عندما تكون السياسة هي القتل/ محمد مشموشي
لا حديث لدى النظام السوري سوى حديث القتل (قامت قواتنا الباسلة بقتل…)، كما لا كلام في المقابل لدى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة سوى الكلام على إعادة هيكلة «الجيش السوري الحر» استعداداً للرد على عمليات القتل من قبل آلة النظام العسكرية وحلفائه الخارجيين.
هذا المشهد كان هدف نظام بشار الأسد منذ اللحظة التي وافق فيها على «جنيف1»، مرفقاً موقفه بالقول انه سيذهب الى المدينة السويسرية للمطالبة بانشاء جبهة دولية لمحاربة الارهاب وليس أي شيء آخر، في الوقت الذي كان حلفاؤه- من روسيا التي تزوده بالسلاح وتقفل أبواب مجلس الأمن أمام أي قرار لمحاسبته على مئات آلاف القتلى وملايين النازحين، الى «الحرس الثوري» الايراني و»حزب الله» اللبناني وكتائب «أبو الفضل العباس» العراقية التي تشاركه أعمال القتل- يشيعون ان الحل السياسي هو السبيل الوحيد لوقف حمام الدم ووضع حد للحرب التي يقولون إنها مفروضة على سورية.
لا مفر من الحل السياسي لأن الحل العسكري مستحيل، تلك كانت مقولة النظام وحلفائه!
فما الذي منع الحل السياسي في «جنيف2» وأوصل راعييه الدوليين، الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، الى الطريق المسدود؟ بل ما الذي حال دونه منذ نزول أطفال درعا الى شوارع المدينة ليرسموا شعارات «الربيع العربي» مرفقة بهتاف «سلمية سلمية»؟
لم تقل واشنطن ولا موسكو (طبعاً؟!) ولا الأمم المتحدة وممثلها الدولي- العربي الأخضر الابراهيمي- كلمة واحدة رداً على هذه الأسئلة. كأن الجميع ارتضوا بالنتيجة التي انتهى اليها «جنيف2»، ولا يبدو أنها ستتبدل رغم الكلام على تعليق الاجتماعات موقتاً وإمكان استئنافها في أي وقت. كذلك فإن أحداً، ما عدا منظمة «يونيسيف» وبرنامج الغذاء العالمي ووكالات الإغاثة الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم ينتبه الى أن سورية «باتت أخطر مكان في العالم على الأطفال» (5.5 مليون طفل من دون تعليم أو غذاء، وأكثر من 10 آلاف ماتوا نتيجة القصف، بحسب «يونيسيف»)، وأنها تحولت الى «أكبر كارثة انسانية» بالنسبة إلى عدد السكان والمدة الزمنية (23 مليون نسمة قتل منهم مئة وخمسون ألفاً وجرح مليون، وهُجِّر عشرة ملايين خلال أقل من ثلاثة أعوام).
مع ذلك، وفيما تدخل حرب النظام التدميرية هذه عامها الرابع، لا حديث على لسانه غير حديث القتل والوعد بمزيد منه في الأسابيع والشهور المقبلة.
لا «جنيف2» أو «جنيف3» ولا من يحزنون، كما لا شيء عن الحل السياسي أو امكان العودة الى المفاوضات، منذ خرج الأخضر الابراهيمي من جلسة المؤتمر الأخيرة ليعلن ارجاء الاجتماعات من دون تحديد موعد لاستئنافها.
على العكس، تبدو روسيا التي التصق اسمها بالمؤتمر غارقة في أزمتها الخاصة في أوكرانيا، وتبدي ارتياحاً إلى كون حليفها بشار الأسد رئيس الدولة الوحيد في العالم الذي يبرق الى رئيسها فلاديمير بوتين مؤيداً لموقفه من هذه الأزمة، وفي مقدمها ضم بعض أجزاء أوكرانيا (شبه جزيرة القرم) الى امبراطوريته.
على المقلب الآخر، لا ترى الولايات المتحدة وأوروبا الى سورية وما يهددها إلا من زاوية قضيتهما المشتركة مع ايران (برنامجها النووي)، وتعتبران انها- وأتباعها في لبنان والعراق- كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، لن تخرج من سورية إلا وهي مثخنة بالجروح… السياسية والاقتصادية والعسكرية، النووية والتقليدية على حد سواء.
في الوقت ذاته، تعجز الدول العربية، كما تبين من اجتماع مجلس الجامعة الأخير، عن الاتفاق حتى على توجيه رسالة رمزية الى نظام الأسد، من خلال نقل مقعد سورية في الجامعة الى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
لا تفسير لدى هؤلاء للكارثة الانسانية السورية سوى أنها انعكاس لميزان القوى على الأرض، وأن هذا الميزان يميل في هذه المرحلة لمصلحة النظام وحلفائه. ويتناسون أن ميزان القوى هذا قد يصلح معياراً للسياسة، تالياً للحل السياسي، بينما لا يعير النظام أي اهتمام بهما ولا حتى بالبشر في البلد الذي يحكمه بالحديد والنار، منذ أكثر من أربعين عاماً.
هو هذا النوع من الاهتمام. فلم يطلق النظام معتقلاً سورياً واحداً، أو يوافق على إجراء مبادلة حوله، إلا في سياق عملية بيع وشراء مع الخارج، أي بـ»العملة السياسية الصعبة» كعادته. في عملية الافراج قبل أيام عن راهبات معلولا مقابل اطلاق معتقلين سوريين، كانت الصفقة لمصلحة البطريركية الأرثوذكسية ومن خلفها الكنيسة الروسية، تماماً كما كان الافراج في السابق عن آخرين مقابل مخطوفي اعزاز لمصلحة «حزب الله» ومن خلفه ايران، وقبلهم مبادلة بعض الأسرى بعدد من «الحجاج» الايرانيين الذين كان «الجيش السوري الحر» اعتقلهم في إحدى ضواحي دمشق.
***
في مقال كتبته مديرة «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» لينا الخطيب أن على الغرب، بعد فشل «جنيف2»، أن يباشر مقاربة أخرى للوضع في سورية تقوم على «توصيات» لاستراتيجية جديدة، تتضمن عدداً من النقاط على الشكل الآتي:
> التشجيع على توسيع قاعدة تمثيل المعارضة السورية.
> البدء بحوار مع عناصر من الجيش النظامي.
> اشراك روسيا في حوار حول الانتقال من حكم الأسد.
> تزويد مجموعات المعارضة الأسلحة التي تمكّنها من قلب ميزان القوى لمصلحتها.
> وضع حد للتواصل مع نظام الأسد باسم التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
> استخدام المحادثات النووية مع إيران لإبرام صفقة اضافية حول سورية.
هل يمكن استبدال كلمة «الغرب» في مقالة الخطيب بـ»العرب»، أقله لأسباب انسانية ولأن دمشق كانت يوماً قلب العروبة النابض، وتالياً جعل التوصيات موجهة اليهم، أم أن هذه الكلمة في «الجمهورية العربية السورية» و»الجيش العربي السوري» لصاحبهما بشار الأسد لم تعد، لفرط ما استُخدِمت في غير معناها، تعنيهم في شيء؟
الحياة