صفحات الثقافة

‘عالم فوضى’ لامين معلوف: تأييد للربيع العربي وتحذير من استخدامه غربيا للسيطرة على الثروات العربية

لندن ـ من سمير ناصيف: صدر مؤخرا كتاب للمؤلف اللبناني العالمي امين معلوف مفيد جدا لفهم ما يجري في العالم عموما والعالم العربي والشرق الاوسط خصوصا وفيما يختص بأوضاع المهاجرين العرب والمسلمين المقيمين حاليا في اوروبا والمهجر، والذين يعانون من ازمة في هويتهم وانتماءاتهم الحضارية والسياسية وبما يتعلق بالاقليات المقيمة في العالم العربي.

والكتاب هو بعنوان ‘عالم الفوضى ..وضع مسار جديد للقرن الواحد والعشرين’ وقد صدر بعدة لغات، ونسخته الانكليزية صدرت عن دار (بلومبزبري) في نيويورك ولندن علما انها ترجمت من النسخة الاصلية بالفرنسية.

ويستهل معلوف كتابه بقوله: ‘عندما قررت ان استكشف عالم الفوضى (اي موضوع كتابي هذا) توصلت الى استنتاج بان في جذور مشكلة العالم العربي كون قادة هذه المنطقة من العالم يفتقرون الى الشرعية في نظر ابناء شعوبهم التي حرمت الحرية والكرامة والحصص المشروعة من مواردها المادية الضخمة من النفط والخيرات الطبيعية والاخرى، التي وزعتها النخت الحاكمة بشكل غير عادل، مما ادى الى تشاؤم هؤلاء المواطنين وميلهم الى تحطيم انفسهم في سبيل تبديل الاوضاع’. ويضيف ‘ان الربيع العربي بدأ بانتحار مواطنين فقدوا الامل وهو يشبه الى حد كبير انتحار الكهنة البوذيين الذين احرقوا انفسهم اعتراضا على الحرب الامريكية في فيتنام في ستينات القرن الماضي’.

ويرى معلوف ان ‘الربيع العربي الذي انطلق في عام 2011 يشكل اقوى وافعل رد على اعتداءات ‘ايلول (سبتمبر) 2001 في نيويورك وواشنطن وعلى النظرة الجهادية العنيفة التي دفعت اليها. اذ ان الانتفاضات السلمية في 2011 في شوارع المدن العربية اسقطت ايديولوجية منظمة القاعدة قبل سقوط قادتها’. وربما قصد معلوف ايضا ان مثل هؤلاء القادة يحاولون العودة عن طريق تفشيل هذه الانتفاضات السلمية واضفاء طابع العنف عليها، بمساعدة اصحاب النوايا السيئة بالنسبة للشعوب العربية والاسلامية.

ويطرح معلوف السؤال التالي: ‘هل ستستعيد مصر الدولة الاكثر سكانا عربيا والتي قادت العالم العربي في الماضي (وخصوصا ابان فترة قيادة الرئيس جمال عبد الناصر) قيادتها لهذا العالم؟’.

ويقول انه من الصعب جدا الاجابة على هذا السؤال في ضوء المتغيرات السريعة التي تحدث في العالم العربي والعناصر العديدة المتداخلة في هذه الاحداث، ولكن ما يعتبره معلوف الامر الاهم في التطورات الاخيرة هو ان العرب وضعوا حدا للاسطورة القائلة بأنهم لا يتوقون الى الحرية، شأنهم شأن شعوب العالم الاخرى. وينوه بشجاعة الملايين من ابناء الوطن العربي الذين واجهوا القنابل والرصاص بصدورهم العارية وايديهم في شتى المدن العربية الثائرة.

وينتقد معلوف الانظمة العربية المسماة ‘تقدمية’ والتي حكمت العالم العربي في نهايات القرن الماضي، لانها قلدت النموذج السوفييتي الروسي السابق وخصوصا الامور السيئة فيه، كاستخدام الشرطة والمخابرات للقمع والعنف ضد السكان وهيمنة الحزب الحاكم على الاحزاب والمجموعات الاخرى وتأليه القيادات والزعيم الاوحد وعدم التخطيط الاقتصادي الفاعل.

كما ينتقد محاولات الدول الغربية بقيادة امريكا فرض الديمقراطية الغربية على الشعوب العربية كما فعلت في العراق حيث ارتكبت برايه ابشع التجاوزات.

ويؤكد ان انتقاداته موجهة نحو القيادات الغربية والعربية، في الوقت عينه، ويقول ان التوجهات الغربية والعربية في العقود الماضية، وخصوصا الاخيرة منها، قد أفلست اخلاقيا وسياسيا، وانها ادت وتؤدي الى الانقسامات والحروب المدمرة وحان الوقت لتجاوزها.

ويرى ان احد الامور التي قد تنجي العالم العربي من ازماته الخطيرة ومن هيمنة الغرب عليه هو قدرته على تجاوز الخلافات الطائفية والاثنية المنتشرة فيه. ومن دون ذلك بنظره لا مجال للتقدم السياسي والاقتصادي.

ويشدد على معاناة الاقليات المسيحية في بعض الدول العربية في السنوات الاخيرة.

وفي الفترة الاخيرة، حيث يقول عن مسيحيي العراق: ‘لم يكن وضع مسيحيي العراق في المراحل الماضية مثاليا ولكنهم مع ذلك استطاعوا التأقلم مع الانظمة المختلفة. ولكن وضعهم الحالي اسوأ من اي مرحلة سابقة. فقد اصبحوا غرباء في وطنهم مع انهم عاشوا فيه لقرون. وبدأ وجودهم بالانقراض، ولعلهم سينقرضون كليا في السنوات العشرين المقبلة من دون ان يكترث اخوانهم المسلمين او ان يأسف لذلك مسيحيو الدول الغربية’ (ص 16 ـ 17). ولعله ينبه في هذا المجال الى ما يمكن ان يحدث في دول عربية اخرى. كما يتساءل: ‘هل تتحمل اسرائيل وامريكا بعض المسؤولية فيما يحدث لمسيحيي العالم العربي؟’ ويجيب بنعم، ولكن بضرورة عدم استخدام هذا الامر كذريعة لتحقيق المآرب السياسية، أكان من جهات محلية او اجنبية. كما ينبه الى خطورة الارهاب فيما بين الطوائف المسلمة المختلفة والذي يخدم الهيمنة الاجنبية على العالم العربي.

ويربط الى حد ما الرغبة الغربية في استمرار الصراعات المذهبية والطائفية في العالم العربي بعدم امتلاك الاوروبيين والامريكيين وحلفائهم الغربيين حقولا للنفط والغاز واضطرارهم للاعتماد على الحقول الموجودة في الشرق الاوسط والعالم العربي وحتى في روسيا!

ويرى معلوف ان السياسات الامريكية التي ادت الى التدخل العسكري في شؤون الشرق الاوسط، خلال حرب العراق وبعدها، ليست نابعة فقط من قصر نظر الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش، بل انها استمرت بعد انتخاب الرئيس باراك اوباما (على الرغم من انه يمتدح اوباما في نهاية كتابه). وهذه السياسات، برأي معلوف، مرتبطة بالانهيار الاقتصادي في امريكا والدول الغربية في الفترة الاخيرة وازدياد ديونها على الرغم من استمرار قوتها العسكرية، وبالتالي، فان دوافع التدخلات العسكرية الامريكية والاوروبية، حسب معلوف، لا يمكن فصلها عن رغبة هذه الدول باستمرار وضع يدها على الموارد النفطية والغازية الطبيعية في المنطقة. ويقول ان العالم توقع ان تنخفض التدخلات العسكرية الامريكية والاوروبية الغربية في دول العالم الثالث بعد سقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، ولكن العكس حدث لان تصاعد دور الصين وروسيا والهند والبرازيل ودول اخرى في القارة الاسيوية اضعف الهيمنة الاقتصادية الامريكية، ودفعها الى البحث عن خيارات اخرى لاستمرار نفوذها.

وكان الاحرى بأمريكا وحلفائها استخدام ثرواتهم لتحقيق انماء باقي دول العالم، خارج حدودها، حسب معلوف، بدلا من شن الحروب او افتعال الازمات لتبرير تدخلها في شؤون العالم الثالث.

لا شك بأن كتاب امين معلوف يمتلك الكثير من الحكمة في رؤية الامور. فهذا الكاتب كان صحافيا مرموقا مطلعا على شؤون العالم عن كثب قبل ان يصبح احد اهم ادباء العالم.

واراؤه حول التعامل مع الاقليات المسلمة في العالم الغربي جديرة بمراجعة ودراسة معمقة بحد ذاتها، بالاضافة الى ما اوردناه هنا.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى