عندما أضاء عباس النور/ عبد المنعم رمضان
كان صعباً على الشاعر اللبناني عباس بيضون، وعلى محبيه، أن يتواطؤوا ويقبلوا عضويته في لجنة تحكيم «ملتقى الشعر العربي الرابع» (ينطلق غداً في القاهرة برعاية وزارة الثقافة) الذي يعرف الجميع أنها لا يمكن أن تكون معبرة عن مآلات الحركة الشعرية في مصر، أو في أي مكان آخر، ولا يمكن إلا أن تكون معبرة عن انهيار مؤسسات الثقافة…
الانهيار الذي نحسه جميعاً، فيما عدا ذلك البعض المحظوظ بعدم الإحساس، المحظوظ أيضاً بعدم رؤية فاعلية تلك المؤسسات من خضوع وتبعية وركود وغش وفقدان نظر، وهذا حديث أطول وأعمق وأجدى من حديث المؤتمر. المهم أنّ عباس بيضون باعتذاره منحنا ومنح كل أصدقائه حق الفخر والزهو به، وحق مطالبة كل الشعراء الآخرين مصريين وعرباً، الشعراء الذين هم شعراء، أن يفكروا أكثر من مرة في طبيعة مؤسساتنا الثقافية الراهنة، وفى ضرورة تجاهلها والانصراف عنها ما دام سقفها الواطئ أقصر من قامة أصغر شاعر أو روائي أو كاتب أو قارئ. فالمؤسسة تصر كل يوم على أن تخوننا، بإغلاق أبواب الرؤية والرؤيا في وجوهنا، بإغلاق السماء، وإغلاق حتى الأرض، وتتخلى عنا عبر دفاعها الوهمي والكسول والمتواطئ، دفاعها الذي لا يصمد أمام الحقيقة، الذي ينحنى ويزعن أمام رياح السلطات، لأنها محض جهاز من أجهزة الدولة الإيديولوجية. التحية واجبة إلى عباس بيضون، فالشاعر العربي الذي سيقبل عضوية لجنة تحكيم مؤتمر شعر يخاف من الشعر، سيعلن بقبوله أنّه لا يعترض كفاية على سجن الروائي أحمد ناجي، لا يعترض كفاية على الشروع في سجن آخرين مثل أحمد ناجي، سيعلن بقبوله أنه يوافق على إهانة ثقافتنا واضطهاد مثقفينا، سيعلن بقبوله كراهيته لنا، ومحبته للنور الميت، وللمصابيح المعتمة. عباس بيضون يحب الشعر ويحب الشعراء ويحب الحرية ويحب النور الحي، والمصابيح المضيئة ويحبنا، ونعرف أنه في مستقبل الأيام سوف يأتي، ولكنه سيأتي ليرانا لا ليراهم، ونحن سوف ننتظره في بيوتنا ومقاهينا، وليس في اسطبلاتهم وحظائرهم. الشكر كله لعباس، لأنه فجأة أضاء النور، فرأينا القاتل، ورأينا الضحية، ورأينا وجه عباس، ورأينا قلبه، ورأينا أنفسنا ورأينا الشعر الغائب دائماً عن مؤتمرات الشعر، ورأينا المعبد الذي عاد إليه عباس كراهب، ورأينا الراهب.
* شاعر مصري