عامان وبداية عصر جديد
د. طيب تيزيني
انقضى عامان من عمر الانفجار الكبير، الذي هز سوريا من أقصاها إلى أقصاها، وكان ذلك يوم الخامس عشر من مارس 2011، ففي هذا اليوم برزت ثلاثة أحداث: أولها التجمع النسائي في ساحة المرجة بدمشق، حيث يوجد مكتب وزير الداخلية السوري الذي كان قد ضرب موعداً يلتقي فيه مع ذلك التجمع، بهدف البت في شأن الإفراج عن رجالهن وأبنائهن، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. أما الحدث الثاني فظهر بصيغة شعبية مؤثرة، حيث أهان شرطيٌ بائعاً جائلاً في سوق الحميدية بدمشق، على نحو حوّل هذا الأخير إلى بركان أعلن عن الثأر لكرامته. وأخيراً جاءت التظاهرة التي انطلقت من ساحة المرجة وظهر فيها عدد من الناشطين والناشطات، احتجاجاً على ممارسات «الدولة الأمنية» في تكريس الاستبداد والفساد وما يتصل بذلك. وكانت أخبار مدينة درعا قد هيّجت عواطف وعقول الناس ضد أعمال مُذلة مُهينة مارستها مرجعيات حزبية وأمنية في المدينة، دونما مساءلة أو عقوبة لها، وتطايرت شرارات الحدث في أنحاء سوريا عموماً، وأعقبت ذلك دعوة تطالب بمساءلة المسيئين. وكان ذلك بمثابة تساقط الخوف والرعب في حياة الناس والعزم على الخروج إلى الشارع.
أتى إهمال النظام في سوريا لأخذ مسألة المحاسبة على سبيل الجد، صدعاً أول في هذا النظام، ودون الانتباه إلى ذلك من قبل، كان قد سجل نقطة أولى حاسمة، هي تشكُّل وهْم الوجود خارج التاريخ، بحيث يصح ما سوّق له على امتداد أربعة عقود ونيف، وهو أنه «حالة أبدية»، وإذن، من أين جاء هؤلاء «الدهماء الأغراب» الذين راحوا «يتطاولون» على «السادة». ولعلنا نضبط مصادر هذا القصور العقلي اللاتاريخي، فنرى التالي: قوة عسكرية رادعة شكّلها النظام، أساساً، من المليارات التي سُحبت من الناس باسم الضرائب المدنية والأخرى العسكرية ذات «المصدرية الكفاحية» المؤسسة على مفهوم «الممانعة والجهادية». ومن ناحية أخرى يتجلى ذلك القصور اللاتاريخي في الاعتقاد بأن التاريخ العربي (والعالمي حسب فوكوياما) قد أُغلق بإطلاق، ليبقى مفتوحاً بصيغته الغربية العولمية، أما الصيغة الثالثة للقصور المذكور فتفصح عن نفسها من موقع أن الشعب السوري قد أَلِف العبودية الجديدة بفعل قانون الاستبداد الساحر، قانون الاستبداد الرباعي: استئثار قطعي وشامل بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية السياسية. وأخيراً نواجه الصيغة الرابعة الكبرى للقصور التاريخي، وتتمثل في أن «الربيع العربي» يحمل ما قد يُؤذن بتفكك تلك الصيغ الأربع من القصور التاريخي.
أما القاعدة التي تنطوي على إمكان حدوث ذلك التفكك، فهي انطلاق مشروع عربي نهضوي وتنويري ثوري يقف في وجه التحالف الدولي المناهض لذلك «الربيع العربي»، خصوصاً منه الصيغة السورية، وهنا نكتشف الضرورة أو الضرورات القصوى لنجاح هذا الأخير والثورة السورية تأتي -ضمن الملابسات المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بها والمخترقة لها- ربما كحالة فريدة؛ فالفيتوات التي قُدمت في وجه سوريا في الأمم المتحدة تُظهر ذلك بقوة.
إن مرور عامين على الثورة السورية قد يكون حَدثاً كونياً، بمقدماته وخواتيمه، ومع ذلك نقول إن البحث في تلك الأخيرة لا يزال يطرح بل ربما يفرض من الأسئلة والإشكاليات والمعضلات الكبرى والصغرى، ما يحتم علينا أن نبذل جهوداً عظمى في سبيل ذلك، وسوف نفعل.
الاتحاد