عباس زكي ومحنة فلسطينيي سوريا/ ماجد كيالي
لم يكن عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لـ”فتح”، موفقاً في التصريحات التي أدلى بها بعد زيارته لدمشق، في هذه الظروف، بل إنها بيّنت حالة الانفصام عن الواقع التي تعيشها بعض الأوساط القيادية، لجهة التنكّر لمعاناة الفلسطينيين السوريين، والتنصّل من المسؤوليات الملقاة على عاتقها إزاءهم، ناهيك عن ضعف حساسيّتها إزاء عذابات السوريين، الذين احتضنوا اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة (1948).
عموماً فإن هذه التصريحات لم تلق رضى في الساحة الفلسطينية لدرجة أن نبيل أبو ردينة، الناطق باسم “فتح” والرئاسة، سارع إلى التخفيف من أثرها السلبي، بتأكيده أن “موقف الرئيس وفتح هو عدم التدخل بالشؤون الداخلية العربية… وأن الموقف الثابت هو مع حق الشعوب العربية ووحدة أراضيها.”
وكانت تصريحات زكي تضمّنت مغالطات كثيرة، أولها، اعتباره مساواة الفلسطينيين بالسوريين، في الحقوق، منّة من النظام القائم في حين أن ذلك حصل قبل قيامه. وثانيها، تبييضه صفحة هذا النظام، الذي بذل منذ قيامه قبل عقود جزءاً كبيراً من طاقته لتقييد الحركة الوطنية الفلسطينية (واللبنانية)، والعبث فيها، لتوظيفها في سياساته الإقليمية والسلطوية. وثالثها، ورود عبارات تملّق غير لائقة بحركة تحرّر إزاء هذا النوع من الأنظمة، علماً أن حركته “فتح” ذاتها محظورة في سوريا منذ ثلاثة عقود.
أما بالنسبة لمحنة فلسطينيي سوريا فإن مقاربة زكي لها كانت قاصرة ومتحيّزة ومتأخرة جداً، بعد 31 شهراً على اندلاع الثورة، وعشرة أشهر على نزوح فلسطينيي مخيم اليرموك، الذي أخضع منذ حينها لحصار مشدد، وبعد مئة يوم على فرض الإغلاق الكامل عليه. والتحيّز هنا يكمن في عدم رؤيته واقع الإغلاق المفروض على المخيم، من قبل الحواجز الأمنية التي تحيط به، والتي تمنع خروج البشر لقضاء حاجاتهم مثلما تمنع إدخال حتى ربطة خبز أو علبة سردين أو مواد طبية، بدعوى مقاتلة المسلحين.
يمكن عباس زكي أن يتجاهل ثورة السوريين، وأن يلقي اللوم على فوضى مسلحيها، وعلى المداخلات الخارجية التخريبية التي باتت تعبث بسوريا، لكن كيف يمكنه تجاهل حقيقة أن ماحصل لفلسطينيي اليرموك حصل مثله للسوريين في داريا ودوما والمعضمية وبرزة والقابون والحجر والتضامن ويلدا في دمشق؟ وكيف يمكنه تجاهل هوية الطرف الذي يحاصر ويدمر في مخيم اليرموك، والذي تسبّب في تشريد معظم سكانه، وفي مصرع حوالى 1800 من خيرة شباب فلسطينيي سوريا، ناهيك عن المعتقلين منهم في أقبية أجهزة الأمن.
ربما كان ثمة عذر لعباس زكي لو أنه استطاع حلحلة إغلاق مخيم اليرموك، أو لو أدخل شحنة مواد غذائية إليه، أو لو طالب بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين.
كاتب فلسطيني
الحياة