صفحات العالم

قتل سوريا بمساعدات امريكية غير مميتة!


سمير الحجاوي

يلفت الانتباه تصريح وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتيا الذي قال فيه إن واشنطن تقدم مساعدة ‘غير مميتة’ للمعارضين السوريين، وان دولا أخرى في الخليج تقدم مساعدة أكثر ‘عدائية’ إلى المعارضة في إشارة إلى السعودية وقطر.

الوزير الأمريكي أدلى بتصريحه وإلى جانبه رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن دمبسي استبعد الذهاب ابعد من ‘المساعدات غير المميتة’، ‘اقامة منطقة حظر جوي ليست أولوية بالنسبة إلينا’. كما قال.

في موازاة هذه التصريحات المعلنة هناك حركة أمريكية سرية نشطة، باتجاه التعامل من أطراف سورية فاعلة على الأرض بدل التعامل مع المعارضة السورية في الخارج، فقد عقد مسؤولون أمريكيون وأتراك، قيل من بينهم وزيرا دفاع البلدين، مع أطراف من ثوار الداخل، في إشارة واضحة للتخلي عن المعارضة الخارجية المتشظية والتي يتعارك رموزها فيما بينهم، وحسبما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية فإن’ فرنسا وبريطانيا وأمريكا تتهافت للمحافظة على نفوذها لدى جماعات المعارضة في غمرة مخاوف من أن معظم الدعم الوارد من دول الخليج انتهى بين أيدي جماعات إسلامية ‘متطرفة’، وان الأدلة تشير إلى أن الجماعات ‘السلفية والأصولية’ هي الأكثر تنظيما، وتتفق لندن واشنطن وباريس على أن جهود توحيد المعارضة السورية تحت مظلة المجلس الوطني قد فشلت، ولهذا بدأت بإقامة مزيد من الروابط مع جماعات المعارضة الداخلية’.

الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من ‘السطلان والترنح وفقدان البوصلة وانعدام الرؤية حيال سوريا، وهي حالة ستكلف واشنطن غاليا في مرحلة ما بعد الأسد، لأنها فقدت المصداقية وقدرتها على التأثير على الفاعلين السوريين على الأرض.

الحالة الأمريكية العمياء في سوريا ‘تتخبط’ بشكل خطير، فوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تجتمع مع أطراف غير فاعلين على الأرض، ولا يشكلون تأثيرا يذكر في سياق الأحداث، وتحاول صناعة قـــيادات ‘علمانية’ بعد أن فوجئوا بالمد الثوري الإسلامي على الأرض، وذهلوا من سرعة الانتصارات التي حققها الثوار والكتائب المسلحة والألوية المختلفة والجيش السوري الحر، وهذا ما لا تريده أمريكا، فهي تريد انتصارات بطيئة تمكنها من ‘إدارة التغيير’ بطريقة آمنة، في سعيها للتحكم بمخرجات انتصار الثورة السورية التي صارت على الأبواب، ولذلك تصر على عدم فرض حظر جوي وإقامة منطقة عازلة، حتى لا يسقط نظام بشار الأسد دون وجود بديل ‘مأمون’.

في الطرف الاخر من المشهد يبرز الدور الروسي، الذي يعاني بدوره من الرهان الخاسر على نظام الأسد الإرهابي، مما سيكبدها خسائر إستراتيجية كبيرة من الوزن الثقيل في المستقبل، وهو ما يدفعها للبحث عن مخرج لضمان عدم الخروج من اللعبــــة نهائيا، بعد أن أدركت أنها على وشك الخروج نهائيا من سوريا، بما في ذلك التغيــــير المـــتدرج لسياستها حتى لا تبدو وكأنها تكبدت هزيمـــة كاملة في الملــــف الســوري، وهذا ما يظهر من تسريبات دبلوماسييها هــــنا وهناك ثم نفيــــها بعد ذلك كبالون اختبار لجس النبـــض، مثل تصريح نائب وزير الخارجية الروسي الذي قال فــــيه إن الأسد يوافق على التنحي، وهو ذات التصريح الذي أدلى به السفير الروسي في باريس، مع كشف بعض الأسرار لتأكيد أن موسكو تملك بعض خيوط اللعبة، مثل كشف الحالة الصحية المتدهورة لماهر الأسد شقيق رئيس النظام البعثي وانه فقد ساقية ويصارع من اجل البقاء.

في ظل هذه المعادلة المعقدة، التي تضم عناصر مختلفة، من انتصار الثوار السريع على الأرض، وتخبط أمريكا وخوف روسيا من الخسارة، يبدو أن واشنطن وموسكو تعملان بحيوية تحت الطاولة من اجل التحكم برقعة الشطرنج السورية، لضمان عدم الهزيمة المدوية للنظام وعدم الانتصار الكامل للثورة، وتوزيع الأدوار بحيث تقوم موسكو بالضغط على بشار الأسد من اجل التنحي، في حين تضغط واشنطن على الثوار على الأرض من اجل القبول بتسوية ‘ونصف انتصار’.

هذا التفكير الأمريكي يعاني من الوهم لأنه يعتمد على الخيالات، فقدرة واشنطن على التأثير على الثوار السوريين تتضاءل يوما بعد يوما، فالثوار يحققون انتصارات سريعة وكبيرة ومؤثرة بجهود ذاتية وبدون دعم أمريكي وغربي، مع وجود بعض الدعم ‘العربي الخفيف’، فواشنطن لا تسمح بتزويد الثوار بمضادات للطيران و صواريخ مضادة للدبابات والدروع أو أسلحة نوعية قادرة على قلب المعادلة في المعركة، كما أن واشنطن ستضطر، في المرحلة اللاحقة، للتعامل مع عشرات الكتائب والأولوية السورية، وهي إسلامية في غالبيتها العظمى، دون الأخذ بعين الاعتبار الجماعات الإسلامية المسلحة غير السورية، مما سيحد اكثر من التاثير على الوضع في سوريا، مما سيجعل لمساعدات أمريكا ‘غير المميتة’ نتائج مميتة على الوجود الاستراتيجي الأمريكي في سوريا والمنطقة ككل، فأمريكا خسرت العراق وأفغانستان، وهي على وشك أن تفقد ‘انتصارا محتملا’ في سوريا أيضا بسبب تخبطها وعماها الاستراتيجي.

إذا أرادت أمريكا الحيلولة دون تكبدها لخسارة كاملة في سوريا فعليها ان تسارع إلى فرض حظر جوي سريع، وإقامة مناطق عازلة، وان تزود الثوار السوريين بأسلحة نوعية، وان تراهن على الثوار الحقيقيين في سوريا وليس على ‘شلة من حبايب’ أمريكا الفاشلين.

‘ كاتب فلسطيني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى