عقدة العراق وأفغانستان وراء رفض الولايات المتحدة التدخل في سوريا
محمد خالد
قالت دراسة لـ «معهد بروكينجز»، أن رفض الولايات المتحدة التدخل في سوريا، وتركها تعوم في بحار الدماء وهي تدخل العام السادس لثورتها بحلول 17 مارس/آذار الجاري، يرجع لتصور لدى الإدارة الأمريكية أن آثار التدخل ستكون سلبية، وأن سوريا يمكن أن تكون مستنقعا كأفغانستان والعراق.
وأشارت الدراسة إلى أن واشنطن سعت لتجنب المخاطر، عبر «نهج معتدل» في التعامل مع الصراع السوري، تلخص في تخفيف الآثار الإنسانية للحرب، واكتفت بضرب تنظيم «الدولة الإسلامية»، دون أن تفعل سوى القليل لمعالجة السبب الرئيسي للصراع؛ وهو بطش ودموية نظام «الأسد».
واعتبرت الدراسة أن هذا السلوك الأمريكي أحد أسباب فشل الاستراتيجية الأمريكية في سوريا واشتعال الصراع وتزايد شراسة ووحشية نظام «الأسد» لضمان بقائه في السلطة، وتحوّل التمرد المحلي إلى «حرب عالمية مصغرة».
وأرجعت أسباب اشتعال الصراع أيضا، لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، بمساعدة وتحريض من نظام «الأسد»، على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، وانقسام المعارضة السورية، ووقوعها أسيرة الطموحات الشخصية لقادتها.
لماذا لم تسع الولايات المتحدة للتدخل؟
بحسب الدارسة، بدا من إعلان الرئيس «أوباما» في أغسطس/آب عام 2011 أن «الوقت قد حان لتنحي الأسد»، أنها سوف تتدخل، إلا أن «حسابات الإدارة للمصالح والقيود والتكاليف أدت إلى تخلي الولايات المتحدة عن سوريا والسوريين».
ومع أنه تم تشكيل مجموعة «أصدقاء سوريا» التي تأسست في عام 2011 لتنسيق الدعم الدولي للمعارضة بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، فقد خفتت سريعا وانتهى دورها تقريبا.
وتضيف أن «انهيار سوريا كان حتميًا بمجرد انتقال نظام الأسد إلى سحق الحركة الاحتجاجية الوطنية، والدخول في دوامة من تصاعد العنف»، ولكن الولايات المتحدة لم تفعل شيئا للتخفيف من حدة هذا الصراع.
أيضا لم تسع واشنطن لتحويل مسار الانتفاضة والمساعدة في تحقيق تحول سياسي هادف وفقًا للأسس المنصوص عليها في بيان جنيف الصادر في يونيو/حزيران لعام 2012، رغم أن هذه الخيارات كانت متاحة، بحسب اعترف أحد كبار الشخصيات السابقة في إدارة «أوباما» بعد ترك منصبه.
وهنا تسأل الدراسة التي أعدها «ستيفن هايدمان»: «لماذا إذن لم تسع الولايات المتحدة لتنفيذ هذه الخيارات؟ وتعود للحديث عن خوف الادارة الامريكية من أن يكون للتدخل الأمريكية عواقب سلبية».
وترى الدراسة أنه حتى مع تصاعد الصراع في سوريا وزيادة تكاليف عدم التدخل، ظلت حسابات الإدارة بشأن المخاطر ثابتة لم تتغير. حيث رأى مسؤولو البيت الأبيض أن «الفوائد المحتملة للتدخل منخفضة»، بينما «التكاليف المتوقعة مرتفعة بشكل غير مقبول»، ولذلك، برر «أوباما» وأركان حكمه عدم تدخله بدعوى أن التدخل يمكن أن يوسع الحرب، ويجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع على غرار المستنقع الأفغاني لأنهم لم يكونوا واثقين من السيطرة على الحرب والآثار الناتجة عقب التدخلات المحدودة.
عقدة العراق وافغانستان
التجارب التاريخية الموروثة لدى الإدارة الامريكية في حربي العراق وأفغانستان، وكذلك تجربة التدخل في ليبيا، والتي شهدت انهيارا للدولة الليبية، كانت دروسا موضوعية عن حدود القوة العسكرية والعواقب الكارثية لتدخلات الأمريكية تحت أعين «أوباما».
وتشير دراسة «بروكينجز» أن الآثار السلبية للتدخلات السابقة كانت بالفعل «دروسا مستفادة» لتجنب الانخراط في الصراع الفوضوي في سوريا، وأنها أسباب تبدو منطقية بالنظر الي الدروس التي استخلصها من تجارب العراق وأفغانستان وليبيا.
سوريا مختلفة
ولكن معهد «بروكينجز» يري مع هذا أن الوضع في سوريا كان يختلف عن العراق وأفغانستان وليبيا ويمكن لأمريكا التدخل فيه رغم أن سوريا بها بعض التشابه مع العراق وأفغانستان.
أبرز هذه الفروق في الحالة السورية، هي أن العراق وأفغانستان لم يشهدا انتفاضة شعبية، كما حدث في حالة سوريا ضد «بشار الأسد». ففي العراق وأفغانستان، حققت الولايات المتحدة تغيير النظام من خلال التدخلات العسكرية المباشرة، أما في سوريا، لم تكن هناك قوات أمريكية على أرض سوريا، ولم تطلب المعارضة السورية تدخلا أمريكيا، وكل ما طلبه نشطاء المعارضة السورية هو دعم الولايات المتحدة السياسي، وليس المشاركة في العمليات القتالية.
هنا يلاحظ أن من دعوا إلى سياسة أمريكية أكثر حزمًا في سوريا، طالبوا بتمكين المعتدلين في المعارضة لتغيير ميزان القوى العسكرية على الأرض، وتسهيل عملية انتقال سياسي يتم التفاوض عليها والحفاظ على مؤسسات الدولة، وترك عناصر «نظام الأسد» الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وضمان أمن الأقليات، بما في ذلك الطائفة العلوية.
ولكن الذي حدث هو أن مواقف الإدارة الامريكية إزاء المعتدلين وكيفية تقديم الدعم لهم، كانت متناقضة بشكل مذهل واعترف سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا، «روبرت فورد»، بعد استقالته من منصبه بهذا.
كان البيت الأبيض يدعي أنه يعرف القليل جدًا عن المعارضة والكثير عنها في الوقت نفسه، ويصف مقاتلي المعارضة بأنهم غير مدربين ومتعصبين بشدة، برغم أنه في المرحلة الأولى من الثورة السورية، كانت أغلبية المعارضة المسلحة من قوي لا مركزية من كتائب الدفاع المحلية التي تعمل جنبًا إلى جنب مع كتائب أخرى من المنشقين عن الجيش السوري، ولم يكن هناك سوى تواجد نادر للمقاتلين الأجانب.
وقد نجح المقاتلون في دفع جيش «الأسد» إلى نقطة انهيار النظام، ثلاث مرات: في منتصف عام 2012، ومرة أخرى في منتصف عام 2013 وفي صيف عام 2015، ولكن في كل مرة كان التدخل الخارجي من مؤيدي النظام، يقلب الموازين العسكرية لصالح النظام، ويحبط الظروف التي قد تجبر النظام على المفاوضات، بينما وقفت أمريكا متفرجة.
وحتى بعد التدخل الإيراني على نطاق واسع في عام 2013 لمنع سقوط النظام، واصلت المعارضة المسلحة تحقيق الانتصارات، حتى أن مكاسبهم في منتصف عام 2015، دفعت «الأسد» لطلب العون من الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».
مبالغة وصم المعارضة بالتطرف
هنا تقرر الدراسة أن البيت الأبيض أساء تفسير عبارات التطرف، وخسر بالتالي فرصا لمنع نمو الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة وتنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي النهاية فقد خلق غياب الدعم من الغرب حوافز للمقاتلين السوريين لعرض دعمهم على مقدمي العروض الأكثر تطرفًا، بغض النظر عن نظرتهم العالمية.
وقد أخطأ الأمريكيون كذلك في تصور أن ما يحدث في سوريا طائفي على غرار العراق، بينما في الحالة السورية، تشير الأدلة إلى عكس ذلك، إذ أن الاستقطاب والتطرف والتشرذم كانت هي الآثار المترتبة على تصاعد العنف، وليست أسبابه.
وهناك أبحاث لـ«كيفين مازور» بجامعة برينستون للعلوم السياسية، تؤكد أن استخدام النظام للعنف أدى إلى تفاقم التوترات الطائفية، وليس العكس.
وتنتقد الدراسة «العيوب العميقة» في الافتراضات التي تقوم عليها سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا، منتقده «التراخي»، وعدم وجود قناعة لدى الولايات المتحدة بوجود مصلحة في منع الفظائع ودعم الآليات الدولية، مثل مسؤولية الحماية؟ أو أي مصلحة في الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي الذي يقيّد الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا وإيران.
دروس لـ«أوباما».. لا يزال التدخل ممكنا
وتختتم الدراسة بتأكيد أن الدروس المستفادة من الصراع السوري على المدى القصير، تؤكد أنه لا يزال أمام الرئيس الأمريكي فرصة للتدخل بحزم في الجهود الرامية إلى نقل الصراع السوري إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى تسوية دائمة لا تجبر السوريين على العودة إلى الديكتاتورية الوحشية لنظام «الأسد»، أو تعرضهم إلى وحشية تنظيم «الدولة الإسلامية».
وتؤكد أن «هذا لا يتطلب تدخلا عسكريا مباشرا ولكن رغبة حقيقية في تسخير الموارد الأمريكية بقوة أكبر نحو تحقيق نتائج الدبلوماسية التي تفي بالحد الأدنى من متطلبات جميع الجهات الفاعلة».
وتشدد الدراسة على أنه «بدون رغبة من جانب الولايات المتحدة لمواكبة الإصرار الروسي فإن جولة محادثات جنيف الحالية لن تحقق نتائج أفضل من الماضي، ما يعني خسارة واحدة من الفرص الأخيرة للحفاظ على سوريا كدولة موحدة».
أما الدرس على المدى الطويل، فيتلخص في ضرورة التفكير بشكل مناسب في الآثار المحتملة للصراعات الإقليمية على استقرار النظام الدولي، وتحديد متى تكون مصالح الولايات المتحدة على المحك لتبرير استخدام القوة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
الخليج الجديد