علي عبد الرازق الذي يستعاد كلما ذكرت الخلافة/ إبراهيم غرايبة
يقول محمد عمارة في تعليقه على كتاب «الإسلام وأصول الحكم» إن مؤلفه علي عبد الرازق أجهز على الخلافة فكريًا بعدما ألغاها سياسياً مصطفى كمال في تركيا عام 1924». لكن لم يتوقف الجدل حول الكتاب منذ صدوره في 1925، ويبدو اليوم بعد تسعين عاماً أنه لا يزال أهم كتاب يرجع إليه في مناقشة مسألة الخلافة، التي وإن ألغيت واقعياً ظلت حلماً يداعب القادة السياسيين والجماعات الإسلامية. وهاهي اليوم تشغل العالم كله، ويا له من شغل! ذلك أنها تستعاد على هيئة قطع الرؤوس وسبي النساء ورجمهن بالحجارة! لكنها، ولكل مصيبة فائدة، تستعيد بكثافة وعلى نحو غير مسبوق كتاب عبد الرازق. يقول الأخير إن القداسة التي أضفيت على الخلافة في التاريخ والتراث الإسلامي وإدراجها في أساسيات الإسلام والعقيدة ليس لها سند أو مرجع في الإسلام، وكل هذه القداسة والهالة مردها إلى أحاديث وأخبار لا تصلح للاستدلال. فالخلافة «ليست في شيء من الخطط الدينية ولا القضاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة، وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، لم يفرضها ولم ينكرها ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة».
فكرة الكتاب الأساسية أن الإسلام لم يقرر نظاماً معيناً للحكومة ولم يفرض على المسلمين نظاماً خاصاً يجب أن يحكموا بمقتضاه، بل ترك للناس مطلق الحرية في تنظيم الدولة وإدارتها طبقاً للأحوال الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي نوجد فيها، مع مراعاة تطورنا الاجتماعي ومقتضيات الزمن. فنحن «لم نجد في ما مرّ بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض من حاول أن يقيم الدليل على فرضيته بآيات من كتاب الله الكريم، ولو كان ثمة دليل واحد لما تردّد العلماء في التنوية والإشادة به».
ويقول إنك إذا تتبّعت أدلة من يقولون بدليل الوجوب من الكتاب والسنة لن تجد فيها شيئاً أكثر من أنها ذكرت الإمامة والبيعة والجماعة وأولي الأمر، فلوا افترضنا جدلاً أنها صحيحة، ولو افترضنا صحة حمل دلالتها على الخلافة، فإنها لا تنهض دليلاً لأولئك الذين يتّخذون الخلافة عقيدة شرعية وحكماً من أحكام الدين، إنها تساوي أن يستنتج المسيحيون من قول المسيح «دعْ ما لقيصر لقيصر» وجوب أن يكون للناس قيصر.
ويجب القول هنا إن الأدلة والأفكار التي استخدمها الأزهر لحرمان الشيخ علي عبد الرازق الحائز شهادة العالمية من الأزهر وشهادة جامعة أكسفورد، هي التي يستخدمها دعاة الخلافة اليوم والذين يفترض أن الأزهر يحاربهم. لكن أحداً لم يسمع من الأزهر بياناً جديداً ومعالجة لمسألة الخلافة والحكم في الإسلام، ما يعني أن ليس لدى الأزهر وكل دوائرالإفتاء ووزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية وكليات الشريعة في الدول العربية والإسلامية ما تقدمه للناس سوى ما لدى «داعش». ولن يقال في الرد على «داعش» سوى الظروف غير المهيأة لتطبيق الأحكام التي يطبّقها داعش، ولكن ليس لدينا لشديد الأسف سوى كتاب عبد الرازق الذي حرّمه الأزهر وحاربه الحكم، وكذلك كتب ابن رشد في القرن الثالث عشر مثل «فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من اتصال»، وهو الذي تعرّض للحرمان والتهجير، وإشارات للكاساني في القرن الثاني عشر في كتابه «بدائع الصنائع». وقد يُرد بالقول: ثمة غيرهم، ولكن ذلك لن يغيّر من حقيقة الفقر المدفع في الفكر السياسي للمسلمين.
* كاتب أردني
الحياة