عزيز العظمة: البعض يفضّل جزمة العسكري على عمامة الأصولي/ محمد نمر
تجسد سوريا اليوم المثال الأكبر للصراع العالمي والخوف من تنامي الحركات الاسلامية التي شوهت المعنى الديني الصحيح وبات الحديث عن نشوء الاسلام لا يمر من دون التطرق إلى “تصفية الحسابات”، فالعودة إلى الجذور ونشوء الاسلام بالنسبة إلى الباحث والمفكر السوري عزيز العظمة لها منهجها الحديث، عرضها في محاضرته الثانية السبت الماضي في جامعة البلمند بعنوان “التاريخ الاسلامي في ضوء المناهج الحديثة”، فيما كانت الأولى في البريستول عن اشكالية “الدين بين الواقع والقضاء والقدر”.
“النهار” التقت العظمة في مقر استضافته في القلمون (شمال لبنان) قبل المحاضرة التي تطرقت إلى “كيفية البحث عن نشوء الاسلام، من دون أن يكون ذلك خاضعاً لضغوط البحث عن الأصول وتصفية الحسابات التاريخية التي تعطل التفكير والذهن وتبسط ضباباً ايديلوجياً”، هذا ما نبه إليه العظمة، فالمنهج الحديث يشير إلى أن “التاريخ الاسلامي القديم معروف بالمرويات القديمة وغالبيتها ايمانية يستنتج من بعضها نتائج أيديولوجية عن الأصول والاسلام، فتقصّي التاريخ يتطلب قراءة النصوص القديمة والمصادر بروح نقدية والتركيز على التفاصيل والاطلاع على المكتشفات الأثرية الجديدة، خصوصا في السعودية التي نجحت بأن تقيم معرضاً لاثاراتها بمتحف اللوفر منذ نحو خمس سنوات، كما يجب قراءة النقوش العربية التاريخية، باللغات القديمة كالثمودية أو الصفوية أو الحميرية أو غيرها. أما بالنسبة إلى نشوء القرآن فعلينا ان نطلع على المخطوطات الأقدم”، ويلفت إلى أنه “تأكد أن أقدم رقّ مخطوطة للقرآن، موجود في مكتبة جامعة برمنغهام في انكلترا، وهي ضمن مجموعة ألفونسوا منغانا” الذي أحضر معه مخطوطات إلى انكلترا في عشرينات القرن الماضي، والمخطوطة تقدم لنا بعض العناصر عن كيفية تطور هذا النص في فترته المبكرة ويعود تاريخها إلى أبعد حد 645 م”.
الاستبداد والاسلام السياسي
يستخدم العظمة مصطلحاته بدقة، وهو لا يرى اختلافاً بين الحكم الاستبدادي والاسلام السياسي، بل يعتبر الأخير شكلاً من أشكال الاستبداد المطلق، “لأن من يحكم باسم الله والشريعة المنزلة يستخدم حجة لا اجماع عليها وغير عقلية بل سلطوية. وبالتالي أي شخص يمارس السلطة السياسية المطلقة باسم الله يضع نفسه في مقام ممثل الاله او الكلام الالهي الذي لا يُرد عليه، تحت معادلة لا يجوز”. لكن إذا اعتبر الكلام الديني تاريخياً وأنه نشأ في بيئة وظروف قديمة فحينها الأمور قد تختلف بالنسبة إلى العظمة.
كما انه يخالف رأي بعض المفكرين بأن الاسلام السياسي نابع من المجتمع أو أن الاسلامي بالولادة مفطور على هواء اسلامي في السياسة، ويعتبر أنه “ما كان لهذا الاسلام السطوة اليوم إلا لأنه نشأ في العشرين او الثلاثين سنة الاخيرة بفعل بنية تحتية اعلامية وتربوية وسياسية ومالية وفرتها بعض الدول العربية ودعمتها عناصر خارجة عن العالم العربي، فأصبح هناك قدر كبير من العرض الديني (نموذج اقتصادي) ما أدى إلى تنامي الطلب عليه، ويضاف إلى ذلك أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خارقة وطغيان وظلم واهانة مستمرة، ما يجعل من السهل جدا النظر إلى السلطة منظاراً اخلاقيا ثم عطف المنظار الاخلاقي على المنظار الديني أو صياغة الأول بلغة دينية مألوفة”.
والاستبداد وحده ليس أقل مرارة من الاسلام السياسي، فهو بالنسبة إلى العظمة “من أشكال الاستبداد الذي لا يعتمد الكلام الالهي كسند له، لكن ممكن أن يعتمد السلطة العارية والصرفة أو مثلاً كما يحصل في العراق بالاعتماد على زعامات محلية وطائفية وميليشيات”، مؤكداً أن الخيار بين الاستبداد والاسلام السياسي مرّ ولا يجب أن ينحصر الخيار بين الاثنين، علما أن هناك بعض الاشخاص يقولون: نفضل جزمة العسكري على عمامة الشيخ”.
الديموقراطية والاسلام
التجارب الحالية في سوريا والربيع العربي أثبتت الفشل في التوأمة بين الديموقراطية والاسلام، فبرأي العظمة “طرح قضية الاسلام والديموقراطية خاطىء، فالثاني دين وعقائد وممارسة عبادية أما الديموقراطية فنظام للادارة السياسية للمجتمع، وعملية العطف بين الاثنين مفتعلة وتدخل الدين في مكان ليس له، وعندما نسمع كلاماً عن الاسلام والديموقراطية أو مقايسة بهل هناك بينهما توافق او تنابذ؟ فهذه عملية بين عنصرين لا علاقة بينهما والمقايسة موجودة ليس بسبب استقراء الدين او دراسته أو استقراء الديموقراطية بل المقايسة تأتي كجزء من محاولة لاقحام الدين في شأن لا علاقة له به”.
الأزهر والزيتونة وقم
“لم تلعب المرجعيات والصروح الدينية دوراً كافياً في مواجهة التطرف الديني” برأي العظمة، لكن” الأطراف السنية لديها محاولات لبث خطاب مناهض قليلاً لبعض اشكال الاسلام السياسي، لكنها لم تواجه لب الموضوع أي بالاحتكام إلى النصوص الدينية في الشأن السياسي، وبالتالي هي عرضة لأن تنجرف وراء الخطاب الاسلامي السياسي والأصولي والسلفي”، ويضيف: “لا ننسى انه بسبب تنامي الاسلام الحركي، فإن الاسلام الرسمي يحاول ان يحمي نفسه، وبالتالي ازداد في النزوع المحافظ والسلفي الذي لم يكن بهذا القدر منذ خمس وعشرين سنة”.
خلاصة الأمر أن المنظمات الرسمية الدينية “لم تقم بأي مواجهة فكرية فعلية مع الاسلام الاصولي”، لكن العظمة لاحظ أن “هناك محاولة فعلية لعقلنة الخطاب الديني في المغرب”.
أما المراجع الدينية الشيعية، فاعتبر أنها “تذكي من النزوعات الأصولية وتُنشئ أحزابا لله في العراق ولبنان واليمن، على شكل لا تسمح فيه بالداخل الايراني، مثل فرنسا سابقا كانت تحارب الكنيسة داخل فرنسا وتغذي التبشير الديني في الخارج”.
حدود سايكس بيكو لن تتغير
وبالعودة إلى حال سوريا وما تم الحديث عنه في الفترة الأخيرة عن تقسيم فإن العظمة يؤمن بأن “حدود سايكس بيكو لن تتغير، وأن المشكلة تكمن في مصير النصاب السياسي في الداخل السوري”، ويضيف: “النظام منذ زمن، وهناك من فيه متصالح مع فكرة التخلص من المشاكل في شرق سوريا، وهناك اساليب لادارة شؤون النفط والكهرباء وغيرها واساليب غير رسمية وفاعلة حتى الآن، وأعتقد انه من الممكن أن يكون هناك نوع من الانفصال الضمني ووحدات اقليمية في علاقات مضطربة وغير مستقرة على المدى المتوسط مع إحكام السيطرة على الغرب وترك الشرق ليرتب حاله او يترتب من القوى القادرة على ذلك. هذا يجعل قضية المناطق التي فيها الكثير من الأكراد محوراً في هذه العملية وهذا أمر مطروح لكن حدوده لا تزال غير واضحة المعالم، وما قاله نائب وزير الخارجية الروسي عن الـ”فيديرالية” أعتقد انه يتعلق اساساً بالأكراد، لا نتحدث عن دولة علوية ولا اظن ان هناك طرحاً بهذا المعنى”.
الأسد علوي ولكن…
آراء العظمة جريئة ولا تمثل أي تيار أو حزب أو دولة، فهل يعتبر نظام الأسد طائفيا أو استبداديا؟ يجيب: “هناك عناصر طائفية في تركيبة النظام، لكنها ليست بالضرورة العنصر الحاكم، فهناك تجمعات طائفية في الداخل والمنطق الطائفي يحكم بعض فاعليات الدولة لكن ليس بأكملها، فلنعط المجال لتعقيد الوضع ولا نبسط الامور”.
ويلفت إلى أن “رأس الدولة علوي لكني لا أظن انه سيكون هناك دستور سوري بعلوية الرئيس فالأسد مثلاً علوي لكنه يصلي في الجامع الأموي وبالتالي الطريقة التي يعرض فيها نفسه من وجهة نظر طائفية، ليست عارية أو حادة، لكن داخل التجمع الحاكم هناك تجمعات طائفية وليس كل العلويين طائفيين، والحديث عن نظام علوي نوع من التبسيط المخل جداً بتعقيد الوضع السوري، وتنامت النزعات الطائفية في السنوات الاخيرة وصارت حادة وهناك ناس لديهم ثأر وهناك تخريب وقتل وموت وتعذيب وسجون وفي كثير من الاحيان تصاغ هذه المظالم بعبارات طائفية والبعض منها مبرر، لأن بعض عناصر النظام تستخدم اللغة الطائفية”، ولا ننسى أن التدخل الايراني كان عنصرا اساسيا في اذكاء النزوعات الطائفية والتوترات، اضافة إلى الميليشيات الخارجية من أفغان وعراقيين ايضا تصرفوا في شكل سيء ومخرب للبنية السياسية للمجتمع السوري”.
توطين الأفغان
“سوريا لم تعد سوريا ليس بسبب تخريب البنية التحتية فحسب أو خرابها لكن بسبب حركة النزوح، فأكثر من نصف سكان سوريا نازحون ولا اظن ان القدر الاكبر منهم سيعود، لكن هناك كثيرين يأتون من الخارج كافغانستان والعراق واماكن اخرى ويتم توطينهم”، وفق العظمة الذي يعتبر أيضاً أن “جبهة النصرة أو أحرار الشام أو جيش الاسلام وغيرها من الفصائل المشابهة لا يدافعون عن سوريا، ولا يتحدثون باسمها بل باسم المسلمين، وهي ليست حركات وطنية بل اسلامية – جهادية ولا علاقة لها بسوريا، تريد سوريا اخرى لم تكن موجودة”.
العظمة ليس متفائلاً بحال سوريا فهو لا يرى “اي مقومات لحل مستقر في سوريا”، ويرجح أن “تستمر المعارك والحرب لكن بوتيرة مختلفة وذلك لاسباب عديدة منها تداخل وتضارب المصالح”.
النهار