار في ضوء التطورات الاخيرة انطلاقا من اليمن خصوصا اذا انتهت الحملة العسكرية بسرعة وحققت الغرض منها في رأي المراقبين.

 

 

 

 

انتصاران لـ”عاصفة الحزم”/ راجح الخوري

اذاً يستطيع المخمل ان يخفي قبضة حديدا، ويمكن هدوء الحلم ان يتحول “عاصفة حزم” عندما يتمادى الاستفزاز ويهدد بقلب موازين القوى في المنطقة، وهكذا يمكن القول ان العملية التي قادتها السعودية لإنهاء مفاعيل الإنقلاب الحوثي وإسقاط رهان الإيرانيين على ان يشكّل ابتلاعهم اليمن استكمالاً لفرض هيمنتهم الإقليمية في المنطقة، وضعت بداية لمرحلة تصحيحية وضرورية ونهاية لمرحلة شاذة واستفزازية.

لقد مضت ايران بعيداً في التدخل وإثارة المشاكل في المنطقة مفترضة ان سياسة الحلم والروية التي تطبقها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تساعدها على كتابة تاريخ جديد للمنطقة وباللغة الفارسية، ولم تتوان في الإعلان انها باتت تسيطر على اربع عواصم عربية، وأنها بعد هيمنتها على اليمن “سيأتي دور السعودية”، هكذا حرفياً كما ورد في الصحف الإيرانية، ولهذا كان من الضروري إنهاء هذا التاريخ من الاستفزاز.

عملية “عاصفة الحزم” تفتح صفحة وتطوي صفحة، وما حققه الملك سلمان بروية وتخطيط وحكمة يمثل عملياً انتصارين بارزين، الانتصار العسكري الذي وضع حداً للزحف الحوثي المدعوم ايرانياً والذي كان يريد احتلال عدن وإلغاء الشرعية المعترف بها عربياً ودولياً، خصوصاً ان عشر دول تقف وراء المملكة عسكرياً، والانتصار السياسي الأكثر ابهارا والذي تجلّى في الاجماع العربي والدولي على دعم العملية لمنع انهيار الشرعية والحيلولة دون انزلاق اليمن الى الحرب الأهلية، تضاف الى هذه البراعة في توقيت العملية عشية القمة العربية التي تبنت تشكيل “قوة ردع عربية”، وعشية جولة حاسمة من المفاوضات بين جون كيري ومحمد جواد ظريف.

صحيح ان العملية جرت في اليمن ولكن ستكون لها تداعيات ايجابية في المنطقة العربية كلها، فلقد انتهى الزمن الذي كانت إيران تتعامل مع الدول العربية وكأنها هشيم، فمن المحيط الى الخليج أيقظت العملية شعوراً عارماً بأنه من غير المقبول بعد الآن التلاعب داخل البيت العربي كما كان يحصل: إسقاط “اتفاق مكة” بين الفلسطينيين، اعتبار بغداد عاصمة الأمبراطورية الفارسية الجديدة، إرسال المقاتلين لدعم النظام السوري الذي يذبح شعبه، التدخل في البحرين وأمكنة أخرى، تنفيذ الانقلاب في اليمن وإسقاط الحل الخليجي ومحاولة السيطرة على باب المندب ومضيق هرمز لخنق المنطقة.

صحيفة “التلغراف” البريطانية كتبت ان ما يحدث في اليمن هو قيام “تحالف سني” لتقليم أظافر ايران، لكن ما يحدث هو ببساطة استعادة للتوازن الذي كسرته وإنهاء عقدين من الزمن حاولت فيهما ان تدير المنطقة من خلال التلاعب بالنسيج الداخلي لبعض الدول على أساس مذهبي. صحيح قد يشكّل هذا تقليماً لأظافرها، لكنه بالتأكيد لا يحمل أبعاداً مذهبية لأن الحوثيين مطلوبون الى طاولة الحل السياسي في اليمن ولأن الشيعة مكوّن جوهري في النسيج العربي.

 

 

 

 

اليمن لم يعد حرباً بالوكالة/ سميح صعب

في اليمن، دخلت السعودية ودول الخليج العربية مع تحالف من الدول السنية الاقليمية ، دائرة الحرب المباشرة ضد الحوثيين المحسوبين على ايران. والهدف المعلن للتحالف الجديد وضع حد للانقلاب الحوثي وانتشال اليمن من دائرة النفوذ الايراني. هذا التطور وضع ايران امام خيارين: إما الدخول المباشر على خط الاحداث ليتأجج صراع مذهبي لا يمكن التنبؤ بمداه وإما الاكتفاء بتقديم الدعم للحوثيين والاستمرار في خوض الحرب بالوكالة ما دامت القوى الاخرى غير قادرة على قلب المشهد تماما في اليمن.

تتعامل السعودية مع اليمن على انه خط تماس مباشر مع امنها الاقليمي، لذلك لا يمكنها السكوت اكثر عن التطورات الجارية هناك. اما ايران، فإنها تتعامل مع الوضع اليمني باعتباره ورقة من اوراق القوة والنفوذ اللذين تملكهما في المنطقة. وهذا النفوذ قابل احياناً للتمدد واحياناً اخرى للتقلص، لكنها ليست مسألة حياة او موت بالنسبة الى ايران نفسها.

على انه يبدو ان السيطرة الحوثية على اليمن كانت بمفاعيلها الاستراتيجية اكبر بكثير من ان تتحمله السعودية فاضطرت الى التدخل المباشر. وهذا لم يحصل في الازمة السورية التي تضعها السعودية ايضاً في مرتبة المس بأمنها الاقليمي إن رجحت فيها كفة الرئيس بشار الاسد مجدداً.

واذا ما نجحت السعودية في حرب اليمن، فإن السيناريو نفسه سيكون قابلاً للتطبيق غداً في سوريا تحت الشعار نفسه، ألا وهو التصدي للنفوذ الايراني و”حزب الله”. هذه الحماسة السعودية لا تنطبق على ليبيا مثلاً، إذ انه عندما أغار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قواعد لتنظيم “داعش” في ليبيا، وجد نفسه معزولاً عربياً واقليمياً. وعندما طرح فكرة القوة العربية المشتركة وافق عليها الخليجيون ولكن شرط ان يكون هدفها سوريا واليمن وليس ليبيا او محافظة شمال سيناء.

الدخول السعودي المباشر في الحرب اليمنية، سيكون بمثابة مرحلة في هذه الحرب ولن يسفر عن تسوية سياسية، تماماً كما لم يستطع الحوثيون ان يفرضوا تسوية على رغم غلبتهم على الارض. وبعض ما يجري في اليمن هو تتويج لتراكم عمره اربعة اعوام من الاضطرابات والحروب الصغيرة والحروب بالوكالة التي لا منتصر واضحاً فيها.

ومن المستبعد ان يسفر اتساع الحرب عن تسوية سياسية تقتلع نفوذاً وتزرع آخر. لكن الاكيد هو ان اليمن يشهد اليوم فصلاً آخر من فصول حروبه الممتدة منذ ما قبل حروب “الربيع العربي”. ومن المبكر التنبؤ بغير استمرار الحرب واراقة الدماء.

 

 

 

 

وماذا بعد العاصفة… سورنة اليمن؟/ وائل عصام

■ مشكلة العواصف التي تهب فجأة أنها تغادر أيضا فجأة، وقد لا تغير مناخ الموسم، ولا تقلب فصل الخريف إلى ربيع، فكيف إذا كانت قد أتت من البقاع نفسها التي اطلقت رياحا اقتلعت الربيع العربي؟

لكن لماذا التشاؤم.. يقول احدهم، تفاءلوا خيرا وانظروا بعين ايجابية وشجعوا التغيير الذي حدث. حسنا الانظمة العربية تريد مواجهة إيران ونفوذها، انطلاقا من روح جديدة في الدولة الخليجية الكبرى، التي تتكتل مع دول سنية مثل باكستان وتركيا ضد الدولة الشيعية ايران.. خطوات عربية تشير إلى تغيير ما يستوجب الالتفات.. لكن هل ستبقى في اطار «ردة الفعل» على «فعل» إيران؟ أم أن الانظمة لديها مشروع بناء حلف قوي حقيقي يعيد لابناء المنطقة كرامتهم المهدورة أمام التغول الإيراني منذ عقد؟

لن نخوض بتساؤلات من قبيل، كيف ستكون الأنظمة نفسها التي جاءت بالتمدد الايراني منذ عقد لضعفها وقصور رؤيتها سببا في مواجهة ايران؟، كيف سيكون من تسبب في المشكلة هو نفسه من سيصنع الحل؟.. فهذه اسئلة قد تقودنا لإجابة بسيطة، التهديد الايراني لم يكن سيواجه، ولو أكل الأمة كلها، الا لانه اقترب من زعزعة أركان السلطة نفسها.

لكن ما يمكن الحديث عنه هو التفصيلات التي تبدو جزئية، ولكنها في مثل صراعات كهذه تحدد المآلات.. وهي موازين القوى على الارض.

والاسئلة هنا تدور في المحاور التفصيلية التالية.. ماذا لو استمرت عاصفة القصف الجوي لأسابيع وظلت صنعاء بيد الحوثيين؟ ماذا كانت نتيجة الهجوم الكبير عام 2009 الجوي والبري الذي تعرض له الحوثيون؟ لماذا اصبحوا بعد ثلاث سنوات من ذلك الهجوم في صنعاء بدلا من مغارات جبالهم؟

ثم كيف يمكن هزيمة مقاتلي الجبال بقصف جوي؟ وإذا حدث وارسلت قوات برية لحماية عدن ألن تكون حرب استنزاف طويلة؟

لن تستطيع أي قوات نظامية لأي جيش ان تواجه الحوثيين باليمن بنجاح.. وحدها القبائل والفصائل اليمنية المسلحة المناوئة لهم، هي القادرة على مواجهتهم، لو حظيت بدعم إقليمي حقيقي من الانظمة العربية يماثل دعم ايران للحوثيين.. إذا وصلنا لنقطة تقول إن الطريقة الانجع لمواجهة الحوثيين هي دعم اطراف يمنية متمرسة بالقتال مثلهم، كالقبائل والفصائل المقربة من الاصلاح.. وحتى لو افترضنا ان الانظمة ستنجح في منع وصول السلاح لأي من القبائل المقربة لـ»القاعدة».. لكن ماذا يعني ذلك؟

إنه يعني سورنة اليمن.. إذ تدور حرب بين نظام اقلوي يسيطر على العاصمة مدعوم من ايران، ومجموعات مسلحة مدعومة من الانظمة المعادية لايران.. وتطول هذه الحرب ربما لسنوات.. وهنا ستعتمد مآلات النزاع لعاملين.. مدى قوة الحلف الداخلي لكل طرف، الحوثيين وشركاءهم كعلي عبد الله صالح.. مدى عقائديته وتماسكه.. وبالمقابل الفصائل والقبائل اليمنية التي ستجتمع لمقاتلة الحوثيين.. هل ستنجح ببناء حلف متماسك منضبط؟

العامل الثاني هو صلابة وطول نفس الداعمين، ايران من جهة، وحلف العاصفة من جهة أخرى..

وهنا تعود الحالة السورية لتذكرنا بحقيقة دامغة، أن الانظمة العربية غير المستندة إلى بعد شعبي أو عقائدي فشلت في ادارة ودعم الفصائل السورية المسلحة، بالشكل الذي يمكنها من اسقاط نظام الاسد، رغم انه اقلوي.. بينما نجحت ايران في توفير دعم مكن الاسد من الحفاظ على مراكز معظم المحافظات السورية حتى الان..

ونتيجة لذلك

وفي النهاية لم ينجح إلا الجهاديون الاسلاميون في سوريا كـ»النصرة» و»تنظيم الدولة» بتكوين تنظيمات قوية تمثل ندا لقوات الاسد، لتنجح اليوم بالسيطرة على أكثر من ثلثي مناطق المعارضة المسلحة في سوريا، بينما تلاشت تقريبا معظم الفصائل الاخرى التي تلقت دعما من انظمة عربية تشارك اليوم في عاصفة اليمن..

إذن تبدو ايران حتى اللحظة اكثر نجاعة في ادارة تحالفاتها الداخلية في العراق وسوريا واليمن، مقابل تجارب لا تبشر بكثير من التفاؤل لادارة الانظمة العربية للمواجهة معها. صحيح ان سوريا ليست اليمن من حيث حساسية واهمية موقع دمشق للغرب واسرائيل، ومن حيث «الفيتو» الذي وضعه الغرب وامريكا تحديدا لمنع إسقاط الاسد، وإبقاء حالة من التوازن بينه وبين المعارضة.. وصحيح أن هذا «الفيتو» غير موجود في اليمن، إذ يمكن دعم المقاتلين المعارضين للحوثي كيفما أريد.. لكن لنتذكر ايضا أن اليمن الذي يقال كثيراعنه انه قد يستنزف ايران كساحة تمدد جديدة، قد يكون على العكس تماما، ساحة استنزاف لانظمة عربية هي اصلا تعاني من الشيخوخة..

وكما حدث في سوريا والعراق، فإنه من المحتمل أن يخرج اكثر الاطراف قوة من هذا المخاض وهي «القاعدة» والجهاديون في اليمن من حلفاء «تنظيم الدولة».. لذلك فإن الجهاديين و»تنظيم الدولة» ينظرون الآن بعين الغيرة والحذر من نجاح الانظمة التي يعادونها في تقديم بديل عنهم لحماية السنة من الهجمة الايرانية على المشرق، ولعل افضل وانجح حرب لاضعاف «تنظيم الدولة» هي القضاء على مبررات ظهوره اصلا ، بتوفير الحماية والتصدي للمشروع الايراني المتوغل، وهو ما أغفلته الأنظمة لسنين وصحت عليه متأخرا الآن على ما يبدو.. فالمشروع الايراني الجامح الذي يخطط له من عقود هو «فعل» لا يمكن مواجهته «بردة فعل».. مواجهته تكون بمشروع قوة حقيقي.

ومع ذلك فالمجال ممكن أمام الأنظمة، إن امتلكت الارادة والوعي والاحساس بالخطر على الامة وليس على سلطتها، المجال ممكن لتقوم بتحول حقيقي بسياساتها الخارجية وبناء حلف للتصدي لايران.

وإذا عجزت هذه المرة فقد تكون الفرصة الاخيرة، إن فشلوا بعدها ستخلو الساحة سنيا للجهاديين.. وحدهم في المواجهة امام ايران ومشروعها..

قد يكون اليمن نقطة تحول وانكسار القوة الإيرانية في المشرق العربي، وقد تكون اخر عاصفة يواجهها الاسطول الايراني المبحر بقوة مستفيدا من رياح اعدائه قبل مؤيديه.. الذين يدفعون به بقوة بعلمهم او بغفلتهم نحو الخليج العربي ـ الفارسي

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

 

 

 

 

 

“عاصفة الحزم” استبقت الاتفاق النووي عمداً؟

واشنطن ـ منير الماوري

يبدو صعباً فصل التسريبات عن تقديم واشنطن تنازلات جوهرية لطهران خلال المفاوضات النووية، للتسريع بالتوصل لاتفاق، والشكوك حول وجود ملاحق سرية للاتفاق تطلق يد إيران كقوة إقليمية، عن التحرك السعودي السريع في اليمن عبر عملية “عاصفة الحزم” لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في حديقتها الخلفية.

وتوقع كبير المحللين السياسيين في موقع “واشنطن فري بيكون”، آدم كريدو، الموجود حالياً في سويسرا لتغطية سير المفاوضات النووية، أن يتم في الأيام القليلة المقبلة إعلان التوصل إلى اتفاق أولي بشأن الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية للاتفاق النهائي الإيراني الغربي المفترض توقيعه نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

ونقلاً عن مصادر تشارك في المفاوضات فضلت التحفظ على هويتها، أوضح كريدو أن المفاوضين الأميركيين وافقوا أخيراً على عدم تضمين مشروع الاتفاق ما يجبر إيران على الكشف عن تفاصيل أنشطتها النووية كاملة، وهو مطلب ظل الأميركيون متمسكين به على امتداد مراحل المفاوضات كإجراء احتياطي لقيام إيران بأبحاث جانبية في مواقع سرية تتعلق بصنع القنابل النووية.

وحذر كريدو، الذي لم يخف ميله نحو معارضته الاتفاق المحتمل، من قيام إيران بتشغيل أجهزة الطرد المركزي في مواقع تحت الأرض بعيداً عن أعين المراقبين. ونقل كريدو، في تقريره المرسل من مقر سير المفاوضات عن خبراء لم يسمهم، قولهم إن هذا النوع من التنازلات الأميركية لطهران “قد يجعل إيران قادرة على فعل ما كانت تفعله في الماضي من مواصلة برنامجها السلمي تحت أعين الرقابة. وفي الوقت نفسه القيام بأنشطة موازية في أماكن أخرى بعيداً عن رقابة المجتمع الدولي إذا لم يتضمن الاتفاق بنوداً تسمح بالتفتيش المفاجئ لأي مرفق في أي وقت كان بدون سابق إنذار”.

وأشار موفد الموقع الاخباري، الذي يغلب عليه تبني وجهات نظر الجمهوريين المعارضين لإدارة باراك أوباما، إلى أن التنازلات الأميركية تتضمن كذلك السماح لإيران بإبقاء العديد من المواقع العسكرية مغلقة أمام المفتشين الدوليين إلى أن يتم رفع العقوبات الدولية عنها نهائياً.

وتعليقاً على هذه النقطة، يرى الخبير الأميركي المستقل المختص في الشؤون الإيرانية تشارليس كافام، لـ”العربي الجديد” “أنه نظراً لأن رفع العقوبات الدولية عن إيران سيتم تدريجياً وليس دفعة واحدة، فإن هذا هو ما يبرر لإيران الإصرار على إبقاء بعض مرافقها مغلقة أمام التفتيش الدولي حتى موعد الرفع النهائي للعقوبات”.

ويلفت إلى أن “الفترة الزمنية التي يطلبها المجتمع الدولي لإكمال الرفع التدريجي للعقوبات لن تكون قصيرة، وبالتالي فإن المخاطر ستظل قائمة من استغلال إيران لتلك الفترة الزمنية للقيام بأنشطة تخدم طموحها في أن تصبح قادرة على صنع القنبلة النووية”.

ويرى كافام أن إيران لا يمكن أن تتخلى عن طموحها في الحصول على التكنولوجيا النووية الحربية، حتى وإن قدمت تنازلات زمنية في ما يتعلق بمشروعها القائم لتأجيل موعد صنع القنبلة وليس التخلي عنه نهائياً، موضحاً بأن التنازل الذي ستقدمه إيران من جانبها يقتصر على تعديل الطموح قليلاً من العمل على أن تصبح قوة نووية في المستقبل القريب إلى امتلاك القدرة على أن تصبح قوة نووية في أي وقت تشاء، كما هو الحال مع اليابان التي لم تصنع القنابل الذرية ولكن لديها التقنيات الكاملة التي تؤهلها لصنعها.

ويضيف المحلل الأميركي، وهو إيراني المولد ومتعاقد سابق مع الحكومة الفدرالية الأميركية “أنّ ما يهم إيران حالياً، وفقاً لتصريحات مسؤوليها، هو أن تصبح قوة إقليمية مقبولة دولياً، ومتحررة من العقوبات الاقتصادية التي تقيد حركتها”.

ويلفت إلى أن “هناك شكوكاً لها ما يبررها بأن مشاركة كيري وظريف في المفاوضات لم يكن من أجل حسم القضايا الفنية التي تولى حسمها الخبراء، لكن الأمر يتعلق على الأرجح بمفاوضات سياسية جانبية بشأن ملاحق سرية أو اتفاقات منفصلة بين واشنطن وطهران ترسم طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين، ومستوى التعاون بينهما في القضايا التي تخدم المصالح المشتركة، فضلاً عن مناقشة كيفية مواجهة الضغوط القوية الداخلية والخارجية التي تتعرض لها الإدارة الأميركية الحالية لمنعها من إنجاز الاتفاق مع إيران”.

ويعرب كافام عن اعتقاده بأن الجانب الإيراني يدرك حجم الصعوبة التي يواجهها أوباما وكيري في تسويق أي اتفاق محتمل مع إيران تعارضه ثلاث قوى إقليمية لا يستهان بها وهي إسرائيل والسعودية وتركيا، ولذلك فإن الإيرانيين في رأيه قد عقدوا العزم على مساعدة أوباما في إنجاز الاتفاق عن طريق تركيزهم على رفع العقوبات الأممية والأوروبية والتساهل في ما يعلق بالعقوبات الأميركية، لأن إيران لن يؤثر عليها عدم التعامل مع الشركات الأميركية إذا أصبحت أوروبا وبقية دول العالم مفتوحة أمامها. ووفقاً لكافام فإن “أوباما لا يريد التصادم مع الكونغرس في موضوع رفع العقوبات في ظل سيطرة الحزب الجمهوري وتأييد كثير من الديمقراطيين لوجهة نظر إسرائيل في موضوع إيران، ولهذا فإن الاتفاق مع إيران قد يتضمن رفع العقوبات الدولية والأوروبية بصورة أسرع وشروط أسهل من الشروط المتعلقة بالعقوبات الأميركية، ومعنى ذلك أن الكونغرس الأميركي لن يكون قادراً على التحكم بقرارات مجلس الأمن الدولي، ولن يكون بإمكانه منع التنازلات غير المباشرة التي ستمنحها إدارة أوباما لإيران فيما يتعلق بطموحها أن تصبح قوة إقليمية مطلقة اليد ومقبولة أميركياً”.

ورداً على سؤال لـ”العربي الجديد” عن رأيه في تأثير الحملة العسكرية العربية التي تباركها واشنطن ضد أنصار إيران في اليمن على سير المفاوضات النووية، يلفت كافام إلى أن “معظم المتحدثين الرسميين يرفضون الربط بين المفاوضات الجارية والنفوذ الإيراني في اليمن، وقد اتفق معهم في ما يتعلق بالمفاوضات الرسمية التي تجري بين الخبراء والتقنيين. أما المحادثات السياسية بين فريق كيري مع الفريق السياسي من الطرف الإيراني فإنها لا بد أن تتطرق بشكل أو بآخر لمثل هذه القضايا، كونها متصلة ببعضها”.

ويوضح أنه “قبل أن نتحدث عن المباركة الأميركية للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة تقود بنفسها تحالفاً عسكرياً ضد داعش في العراق وسورية، لكنها رفضت أن تشارك ميدانياً ضد الحوثيين الموالين لإيران”. ووفقاً لكافام فإن “هذا الامتناع الأميركي له مغزى ودلالة بالغة لا تنفيها المباركة”.

كما يرى المحلل الأميركي أن توقيت بدء العمليات العسكرية على حلفاء إيران في اليمن يشير إلى وجود مخاوف حقيقية من الملاحق السرية المحتملة للاتفاق مع إيران، أو وجود اتفاقات منفصلة أميركية إيرانية بشأن دورها الإقليمي المرتقب. وهذا الأمر برأيه يقلق بعض دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية، التي اعتبرت أن من مصلحتها التحرك لتحجيم النفوذ الإيراني الآتي من حدودها الجنوبية قبل أن يصبح التعاون الأميركي الإيراني أمراً واقعاً.

ويستدرك كافام قائلاً “ربما أن التحرك السعودي جاء بتنسيق مع الولايات المتحدة، استباقاً من واشنطن للقيود التي قد تفرضها على نفسها في التعامل مع النفوذ الإيراني بالمنطقة، عقب التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن مشروعها النووي، وما قد يترتب على هذا الاتفاق من ملاحق سرية أو اتفاقات أخرى جانبية لا يستبعدها كثيرون”.

وعن المصلحة السياسية التي يمكن أن تحققها واشنطن من الاندفاع نحو توقيع اتفاق مع إيران لا يحظى بقبول أهم حلفائها في المنطقة، يرى كافام بأن ما يستهوي أوباما على الصعيد الخارجي هو التوجه نحو الشرق، إذ توضح تصريحاته هو شخصياً وسياساته، وكذلك ما يصدر عن مساعديه، بأنه يميل إلى الابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على العلاقات مع دول الشرق الأقصى. وبناء على ذلك فإن إدارة أوباما لا تمانع أن تنوب عنها إيران في مواجهة بعض الأعداء المشتركين في المنطقة. ويمكن أن تضبط الاتفاقات التي يكون نفوذ إيران كقوة إقليمية على حساب أميركا كقوة دولية بل يكون نفوذ كل طرف داعماً للطرف الآخر على المدى الطويل، مثلما كان عليه الأمر في عهد شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي.

 

 

 

الردّ الإيراني على “الصفعة السعوديّة”… في سورية

بيروت ــ ثائر غندور

لم يكن أكثر حلفاء إيران تشاؤماً يتوقع ردة فعلٍ سعوديّة بهذا الشكل وهذا الحجم، وفقاً لما أفاد به عدد من حلفاء إيران، الذين كانوا يعتقدون أن ردة الفعل السعوديّة تجاه تقدّم جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) في اليمن، ستقتصر على الموقف السياسي، ولا يُمكن أن تتعدّاها إلى فعلٍ عسكري في هذا الحجم، لا بل إنه حتى قبل ساعات من بدء ضربات عملية “عاصفة الحزم”، كان مقرّبون جداً من إيران يتحدثون عن الأبعاد الاستراتيجيّة للسيطرة على اليمن والعراق.

ويرى حلفاء إيران أن الخطوة السعوديّة تُعيد إنتاج أبرز المواجهات السعوديّة ـ الإيرانيّة، وهذا أمر لا يُمكن لنتائجه أن تقف عند حدود اليمن، إذ يُردّد الحلفاء بأن السعوديّة وضعت إيران في خطوتها العسكريّة هذه في الزاوية، وبالتالي عليها أن تتوقع ردة فعلٍ قاسيةٍ من إيران.

لكن أين يُمكن لردّة الفعل هذه أن تحصل؟ تتقاطع المعلومات والتحليلات لدى مصادر مختلفة على أن سورية ستكون الساحة الأبرز للردّ الإيراني، ولهذا الأمر أسبابه. أولاً، لم يكن الفعل السعودي موجّهاً لإيران مباشرةً، لذلك لن يكون الردّ الإيراني من قبلها مباشراً. وبالتالي، “وكما كانت الضربة لتنظيم قريب من الإيرانيين، فإن الردّ سيكون من تنظيم قريب من إيران، أي حزب الله”، كما تقول مصادر لبنانيّة مطّلعة.

ثانياً: أي ردّ إيراني محكوم بحسابات المفاوضات النوويّة مع الولايات المتحدة. ورغم أن الإيرانيّين وحلفائهم يُكررون أن هذه المفاوضات لا تتناول إلا جانب الملف النووي، “وبعد الانتهاء من الملف النووي، يُناقش الإيرانيون قضايا المنطقة من موقع قوة، لأنهم مسيطرون على الميدان في العراق واليمن وسورية”، كما كان يُردد حلفاء لإيران، لكن هذا لا يعني أن إيران تملك القدرة على إشعال معارك إضافيّة في المنطقة، وتُبقي المفاوضات بمنأى عن تأثير هذا الإشعال.

ثالثاً: الساحة التي يستطيع حزب الله أن يوجّه ضربةً للسعوديّة وحلفائها فيها هي سورية بالدرجة الأولى. فلبنان، لا يزال خاضعاً لحماية إقليميّة ودوليّة، تمنع الانفجار فيه، مثلما لا تسمح بحلٍ جدي لأزمته. كما أن حزب الله لا يستطيع إشعال قاعدة انطلاقه إلى الإقليم، ولا يستطيع جمهوره تحمّل ثمن صراع داخلي أوسع، مع ما سيحمله من تردٍ للوضع الاقتصادي وللوضع في البيئة الحاضنة لحزب الله. والأرجح أن الحزب سيعمل بالروحيّة ذاتها التي عمل بها بعد الغارة الإسرائيليّة التي استهدفت موكباً عسكرياً له في القنيطرة. إذ جاء رد الحزب حينها ضمن هامشين: ضرورة الرد لمنع تكريس معادلة عسكرية جديدة، وعدم دفع المنطقة باتجاه حربٍ شاملة.

رابعاً: حيّدت الولايات المتحدة مضيق باب المندب، الذي لطالما هدّد الفريق الإيراني بضربه إذا هُددت مصالحه. فهذا المضيق ليس ملفاً محلياً أو إقليمياً فحسب، بل حاجة أساسيّة للتجارة واستقرار الاقتصاد العالمي.

خامساً: بالتزامن مع الغارات السعوديّة، سحبت واشنطن ورقةً أساسيّة من يد إيران في العراق، عبر الإعلان وبدء توجيه ضربات جويّة لتنظيم “الدولة الإسلاميّة”، (داعش)، في مدينة تكريت العراقيّة، وهو ما تلاه انسحاب “جماعة إيران” من قوات الحشد الشعبي المحاصرة لتكريت. اللافت، أنه قبل ساعات من توجيه الغارات الأميركيّة، كان أحد مستشاري “الحشد الشعبي” العسكريين ينقل عن قائد “فيلق القدس”، الجنرال قاسم سليماني، أنه لن يسمح للطائرات الأميركيّة بتوجيه ضربات لتكريت، وأنه لن يقبل بتحقيق رغبة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي “بإهداء نصر تكريت للقوات الأميركيّة”.

وأضاف المستشار قائلاً إن “ما يُشاع عن توقف العمليات العسكريّة ليس دقيقاً، بل هو حصار يهدف لإنهاك المسلحين، من أجل حصول انهيارات في صفوفهم بهدف تخفيف الخسائر البشريّة، كما فعل حزب الله في القصير السورية”. وهذا يعني أن القدرة الإيرانيّة على الرد عبر العراق محدودة، لهذا السبب ولأسباب أخرى، أبرزها أن إيران هي اللاعب الأبرز في العراق وتهديد الأمن يعني تهديداً لمصالحها.

سادساً: يتوقّع الجانبان تصعيداً للقتال في سورية. لكن قدرة إيران وحلفائها على التصعيد في هذا البلد، تكاد تكون محدودة، إذ إن هذا الفريق سبق أن شن هجومين واسعين في شمال وجنوب سورية، وفشل في تحقيق أهدافه، رغم عدم رفد المعارضة حينها بالذخيرة الكافية والسلاح المناسب. أمّا اليوم، فتقول مصادر المعارضة السورية في الخارج، إن هناك تطوراً في كمية الذخيرة التي تدخل إلى سورية، إن عبر الشمال أو الجنوب. فتصعيد حزب الله في سورية للردّ على عمليّة “عاصفة الحزم”، يعني حكماً تحقيق خرق جدي في الشمال، عبر الاقتراب من الحدود التركيّة، وفي الجنوب عبر الوصول إلى الحدود الأردنيّة. وإذا اقتصر الردّ الإيراني في سورية وعلى هذا الشكل، فإنه يعني قبولاً بـ”الصفعة السعودية” بانتظار لحظة الردّ.

سابعاً: يُمكن المجازفة والقول إن قرار تحييد لبنان لا يزال قائماً، وأن القوى السياسيّة أيقنت أن أي تغيير جذري في الواقع اللبناني ممنوع إقليمياً ودولياً، سلبياً كان أو إيجابياً. فمن غير المسموح جرّ البلد إلى حرب أهليّة، وفي الوقت عينه، ليس مطلوباً حلّ الأزمات اللبنانية، مثل انتخاب رئيس جمهوريّة. وبالتالي، فإن حكومة الرئيس تمام سلام صامدة وإسقاطها ممنوع، وهو ما ظهر بوضوح في جلسة الحكومة يوم الخميس، أي بعد ساعات على بدء عمليّة “عاصفة الحزم”. فالاختلاف السياسي الحاد حول الضربات الجويّة، لم ينعكس على الحكومة، كما أن مكوناتها (تحديداً تيار المستقبل وحزب الله)، حرصا في الأسبوع الماضي على عدم نقل التصعيد الكلامي بينهما إليها. كذلك، لم يؤثر اتهام رئيس كتلة المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، لحزب الله بتحضير محاولات لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، على الحكومة. وبالتالي فقد يرتفع الخطاب السياسي ويتم تبادل اتهامات من دون تفجير جدي. لكن مصادر لبنانية تُشير إلى أن الأسبوع المقبل قد يحمل تحولات أخرى إذا ما استمرت العمليات لأكثر من أسبوع.

ربما يكون ما قاله أحد المرجعيات اللبنانيّة، لـ”العربي الجديد”، معبّراً: “الجنون والاتفاق الأميركي ـ الإيراني، قد يُفجّران المنطقة بالكامل”.

 

 

 

 

أردوغان على خطّ مواجهة إيران

إسطنبول ــ باسم دباغ

علم “العربي الجديد”، أن “قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال لويد أوستن اتفق مع قادة عسكريين أتراك، مطلع مارس/آذار الحالي، على فتح قاعدة انجرليك الجوية التركية، من أجل العمليات الحربية، وذلك عبر نشر طائرتين مسلحتين من دون طيار تابعتين لسلاح الجو الأميركي في القاعدة، لكن الاتفاق ينتظر موافقة القادة السياسيين في تركيا والولايات المتحدة”.

وتأتي تلك التطورات بعد إظهار أنقرة دعمها الواضح والعلني لعملية “عاصفة الحزم”، التي تقودها السعودية ضد جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في اليمن، في تحوّل واضح في السياسة الخارجية التركية تجاه إيران، وذلك قبل أيام من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران مطلع أبريل/نيسان المقبل.

وكان أردوغان قد حذر إيران، أمس الجمعة، من محاولة السيطرة على الشرق الأوسط، قائلاً إن “إيران تحاول السيطرة على المنطقة، وهذا الأمر يزعجنا ويزعج السعودية وباقي دول الخليج”. وشدد أن “على إيران تغيير وجهة نظرها، وسحب كل قواتها من اليمن وسورية والعراق، واحترام سيادة تلك الأراضي ووحدتها”.

وأضاف أردوغان أن “تصريحات إيران الأخيرة بشأن الأحداث في اليمن طبيعية، وتوضح ماذا فعلته حتى الآن في التطورات الجارية في سورية والعراق. تبدو إيران وكأنها تريد أن تجعل المنطقة تحت هيمنتها وسيطرتها، فهل يُمكن السماح لها بذلك؟”.

لم تتخذ تركيا خلال العقد الأخير، على الرغم من الأزمات التي شهدتها العلاقات بين الطرفين في عدد من القضايا، أي موقف بهذه الشدة ضد طهران. ويبدو الموقف الأخير مدعوماً بفقدان الإيرانيين ورقة دعم حزب “العمال” الكردستاني، بعد الخطوات الكبيرة التي تمت في عملية السلام التي تديرها أنقرة معه، خصوصاً مع إبداء “العمال”، وجناحه السياسي حزب “الشعوب الديمقراطي” حرصه على العملية. كما حسم زعيم “العمال” عبدالله أوجلان خياره، بالتأكيد بأن “خيار السلام للعمال ليس خياراً استراتيجياً، بقدر ما هو خيار نهائي”. واتهم أردوغان إيران بأنها “تسعى لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فقط لتحل محله، فمن غير المقبول أن تقبل تركيا بأن تحل إيران محل داعش في الموصل”.

ويبدو التغير في الموقف التركي تجاه طهران تعبيراً عن التغيير الواضح في استراتيجية أنقرة في إدارة ملفاتها الخارجية، والتخلّي عن استراتيجية “القوة الناعمة” نحو المواجهة، الأمر الذي كان قد عبّر عنه أردوغان، قبل أيام قائلاً “ستواصل تركيا جهودها إزاء التطورات في سورية والعراق، مستخدمة كل الإمكانيات الدبلوماسية. ولكننا على علم بأننا ما لم ندعّم قوتنا السياسية والدبلوماسية بالقوة العسكرية، فلن نحصل على النتيجة المنشودة”.

وفي السياق، تقوم القوات الخاصة التركية، بحسب تقارير إعلامية تركية، بالعمل على تدريب قوات عراقية، في إطار اتفاق جرى مع الحكومة العراقية أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع التركي عصمت يلماز إلى كل من بغداد وأربيل، إضافة إلى “البيشمركة” وقوات أخرى من تكريت والموصل معظمها من التركمان، وقوات تركمانية سورية، لكن في موقع ضمن الأراضي السورية لم يتم الكشف عنه لدواعٍ أمنية.

ويتماشى الموقف التركي مع الانفراجات التي حصلت في العلاقات التركية السعودية، منذ تسلّم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الحكم خلفاً لأخيه عبدالله، وزيارة أردوغان إلى المملكة في وقت سابق من الشهر الحالي، والتي دشّنت رحلة عودة العلاقات إلى سابق عهدها.

ويبدو أنه تمّ التوافق أثناء الزيارة على عدد من المسائل، أهمها تخفيف العداء التركي تجاه مصر، وإنهاء الأزمة في ليبيا، وتولي أنقرة دوراً أكبر في إدارة الأزمة في سورية، عبر التوافق على تولّي خالد خوجة المقرب من الأتراك، رئاسة “الائتلاف” الوطني المعارض وتدريب قوات المعارضة السورية، لتتفرغ السعودية بدورها لضرب الحوثيين في اليمن. كما شدد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو وأردوغان، أن “كل ما قام به الحوثيون في اليمن هو تكريسهم الصراع المذهبي، فالوضع تحول في البلاد لصراع بين الشيعة والسنة. ونحن لا ننظر بشكل إيجابي لأي صراع من هذا النوع، ونعارضه بشدة”.

وفي ظلّ اعتماد تركيا سياسة براغماتية متلائمة مع المصالح الغربية، منذ إعلان الجمهورية، لا يُمكن اعتبار الدعم التركي للرياض، وعرض أنقرة تقديم دعم لوجستي حتى لعملية “عاصفة الحزم”، إعلاناً لـ”حلف سنّي” في المنطقة في مواجهة إيران، بقدر ما يُمكن اعتباره توافقاً مع حلفاء تركيا الغربيين في حلف الأطلسي، المنزعجين من ازدياد النفوذ الإيراني. ووسط دعم واشنطن ولندن وباريس الكامل للعملية، كشف وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، أمس، بأن بريطانيا ستقوم بتدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة في تركيا.

 

 

 

 

الرد السعودي في اليمن والمفاجأة “المتوقعة”/ مروان قبلان

على الرغم من وقع المفاجأة، جاء الرد السعودي على الخرق الإيراني في اليمن، متوافقاً مع السلوك التقليدي للدول في أوقات الأزمات، اللجوء إلى القوة عندما لا تعود قادرة على حماية مصالحها بوسائل أقل تكلفة. أبعد من هذا، عندما تبلغ الأمور في أي صراع حد فرض تهديد جوهري لمصالح أحد أطرافه، لا تعود حروب الوكالة تنفع، ولا بد عندها من تدخل عسكري مباشر. هذا ما فعلته إيران في العراق، بعد أن سيطر تنظيم الدولة على الموصل ومعظم شمال غرب البلاد، وهذا ما تفعله في سورية منذ نحو ثلاث سنوات، المفاجئ أن دول الخليج العربية، المهددة ليس في صميم مصالحها فقط، إنما في وجودها، تأخرت كثيراً في فعل الشيء نفسه.

بالتأكيد، لو نجحت دول الخليج العربية، في إدارة حرب وكالة مع إيران التي أخذت تلتهم حزام أمنها الخارجي، قطعة قطعة، ودولة دولة، لما اضطرت، أخيراً، إلى أن تتحرك، مباشرة، للدفاع عن نفسها في مواجهة تغول إيراني، مدفوع بأحلام إمبراطورية وسياسات تبشيرية. من هذا الباب، ربما شكل التدخل السعودي مفاجأة لكثيرين، وفي مقدمتهم إيران وحلفاؤها في اليمن، فالانطباع السائد أن دول الخليج، وخصوصاً السعودية، تفتقر إلى الإدارة أو الإرادة، أو كلتيهما، للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع خصوم لا ينقصهم الإصرار والتصميم، في دولة بحجم اليمن (تزيد مساحته عن نصف مليون كم مربع). وكانت دول الخليج التي غالباً ما تلتصق بها صور نمطية، دالة على الضعف وقلة الحيلة، تعتمد، تاريخياً، على غطاء حماية غربي، أو عربي، لمواجهة إيران.

غربياً، تبدو الولايات المتحدة منشغلة جدا بالمفاوضات النووية مع إيران، دع جانباً مسألة الدخول في مواجهة معها، أو مع حلفائها. أما الغطاء العربي فقد تهشم، هو الآخر، بعد انهيار العراق وسورية، وتلاشي دور مصر الإقليمي. دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، مطلع عام 2011، لإنقاذ النظام هناك من هبة شعبية، تدعمها إيران ضده، لم يكن مثالاً يعتد به كثيراً، لأن مساحة البحرين لا تتعدى مساحة مدينة صغيرة من مدن السعودية. فمن أين، إذاً، جاءت كل هذه العزيمة لاطلاق عملية بحجم عاصفة الحزم؟

شكل رحيل الملك عبد الله نقطة تحول في السياسة السعودية، فالملك سلمان بدا أكثر دينامية واستعداداً من أخيه الراحل، لمواجهة التمدد الإيراني الذي كاد يطبق الخناق على المملكة، من جهتي الشمال في العراق وسورية والجنوب في اليمن. وبمجرد ترتيب أوضاع العائلة المالكة، تفرغ الملك الجديد لاعادة ترتيب علاقات بلاده الخارجية، وإعادة تقييم المخاطر والتهديدات التي تواجهها، فتراجع العداء المعلن تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وعادت إيران تتبوأ مكانتها الريادية على رأس قائمة التهديدات التي تواجه السعودية، وعموم دول الخليج العربية.

وخلال أقل من شهر، استعاد الملك سلمان حلفاء، كانت السعودية خسرت بعضهم، من دون مبرر قوي، فاستقبل على التوالي في الرياض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء باكستان نواز شريف، وأرسل الى الرئيس السوداني، عمر البشير، يدعوه إلى لقائه قبل يوم من إعلان “عاصفة الحزم” ضد الحوثييين، وهو الذي ظلت السعودية ترفض استقباله سنوات، بسبب علاقاته مع إيران. أثمرت زيارة البشير إلى الرياض إعلانه فك ارتباطه بالرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، وإغلاق كل مكاتب الارتباط الإيرانية في بلاده. وفوق ذلك، أعلن مشاركته في “تحالف دعم الشرعية” الذي أنشأته السعودية غطاءً للعمل العسكري في اليمن.

بعد ترتيب علاقات بلاده الخارجية، دعا الملك سلمان إلى اجتماع مفصلي، يوم السبت 21 مارس/آذار الجاري في قصره في منطقة العوجا في الدرعية، العاصمة التاريخية لآل سعود. وفي هذا الاجتماع الذي حضره كبار المسؤولين في دول الخليج العربية، باستثناء سلطنة عمان، تم وضع خطة للتحرك، تتضمن إعطاء الأولوية للعمل السياسي والدبلوماسي لحل الأزمة في اليمن، بإعادة إطلاق الحوار، وتم طرح الدوحة مكاناً بديلاً للرياض التي رفض الحوثيون والرئيس السابق صالح، الحضور إليها لاستئناف العملية السياسية التي توقفت، باقتحام القصر الرئاسي في صنعاء، في يناير/كانون الثاني الماضي. أما الخطة البديلة فقد كانت الاستجابة لدعوة يطلقها الرئيس هادي، بصفته رئيساً شرعياً للبلاد للتدخل، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، الذي حذر بعد اجتماع العوجا بأن دول مجلس التعاون سوف تتخذ الخطوات اللازمة لوقف العدوان على اليمن، في حال فشل الحل السياسي. على الأثر، بدأت السعودية حشد قواتها على امتداد حدودها الجنوبية مع اليمن، قبل أن يطلق الملك سلمان عملية “عاصفة الحزم”، عند منتصف ليل اليوم التالي 26 مارس/آذار 2015.

وقد واكب التحرك العسكري السعودي تحرك دبلوماسي لافت، حيث تولت السعودية الإعلان عن عملية عاصفة الحزم التي تقودها، بالتحالف مع تسع دول أخرى، من واشنطن، على لسان سفيرها هناك. وكان هذا التخطيط يهدف، على ما يبدو، إلى تأكيد وجود تنسيق مع إدارة الرئيس أوباما. لكن واقع الحال كان يشير إلى أن البيت الأبيض كان، على ما يبدو، مضطراً إلى مسايرة السعودية، وتغطية حربها على الحوثيين، وخصوصاً أن الرياض هي من تولى تغطية التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم الدولة في سورية والعراق. وقد تبدى موقف إدارة أوباما المرتبك في إعلانها عن أنها كانت على علم بالعملية، وأنها تقدم دعماً لوجستياً واستخباراتياً لها، لكنها لا تشارك في العمليات القتالية. أكثر من ذلك، سارع البيت الأبيض إلى التأكيد على أن همه الرئيس في اليمن هو الحرب على القاعدة، وليس أي شيء آخر. وكان السلوك الأميركي يحاول، على ما يبدو، التوفيق بين هدفين متناقضين، الأول على عدم إثارة الإيرانيين، بطريقة تؤثر في سير المفاوضات النووية التي بلغت مرحلة جد حساسة، والثاني عدم إغضاب السعوديين، حلفائه الرئيسيين في الحرب على داعش، وتركهم يشعرون بالخذلان، في ظل شكوك تتعاظم سلفاً من حقيقة الالتزام الأميركي بأمن الحلفاء.

من الواضح أن دول الخليج العربية، وخصوصاً السعودية، لم تعد في موقع يسمح لها بالتغاضي عن الاختراقات الإيرانية التي تهدد وجودها. لكن، عليها، في الوقت نفسه، أن تتبع خطوات مدروسة، وهي تواجه، لأول مرة في تاريخها، تهديدات لا يحجبها عنها حجاب، ولا يقاتل فيها عنها وكيل. لذلك، يجب أن تحرص دول الخليج على أن لا تسمح لإيران وحلفائها في اليمن، بجرها إلى حرب استنزاف برية، لأن في هذا مقتلاً لها. ويكفي التذكير، في هذا السياق، بتجارب أميركا وروسيا في فيتنام والعراق وأفغانستان. لذلك، على السعوديين، وهم أخبر الناس باليمن، وهم الذين تولوا استنزاف جمال عبد الناصر فيه، حتى قضوا على أسطورته، التمسك بشعار دعم الشرعية، والشروع بعملية ترميم شبكة تحالفاتهم التي تضررت في سنوات ما بعد الثورة، و تحويلها إلى قوة قتالية قادرة علىى مجابهة المشروع الحوثي-الإيراني، والاكتفاء لجهة الدعم العسكري بتوفير غطاء جوي لهذه القوة، والاستعداد لمواجهة أي تدخل إيراني، على نطاق واسع، عبر السيطرة على أجواء اليمن ومنافذه البحرية، وذلك حتى ييأس الحوثيون من الدعم الخارجي، وينصاعوا لدعوات التسوية والحل السياسي، على قاعدة المبادرة الخليجية.

 

 

 

حين لا تسمح السعودية بتسليم اليمن لإيران/ عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

يرى بعضهم أن السعودية تباطأت، بل وتنكرت لليمن، نتيجة تخبط، ويعتقدون أنها تريد أن تترك الأطراف اليمنية تدخل في مرحلة حرب استنزاف بين علي عبد الله صالح والحوثيين، وحزب الإصلاح اليمني والقاعدة، وهي التي أثبتت فشلها في سورية، ويعتبرونها استراتيجية متخبطة. وهناك من يرى أن السعودية ركنت إلى الأمم المتحدة ومبعوثتها جمال بن عمر، على أساس وجود لغة مشتركة، ولكن، من الصعب وجود لغة مشتركة مع إيران. كما أن بعضهم يرى أن شعبية علي عبد الله صالح لم تسقط، على الرغم من إجبار دول الخليج على تنازله، لأنه قضى على الجيش الجنوبي، إبان حكمه في عامي 1979 و1986 وحل محله جيش قبلي، فمثلاً، يتكون 85% من الحرس الجمهوري، من إقليم آزال فرضه على اليمن، وهو جيش يمكن أن يفجر حروباً طائفية ومذهبية وقبلية، يهدد اللحمة الوطنية.

لكن، في الحقيقة سعت السعودية إلى رعاية مبادرة إقليمية، ورعت انتخاب رئيس شرعي، انتخبه ثمانية ملايين يمني، وحواراً وطنياً توصل إلى تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فيدرالية. وكل الخيارات التي قدمتها السعودية واجهها الحوثيون بالمراوغة والكذب، في سبيل الانتشار على الأرض، وهو انتشار غير أصيل، لا يتمكن من الاحتفاظ بالأرض، والتشبث بها، ولن يسمح له بأن يعيد نفسه، أو الاستعانة بقوات أجنبية.

أفشل تلك العملية التي رعتها السعودية ضعف البنية الفكرية للسياسيين، نتيجة الولاءات الضيقة، مع تباطؤ سرعة المعالجة، حتى تمكن علي عبد الله صالح من جر السعودية إلى التماس طائفي، واستثمر الحوثيين، المدعومين إيرانيا العدو الأول للسعودية، وهي لعبة يتقنها صالح في تعامله مع السعودية، منذ كان في الحكم.

وقد تسارعت الأحداث في اليمن، وسبقت ردة الفعل، وتحولت البلاد إلى الاحتراب بالوكالة، حتى أصبحت الحركة الوطنية جثة هامدة، بسبب انقسامها الطائفي، وفي الرؤى السياسية. ويعتقد بعضهم أن هناك ترتيبات إقليمية، خصوصاً في ظل المفاوضات الإيرانية الغربية حول النووي الإيراني. ولأن إيران منيت بهزائم في إدلب ودرعا، حتى استخدم النظام السوري، مرة أخرى، سلاحا كيماوياً في إدلب، ولأنها تخشى من فقدان العراق، وعودته إلى الحاضنة العربية، فإنها تحرص على الوجود في اليمن، وتوجيه صواريخ بالستية نحو السعودية، لتصبح اليمن كوبا 2.

وترى السعودية أن منظومة الأمن في اليمن منظومة خليجية، ولا يختلف عن الأمن الخليجي، مثلما تحرك درع الجزيرة لحماية البحرين من إيران، فيجب أن يتكرر الدور نفسه، ولكن وفق ائتلاف عربي إقليمي. ولذلك، ترى السعودية أن شراء ولاء القبائل لم يعد يفيد، كما كان سابقا، خصوصاً بعدما تمدد الحوثي، ووصل إلى عدن، وبدأ يهدد أمن دول الخليج، وهي ستتحرك بعيداً عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة بموقف حاسم، كما حدث في البحرين.

في الأسبوع الماضي، عند زيارته الرياض، سأل دبلوماسي سعودي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ما إذا كانت إيران قد استأذنت الولايات المتحدة، عندما غزت العراق ولبنان وسورية، والآن اليمن، أي أن السعودية لن تستأذن، لا الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة، في اتخاذ قرارها، فهي تستند إلى قرار أممي في البند السابع، المتمثل في تلبية طلب الرئيس هادي الشرعي بتدخل دول الخليج عسكرياً.

وقد اتخذت السعودية، مع بقية دول الخليج، عدا سلطنة عمان، قرارها، مستبقة اجتماع جامعة الدول العربية، ضمن ائتلاف عشر دول عربية وإقليمية، بالإضافة إلى دول الخليج الخمس، انضمت مصر والسودان والمغرب والأردن وباكستان، في استجابة للرئيس هادي بالتدخل عسكرياً، ولن تنتظر اختبار الحوثيين وإيران صبر السعودية، وتحويل اليمن إلى سورية وعراق جديدين بجوار السعودية. وترجمت السعودية قرارها مباشرة بضرب قاعدة الديلمي والدفاعات الحوثية وأربعة طائرات يستخدمها الحوثيون بداية، وذلك بواسطة القوات الجوية السعودية، وبمساندة من قوات دول الائتلاف، الكويت والإمارات والبحرين، وكذلك مشاركة المغرب والسودان والأردن، ومشاركة سفن مصرية وباكستانية، مع استعداد لتقدم قوات برية، إن لزم الأمر في “عاصفة الحزم” التي قتلت فيها قيادات حوثية بارزة، كعبد الخالق الحوثي ويوسف الفيشي، وغيرهما، لوقف عربدة إيران في المنطقة.

ومن المتوقع أن يتوسع التحالف تزامناً مع انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ، وهناك تأييد للفكرة في اجتماع وزراء الخارجية، وقد أفاد مندوب دولة مغاربية بأن هناك شعوراً عاماً بالخطر، وشعوراً عاماً بضرورة العمل معا ضد هذا الخطر الجديد، وهو خطر وجودي على الدول العربية، ربما لأول مرة منذ الاستقلال.

وتمتد حدود السعودية مع اليمن 1800 كيلومتر، وتمتد حدود إيران مع العراق 1500 كيلومتر، وتمكنت من غزوه، بالتحالف مع حلفائها القتلة والمفسدين الذين يريدون أن يحموا أنفسهم من المجتمع العراقي بالمليشيات، بينما بقية العراقيين، شيعة وسنة، أزعجهم تصريح مسؤول إيراني كبير أن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية.

وتمتلك السعودية 330 طائرة متقدمة، وهي قادرة على ضرب أي بارجة تتوقف عند ميناء عدن، لمساندة العصابة التي انقلبت على المجتمع اليمني، وقادرة على ضرب أي طائرة يحلق بها جيش الرئيس علي عبد الله صالح، لأن الحوثيين لا يتقنون استخدام الأسلحة المتقدمة، وقد استخدمهم علي عبد الله صالح قفازاً حديدياً، حتى لا يظهر أنه من يقاتل، بل تحت غطاء الحوثيين.

“نسقت السعودية مواقفها مع الولايات المتحدة، معلوماتياً وأمنياً وعسكرياً، وانتزعت منها موافقة على الضربات”

لن تعوّل السعودية على مجلس الدفاع العربي المشترك الذي تأسس عام 1950 بتوقيع تسع دول عربية، منها اليمن، لكي يعطي السعودية شرعية في التدخل من خلال درع الجزيرة. وقد سبق أن تدخلت تنزانيا في أوغندا، وتدخلت السعودية في البحرين، حتى توجد قوى متوازنة على الأرض بين الطرفين، تجبرهم في الجلوس إلى طاولة الحوار، كي لا تسمح بثمن مشروع إقليمي كبير إيراني في اليمن. حيث تعتبر السعودية سقوط عدن خطاً أحمر، ولن تسمح بسقوطها، مهما كان الثمن، حتى ولو تردد المجتمع الدولي. لذلك، هي ستقوي دفاعات عدن ودفاعات المحافظات الشمالية التي ترفض وجود مثل تلك العصابات.

وبالمعنى السياسي، هناك انقلاب حوثي على الجميع، وفرض مشروع يحمل أجندة إيرانية، وستلعب السعودية، أيضاً، على إيجاد شرخ في التحالف بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، على الرغم من أنها توجه ضربتها الموجعة للطرفين. وقد نسقت مواقفها مع الولايات المتحدة، معلوماتياً وأمنياً وعسكرياً، وانتزعت منها موافقة على تلك الضربات، وأعلن السفير السعودي في الولايات المتحدة عن العملية، بعد بدئها، من واشنطن، بموافقة أميركية.

وتثبت السعودية أنها التي تملك قرار زمن الحسم، ويمكن أن تجعل كل من انتقدها يحترم مواقفها الحاسمة في الزمن والظرف الصعب، وهي تدافع عن حلفائها، وعن أمنها، وستوقف توسع إيران وغطرستها، وحديثها عن توسع امبراطوريتها “الفارسية” التي عاصمتها بغداد، وعن وجودها في المياه الإقليمية العربية التي تهدد شريان الاقتصاد العربي والعالمي الذي تجاوز كل الحدود المقبولة، وهي علامة مفصلية في النيات التوسعية الإيرانية في سورية. والآن، تريد التوسع في اليمن، لزرع الفوضى بجوار السعودية، وتهديد أمن منظومة دول الخليج.

 

 

 

 

 

باسم الحرب الدينية/ بيار عقيقي

أظهرت تعقيدات الشرق الأوسط أنه يُمكن استخدام العامل الديني لتحقيق أهداف جيوسياسية في كل حين، ولسنا في حاجة لبذل مزيد من الجهد، لجرّ الناس إلى التقاتل. كما رسّخت الأحداث المتتالية والصراعات المتناسخة مفهوم “القتال على أساس ديني”. ويُمكن إدراك ذلك بسهولة، حين يتمّ الحديث عن “دولة يهودية” في إسرائيل، ونزاع الطوائف في لبنان وقتالهم في العراق. كما تدخل نماذج تحويل مسار الثورة في سورية إلى حروبٍ مذهبية متفرقة، في السياق أيضاً.

ولا يُمكن في الشرق أن نتحدث عن “ثورة شعبية إنسانية”، بل علينا الانطلاق، دائماً، من خلفية طائفية، لتبرير أي حراك مذهبي. هكذا اعتدنا، في منطقة تُعتبر “مهد الديانات السماوية”. مع العلم أن هناك أسباباً كثيرة تتيح لنا تبرير أي حراك شعبي، من دون إدماج العنصر الديني فيها. لكنه الشرق الأوسط، و”الخروج” عن تقاليده مصيبة كبرى. وكان يُمكن لأي كان الاستعانة بقليل من التاريخ، ليفهم حقيقة ما يجري في المنطقة، وربما مستقبلها. في اليمن، طرأ واقع ميداني ليل الأربعاء ـ الخميس، على خلفية تطوّرات عسكرية داخلية، أدت إلى تمدد جماعة الحوثيين من جبال صعدة إلى شواطئ عدن.

“كان لا بدّ من التدخّل العسكري” الذي يهدف إلى “تثبيت الشرعية اليمنية، ومنع الحوثيين من التمدّد”. وبغضّ النظر عن شرعية هذا التدخّل بالذات، وإمكانية انعكاسه على مستقبل المنطقة، إلا أنه بدا لافتاً “تفعيل” كثيرين اللغة الدينية، في إطار التبدّلات العسكرية. الحديث عن “مهاجمة مكة المكرمة” لم يعد تفصيلاً عابراً، يُمكن أن يُجابه بعبارة “كبّر عقلك” (ترجيح العقل باللهجة اللبنانية)، تماماً كما تمّ تزخيم الحديث عن مهاجمة مقامات دينية ودور عبادة، في المرحلة الماضية، وهي ستكون ضحية أي صراع عسكري، كباقي المباني والبنى التحتية، لكنها تأخذ أبعاداً “حساسة” في الشرق، لكثرة عديدها، ولكون دول المنطقة قامت، بأغلبيتها، وفقاً لما تُمثله هذه المقامات. وتزايد الكلام عن “ضحايا من طائفة معيّنة” لا يُشكّل تعاطفاً متزايداً، في سياق إنساني، بقدر ما يُمهّد لفكرة مضادة، تتيح ضرب أبناء الطوائف الأخرى، في مرحلة لاحقة.

ويُمكن ملاحظة أن محاولات إيران تكريس وجودها في اليمن سبقتها محاولات عراقية أيام صدام حسين الذي ساهم في الوحدة اليمنية في 1990، وحاول تدشين نفوذه على معبر باب المندب، ردّاً على تحكّم إيران بمضيق هرمز. كما أن “إطلالة إيران” على البحر المتوسط، عبر حزب الله اللبناني، سبقته أيضاً محاولات صدام، بالذات، الاستناد على قائد الجيش اللبناني في حينه، ميشال عون، وقائد مليشيا “القوات اللبنانية” سمير جعجع، للحصول على المكسب الاستراتيجي عينه. لاحقاً، غرق صدام في أخطائه، لدى غزوه الكويت والبقية معروفة. أما إيران فانحازت إلى التفاوض النووي مع الولايات المتحدة، على وقع تحرّكاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة في عدد من دول المنطقة.

ولا يُمكن في السياق “الاستهانة” بالتدخل العسكري الإقليمي في اليمن، وإن اقتصر، حتى الآن، على الغارات الجوية، فالسعودية ترغب في إعادة الاعتبار للعنصر الخليجي في العراق، بعد خلوّ الساحة للإيرانيين والأميركيين، عبر ضرب الحوثيين في اليمن. وتعلم السعودية أن أي مرحلة تتخطى “الضربات الجوية” تعني مخاطرة كبرى، يجب أن تكون مدروسة، والتدخل البري، إن حصل، سيكون مكلفاً لجنود لم يختبروا تلك الحروب، وتحديداً في الجبال.

ولعلّ ذلك ما فتح الباب أمام تدخّل باكستاني محتمل، على خلفية الخبرة الباكستانية في حرب الجبال، مع حركة طالبان. وقد تكون المشاركة الباكستانية في مناورات “الصمصام 5” التي بدأت في السعودية تصبّ في هذا الإطار. لكن، هل يريد أحد الانتباه إلى دخول باكستان على خطّ الشرق الأوسط، أو الانتباه إلى أبعاد الصراع النفطي؟ لا، لأن الجميع مشغول بين طائفة وأخرى.

 

 

هذه حرب لها هدف سياسي/ عبد الرحمن الراشد

حجم الاهتمام الإقليمي والخارجي بالحرب في اليمن فاق التوقعات، لم تبقَ حكومة أو مؤسسة دولية معنية إلا وكان لها رأي أعلنته صراحة. ومعظمها عبرت عن تفهمها ضرورة حماية النظام اليمني الذي كان يتعرض لعملية تدمير ستدخل اليمن حتما في حرب أهلية طويلة وخطيرة كما يحدث في سوريا وليبيا.

مر وقت طويل من الصبر على المفاوضات وتقديم التنازلات للمعارضين والرافضين، من أجل المصالحة. لكن عندما لجأ المعارضون إلى استخدام السلاح، واستولوا على العاصمة، وعدد من المحافظات، وحاولوا قتل الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقبلها قاموا بسجنه في قصر الرئاسة واعتقال كبار أعضاء حكومته، ولم يبقَ سوى الرد العسكري الخارجي عليهم. هذه حكومة شرعية من دون قوة عسكرية تحميها تواجه عصابة أعلنت صراحة عن نياتها.

هذا ما دفع معظم الحكومات الإقليمية والكبرى تأييد الخطوة العسكرية، ولم يبدأ الهجوم إلا بعد أن استوفت كل الشروط المطلوبة منها، المسوغات القانونية، وبناء تحالف يعبر عن موقف جماعي كبير للدول المعنية، وإشراك المؤسسات الإقليمية مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والحصول على تأييد حكومات رئيسية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ولم تعترض بقية الدول الكبرى، واعتراف الأمم المتحدة بشرعية الرئيس هادي، وحقه القانوني في الدعوة للتدخل بعد أن طارده المتمردون إلى مقره في العاصمة المؤقتة عدن مهددين بقتله. أغلبية الدّول أيدت صراحة الحملة العسكرية وقدمت لها الدعم.

وهناك من عارض الهجوم مثل إيران وحزب الله، وهو أمر متوقع لصلتهما بالمتمردين منذ البداية. لكن بشكل عام هذه واحدة من الحملات العسكرية القليلة المنظمة سياسيا ودبلوماسيا وقانونيا، وهذا ما جعل معظم الدول المتشككة في البداية تعلن تأييدها في اليوم الثاني.

ورغم أن أسراب الطائرات كانت تقصف مواقع تم تحديدها بشكل مبكّر استهدفت مقرات وقوات المتمردين، فإن الحل السياسي لم يتم استبعاده، وفق ما صاغه ممثل الأمم المتحدة. الهدف الأساسي ليس التخلص من الحوثيين أو المعارضين الآخرين، لأن هذا أمر مستحيل وليس مطلوبا، بل الهدف حماية الدّولة اليمنية، نظاما ومؤسسات وشخصيات، وحماية البلد والشعب اليمني من فوضى الاقتتال والحرب الأهلية.

الحملة العسكرية لها هدف سياسي كذلك هو دفع كل الأطراف إلى حل تحت مظلة الأمم المتحدة، ووفق ما أجمع عليه كل أعضاء مجلس الأمن. على المتمردين المسلحين أن يدركوا أن الحكومة اليمنية الانتقالية التي لا تملك بذاتها قوة عسكرية كبيرة، تملك ختم الشرعية، وهناك قوة عسكرية أكبر ستحميها إن لزم الأمر. الفصل الثاني سياسي، يلي الحملة العسكرية، بعودة كل الأطراف إلى طاولة التفاوض، والبحث عن حل سياسي لا يستبعد أحدًا.

واليمن كان، ولا يزال، محل عناية مجلس الأمن، وممثل الأمم المتحدّة جمال بنعمر الذي يعمل بلا توقف منذ بداية الثورة، في عام 2011، وإلى اليوم، وهو يقدم تقاريره إلى رؤسائه بشكل منتظم، وهو الذي أشرف على الحل التصالحي بتكليف حكومة مؤقتة ورئيس انتقالي ثم إجراء انتخابات يختار فيها اليمنيون من يشاءون لقيادتهم.

الرئيس المعزول علي عبد الله صالح والمتمردون الحوثيون وحدهم قرروا تحدي المشروع التصالحي، واستخدموا القوة لتخريب العملية السياسية، والاستيلاء على الحكم، ونشروا قواتهم للقتال في المدن والمحافظات الأخرى لإخضاعها بالقوة. من يفهم القصة اليمنية يستطيع أن يتفهم ويدعم الجهد الأممي ويتفهم ضرورات السعودية، الجارة الكبرى، ومعها بقيّة دول مجلس التعاون الخليجي المعنيّة مباشرة بأمن اليمن، للتدخل عسكريا لدعم الشرعية.

الذين يحاولون تصوير المعركة على أنها حرب بلا مشروع دولي ولا شرعية، يهمهم فقط إبقاء الاقتتال في بلد يعاني من نقص الموارد وكثافة في السلاح، وعلى حافة حرب أهلية.

اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير السابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” والمدير العام السابق لقناة العربيّة

 

 

 

 

هل ترتدع إيران ويتجنّب اليمن الحرب الأهلية؟/ د. نقولا زيدان

يتقرر في غضون الأيام القليلة المقبلة مصير بلد عربي مستقل له رئيس شرعي منتخب. وما جرى ابتداء من أيلول (سبتمبر) الفائت يعرفه العالم بأسره. فقد قامت فئة مسلحة تسليحاً كاملاً باجتياح العاصمة صنعاء بذريعة إكراه الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة رئيس الحكومة بحاح على إجراء اصلاحات وتلبية مطالبها. وتمثّل هذه القوى المسلحة المتمردة حوالى 17% من اليمنيين الزيديين حيث تشكل «صعده» في أقصى الشمال ثقلهم السكاني. وكانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد أوكلت للمبعوث جمال بنعمر مهمة الوصول الى تسوية سياسية. إلا أن جهود المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن ضرب بها الحوثيون أو «أنصار الله» عرض الحائط، هذا في ظل سيطرتهم العسكرية على جميع مرافق العاصمة من وزارات الى ثكنات عسكرية الى جامعات ومدارس ومستشفيات. ولما أدرك الرئيس هادي رغماً عن محاولاته الحثيثة عبر الحوار، استحالة تسليمهم البلاد وتلبية مطالبهم التعجيزية أعلن وحكومته تقديم استقالتهم الى المجلس الوطني، فألقى المسلحون القبض عليه وعلى رئيس حكومته وبعض الوزراء وأودعوا في الاقامة الجبرية. وفي آن معاً تابعت قوات الحوثيين زحفها نحو الجنوب والغرب فسيطروا على مرفأ الحديدة الاستراتيجي والبيضاء جنوباً تبعاً لمخطط مرسوم.

بدا واضحاً وجليًّا التدخل الإيراني الواسع لتغيير نظام الحكم اليمني، هذا التدخل الذي كانت طهران قد مهدت له بإرسال السلاح الثقيل والخبراء والمستشارين لدعم حركة عبدالملك الحوثي الانقلابية مذ أدت الثورة اليمنية للإطاحة بالديكتاتور علي عبدالله صالح الذي اضطر للتنحي تحت ضغط مجلس التعاون الخليجي. في مرفأ الحديدة بدأت شحنات الأسلحة الايرانية تتدفق على الحوثيين، من طائرات وصواريخ ودبابات روسية الصنع أو روسية الطراز المصنعة في إيران. ولم تؤد مساعي المبعوث الدولي للإفراج عن الرئيس الرهينة وحكومته الى أية نتائج إيجابية في الوقت الذي راحت التساؤلات والشكوك تحوم حول صدقية مساعيه لا سيما أنه يلعب دور الوسيط بين سلطة شرعية معترف بها دولياً وحركة انقلابية لا شرعية لها.

ومن المعروف دولياً وعربياً أن المنطقة الشرقية من اليمن وخاصة حضرموت تشكل مأوى لمجموعات تنظيم «القاعدة» بعد حرب أفغانستان ومصرع أسامة بن لادن وتفكيك خلاياهم الإرهابية في باكستان. وكانت تتعرض مواقعهم لضربات جوية نوعية تقوم بها طائرات أميركية من دون طيار تنطلق من العديد من القواعد الأميركية المتمركزة في المحيط الهندي. أو من على حاملات الطائرات التابعة للأسطول السابع الأميركي والتي تصل حتى الخليج العربي في جولاتها المتواصلة، خصوصاً وان منها أيضاً تنطلق طائراتها الحربية التي تغير على «داعش» في العراق وسوريا.

في شهر شباط (فبراير) الماضي استطاع الرئيس، في ظروف ليست واضحة تماماً حتى الساعة، الإفلات من مكان اقامته الجبرية والوصول الى عدن المرفأ الاستراتيجي المهم القريب من باب المندب وهو الممر الاستراتيجي العالمي الذي يصل البحر الأحمر بالمحيط الهندي (بحر العرب). وكانت سفارات الدول الكبرى وسفارات الدول العربية التي أغلقت أبوابها في صنعاء، قد راحت تنتقل الى عدن التي أعلنت عاصمة موقتة.

لم يعمد الرئيس هادي، ولا رئيس حكومته ولا وزير الدفاع اللذان التحقا به في عدن للقيام بالتدابير الاحترازية الضرورية والملحة لمواجهة الخطر الماثل المندفع باتجاه الجنوب. فالحراك الجنوبي والذي يستند الى شعبية واسعة تعود لأيام اليمين الديموقراطية والذي يكن عداء تاريخياً للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والعطف الجماهيري الذي حظي به كان بحاجة قصوى لتنظيم وتسليح وتدريب وتزود بسلاح نوعي لمواجهة خطر الحرب. بل أسوأ من ذلك عندما ندرك أن قواتاً خارجية موالية لعلي عبدالله صالح ما زالت تكمن في ثكنات تقع في ضواحي عدن وتعز وغيرها بل في مطارات عسكرية تتلقى أوامرها من صالح ومعاونيه. واقع الأمر أن صالح والفريق الذي يمثله انحاز لجانب الانقلاب الحوثي وراح يعقد الاجتماعات الجماهيرية لأنصاره في صنعاء والشمال ويطلق بحق الرئيس الشرعي الاتهامات ذاتها وإياها التي يطلقها الحوثيون.

بدا شبح الحرب الأهلية مخيماً على اليمن وأن اقتتالاً مذهبياً يهدد بعض المناطق. كما برز الحوثيون كقوة ضاربة مسلحة تسليحاً قوياً، قادرة على اختراق المناطق الوسطى والجنوبية (البيضا، شبوة، أبين…). فرصة نادرة لتنظيم «القاعدة» لتأجيج الصراع ودفعه باتجاه صراع مذهبي، كانت ذروته تفجير مخيف لمسجدين شيعيين في قلب العاصمة صنعاء حصد مئات القتلى والجرحى.

لم تتحرك مصر الغارقة في همومها الداخلية في مواجهة جماعة الاخوان المسلمين وضرباتهم الإرهابية في مصر نفسها وفي شمال سيناء، بل باغتها بروز أخطار جدية في ليبيا عندما برز «داعش» كتنظيم إرهابي وازن في سرت، خصوصاً بعد مجزرة العمال المصريين الأقباط البربرية. ومصر التي تحفظت على المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش» في العراق وسوريا، ما زالت تحتفظ بذكريات مؤلمة من جراء تدخلها في ستينات القرن الماضي في اليمن أيام الرئيس جمال عبدالناصر.

تحوّلت أنظار اليمنيين الى السعودية ودول الخليج. فكان الموقف السعودي ما زال متمسكاً بالتسوية السياسية وإنشاء حكومة وحدة وطنية على غرار لبنان وربما ليبيا برعاية دولية، والرهان على عودة الحوثيين وحليفهم علي صالح للتسوية الخليجية التي أفسحت في المجال لانتخاب هادي رئيساً موقتاً. إلا أن تطور الأحداث راح يجنح باتجاه آخر.

نعتقد أن ثمة أموراً وعوامل تتعلق بأمن البحر الأحمر لا بد من ملاحظتها:

اكتفت أميركا الغارقة حتى أذنيها في مفاوضاتها مع إيران لإتمام وإنجاز اتفاقها معها حول ملفها النووي بسلسلة من التصريحات بين الحين والآخر بشأن خطورة الوضع في اليمن مع تحركها المعتاد في مجلس الأمن وصدور قرارات باهتة.

منذ اندلاع الحوادث الأخيرة في اليمن لم يرف لدولة إسرائيل جفن حيال خطورة الوضع، وإسرائيل دولة معنية بالتطورات ما دامت تقبع في عنق الزجاجة في مرفأ إيلات الاستراتيجي في خليج العقبة، هذا الخليج الذي أدى إغلاق عبدالناصر له عام 1967 في مضائق تيران بين سيناء والبر السعودي الى إشعال حرب ضارية غيرت معالم المنطقة القريبة آنذاك وما زالت (الجولان)، فكيف نفسّر والحالة هذه سكوت حكومة نتنياهو العائد مجدداً الى السلطة وهو يرى بأم العين الميليشيات الموالية لإيران وقد أصبحت عند باب المندب؟ الى السلطة وهو يرى بأم العين الميليشيات الموالية لإيران وقد أصبحت عند باب المندب؟ إيران نفسها التي أشبع الكونغرس الأميركي زعاقاً بالتنبيه لمخاطر نشاطها النووي قبيل انتخابات إسرائيل التشريعية الأخيرة والتي ما زال أصدقاؤه في الكونغرس نفسه يحذّرون من مغبة القبول بعقد «اتفاق سيئ« معها!

الموقف السعودي يميل أكثر فأكثر الى التشدّد لا سيما أن تعز قد سقطت عملياً بيد الحوثيين والقوات الموالية لصالح. بل تتوالى الطلعات الجوية المعادية للرئيس هادي لتقصف مكان إقامته الموقت في عدن. بل أسوأ من ذلك عندما حملت الأنباء إمكانية سقوط لحج بيد الحوثيين. أفصحت السعودية عن قلقها البالغ حيال التطورات الدراماتيكية، إذ دعا وزير خارجيتها سعود الفيصل في مؤتمر الصحافي مع وزير خارجية بريطانيا لضرورة مواجهة التدخل الإيراني الخطير في اليمن. وفي الوقت نفسه قام وزير الدفاع السعودي بزيارة مفاجئة لجازان قرب الحدود اليمنية متفقداً العديد من القطعات العسكرية.

لم يعد سراً أن طهران ظلت تحاول في الماضي القريب إيجاد موقع قدم لها في السودان، إلا أن تطور الأحداث في مصر رجح كفة عودة البشير الى الأسرة العربية، والتطورات بشأن النيل. إلا أن هذا السرد لا يجوز أن يعمي أبصارنا عن نشاط إيران العارم في أريتريا التي تستقبل قطع البحرية الإيرانية وتقدم العون للحوثيين.

إن التركيبة البنيوية لليمن خاصة في أرياف حضرموت بل في سائر الأرياف حيث القبائل والعشائر المسلحة، وحيث يعشش الفقر ويسود التماسك القبلي يهدد بأن يتحول الى حرب أهلية مدمرة طويلة الأمد يختلط فيها ما هو مذهبي بما هو جهوي الى ما هو قبلي عشائري. من يقرأ جيداً ما جاء على لسان سعود الفيصل منذ أيام أدرك أن المملكة العربية السعودية وبتفاهم وطيد مع بلدان مجلس التعاون الخليجي وبغطاء إقليمي عربي وغطاء دولي قانوني واضح انتقلت من التحذير الى الفعل العسكري والسياسي والدبلوماسي، فهل يشكل ذلك تحذيراً كافياً للتمادي الإيراني، وهل يفتح الطريق أمام الحل السياسي المرتكز الى المبادرة الخليجية المستندة الى الشرعية الدولية والمحتضنة من قبلها، فيتجنب اليمن حرباً أهلية ضروساً لا يفيد منها إلا دواعش إيران ودواعش الخلافة المدّعاة ويكون ضحيتها الشعب اليمني الشقيق المنكود الحظ بعلي عبدالله صالح والحوثيين والدواعش؟!

 

 

 

“عاصفة الحزم” تعيد خلط الأوراق

تراوحت ردود الفعل على التحرك العسكري العربي في اليمن تحت إسم “عاصفة الحزم” بوجه الحوثيين، بين مرحّب وداعم وبين رافض ومُدين.

ويأتي هذا التحرك بعد ما بلغت التطورات الميدانية في اليمن وعلى الحدود مع السعودية مبلغاً لم يعد بإمكان الرياض التغاضي عنه، ومن خلفها دول الخليج، خصوصاً وأن في خلفية ما يقوم به الحوثيون في اليمن يلقى الدعم الكامل من إيران، الأمر الذي يعني إعادة خلط الأوراق على أبواب التوصل المتوقّع لاتفاق نووي بين طهران والدول الكبرى.

وإذا كان التحرك العربي، السعودي التوجّه، حظي بغطاء من جامعة الدول العربية، بعد إعلان أمينها العام نبيل العربي تأييد الضربات التي وجهتها “عاصفة الحزم” للحوثيين، فإن إيران سارعت إلى القول إن هذا التحرك سيرتد على السعودية، في حين رأت سوريا أن التحرك العربي هو “اعتداء”.

وفي كلمة بالجلسة الافتتاحية لاجتماعات وزراء الخارجية العرب في منتجع شرم الشيخ المصري المطل على البحر الأحمر، قال العربي إنه يعلن “التأييد التام لها وهي عملية ضد أهداف محددة ضد جماعة الحوثيين الانقلابية”.

وتأتي اجتماعات وزراء الخارجية العرب تحضيراً للقمة العربية العادية السادسة والعشرين المقرر أن تعقد في شرم الشيخ يومي السبت والأحد المقبلين. وأكد العربي في كلمته “أهمية عملية عاصفة الحزم التي بادرت السعودية وفي إطار تحالف عربي واسع للبدء في هذه العملية… وذلك استجابة لطلب عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية الذي يمثل الشرعية.”، مشيراً إلى أن “العملية تستند إلى ميثاق جامعة الدول العربية كما تستند إلى المادة الثانية في معاهدة الدفاع المشترك ولذلك هي عمل بحق الدفاع الشرعي.”

وقالت قناة العربية التلفزيونية إن السعودية تشارك في العملية التي أطلق عليها اسم “عاصفة الحزم” بمئة طائرة حربية، كما تشارك فيها 85 طائرة حربية من الإمارات وقطر والبحرين والكويت والأردن والمغرب والسودان. وأعلنت مصر أنها تنسق مع دول الخليج العربية مشاركتها بقوة جوية وقوة بحرية وبقوة برية إذا لزم الأمر.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي تولى رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الخارجية العرب في كلمة في الجلسة الافتتاحية “موقفنا من الأزمة هناك هو رفض القفز على الشرعية وفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة، لذا فإن دعمنا أكيد لمؤسسات ورموز الدولة الشرعية.”

وقال نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الكويت الشيخ صباح خالد الصباح إنه كانت هناك سرعة في التحرك “في ظل التطورات الخطيرة والمتصاعدة التي يمر بها اليمن الشقيق نتيجة لاستمرار الميليشيات الحوثية في استخدام العنف وتقويض مفاصل الدولة وأركانها.”

من ناحية أخرى قالت الوكالة العربية السورية للأنباء إن العملية التي قادتها السعودية “عدوان سافر”. ويتحالف النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد مع إيران التي تتحالف بدورها مع المقاتلين الحوثيين الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس اليمني المدعوم من الولايات المتحدة.

ولا تحضر سوريا اجتماعات وزراء الخارجية العرب أو مؤتمرات القمة بسبب تعليق أنشطتها في الجامعة العربية منذ سنوات نتيجة الحرب الأهلية التي أعقبت انتفاضة اندلعت في 2011 وفشلت في الإطاحة بالأسد.

دولياً عبّرت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا عن دعم عملية “عاصفة الحزم”، كما أعربت تركيا وباكستان عن تأييدهما للتحرك السعودي في اليمن، في حين حمّل الاتحاد الأوروبي الحوثيين مسؤولية تردّي الأوضاع.

(وكالات)

 

 

والوجه الآخر للعرب/ الـيـاس الزغـبـي

حين حمل المقال السابق عنوان “الوجه الآخر للنووي” عن الأثمان غير المنظورة التي ستدفعها إيران من نظامها ونفوذها الإقليمي، لم تكن “عاصفة الحزم” التي تقودها السعوديّة في اليمن قد بدأت، بل لم يكن هناك ما يوحي بهذه العمليّة العسكريّة النوعيّة والجريئة.

فمنطق التاريخ والجغرافيا لا يُخطئ، وما تقوم به الرياض عبر قيادتها تحالفاً عربيّاً إسلاميّاً، بموافقة دوليّة ولو اضطراريّة، هو سلوك حتمي تُمليه مصالح السيادة والأمن والسياسة والهويّة والمصير، بعدما “بلغ السيلُ الزُبى” و “نفد الصبر” و”طفح الكيل”، كما في الأمثال العربيّة المعروفة.

بَدءاً من 26 آذار 2015، يُمكن تأريخ مرحلة عربيّة جديدة، أو رسم ملامح الوجه العربي الجديد.

ويُصادف الارتسام الواضح لهذا الوجه الملفّ النووي نفسه، وكأنّ التوقيع الموعود على هذا الملفّ يشكّل نقطة الارتكاز لليقظة العربيّة، تماماً كما يشكّل نقطة التحوّل أو الانتكاس في المسار “الاستكباري الإيراني”.

فبمقدار ما يختبئ من أثمان ستدفعها إيران، يظهر ما يشي بوعي عربي أو نهضة عربيّة: وجهان لعملة واحدة في ملفّ واحد. إيران تتعثّر في اليمن والعراق وسوريّا، والعرب يتقدّمون في حسم قرارهم واستعادة وحدتهم.

ونموذج هذه الثنائيّة هو الآن في اليمن، عبر اختبار قوّة لا يمكن أن يكون مآله إلاّ لأهل الأرض والحقّ التاريخي على امتداد الجزيرة العربيّة.

وقد كان لبنان نموذجاً أوّل، ولو لم يحظَ بعمليّة نوعيّة تُنقذه كما هو حاصل الآن في اليمن.

ففي استعادة بسيطة لما حصل في 7 أيّار 2008 وكانون الثاني 2011 (إنقلاب القمصان)، نجد أنّ التمدّد الإيراني عبر “حزب الله” لم يحقّق آنذاك أهدافه الكاملة، فبقيت أرض بيروت والجبل لأهلهما، وفرضت الإرادة السلميّة اللبنانيّة نفسها في مجالات عدّة ليس أقلّها الحكومة والحوار وارتباك المتورّطين في حروب الخارج.

كلّ المؤشّرات العربيّة تدلّ إلى حالة صعود، مقابل بلوغ حالة الصلف الإيراني والهيمنة بالقوّة العسكريّة والتباهي الإمبراطوري باكتساح أربع عواصم عربيّة حائط الحرَج.

قاسم سليماني فقد وهجه على أعتاب تكريت واستنجد بالطيران الأميركي.

المعارضة السوريّة تقدّمت في درعا وبصرى الشام وإدلب ولو سعى النظام إلى تغطية سموات هذه الانتكاسات بأبوات جرود فليطا والقلمون.

“حزب الله” يُعيد بالتأكيد حساباته بعد التطوّر اليمني والعراقي والسوري ولو رفع حسن نصرالله سبّابته في خطابه الجديد لرفع معنويّات “الممانعين”، وتابع فنّ الهروب إلى الأمام.

أمّا التجربة اليمنيّة المتّجهة بوضوح إلى تحجيم الانفلاش الايراني الحوثي وتقليم أظافر الاستباحة الفارسيّة في أرض العرب، فستكون مثالاً له نماذجه اللاحقة في أكثر من ساحة عربيّة ضربتها الفتنة الإيرانيّة.

ولعلّ أهمّ عبرة تقدّمها عمليّة التحالف الإقليمي في الأرض اليمنيّة هي نجاح العرب في تكوين مفهوم جديد وناجح لمحاربة الارهاب: وجوب تزامن ضرب جناحَيْه المتطرّفَيْن لدى الشيعة والسنّة. فلا فرق عمليّاً في خطورتهما وتكاملهما الواقعي الموضوعي، سواء كانت التسميات “داعش” أو “أنصار الله” أو “حرس ثوري” أو فيلق قدس” أو “حشد شعبي” أو “حزب الله” أو “بشّار الأسد”..

وهذه العبرة هي الآن برسم التحالف العربي الدولي الأكبر، وتحديداً الولايات المتّحدة الأميركيّة، فلا تتورّط في مساندة ميليشيات مذهبيّة و”حرس ثوري” في تكريت، وتُنعش آمال الأسد عبر الإيحاء بالتحاور معه، لأنّ المنطق يفرض وضع الإرهاب في سلّة واحدة، وهذا ما تفعله السعوديّة والإمارات مثلاً في محاربة “داعش” و”أنصار الله” في الوقت نفسه.

ولا يعني “الوجه العربي الآخر” فرض حالة صفاء مذهبي في العالم العربي، بل إنقاذ الأقليّات العربيّة من الاستخدام الإيراني، وإعادة حبك النسيج العربي في إطار التنوّع والحريّات.

والواضح أنّ “عاصفة الحزم” لا تتّجه إلى استئصال الحوثيّين كحالة عربيّة أصيلة في اليمن، بل إلى فكّ ارتباطهم بالمشروع الإيراني المدمّر، تماماً كما يجب أن يحصل مع شيعة العراق ولبنان وعلويّي سوريّا والمسيحيّين وسائر الأقليّات.

المطلوب تخليصها من وهم “تحالف الأقليّات” التي زرعته سياسة “الوليّ الفقيه”، سواء كان إيرانيّاً أو إسرائيليّاً، في المنطقة، واستعادتها إلى كنف العيش المشترك الخلاّق، والضروري لتطوير المجتمعات العربيّة.

وهنا تكمن حقيقة الوجه الآخر للعرب، في يقظتهم المباركة، بعد سُبات طويل.

 

 

 

هل السعودية قادرة فعلا على هزيمة الحوثيين؟/علي شهاب

تحكي ذاكرة الصراع الطويل في اليمن أنه في نزاع صعده الأخير في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2009، استولى الحوثيون على 25 قرية حدودية سعودية و 10 دبابات في منطقة جازان جنوب غربي المملكة العربية السعودية في غضون أقل من اسبوع، بعدما شنت القوات السعودية هجوما على حركة “أنصار الله” (الحوثيين) داخل اليمن. وقد اضطرت السعودية لاحقا آنذاك أن تدفع أموالا لاسترجاع الدبابات.

تلعب السمات الشخصية للمقاتل اليمني دورا محوريا في رسم مسار الصراع الحالي في مقابل نقاط ضعف جوهرية في الطرف المقابل نتيجة عوامل عديدة على المستويين الفردي والجماعي، ابرزها غياب الخبرات العسكرية اللازمة والواقع الديموغرافي في الداخل السعودي وعند الحدود مع اليمن حيث ينتشر الاسماعيليون.

وهنا يجب التركيز على ان حركة الحوثيين ليست عابرة في تاريخ المنطقة، فالتقديرات تشير الى ان 40 في المئة من سكان اليمن، البالغ عددهم 25 مليون نسمة، هم من الطائفة الزيدية التي يدور الحوثيين في فلكها؛ وبالتالي فإن الحشد العسكري لهذه الجماعة يتسع ضمن هذا الهامش مع لحاظ قدرتها العالية على التعبئة الشعبية في بيئتها لاعتبارات موضوعية واجتماعية وعقائدية وضمن دوائر حلفائها المحليين المتضررين أيضا من السياسة السعودية في اليمن.

ولعلّ معرفة الرياض بقدرة التعبئة هذه تفسر سبب حشد 150 الف جندي سعودي عند الحدود، بحسب وسائل الاعلام السعودية نفسها.

اما فيما يتعلق بالقدرات العسكرية، فمن الواضح أيضا ان الحروب الست التي خاضها الحوثيون ضد النظام اليمني قد أكسبتهم خبرات عسكرية واسعة فضلا عن تجاربهم ضد القوات السعودية، وآخرها وصولهم الى 30 كيلومترا داخل الاراضي السعودية بالقرب من جازان في العام 2009.

قدرات تدعمها ترسانة معتبرة من الأسلحة بما يتيح للحوثيين خوض نمطين من الحروب: النظامية والعصابات.

وبما انه لا يمكن فصل ما يجري في اليمن اليوم عن اوضاع المنطقة عموما، فان التدخل المباشر السعودي ضد الحوثيين سيدفع بالمواجهة الى مرحلة جديدة. ومن الطبيعي ان يتحول هذا الصراع الى مادة للتجاذب الاقليمي كما هو حال جميع ملفات المنطقة، وبالتالي انسحب الخلاف السعودي الايراني على هذا الملف ايضا. علما ان موقع اليمن لطالما كان محل اهتمام الدول الاقليمية والكبرى نظرا لحيويته الجيواستراتيجية واطلالته على البحر الأحمر. ما يعني ان الذي يتحكم باليمن يتحكم عمليا بالممر الذي يصل البحر الاحمر بالمحيط الهندي وبطرق الملاحة البحرية المؤدية الى آسيا وبتدفق النفط في المنطقة.

كان تقدم الحوثيين نحو العاصمة صنعاء والمناطق الداخلية متوقعا قبل اشهر، خاصة وأن السياسة السعودية في اليمن اتخذت تدريجيا منحى المواجهة، مع فقدانها اوراق القوة في أكثر من بلد في المنطقة، ما أبطل حاليا امكانية احتواء الحوثيين.

للوهلة الأولى يبدو ان الضربة الجوية السعودية الأولى قد نجحت في تحقيق نصر إعلامي مفهوم في زمن التويتر وتسطيح المفاهيم وتفريغ المضمون، لكن تغيير موازين القوى على الأرض يستوجب مواجهة برية تقول دروس التاريخ والجغرافيا انها لن تكون في مصلحة السعودية.

 

 

 

عملية “عاصفة الحزم” العسكرية ضد الحوثيين في اليمن

“عاصفة الحزم”…إنقاذ لليمن أم تدخل في شؤونه ينذر ببداية حرب إقليمية؟

بمباركة أمريكية ومشاركة وتأييد من عدة دول عربية شنت السعودية غارات جوية على الحوثيين في اليمن دون الاستناد إلى أي قرار أممي الأمر، الذي يثير التساؤلات حول مدى شرعية هذه العملية وتداعياتها على المنطقة. الصحافية سهام أشطو ناقشت هذا الأمر مع خبيرين عربيين.

تثير العملية العسكرية، التي تخوضها السعودية بدعم من حلفائها على جماعة الحوثيين في اليمن جدلا كبيراً، فبينما تصر السعودية على أن الهجوم العسكري يتمتع بدعم عربي ودولي، يتهمها البعض هي وحلفاؤها بشن هجوم يفتقد للشرعية الدولية ومن شأنه أن يحول الصراع في اليمن إلى صراع طائفي، فهل تعني مشاركة دول عربية عديدة في هذه العملية توحدا عربيا ضد “الخطر الإيراني” وماذا يعني بالمقابل تحفظ دول أخرى عن المشاركة إلى جانب السعودية؟

وتهدف هذه العملية بحسب الرياض إلى “الدفاع عن الحكومة الشرعية ومنع حركة الحوثيين من السيطرة على البلاد”. وفي هذا الإطار قالت قناة “العربية” التلفزيونية إن السعودية تشارك بمئة طائرة حربية في اليمن وإن مصر والأردن والسودان وباكستان أبدت استعدادها للمشاركة في هجوم بري.

لكن المتحدث بإسم عملية “عاصفة الحزم” أحمد عسيري قال: “حاليا لا تخطيط لعمليات برية لكن أن استدعى الأمر فإن القوات البرية السعودية والدول الصديقة والشقيقة جاهزة وسترد على أي عدوان من أي نوع”.

شرعية التدخل في الشؤون اليمنية

ومن جانبه يعتقد عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد أبو ظبي والخبير في الشؤون الخليجية، أن انضمام عدة دول عربية واستجابتها لنداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي “دليل على أن هذه الحرب محقة خاصة أنها تأتي بعد استنفاذ الوسائل الأخرى السلمية ومساعي الحوار لإيجاد حل للأزمة اليمنية”. كما يعتبر عبد الله أن هذا الهجوم ليس تدخلاً في الشأن اليمني كما يحاول أن يروج البعض وإنما محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في اليمن وحماية الشرعية.

لكن هشام جابر، المحلل العسكري اللبناني، يرى في حديثه معناً أن هذه العملية تتم دون شرعية دولية، ويتساءل: “هل مجرد مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب يعني أنها تحظى بالشرعية الدولية؟ هذا ما يجيب أن تجيب عليه هذه الدول العربية”.

وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أعلن عن تأييد الجامعة للضربة الجوية التي وجهتها السعودية للحوثيين في اليمن بمشاركة عدد من الدول العربية، وذلك رغم أن هناك دولا عربية لا تشارك في هذه القوة. ويعلق الخبير الإماراتي على موقف الجامعة العربية قائلاً: “الأكيد أن العربي يتحدث باسم 22 دولة عربية لديها إجماع على القرار السعودي باستثناء العراق”.

وكانت دول خليجية على رأسها السعودية عبرت أكثر من مرة عن استيائها من التدخل الإيراني في اليمن عبر دعم الحوثيين. ويعلق جابر على ذلك بالقول: “السعودية معها حق في مخاوفها من الحوثيين. لكن ذلك لا يبرر التدخل عسكريا في دولة أخرى فهذا لن يزيد الأمور إلا تعقيدا، خاصة أن إيران لم تتدخل حتى الآن بشكل مباشر عسكريا، لأنها أذكى من أن تفعل ذلك”.

تخوفات من حرب طائفية

لكن تحفظ بعض الدول العربية عن المشاركة في الهجوم السعودي فسره مراقبون على أنه يعود إلى تخوفها من التورط في حرب قد تعطي للصراع في اليمن بعداً طائفياً. وبينما لم تعلق دول عربية مثل تونس عن عدم مشاركتها، صرحت الجزائر مثلا على لسان وزير خارجيتها بخصوص عدم مشاركتها في الهجوم، لأنها لا ترى بديلاً عن الحوار والحل السلمي وبأن الدستور الجزائري لا يسمح بإرسال قوات من الجيش خارج الوطن وأنه يمكنها بالمقابل المشاركة بمساهمات لوجستية.

ويخشى المحلل العسكري اللبناني من أن الصراع في اليمن قد يصبح طائفياً ويقول: “هذه الحرب قد تدخل اليمن في حرب مذهبية خاصة أن الرئيس عبد ربه منصور هادي استخدم للأسف شعارات طائفية وهو أمر مستغرب لدى اليمنيين، لأنهم لا يعيشون مشاكل طائفية في الأساس”.

لكن عبد الله يستبعد ذلك ويشير إلى أنه “من بدأ هذه المعركة هم الحوثيون ومن أرادها حربا طائفية هم أيضا. المسؤولية فيما يحدث لليمن تقع عليهم (أي الحوثيون) وعلى من يساندهم من جهات تنتعش في الحروب الطائفية”، في إشارة منه إلى إيران.

ويضيف الخبير الإماراتي عبدالله: “حتى الموقف العراقي الرافض للهجوم – وهو الموقف العربي الوحيد الرافض- هو بسبب كون العراق محتلا من إيران”. كما يشير إلى أن باقي الدول التي لم تشارك ليست رافضة بالضرورة للهجوم، “فقد يكون بعضها منشغلا بأوضاعه الداخلية أو أنها لا تتوفر على إمكانيات عسكرية كافية للمشاركة”.

أما عُمان التي لا تشارك أيضا فيعلق عبد الله على موقفها بالقول: “عمان تنأى عادة بنفسها في الحروب بسبب موقعها الجغرافي الحساس ولكن ربما ينتظر منها دور في الحوار في المستقبل”.

سهام أشطو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013

 

 

 

هي الحرب المفروضة… بـ «الاتفاق» أو من دونه!/ محمد مشموشي

لا يفتأ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حتى عندما يتجنب ترديد معزوفته «الموت لأميركا»، على القول إن مفاوضات بلاده مع الولايات المتحدة والدول الـ5 الأخرى تقتصر على ملفها النووي من دون أي ملف سياسي أو إقليمي آخر. لكن خطابه الأخير في مدينة مشهد، والذي جاء بعد يوم واحد من رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما المتلفزة للشعب الإيراني لمناسبة «عيد النوروز»، تضمّن الأمرين معاً. قال خامنئي في خطابه هذا: لا حديث مع أميركا إلا الحديث النووي، مع ذلك فـ «الموت لأميركا».

ولا مفاجأة هنا. فقـــد كان معروفاً منذ البداية أن إيـــران رفضت أن تبحث مع الدول الـ6 في أي أمر سوى ملفها النـــووي، وفي مقابله رفع العقوبات الاقتصـــادية والمـــالية والسياسية المفروضة عليها. لكن ما ينبغي التوقـــف عنده أنها، في أثناء هذه المفـــاوضات، لم تعــمد فقط الى توسيع انفلاشها العسكري وتمددها السياسي في المنطقة، بل اختطت الى جانبهما سياسة الإعلان الرسمي عنهما أيضاً (كأنها تبلغ بهما المتفاوضين معها؟!) عشية أو بعد كل جلسة من جلسات التفاوض.

وليس خافياً أنه في الأشهر الأخيرة تحديداً، أي تحت مظلة المفاوضات مع الدول الـ6، بدأ الكلام الإيـــراني غير المسبوق، بلسان رجال السياسة والديـــن كما بلسان القادة والضباط العسكريين، عن سقوط أربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، صنعاء وبيــــروت) تحت سلطة «الولي الفقيه»، وعن تحــــرير 85 في المائة من الأراضـــي السورية بأيدي «الحرس الثوري الإيـــراني» والميليشيات اللبنانية والعـــراقية والأفغانية والباكستانية التابعة له، وصولاً في المدة الأخيرة الى إعلان مستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، بعبارات لا ينفع فيها النفـــي أو التوضيح، عن قيام «الإمبراطورية الفارســـية، وعاصمــتها بغداد»، وبعده بأيام حديث قائــد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني عن وجود «عناصر» في الأردن تجعله مهيأ للانضمام في فترة لاحقة الى سلة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وبغض النظر عن أسباب ما يمكن وصفه بـ «اللهاث» الأميركي تحديداً لعقد اتفاق نووي مع إيران، فلا مبالغة في القول إن خامنئي استغلّ فترة المفاوضات بشأنه لتعزيز ما كان قد باشره منذ أعوام، لمدّ هيمنته الى كل بقعة في المنطقة يمكنه الوصول إليها. ولا حاجة هنا الى التذكير بأن ما كان يقوله سابقاً عن سورية، لم يكن يتجاوز الحديث عن «حماية المزارات الدينية» أو عن «خبراء» لتقديم المشورة الى ما يسميه «نظام الممانعة» فيها… الى درجة أنه بادل نحو ثلاثين من أفراد قواته كانت المعارضة السورية قد اعتقلتهم تحت اسم أنهم مجرد «حجاج» الى هذه المزارات. كذلك الحال بالنسبة الى العراق أو لبنان أو البحرين، إذ كانت الذريعة هي دعم المطالب الشعبية في هذه الدول، والإسراع الى نفي أية تهمة بوجود علاقة سياسية أو عسكرية مع «كيانات» مذهبية وميليشياوية يعرف العالم كله أن ايران هي التي أنشأتها وموّلتها وسلّحتها بمختلف أنواع الأسلحة منذ سنوات.

لماذا اختلفت الحال الآن، وتحديداً في الفترة الزمنية التي جرت فيها المفاوضات النووية بين إيران والدول الـ6، فبات الكلام على أعلى المستويات من جهة، كما توزيع صور سليماني يقود المعارك على الجبهات من جهة ثانية، كما نعي ضباط وجنود قتلوا في الحرب في سورية والعراق من جهة ثالثة، رسمياً وعلنياً وموضع اعتزاز وتبجّح الى هذا الحد؟.

قد لا تكون لذلك علاقة مباشرة بـ «المؤامرة»، وتحديداً منها الأميركية والغربية عموماً ضد العرب كما اعتاد البعض على القول (من دون تجاهل أهمية التساؤل عنها)، إلا أن ما لا شك فيه أن إيران استغلّت اللهاث الأميركي الى عقد اتفاق نووي معها لتحقيق هدفين اثنين في وقت واحد: أولهما، مواصلة التفاوض من مركز قوة، بل من أمـــر واقــــع جديد على الأرض، وثانيهما قبض ثمن مسبق لأية تنازلات قد تقدّمها في هذا المجـــال نفوذاً إقليمياً واسعاً، على قاعدة ما تعتبره «اعترافاً» أميركياً، وبالتالي دولياً، بدورها ونفوذها في كل بقعة دخلت قواتها وميليشياتها إليها.

يؤكد هذه الحقيقة أنه الآن، وبعد ما يقرب من عامين من هذه المفاوضات (سبقتها مفاوضات أخرى سرية وغير سرية)، لم ينجز الاتفاق على رغم الحديث الدائم عن تقدم هنا أو هناك، لكن ما فعلته ايران في المقابل أنها استكملت الى حدّ كبير برنامجها الآخر(التسلل الى دول المنطقة) وجعلت من نفسها، كما دأبت على القول، قوة إقليمية كبرى… وإن تخريبية، بكل ما في الكلمة من معنى، في كل مكان وبلد ونسيج اجتماعي من هذا الإقليم.

ومن هنا، ليس مبالغاً به القول إن خامنئي نجح في ما خطط له حتى الآن، في ضوء ثقته من جهة بأن أوباما يلهث فعلاً الى توقيع اتفاق معه بشأن النووي، وتأكده من جهة أخرى أن الأخير ليس في وارد الذهاب الى الحرب (أية حرب) إن في المنطقة أو في غيرها، اعتماداً على ما تردده واشنطن يومياً من أن البديل عن الاتفاق النووي مع إيران هو الحرب.

لكن ما يبدو منطقياً، وبالتالي طبيعياً في منطقة ذات تاريخ طويل من الحروب الطائفية والمذهبية، أن اتفاقا نووياً بين إيران والدول الـ5 الكبرى + ألمانيا، قد لا يعقد في المستقبل القريب، بينما تتقدّم المنطقة، ومعها الدول الـ6 هذه والعالم كله طبعاً، نحو سلسلة حروب لا أحد يعرف كيف ولا متى تنتهي. وللتأكّد من هذا المنحى، فلننظر إلى ما يجري في اليمن.

الحياة

 

 

 

حرب على الحروب/ دلال البزري

من المغري تأييد هذه الحرب العربية على الحوثيين في اليمن. ذلك انها انفجرت في لحظة مناسبة، تراكمت في ذروتها كل المشاعر السياسية المعادية للحرس الثوري الإيراني؛ ولا حاجة هنا لتكرار ظواهر التبجّح الايراني، سواء بميلشياته الخارقة للإجماعات الوطنية، الهزيلة أصلا، أو بتصريحات قادته وصورهم وراياتهم، المنتشرة على مواقع قتال عربية. وبالنسبة لأشخاص مثلنا، لا يؤمنون بالإنتماءات الطائفية والمذهبية، ولا يبنون عليها مواقفهم، فان الإختراق الإيراني لأوطاننا الهشة، أحيا شعورا قوميا عربيا، محبَطاً، مضغوطاً، كاظماً غيظه وقدرته على التصدّي لهذا الإختراق. ومن الطبيعي ساعتئذ، أن تغرينا “عاصفة الحزم” بصفتها رداً عربياً موحدا على التمدّد الإيراني في ديارنا. ولكن هذه الإيجابية تحدّها الخسائر البشرية والعمرانية لهذه الحرب، كما لكل حرب، وتحدّها أيضاً تحفظات و تساؤلات.

أولها ان تلك القومية العربية التي حرّكت موقفنا من هذه الحرب ليست تماما ما يقصدها لاعبوها الرئيسيون والثانويون: ان الحشد “الفكري” الذي عبأ لها يهيمن عليه المنطق الطائفي، مع غلبة أمامية وخلفية للمنطق المذهبي المنبثق منه. حسنا، انها حرب سنية شيعية؛ انها حرب أهلية عربية إسلامية. ولكن لحظة، إذا لم تطعَّم هذه الحرب بالوطنية والقومية، إذا لم تغذّى بغير سيرة طوائفها وحروبها الأبدية، المستعادة، فانها لن تنتهي؛ وإن دخلت بالنهاية أطرافها في مفاوضات تحت وطأة اختلال، مؤقت، لموازين القوى. صحيح ان الوقت الآن ليس للمراجعة التاريخية، وضوضاء الحرب تعلو، ولكن: لكي لا تكون حرب اليمن على طريقة “داحس والغبراء”، علينا العودة إلى الذي سمح للإيرانيين بالتسلل إلى قلب مجتمعاتنا، وتجنيد ميليشيات من هذه المجتمعات بأمرتها، وولاء تلك المليشيات لوليّها الفقيه؛ انه ضعف عروبتنا، ضعف وطنيتنا، وضعف أنظمتنا السياسية القائمة على شتى أنواع التمييز، الطائفي منه والمذهبي، على رأسها. تصحيح التمييز هو الذي يجتثّ ميليشيات “باسدرانية” على أراضينا. صياغة تصور عن نوعية هذا التصحيح وكيفيته، عن ضروراته، عن مكوناته… وهذه مهمة يقولون عادة انها تحتاج إلى تبصّر، أي إلى استقرار، لا حروب. حسنا، ولكن انتظار الهدوء بات من الغيبيات، والعقل يتحرك تبعا لوقائع تفرض نفسها عليه.

الأمر الثاني، في هذه الحرب، انها دمجت الحروب ببعضها، ما يزيد من سيولة ساحاتها، و”يخلط أوراقها”. في المقام الأول، كان المسيطر على المشهد قبل “عاصفة الحزم” حربٌ “كونية” على الإرهاب، تنسق فيها ايران مع الولايات المتحدة، خصوصا في العراق، ويغتاظ كبار قادتها من التسلل البسدراني الصريح والمتنامي إلى هذه الساحة. أما الآن فالمملكة العربية السعودية تقود حربا، أعدت لها بنفسها، بصرف النظر عن الأميركيين، فنالت موافقتهم واستشاراتهم، وقد تحظى أيضا بمساعداتهم الاستخباراتية والعسكرية واللوجيستية؛ وذلك في الحرب ضد من؟ ضد ميليشيات مدعومة من إيران وموجهة بأوامرها. فنكون بذلك بلغنا تشابكا بين حربين، تتداخل فيها الخيوط إلى ما لا نهاية. ولكن الخيط الأميركي وسط هذه المعْمعة هو الأوضح، حتى الآن: تبيِّن هذه الحرب بأن الأميركيين ليسوا أصحاب عقل استراتيجي ولا عقل طوباوي مثالي؛ عقلهم خليط من الإدعاءات المثالية وجهل بالعالم الخارجي و”براغماتية” مبتذلة، يقدّمونها على انها “مصلحتهم”.

وبما ان أميركا الآن مؤيدة لعملية “عاصفة الحزم”، فهل يعني ذلك بأنها أوقفت، مثلا، ضرباتها الجوية على مرافق تنظيم “القاعدة” في اليمن؟ أو، هل تكون “عاصفة الحزم” قد وضعت جانبا الآن حرب بعض أطرافها ضد “القاعدة”، أم ان هذا التنظيم واقف الآن، يتفرج على خصومه يتلقون الضربات؟ ويعتقد بأنها ستكون في النهاية لصالحه؟ الطرف اليمني الثاني، المعادي أيضا للحوثيين، أي حزب “تجمع الإصلاح”، الإخواني الإسلامي، أي النظير اليمني للإخوان المسلمين المصريين الذين يقاتلون عبد الفتاح السيسي، أو هو يقاتلهم، هل يستفيد الحزب الإخواني اليمني الآن من ضربات “العاصفة”، ويستفيد إخوانه المصريون، بما انها، أي “العاصفة”، سوف تنال من خصومهم الحوثيين؟ وماذا عن “الحراك الجنوبي”، وهو طرف ثالث، منشق على نفسه، بين مؤيد للحوثيين ومعارض لهم، والمطالب بانشقاق جنوب اليمن عن شماله؟ هل هو بانتظار دور الاحتياط؟ أم يراقب “الحصان” الرابح؟

على هذا المنوال يمكن أن تتوالد التساؤلات، لشدة ما اشتبكت “عاصفة الحزم” مع الحروب الدائرة وتفرعاتها كافة، فكانت حربا على حروب، أو ضمنها، أو في سياقها… والبقية على الطريق.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى