صفحات العالم

هل تراجع فرنسا ثوابت سياستها في الشرق الأوسط والأدنى والأقصى؟/ بيار لوي ريمون

بدأت أول زيارة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية كقائد دولة، فبات الباب مفتوحا أمام عدة تأويلات متصلة بنظرة الفريق القيادي الفرنسي الحالي، إلى ثوابت السياسة الفرنسية في المنطقة وما جاورها.

أولا، يأتي سياق الزيارة في إطار غير متصل أساسا بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، -وإن كان سيثار وبدأ يثار فعلا عبر إحدى اهم القضايا عرقلة لمخطط السلام، وهي قضية التوسع الاستيطاني.

يأتي سياق زيارة هولاند في إطار الملف النووي الإيراني، ولا نسعى في هذا المقال للتوقف عند حيثيات ملف، صارت خطوطه العريضة معروفة، بقدر ما نود إثارة إشكالية نراها من باب توجهات الدبلوماسية الدولية جديرة باهتمام الباحث والمحلل.

يبدو وكأن ما سنسميه بـ’المسألة الإيرانية’ ظل يستأثر بنصيب وافر من حيطة وحذر مشروعين، ومن جرائهما أيضا يمكن أن يدفعا بفرصة ثمينة لفتح أبواب التفاؤل ـ وكم هي قليلة في المجال الدبلوماسي ـ الى الفشل الذريع.

الكل سجل كيف أن مجموعة خمس زائد واحد، اي الدول الخمس الأعضاء في مجلس أمن الأمم المتحدة، إضافة إلى ألمانيا، تبنت موقفا منفتحا أمام قضية تخصيب اليورنيوم في إيران، على شرط اعتماده لأغراض سلمية… إلا فرنسا.

ولا بد ان كثيرين استغربوا كيف ان الدبلوماسية الفرنسية لم تأخذ في اعتبارها النقلة النوعية التي عرفتها إيران بعد فوز حسن روحاني في الانتخابات الإيرانية الأخيرة.

نعم.. قد يقول قائل: لا يغترنّ مغترّ، فمهما أظهرت إيران من انفتاح ظاهري، فلا ينبغي أن يحتجب عن أنظار المراقبين واقع أن السلطات مركزة في يد واحدة، يد المرشد الأعلى للثورة، ووفق هذه النظرة إذن لا بد من اعتبار أي حدث سياسي إيراني مؤديا إلى نفق مظلم، موصلا إلى طريق مسدود، مكرسا انسدادا هيكليا، مسجلا فشلا مسبقا.

هذا ما يظهر بعد أن بدأت بالترويج له الدبلوماسية الفرنسية، محاولة اللعب على وتيرة لعبت عليها من ذي قبل في الموضوع السوري، وهو السباحة ضد التيار من أجل السباحة ضد التيار.. ولكن ماذا نقول في هذه الحالة مثلا لآلاف الشباب، الذين يحاولون مهما كلفهم الأمر، الافصاح المتواصل في وسائل الإعلام الغربية منها خاصة، عن توقهم إلى تكريس الحريات العامة في بلدهم، وترسيخ دعائمها ودفعها إلى الأمام، وفي الحالة الإيرانية تتمثل بتعدد ألوان الطيف السياسي وتنوع الإنتاج السمعي البصري.

لن نعود إلى تقييم الموقف الفرنسي المتململ من القضية السورية، فنحن في النهاية لن نختلف في نقطة الدعوة إلى إقامة معارضة سورية ديمقراطية، سنكتفي فقط بالقول إننا لا ندري كيف يمكن أن يتحقق ذلك على المدى القصير.

أمّا ما لا نفهمه، فهو كيف فوّتت فرنسا فرصة هي أيضا على وشك تفويتها لشركائها، فرصة أمكن لها أن تستثمرها جديا لو أنها كفت عن اتباع منهج يؤدي بسياستها الدولية شأن سياستها الداخلية الراهنة الى الانغلاق، إن لم نقل التناقض.

الفرصة أولا: يبدو أن دبلوماسية فرنسا لم تر أن إيران حاولت، بهذه النتيجة الانتخابية التي فاجأت الجميع، وبلورت انفتاحا حقيقيا لجهاز الدولة، أن تضع حدا لعهد أحمدي نجاد، مفتتحة من جديد حلقة إصلاحية، تأمل الكثير من دول العالم أن تقتفي فيها إيران آثار فترة حكم محمد خاتمي التي أطلق عليها تسمية فترة حكم الاصلاحيين.

المنهج الدبلوماسي الفرنسي الحالي ثانيا: واضح ان دبلوماسية فرنسا الراهنة تفتقد الانخراط في سياقها التاريخي الذي قام على محاولة ارتياد آفاق جديدة واعتماد ‘طرق ثالثة بغرض استئناف مفاوضات متعثرة وإجراء اتصالات في الكواليس واقتراح مبادرات، والتزام مواقف متماسكة يمكن قراءتها بوضوح على ضوء تطورات الأحداث المتلاحقة.

وإذا بموضوع تخصيب اليورانيوم ومخافة أن تتزود إيران بالسلاح الكيماوي يصبح مدعاة لتخبط دبلوماسية فرنسية عمياء بعكازتها تحاول تارة تحسس موضعها من الطريق، علها تجد موطئا آمنا يوصل سياسة خارجية بلا مشروع إلى بر الأمان…

نعم كان على فرنسا، كما على باقي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن تحتاط في الموضوع الإيراني، ولكن ما فرّق فرنسا عن باقي دول مجموعة خمس زائد واحد التي بدا وكأنها صارت مجموعة أربع زائد واحد في الموضوع الإيراني الآن- هو رغبتها في التغريد خارج السرب مجددا، هذه المرة بأغنية تعودت الإشتراكية الفرنسية على بثّها بشكل مزمن، وبواسطة أسطوانة مشروخة تحبها كثيرا، وهي أغنية ‘الصداقة’ لإسرائيل…

أما نحن، ولعلنا كنا في ذلك مدفوعين بسذاجة الشباب غير المحنكين، فكنا نعتقد أن قيادة الدول لا تقوم على مسائل ‘صداقة’ أو’ عدوان،’ وإنما على تبصر بالأمور ومهنية…

‘ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى