صفحات العالم

سوريا: تقييم نتائج اجتماع مراكش

 

مارك بيريني

احتضنت العاصمة المغربية مراكش الاجتماع الذي جرى بين «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» و«مجموعة أصدقاء سوريا» يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وهو الاجتماع الذي حصل على إشادة المجتمع الدولي وبعض الانتقادات من جانب روسيا. ورغم أن هذا الاجتماع كان بمثابة النجاح الدبلوماسي الكبير للائتلاف الوطني، حيث اعترفت به 100 دولة كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، فإن الكثير من الأسئلة تظل من دون إجابات، مما يزيد من شكوكنا في الخطوات التالية التي ستقوم بها قيادة الائتلاف. ساعد الاجتماع على توضيح أبعاد الوضع في سوريا ورسم مخططات لمسار البلاد المستقبلي، في الوقت الذي يشهد فيه الموقف الروسي بعض التغييرات.

ورغم تركيز غالبية التقارير الصحافية على المناقشات التي جرت حول تزويد الثوار السوريين بالأسلحة، فإن الاجتماع تطرق أيضا إلى أمور مثل: «جبهة النصرة»، واستخدام الأسلحة الكيماوية وغيرها من الموضوعات المهمة.

ومن وجهة نظر مستقبلية، تشكل نتائج اجتماع مراكش المسودة الحقيقة الأولى للإطار السياسي والتنفيذي للحكومة السورية الحرة في المستقبل.

ومن اللافت للنظر أن البنود الـ43 المتضمنة في البيان الختامي للاجتماع تشكل المكون الرئيسي للديمقراطية السورية المستقبلية، حيث إنها تنص على وحدة البلاد، وسلامة أراضيها، وحل سياسي للصراع السوري ينبع من داخل سوريا وليس من خارجها، ومشاركة جميع مكونات الشعب السوري في العملية الديمقراطية، فضلا عن الالتزام باحترام حقوق الإنسان، والاعتراف بشرعية «الائتلاف الوطني السوري».

تحدد هذه النصوص المبادئ التنفيذية للعدالة الانتقالية، وتوصيل المساعدات الإنسانية للمجتمعات المحلية من دون تمييز، وجهود إعادة الإعمار (من خلال صندوق للمانحين)، وهي النقاط التي ستتولاها السلطة الانتقالية المستقبلية في البلاد.

ولكننا لا بد أن ننتظر لنرى مدى القبول الذي ستتمكن قيادة «الائتلاف الوطني السوري» من حشده – سواء داخل مكونات الائتلاف ذاته أو من الجيش السوري الحر – على هذا الإطار الواسع، حيث إن هذا الأمر يعد اختبارا حاسما لها.

ثمة أمر آخر شديد الأهمية حدث خارج اجتماع مراكش، ألا وهو تطور الموقف الروسي. فمن دون الإفراط في التفاؤل، يبدو الآن أن القوى الغربية، وروسيا، تتفق على ثلاثة عناصر على الأقل حول الصراع السوري: ألا وهي عدم وجود مجال للحل العسكري في سوريا، وأن الحل السياسي يجب أن ينبع من داخل سوريا، فضلا عن أن لجوء نظام الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية سيكون أمرا غير مقبول تماما. لقد أكد كلا الطرفين بوضوح هذا الأمر خلال الأيام القليلة الماضية، فضلا عن أن الأميرال جيمس ستافريديس، القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا، التي يعود إليها القرار النهائي في مسألة استخدام صواريخ باتريوت، كان واضحا للغاية في هذا الصدد في تدوينته التي نشرها في تاريخ 14 ديسمبر.

وفي الوقت عينه، يتلاشى الدعم الروسي لنظام بشار الأسد في سوريا في الوقت الحالي. فرغم نفي ذلك الأمر بصورة جزئية في وقت لاحق، فإن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قد قال يوم 13 ديسمبر الحالي: «لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة السورية»، فضلا عن أن الأمين العام لحلف الناتو قد أدلى بتصريح مماثل. من الجدير بالذكر أيضا أن قناة «آر تي» الروسية قد نشرت يوم 11 ديسمبر مقابلة أجرتها صحيفة برازيلية مع الرئيس الإكوادوري، عرض فيها منح الأسد حق اللجوء السياسي لبلاده، إذا طلب الأسد ذلك.

ثمة عقبة وحيدة متبقية، ألا وهي إصرار موسكو على ضرورة إجراء المفاوضات مع النظام السوري من دون المطالبة برحيل الأسد عن سوريا. ولكن، هناك سؤال بسيط يطرح نفسه الآن: ماذا تبقى ليتم التفاوض عليه مع رئيس تقوم قواته بقصف المدنيين المصطفين في طوابير الحصول على الخبز بصورة عشوائية، واستخدام الصواريخ الباليستية ضد المقاتلين على الأرض، وتعذيب الأطفال، وإطلاق النار على عائلات بأكملها في منازلها؟ لن يقبل أبدا أي من زعماء الثوار بالتفاوض مع الأسد، كما أكد معاذ الخطيب بشكل واضح للغاية في اجتماع مراكش. يجب أن نتذكر أن مشاركة عناصر النظام السابق في المرحلة الانتقالية في تونس ومصر جاءت فقط بعد رحيل زعيمي البلدين عن السلطة. إن تكرار هذه العملية في سوريا سيتضمن تحديد عناصر النظام السابق الذين لم تلطخ أيديهم بدماء السوريين والذين لم يشاركوا في القرارات العسكرية التي يتخذها النظام.

وأخيرا، ينبغي التشديد على التصرفات غير المتكافئة من جانب روسيا والقوى الغربية، حيث إن الأخيرة لم تقبل بعد تزويد الثوار بالسلاح، بينما لا تزال الأولى تزود نظام الأسد بالسلاح بصورة يومية. وكلما أسرعت موسكو في إدراك أن نظام الأسد ليس له أي مستقبل على الإطلاق سوى في المحكمة الجنائية الدولية، كان هذا أفضل. إن موقف روسيا من الصراع الدائر في سوريا ليس هو الأمر الوحيد الذي يقع على المحك في موسكو، ولكن صورتها أمام البلدان العربية العالم أجمع أمر آخر جدير بالاهتمام.

* سفير سابق للاتحاد الأوروبي والباحث الحالي في مركز كارنيغي أوروبا ومؤسسة «المجتمع المفتوح»

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى