علاقات «حزب الله» في سوريا وإيران
ماثيو ليفيت : معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى
“في هذا الحديث يناقش الدكتور ليفيت والمحرر الاستشاري من موقع العلاقات الخارحية على شبكة الانترنت (CFR.org) بيرنارد جويرتزمان، استعدادات «حزب الله» لسقوط الأسد، وعلاقاته الوثيقة الأكثر تقارباً مع إيران، وتوسيع أنشطته الإرهابية والمسلحة داخل لبنان وخارجها.”
في الأيام الأخيرة، صرح مسؤولون من الولايات المتحدة والشرق الأوسط بأن إيران والجماعة الشيعية اللبنانية «حزب الله» يجريان استعدادات عسكرية لمواجهة الفوضى الطائفية التي يُحتمل أن تبتلع سوريا ما بعد الأسد. ويقول خبير مكافحة الإرهاب ماثيو ليفيت إن «حزب الله» واءم نفسه بشكل وثيق مع “قوة القدس” الإيرانية — وهي جماعة من النخبة شبه عسكرية مرتبطة مباشرة بآية الله علي خامنئي — في الوقت الذي يقاتل فيه إلى جانب نظام الأسد. وفي السنوات الأخيرة، توطدت الشراكة بين «حزب الله» وإيران لدرجة أن ولاء الجماعة لخامنئي أصبح واضحاً جلياً. ويقول، “ما نراه الآن هو أن «حزب الله» سوف يقوم بأعمال في هذه الأيام تصب في مصلحة إيران حتى لو كانت هذه الأعمال تتعرض مع مصالح لبنان ومصلحة «حزب الله» نفسه في هذه البلاد”.
جويرتزمان: قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية مؤخراً بتفجير موكب شاحنات في سوريا، حيث أفادت التقارير أنه كان يحمل صواريخ مضادة للطائرات متجهة إلى «حزب الله» في لبنان. فلماذا تشحن سوريا أسلحة إلى لبنان وليس العكس؟
ليفيت: منذ فترة طويلة و «حزب الله» يخزن الأسلحة في سوريا، كما أن حكومة الأسد وفرت منذ فترة طويلة بعضاً من هذه الأسلحة إلى «حزب الله». وبالإضافة إلى ذلك، دأبت إيران على إمداد «حزب الله» بالأسلحة من خلال سوريا. وبينما تتجه الأحداث في سوريا إلى الأسوأ بالنسبة لنظام بشار الأسد، فسوف يحاول «حزب الله» — كما شاهدنا بالفعل — نقل أكبر قدر من أسلحته إلى أرض أكثر أماناً قدر الإمكان. كما أن بعض مخزون الأسلحة يوجد في لبنان حيث حفرت الجماعة كهوفاً في الجبال.
وكلا طرفي هذا الصراع، المتطرفون السنة الأكثر راديكالية المندمجون في صفوف الثوار والمتطرفون الشيعة المتحالفون مع «حزب الله» وإيران، يتولون تكوين ميليشيات ستكون موالية لهم بعد سقوط نظام الأسد. وما نراه هو تخزين الأسلحة لتلك المرحلة الثانية من الصراع.
جويرتزمان: لذا تعتقدون أن «حزب الله» الآن توصل إلى نتيجة مفادها أن أيام الأسد باتت معدودة؟
ليفيت: لقد استنتجوا ذلك منذ فترة قليلة. وهم يرغبون في ترتيب الأمور بحيث يكونون في وضع يتيح لهم مواصلة التأثير في سوريا حتى بعد سقوط الأسد وبقاء أغلبية سنية.
جويرتزمان: هل كان «حزب الله» يقدم مساعدات لسوريا في هذه الحرب الأهلية.
ليفيت: هناك كم هائل من الأدلة على أن «حزب الله» يساعد النظام، لا سيما في التدريب. كما أن هناك تقارير عن محاولة قناصة الحفاظ على أجزاء رئيسية من الأراضي، لا سيما على طول الحدود مع لبنان.
لقد صنّفت الحكومة الأمريكية «حزب الله» على أنه منظمة إرهابية في عام 1997؛ ووضع على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية لـ “المنظمات الإرهابية الأجنبية” وعلى قائمة وزارة الخزانة للكيانات الإرهابية العالمية. وقبل بضعة أشهر أعادت وزارة الخزانة إدراجه ضمن قائمتها السوداء بسبب دعمه لنظام الأسد وزعزعته للأمن والاستقرار في سوريا. وعندما أعلنت وزارة الخارجية ذلك التصنيف وقامت بنشره، فقد شمل — وهو ما تفعلاه دائماً وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين في هذه الإعلانات الصحفية — بعض المعلومات الاستخباراتية التي أُزيلت عنها صفة السرية. ومن بين المعلومات القليلة التي لم يلتفت إليها أحد أن الشخص المسؤول عن الإشراف على أنشطة «حزب الله» في سوريا هو حسن نصر الله نفسه، الذي يتزعم الجماعة منذ فترة طويلة.
جويرتزمان: هل لا يزال «حزب الله» جماعة جهادية؟
ليفيت: هو لا يزال كذلك، لكن «حزب الله» يمثِّل عدة أشياء: فـ «حزب الله» أحد الأحزاب السياسية المهيمنة في لبنان، فضلاً عن كونه حركة اجتماعية ودينية، حيث يتولى بصفة أساسية تلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع الشيعي في لبنان. كما أن الجماعة هي أكبر ميليشيات لبنان. فبعد اتفاقات الطائف في عام 1989، التي أنهت الحرب الأهلية، أُعيد تقديم الجماعة على أنها تمثل نوعاً من المقاومة الإسلامية.
ويغلب أن يسيء الناس فهم العلاقة بين «حزب الله» وإيران، والتي تغيرت بمرور الوقت لكنها أصبحت قريبة جداً الآن. لقد وصفت الاستخبارات الأمريكية هذه العلاقة علانية بأنها “شراكة استراتيجية”. لكن الناس لا يُقدِّرون بشكل كامل التزام «حزب الله» الأيديولوجي بمفهوم “ولاية الفقيه”، التي تجعل من عالم الدين الإسلامي الشيعي قائداً أعلى للحكومة. وبالنسبة لـ «حزب الله» فإن ذلك يعني أن القيادة الإيرانية تعد بمثابة قيادة لهم أيضاً — ليس لكل جنود المشاة، وإنما لكبار قادة «حزب الله» قطعاً.
لذا فإن ما نراه الآن هو أن «حزب الله» سيفعل أشياءً اليوم تصب في مصلحة إيران حتى لو تعارضت بشكل صريح مع مصالح لبنان ومصالح «حزب الله» الخاصة هناك. وفي النهاية فإن التزام الجماعة تجاه إيران يفوق التزامها نحو هويتها كحركة سياسية لبنانية. وجزء من ذلك يتعلق باغتيال قائد الجناح العسكري لـ «حزب الله»عماد مغنية في عام 2008.
جويرتزمان: ما هي التبعات التي ترتبت على ذلك هناك؟
ليفيت: كان مغنية يقود «حزب الله» وهناك اعتقاد بأنه كانت تربطه علاقات وثيقة بـ “قوة القدس” الإيرانية. ونظراً لذلك، فإن إيران كانت تثق فيه ثقة كبيرة. فلو أخبرته إيران بأن يفعل شيئاً ما، كان يرجئه قليلاً. لكن خلفاءه، لا سيما مصطفى بدر الدين، لا يقاربون مكانة مغنية على الإطلاق، لذا فإن إيران لا تثق فيه نفس ثقتها بمغنية. ومن ثم فإن الشراكة الاستراتيجية أصبحت أكثر قرباً.
وإذا نظرت إلى هجمات «حزب الله» ضد السياح الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم، فلا يمكن وصف تلك الهجمات على أنها تصب في مصلحة لبنان على الإطلاق. ولنعاود النظر إلى دعم «حزب الله» للمقاتلين الشيعة في العراق أثناء حرب العراق؛ ولننظر اليوم إلى «حزب الله» وهو يساعد على نقل الأسلحة الإيرانية إلى المتمردين الحوثيين في اليمن؛ ولننظر مؤخراً إلى الطائرة بدون طيار التي أرسلها «حزب الله» مؤخراً بالقرب من المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة. إن كل هذه الأحداث لا تصب في مصلحة لبنان.
جويرتزمان: وهذا التفجير في بلغاريا؟
ليفيت: وصل البلغاريون مؤخراً إلى نتيجة بأن عملاء «حزب الله» هم الذين قاموا بتفجير حافلة السياح في بورغاس في تموز/يوليو 2012. وقبل أسبوع من تفجير بورغاس، تم اعتقال عميل لـ «حزب الله» يحمل الجنسيتين اللبنانية والسويدية في قبرص بسبب تنفيذه أعمال مراقبة لرحلات وسياح إسرائيليين. وقبلها بستة أشهر؛ كانت هناك مؤامرة أخرى لـ «حزب الله» تستهدف حافلة سياح إسرائيليين في طريقها إلى بلغاريا لحفلة تزلج — وقد تم إحباط الهجوم.
لذا فإن تحقيق بلغاريا ما هو إلا بداية السيل. وهناك الكثير من الأنشطة التي لا يمكن وصف أي منها على أنه يصب في مصلحة لبنان أو مصلحة الطموح السياسي لـ «حزب الله» في لبنان.
جويرتزمان: ما الذي يجري في لبنان؟ هل بيروت مدينة مزدهرة الآن؟ ما مدى وضوح حضور «حزب الله» هناك؟
ليفيت: بيروت ليست مدينة مزدهرة، بل مدينة منقسمة. فهناك مؤشرات على تواجد «حزب الله» في كل مكان، لا سيما في المناطق التي تهيمن عليها الجماعة، مثل جنوب المطار. وهناك الكثير من التوتر لأن «حزب الله» تعرض مؤخراً لاتهامات بأنه يفعل أشياء لا تصب في مصلحة لبنان. وفي الأسبوع الماضي فقط، ألقي القبض على أحد أعضاء «حزب الله» [لضلوعه في] محاولة اغتيال عضو البرلمان بطرس حرب في تموز/يوليو 2012، كما تورطت الجماعة في مقتل وسام الحسن بعد ذلك بعدة أشهر. كما يواجه عملاء «حزب الله»، ومن بينهم مصطفى بدر الدين، اتهامات أمام “محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان في لاهاي” تتعلق باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي كان الزعيم الفعلي للمجتمع السني.
جويرتزمان: هل هناك أي دور تلعبه الولايات المتحدة في مكافحة «حزب الله»؟
ليفيت: لا شك أن هناك دور يتعين على الولايات المتحدة أن تلعبه، لا سيما وأن لديها شركاء على استعداد للتعاون معها. وهذا يعني الضغط على الأوروبيين للتعامل مع «حزب الله» بمزيد من الجدية. إن تسمية الاتحاد الأوروبي لـ «حزب الله» كجماعة إرهابية ستكون بمثابة رسالة تحذير توضح للجماعة أن عليها الاختيار بين أن تكون سياسية أو عسكرية. كما أن ذلك سيمكّن البلدان الأوروبية من القيام بالمزيد من الإجراءات لمنع سفر عملاء «حزب الله» إلى أوروبا، التي يتعامل معها «حزب الله» على أنها دولاً قريبة منه، ومنع «حزب الله» من جمع كميات كبيرة من الأموال في أوقات وجيزة هناك.
وقد أوضح مستشار مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض جون برينان نقطة رائعة أثناء حديثه في أيرلندا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث قال إن من بين أسباب رغبة واشنطن في تسمية الأوروبيين لـ «حزب الله» كجماعة إرهابية أن بعض الدول الأوروبية لا تستطيع ولن تفتح تحقيقات حول مكافحة أعمال الإرهاب التي تمارسها الجماعة حتى تتم تلك التسمية.
لكن هذه ليست مساعي أمريكية وأوروبية فقط: فاليمنيون الآن لديهم قلق بالغ بشأن شحنات الأسلحة الأخيرة من إيران التي صادروها والتي كانت متجهة إلى المتمردين الحوثيين. وقد قال اليمنيون إن هناك أدلة على تورط «حزب الله». كما أننا نرى أنشطة «حزب الله» في مناطق أخرى أيضاً. فبعض الجماعات الملسحة الشيعية التي دربها «حزب الله» لقتال قوات التحالف في العراق ظهرت الآن في سوريا، حيث تقاتل إلى جانب «حزب الله» وتدعم نظام الأسد. ولذا فإن هناك الكثير مما يمكن فعله لـ أ) مكافحة عمليات «حزب الله» الإرهابية الفعلية، و ب) إحباط قدرة الجماعةعلى الأسلحة وجمع الأموال في جميع أنحاء العالم.
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.