صفحات الثقافة

على جبهات القتال

 

إبراهيم حاج عبدي

لم تعد صفة «مهنة المتاعب» كافية لوصف العمل الصحافي والإعلامي، ففي ظل التقارير الموثّقة التي تصدرها منظمات وهيئات دولية، والتي تشير إلى مقتل عشرات الصحافيين والإعلاميين سنوياً في مناطق النزاعات والمعارك، لا بد من القول إن الصحافة مهنة «قاتلة» كذلك! والسؤال الشائك، هو: ما الذي يدفع الإعلامي إلى المخاطرة عبر زيارة مناطق متوترة قد تكون مسرحاً لـ «تقريره الأخير»؟

جديد هذه المخاطرة هو ما أقدمت عليه مراسلة «العربية» ريما مكتبي التي دخلت مناطق سورية خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في محافظتي حلب وإدلب، وأعدت تقارير مصورة عن المناطق التي دخلتها وأجرت لقاءات مع أفراد من تلك المعارضة ومع السكان، وهي بدت أشبه بمقاتلة حربية؛ جريئة تضع خوذة تقيها الرصاص، وشعار «برس»، وتنتقل وسط حماية شديدة، وحراس لن يستطيعوا ضمان سلامتها، على رغم الوعود، من مفاجآت قاتلة قد تحدث. والحال أن مكتبي، بملامحها الطفولية وصوتها البريء، كانت على النقيض مما تنقله من صور الدمار والخراب، فيما أزير الرصاص يعلو من حولها. لكن ذلك ساهم في رفع رصيدها كفتاة رقيقة تتحدث عن ضراوة المعارك. الأمر ذاته تكرر مع مراسل «الجزيرة» بيبه ولد إمهادي الذي اقتحم (وهو الفعل المناسب هنا) جبهة الجنوب، ودخل إلى مناطق في ريف دمشق خاضعة لسيطرة المعارضة، وخرج بتقارير مصورة حصرية لمحطته، من دون أن يثنيه خبر مقتل زميله في المحطة محمد مسالمة في درعا، عن أداء مهمته المحفوفة بالأخطار.

الأكاديميات التي تدّرس الإعلام ستكون عاجزة، بالطبع، عن إيجاد تفسير للأسباب التي تدفع هؤلاء الإعلاميين إلى المخاطرة بحياتهم في سبيل نقل حقيقة ما يجرى في أمكنة بعيدة من العدسات. ولئن تخلى بعض الناشطين المعارضين عن دورهم السياسي، وربما العسكري، وأعدوا تقارير إعلامية لهذه المحطة أو تلك، فذلك قد يكون مفهوماً على اعتبار أن هؤلاء يعملون لأجل قضية سياسية يؤمنون بها. أما وأن يُقدم إعلاميون، لا يمثلون طرفاً في النزاع، على المغامرة بحياتهم، فهو ما يدعو إلى التساؤل والحيرة. سيكون من العبث إذا ما اجتهدنا ووضعنا الكلام على لسانهم، وقلنا إن الأمر يتعلق بالتفاني في المهنة، والبحث عن الحقيقة الغائبة… فمثل هذا التنظير لا يصمد أمام المحظور الذي قد يقع، وهو أن يفقد الإعلامي حياته.

أصحاب الفضائيات ومسؤولوها يكررون أن حياة الإعلامي أهم من أي مادة صحافية. حسناً، هذه بديهية، فليس من المتوقع أن يظهر صاحب فضائية، مثلاً، ليقول خلاف ذلك. لكن هذه البديهية المكررة لا تقدم تفسيراً، وعلى الأرجح أن مكتبي وولد إمهادي لن ينجحا، بدورهما، في توضيح السبب الذي دفعهما إلى مثل هذه المجازفة، ليبقى السؤال معلقاً، وستظل الهيئات الدولية تحصي، وبكل أسف، عدد القتلى من الإعلاميين مع نهاية كل عام.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى