صفحات العالم

عملية حزب الله في شبعا: رسائل أكثر من متفجرات/ ثائر غندور

 

 

لم يترك حزب الله مجالاً للشك والتحليل. بعد أقل من ساعة على انفجار العبوة التي طالت دورية إسرائيلية في منطقة شبعا المحتلة، قبل يومين، أعلن الحزب تبنّيه للعمليّة التي تُعتبر الثالثة من نوعها منذ وقف إطلاق النار بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/تموز 2006. الإعلان السريع لحزب الله عن العمليّة يحمل رسائل مختلفة وفي اتجاهات مختلفة.

في الشكل، تبنّى الحزب العمليّة باسم “مجموعة الشهيد علي حسن حيدر”. والأخير هو مسؤول في حزب الله قتله الجيش الإسرائيلي خلال تفكيكه لجهاز تجسس إسرائيلي في سبتمبر/أيلول الماضي في بلدة عدلون جنوبي لبنان. ومن هنا يُمكن استخلاص الرسالة الأولى التي أرسلها حزب الله، وهي أنه قادر على الرد على الاستهداف الأمني الذي تخوضه إسرائيل ضده، منذ اغتيال القائد العسكري للحزب عماد مغنية، في دمشق، في فبراير/شباط 2007. هذا لا يعني أن هذه المعركة الأمنية بدأت مع اغتيال مغنية، لكنها شكّلت نقطة مهمة، وهي الأبرز بعد حرب يوليو/تموز.

كما أن حزب الله، أراد التأكيد أن شعاره الذي رفعه بعد تعرضه لعمليات إسرائيلية، “الرد في الزمان والمكان المناسبين” لم يكن مجرد نسخ لعبارة “البعث السوري”، بل إن هذا الردّ سيأتي ولن يكون مجرد شعار سياسي.

وفي هذا الإطار، فإن حزب الله يريد، عبر هذه العملية، إبلاغ جميع المعنيين، بأنه لا يزال “حزب المقاومة”، وأن مشاركته في الحرب السورية إلى جانب النظام، لم تُنسه الجبهة مع إسرائيل، وهو ما يتناغم مع ما يُكرره مسؤولون في حزب الله، من أن المشاركة في القتال في سورية لم تكن يوماً على حساب الجهوزية والعمل العسكري ضد إسرائيل. كلام يحمل في طياته تهديداً مبطناً من حزب الله لجميع المعنيين في لبنان وإسرائيل والمنطقة، بأن جبهة الجنوب يُمكن أن تتحرك في أي لحظة. في الوقت عينه، لا يُمكن إغفال الرسالة التي نقلها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف من الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، إلى الجانب الإسرائيلي في مايو/أيار 2013، بأن لبنان هو أكثر الجبهات هدوءاً، وأن جهود الحزب منصبّة على سورية حالياً.

في الشكل فإن العبوة والردّ الإسرائيلي يوحيان بأنها لا تتجاوز الخطوط المرسومة بين الطرفين، خصوصاً أن العمليّة حصلت في الأراضي اللبنانيّة المحتلة. لكن هذا لا يلغي أن العملية الأخيرة مضافةً إلى العمليتين السابقتين، تشيران إلى أنّ الحزب فرض معادلة جديدة مع إسرائيل، تقضي بأن “الخروقات” المتبادلة، وهي ذات بُعد أمني، لا تُشكل خطراً جدياً على وقف الأعمال العدائية التي نتجت من القرار 1701.

ومن الرسائل والأهداف التي حملتها هذه العمليّة، ما هو موجه للداخل اللبناني. فالحزب معني بإبلاغ جمهوره بالدرجة الأولى بأن دوره المقاوم لم ينتهِ. كما أنه كان بحاجة إلى دفعة معنوية من هذا النوع، بعد معارك جرد بريتال (شرقي لبنان) والتي سقط فيها 11 قتيلاً للحزب. ففي تلك المعارك وصل المسلحون إلى الأراضي اللبنانيّة، بما يعنيه هذا الأمر من ضربة لاستراتيجية الحزب باعتماد سياسة الحرب الاستباقية “لمنع الإرهابيين من المجيء إلى لبنان”. ومن هنا كانت “جرعة المعنويات” هذه أكثر من ضرورية، وقد تفاعلت معها قناة المنار التابعة للحزب بشكلٍ سريع من خلال تحويلها هواءها إلى جوّ إعلام حربي دام لساعات بعد العملية. كذلك سعى الحزب إلى إيقاف النقاش الداخلي حول اشتباكات بريتال، خصوصاً مع عدم وجود إجماع شعبي على تولي الحزب حماية الحدود الشرقية للبنان؛ وهذا مرتبط بكون اللبنانيين اعتبروا أن جيشهم قادر على حماية حدودهم، وذلك بعد تجربة الاشتباكات مع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة في عرسال في أغسطس/آب الماضي.

وتحمل هذه العمليّة رسالة واضحة للخصوم السياسيين للحزب في الداخل اللبناني، بأن النقاش الحاد حول دور الحزب في سورية والدعوات إلى نشر قوات دوليّة على الحدود مع سورية، لا يُمكنها أن تمنع الحزب من الحركة، إذ إنه نفّذ هذه العمليّة في ظلّ وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل). من دون إغفال أن الحزب يُريد أن يُفهم خصومه أنّ كل صراخهم المعارض له، لا يمنعه من القيام بما يراه مناسباً له ولفريقه الإقليمي، حتى لو كان بحجم فتح حرب مع إسرائيل.

ومن الرسائل التي تحملها هذه العمليّة ما هو موجّه للداخل والخارج؛ فحزب الله الذي يقف اليوم في خندق واحد مع الأميركيين والغربيين عبر قتال “داعش”، يُريد القول إنه ليس في هذا المحور، وإن هذا التقاطع الظرفي لا يُمكن أن يُبنى عليه بالمعطيات الحالية، والدليل على ذلك، أنه وجّه ضربة لإسرائيل. ومن الأمور اللافتة أن تحريك الجبهة الجنوبية للبنان تزامن مع الخسائر الكبيرة التي كبدتها المعارضة السورية للنظام في جبهته الجنوبية، التي كانت تُشكل نقطة تماس مع الجيش الإسرائيلي.

تكثر التحليلات المرتبطة بالعبوة التي انفجرت بالدورية الاسرائيليّة، لكن الأكيد أنها لا تأتي في سياق عمليات حرب العصابات التي خاضها الحزب سابقاً مع الإسرائيليين، بل هي عملية من النوع الذي يحمل رسائل أكثر مما يحمل من المتفجرات.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى