إياد الجعفريصفحات المستقبل

عقدة دمشق في الدوحة/ إياد الجعفري

 

 

ساد عُرفاً أن يكون لكل “اتفاق سياسي”، شياطين يكمنون في تفاصيله، وهو ما لا يحيد عن اتفاق فيينا الخاص بالبرنامج النووي الإيراني. ولأن شياطين اتفاق فيينا تكمن في التفاصيل المُغيبة عن العامة والعلن، والتي لا بد أنها تتطرق للملفات الإقليمية الشائكة، وفي مقدمتها الصراع بسوريا، لذا فإن اجتماع الدوحة المُزمع يومي الأحد والاثنين، سيكون معياراً مهماً، حيث سينشط الحديث في التفاصيل، بين القطبين الدوليين الأكثر تأثيراً في الصراع السوري، إلى جانب وزراء خارجية أبرز الأطراف الإقليمية العربية ذات الصلة بهذا الصراع، تحديداً، قطر والسعودية.

وبهذا الصدد، تنشط التسريبات، وتكثر السيناريوهات والقراءات والتأويلات. وإذا كان أكثرها شيوعاً هو الحديث عن إطلاق يدّ إيران في الإقليم، بعد اتفاق فيينا، فإن السيناريو الآخر المرتبط بإعطاء دفعة جديدة لتأجيج الصراع السُني – الشيعي، في المنطقة، يحظى هو الآخر بمؤيديه.

وبين هذا وذاك، يندر الحديث عن سيناريو ثالث، يرتبط بفلسفة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وطموحه لترك إرث تاريخي يُذكر به، بعد مغادرته القريبة لسدة الرئاسة في واشنطن. وهو دأب معظم الرؤساء الأمريكيين، في السنتين الأخيرتين من ولايتهم الثانية.

السيناريو الثالث، والذي يحظى بشعبية منخفضة في أوساط المحللين العرب، يُشير إلى رغبة أوباما في إنهاء فترته الثانية بإنجاز تاريخي مفاده، تغيير سلوك إيران، وتدجينها في الإقليم، وفي إطار النظام الدولي الذي يقوده الغرب.

وحسب هذا السيناريو، لا يبدو الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، إلا مجرد خطوة في طريق قد يكون وعراً للغاية، لكن الرئيس الأمريكي، حسب هذا السيناريو، مستعد لسلوكه، بل ويراهن على قدرته الوصول إلى نهايته بنجاح.

يتطلب تدجين إيران إقليمياً وعالمياً، بطبيعة الحال، أن تكون طرفاً متعاوناً في حل المشكلات الإقليمية العالقة، مع حفظ مصالحها فيها، وتثمير هذه المصالح باتجاه اقتصادي، أكثر منه سياسي – بنفس تعبوي طائفي. الإيرانيون أبدوا لأوباما أنهم قد يسيرون قُدماً في هذا الطريق، فهم تخلوا عن واحدة من أبرز رموز سيادتهم، وهو حق السيادة المُطلقة على برنامجهم النووي الذي سيصبح، بموجب اتفاق فيينا، نهباً للتفتيش الدولي. والثمن، اقتصادي، بالدرجة الأولى.

في هذا الاتجاه، يمكن فهم، لماذا يتواجد وزير الخارجية الروسي، بالتزامن مع نظيره الأمريكي، في لقاء مع نظرائهم الخليجيين، في الدوحة…فموسكو التي شاركت الأمريكيين على مدى أكثر من عقد، رغبتهم بألا تكون إيران نووية بلا قيود، تشارك أيضاً الأمريكيين، رغبتهم في تدجين إيران، بما يخدم المصالح الروسية، بطبيعة الحال. ولأن لروسيا هامشاً كبيراً في الشأن السوري، مقارنة بالملفات الأخرى في اليمن والعراق، يبدو أن التواجد الروسي في الدوحة تأكيد على أن سوريا ستكون أول التفاصيل المُعالجة بعد اتفاق فيينا.

بطبيعة الحال، تكثر القراءات المُسبقة حول ما سيُقال سراً في أروقة اجتماعات الدوحة، بين الشخصيات المؤثرة في الملف السوري. وبهذا الصدد، يذهب مراقبون إلى أن الاجتماع يستهدف إقناع الخليج، خاصة السعودية وقطر، بوجهة النظر الروسية، والتي لا تعارضها واشنطن حقيقةً، وهي أن لا غنى عن بشار الأسد لحماية دمشق من الوقوع في قبضة “المتطرفين”، ولمحاربة “داعش”.

لكن خلافاً لتلك القراءة، بدا بشار الأسد في خطابه الأخير ضعيفاً، ومهزوزاً، ومُستلباً بالكامل من جانب حليفه الإيراني، بصورة أقرها علناً، حينما أعترف بأن وجوده بالكامل يعتمد على الدعم الخارجي. بمعنى آخر، لم يعد بشار الأسد إلا مجرد تفصيل صغير في تفاصيل التفاوض المُحتمل بين طهران وباقي العواصم المهتمة بالشأن السوري.

ولن يكون بشار الأسد، بطبيعة الحال، أغلى على نخبة إيران من برنامجهم النووي الذي ضحوا به، بصورة تُوحي بأنه كان تكتيكاً لغايات أكثر استراتيجية. فهل يشكل اجتماع الدوحة فاتحة لسلسلة مفاوضات بين دول الإقليم، برعاية أمريكية – روسية، لإنهاء الصراع بسوريا، بصورة تؤمن جانباً من مصالح إيران، وتُعيد تأهيل النظام، بالتفاهم مع المعارضة، بعد إزاحة الأسد؟

قد يقول قائل، أن ذلك حسن ظن لا مكان له في عوالم السياسة. نقول له: وهل لدى الأمريكيين خيار آخر، إن كان صراع دول الإقليم في سوريا، حصيلته المزيد من تمدد “داعش”، بصورة تفاقم من خطرها على أمن الغرب؟

نضيف: هل أفضل للروس الدفاع عن الأسد المُستلب إيرانياً بالكامل، أم المساهمة بصفقة لإعادة تأهيل النظام، بعد إزالة الأسد، بصورة تضمن لهم حصة داخل أروقة الحكم، عبر قيادات الجيش الميالة لموسكو، وعبر شريحة واسعة من العلويين المستائين من التغلغل الإيراني في ديارهم، وعلى حسابهم؟

ونستطرد أيضاً: هل سيكون برنامج إيران النووي أغلى على إيران من بشار الأسد، خاصة إذا كان في الصفقة المُزمعة ما يضمن مصالح الإيرانيين، تحديداً الاقتصادية منها، في سوريا، التي استثمروا فيها كثيراً، وحان وقت حصاد هذه الاستثمارات؟

تساؤلات عديدة تُوحي بأن أول التفاصيل المرتدة عن اتفاق فيينا، ونقصد الملف السوري، قابلة للحل بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، في حال توافرت الإرادة. لكن يبقى أن تفاصيل التفصيل، أي تفاصيل الاتفاق في الملف السوري، هي الأكثر خطورة. ذلك أن تلك التفاصيل، التي لا تتوقف فقط على بقاء بشار الأسد من عدمه، هي السبب الذي قد يعوق التوصل إلى اتفاق قريب. وهي التي قد تطيل الصراع، لصالح المزيد من تمدد “داعش”، في وقت تلقى الأخيرة فيه صداً ملحوظاً في الشمال والشرق، لتبقى لديها جبهة الغرب والجنوب، باتجاه مواقع النظام السوري، الأكثر سهولة، والأقل مقاومة.

فهل ينجح المتفاوضون في الدوحة بحل عقدة دمشق، قبل أن تصل “داعش” إليها؟

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى