عشاء في عامودا
علي جازو
كلَّ مساءٍ نحَضِّر عشاءَنا،
في عتمة مربكة أو خلف نورٍ شاحب،
مستعجلين قدومَ الأمور المخفيّة والمرعبة،
التي سرعان ما ستغرق وتُنسى
مثلما تتبدّل الآلهة وتتخاصَم.
نتوقّعُ أيَّ شيء حدّ فقدان برودة الخوف،
أو متباطئين بسبب الرتابة المذنبة التي حوّلَت
الضوءَ والظلامَ إلى جناحٍ واحد ضعيف.
لكننا نبخس انتظارَنا المطمئنَّ لموتٍ طاحن،
نخسر لهبَ الشمعة الرقيق،
ظلّها الناعمَ على وجوهنا،
ولا نرى مدَّةَ اليدِ سوداءَ كالندم.
الوداعُ نفسُه يسعى إلينا.
من يلمسنا لن نشعرَ به،
لكننا نتضوّر فاقةً إليه،
كمثل أي راحلٍ يرجو،
دون أن يحسَّ،
رأفة اللمسة الأخيرة!
¶¶¶
تبادلاتٌ مُحِبَّة
يا للندم!
يا لحظوةِ أن تخترقكَ أغنيةٌ لتدفنك!
كنزُ رجاءٍ يمتلئ عناقاتٍ وعناقات.
مرّات ومرّات لا تُحصى،
كنَفَسٍ تتردّد بين شفتيَّ،
تبادلاتٍ ضئيلة ومُحبِّة،
رافعاً عن القسوة وجهها الزائفَ،
كما تجذب تحوّلاتٌ مجهولة لعينٍ وحيدة
مظاهرَ قليلة، ساحرة، ومحزنة.
أهو من مزايا الندم
أنني لم أبكِ هذا الصباح؟
ألم يجدر بي كما بكلّ صباحٍ
يهبنا مدىً لا يملكه أحدٌ،
ومع ذلك هو في متناول الجميع،
كمن مدارياً ارتباكَهُ يلمس طرف قميصه،
أو ينشر كلتا يديه فوق وجهه
كقناعِ معرفةٍ ذاوية.
آهٍ يا ظلَّ كتماني الوديع المرافق
كيف لم أتضوَّع بالدموع،
كيف لم تفجّر السخونةُ المرهفة
رئتيَّ واثبةً إلى فمي وعينيَّ دفعةً واحدة.
بالكاد أحتاج إلى خطوة الطفل – الريشة
التي تحوّل سموم الربيع الأليفة
موجةً لاهبةً تطير داخل حجرة مظلمة.
لكنه مع ذلك، لصُوَرٍ نراها ونخشاها،
يلتصق بنا، دامياً تردّدنا الكتيم
كحجرٍ أخضر ينفلق تحت لسان أخرس
ليخبر ويعزّي، يروي ويحنّ.
النهار