عن الائتلاف وأحداث ريف شمال اللاذقية/ راتب شعبو
نشر الإتلاف الوطني السوري بياناً صحافياً حول الأحداث التي جرت مؤخراً (3-4 آب 2013) في ريف اللاذقية الشمالي. حيث قامت الجماعات الإسلامية (يضيف البيان لها كتائب الجيش السوري الحر) المتمركزة في منطقة سلمى وجبل الأكراد بمهاجمة القرى المحيطة التي تقطنها غالبية علوية (نباتة، بارودة، الحمبوشية، بلوطة، عرامو، تلا، كفرية..) للسيطرة على مراصد عسكرية تابعة للنظام. والحق إن هذا البيان يحمل دلالة كافية على انفصال الائتلاف عن الواقع سواء من حيث دقة الخبر أو من حيث قراءة الخبر ودلالاته. إلى هذا فإنه يكرس عجز الائتلاف الدائم في أن يشكل صوتاً معبراً عن شعب وليس صوتاً معبراً عن أنصار.
يقول البيان “انتفض اليوم أبناء الساحل السوري عن آخرهم في ريفه المحرر”. يقسم الائتلاف الريف إلى محرر وغير محرر، المحرر هو ما يقع تحت سيطرة كتائب المعارضة، وغير المحرر هو ما يقع تحت سيطرة النظام. هذا تقسيم طبيعي من زاوية نظر الائتلاف. ولكنه تقسيم لا يتفق في الحقيقة مع الميول السياسية العامة للأهالي في القرى ذات الغالبية العلوية التي يدور الحديث عنها. وليس أدل على ذلك من أن هؤلاء الأهالي قد نزحوا عن القرى ما أن شعروا بإمكانية سيطرة الإسلاميين عليها. لا يوجد في وعي ونفس غالبية أهالي المناطق التي تمت مهاجمتها، أي قدر من التقبل لهؤلاء المسلحين الإسلاميين الذين يهاجمون قراهم. صورة الإسلاميين لديهم لا ترتبط بأي صلة مع صورة من يريد بالفعل تحرير بلاد من الاستبداد. وهذا خلل لا يتعين البحث عنه في عقول أهالي هذه القرى بل في ما يقدم عليه الإسلاميون من قول وفعل، يجعل الأهالي هنا ترى في النظام شراً أهون. والحقيقة أن هذه المفاضلة بين شرين لا تقتصر على أهالي هذه المناطق بل باتت تعم المجتمع السوري ومن ضمنه “المناطق المحررة”. وإذا كان للجيش الحر دور في الهجوم الذي شن (لتحرير المراصد)، أي إذا كان للائتلاف دور ما في المسار الفعلي للأحداث، فقد كان حرياً به أن يحدد في البيان موقفه من أعمال قتل وخطف طالت مدنيين أبرياء منهم نساء وأطفال، وذلك إذا كان يريد أن يقف “على مسافة واحدة من كافة مكونات المجتمع السوري” كما يقول البيان. غير أن الائتلاف الذي يضعه منفذو الهجوم الفعليين في خانة “العملاء” لا يكف عن استرضاء هذه الجماعات التي لا تكف بدورها عن إدارة الظهر له.
على أن أغرب ما ورد في بيان الائتلاف قوله “باتت اليوم مراصد انباته وبارودة وتلا تحت سيطرة الثوار وستنعم منذ اللحظة، كل القرى المحيطة بها بالأمن والأمان، وسيحمي أبطال الجيش السوري الحر أبناء تلك المناطق بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة وأخلاق”. أولاً الخبر الذي يورده البيان بلغة جازمة، غير دقيق. وهذا مما لم يعد مستغرباً من بيانات الائتلاف. ثانياً يغفل البيان أن الانقسام السياسي في سوريا جعل (الأمن والأمان) لا يفهمان إلا بدلالة الطرف الذي يبشر بهما. فأمن وأمان (القرى المحيطة) بالمراصد يتضمن تهجير وتشريد وقتل وخطف في القرى التي تنصب فيها مراصد، أو في القرى التي تعتبر “موالية” وإن كانت خالية من “المراصد”. ويبقى كلام البيان عن أن أبطال الجيش السوري الحر سيحمي أبناء تلك المناطق (يقصد القرى التي يجري “تحريرها”) بلا رصيد واقعي. وذلك لأن اليد العليا في هذه المناطق “المحررة” (كما في غيرها من المناطق على ما تشير الدلائل) ليست للجيش الحر بل للكتائب الإسلامية، ثم لأن بعض أهالي هذه القرى من المدنيين العزل وبينهم أطفال ونساء وعجائز تعرضوا لعنف مباشر (قتل وخطف) لم يحمهم منه أحد، ولا علاقة له بسير عملية عسكرية بل بنزوع عنفي انتقامي ذي خلفية طائفية صريحة لا يخجل المهاجمون من التصريح بها على صفحاتهم، ولا يتجرأ الائتلاف على نقدها. ويهرب البيان من الإشارة إلى هذا بالإيحاء أن من قتل من المدنيين إنما قتل بفعل الأعمال العسكرية وذلك حين يدعو المدنيين “إلى الابتعاد عن أماكن الاشتباكات واللجوء إلى أماكن آمنة حرصاً على سلامتهم”، في هروب صريح من تحمل مسؤولية قول الحق. رغم أنه الطريق الوحيد الذي يمكن أن يفتح ثغرة في جدار المأساة السورية الجارية.