عن اغتيال في يوم المجزرة/ حسام عيتاني
في ذروة الجنون الروسي – الأسدي في حلب، وأمام صور أيدي أطفال وأرجلهم تبرز من تحت الأنقاض، ولا من يغيث سوى قلة من شباب باكين ومكلومين، وفي ظل صمت العالم على مجزرة مدبرة وعلنية، يفترض أن نقف وندين اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر.
اغتال جهادي تكفيري حتّر عند خروجه من قصر العدل في عمّان، حيث كان يُحاكم بتهمة ازدراء الأديان. ولعل هذه أقل التهم التي كان يجب أن توجه إلى الكاتب الذي حرض على قتل السوريين وتهجيرهم تارةً عبر مقولة «الديالكتيك المشرقي»، وتارةً أخرى باعتباره أن اللاجئين الذين يهربون من قتل سيده بشار الأسد، أعداداً زائدة عن الحاجة، ولا يمثلون قيمةً ما في سورية. ناهيك عن نقل رسائل التهديد إلى سياسيين لبنانيين من الاستخبارات السورية وغير ذلك من أعمال وأقوال موثقة.
بيد أن الاغتيال ذاته يضع خصوم حتّر، من غير التكفيريين الجهاديين، أمام معضلة بكشفه هشاشتهم وضعفهم. فالاغتيال يقول ما يرفض الديموقراطيون العرب الاعتراف به في شأن هامشيتهم وعدم تأثيرهم في الأحداث والواقع. أن يغتال تكفيري ناهض حتّر، ذلك يعني ألا مكان في هذه المنطقة بين عدمية الأسد – خامنئي – بوتين وعدمية البغدادي – الجولاني. ليس لدى الرهط الأول أدنى فكرة عن الكيفية التي سيحكمون بها المشرق العربي بعد تدمير حلب وذبح الثورة السورية وقتل مئات الآلاف من المدنيين وتهجير الملايين في تطهير طائفي موصوف ومشهود، غير وهم العودة إلى ما قبل آذار (مارس) 2011. وليس في جعبة البغدادي والجولاني من تصور لمستقبل لهذه المنطقة غير المزيد من القتل وصولاً إلى نحر الذات.
يعلن اغتيال حتّر عمق الهوة التي انزلقنا إليها ولا واقعية أي كلام منمق عن بناء دول ومجتمعات على أسس عقلانية، في ظل سيادة العنف والظلام. ويوجه الاغتيال رسالةً شديدة الخطورة إلى العرب أولاً عن أن القوة الوحيدة القادرة على مواجهة المجازر في سورية وغيرها هي العنف الإسلامي. وأن كل المقاربات السياسية المعتدلة لوقف التمدد الإيراني وتفكيك «تحالف الأقليات» لمصلحة حكم وطني ديموقراطي في هذه البلاد، مجرد هواء ساخن. وينطوي الاغتيال على رسالة ثانية إلى العالم، خلاصتها أن أسوأ تصوراتكم عن المعارضين لحكومات الاستبداد والطغيان الأقلوية، هي في مكانها. فالبديل الفعلي عن بشار الأسد هو من عبأ وجند وشجع الشاب الذي اغتال حتّر.
والعالم غير مدين لشعوبنا بشيء. أو هكذا يريد أن يقنعنا. فدماء أطفالنا رخيصة، كما ثبت بالتجربة. أما قتل كاتب على درج محكمة كانت تنظر في قضية رأي، فبرهان يُضاف إلى سلسلة طويلة من البراهين عن صواب موقف أوباما وسبقه ومن سيخلفه، بلا جدوى التضحية من أجل تحسين حياة هؤلاء الناس.
المفارقة الأخيرة في اغتيال حتّر أن «ازدراء الأديان» الحقيقي، لم يرتكبه الرجل بتلك الصورة الكاريكاتورية السخيفة التي نشرها على صفحته الالكترونية. الازدراء الكارثي والكبير للأديان يأتي من أشخاص يشبهون من اغتاله، بتحويلهم الدين إلى أيديولوجيا سياسية تُنشأ من أجلها الأحزاب والميليشيات وتشن باسم الدين العمليات الإرهابية في مشارق الأرض ومغاربها.
والازدراء الخطير للأديان يكمن في ترك «داعش» و «القاعدة» تستوليان على أرض وعقول ومستقبل البشر في بلادنا. والتذرع بالخوف من هؤلاء الصبية العاقين لوقف جنون بوتين والأسد والخامنئي.
الحياة