عن الجبهة الإسلامية وسوريا الموحدة/ صادق عبد الرحمن
أثار إعلان سبعة من أكبر الفصائل الإسلامية المسلحة في سوريا (حركة أحرار الشام الإسلامية، جيش الإسلام، ألوية صقور الشام، لواء التوحيد، لواء الحق، كتائب أنصار الشام، والجبهة الإسلامية الكردية) عن تحالفها في جبهة عريضة موحدة حملت اسم “الجبهة الإسلامية” عاصفةً من المواقف وردود الفعل. بينما هلل الكثيرون لهذا الإعلان بوصفه تقدماً باتجاه توحيد الصفوف في مواجهة النظام، أعلن آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها معارضتهم لهذه الخطوةـ بوصفها خطوة متقدمة من بين سلسلة خطوات تهدف إلى تحويل سوريا إلى دولة إسلامية.
يأخذ الخلاف المستمر حول الجماعات المسلحة ذات الأيديولوجية الإسلامية في سوريا منحيين اثنين، الأول يتعلق بمدى تأثيرها في مجريات الصراع العسكري، والثاني يتعلق بالخلاف السياسي حول “العلمنة” و”الأسلمة”، وحول مدنية الدولة ومستقبل سوريا الديموقراطي.
ربما يكون هذا التحالف بما يحمله من مشروع عسكري مفيداً لجهة تحقيق مزيدٍ من التماسك في مواجهة النظام، على الرغم من أنه قد يؤدي إلى المزيد من إحجام الدول الغربية عن دعم الثورة السورية.
وربما يكون بما يحمله من مشروع سياسي ممثلاً حقيقياً لشرائح واسعة من السوريين، ذلك على الرغم من أنه يتضمن التأسيس النظري لاستبداد ديني عسكري يحل محل الديكتاتورية العسكرية البعثية، وهو ما يعني (في حال نجاحه) نهايةً، أو تأجيلاً طويل الأمد لحلم الدولة المدنية الديموقراطية الذي حمله آلاف الثوار السوريين.
إلا أن للمسألة برمتها وجهاً آخر أكثر خطورة وإلحاحاً لا يقف عند حدود نقاش مستقبل نظام الحكم في سوريا، ولا نقاش مستقبل الصراع مع نظام الأسد.
ليس طرح الدولة الإسلامية في سوريا معادياً للعلمانية فحسب، كما أن الأمر لا يتوقف عند حدود التصادم مع مشروع الدولة المدنية الديموقراطية أيضاً. المسألة في سوريا تذهب أبعد من ذلك بكثير، إنها مسألة هويات لا مسألة ايدولوجيا، ولذلك فإن طرح الدولة الإسلامية ليس مطالبةً بوأد مشروع الدولة المدينة السورية لصالح دولة دينية، بل هو مطالبةٌ بإنهاء الكيان الوطني السوري نفسه في نهاية المطاف.
يتناقض طرح الدولة الإسلامية التي تنتهج نهج (السنة والجماعة) مباشرة مع الهوية الدينية والتاريخية لما يقرب من ثلاثين في المئة من السوريين، بما تعنيه من الأقليات الطائفية والدينية برمتها، ويضاف إليها النسبة الساحقة من الأكراد الذين يقترن طرح الدولة الإسلامية بالنسبة إليهم بالمركب العربي الإسلامي.
هذا بالضبط ما لا يتحدث المعارضون السوريون عنه بشكل واضح. هذه المكونات لن تقبل بالدولة الإسلامية بحال من الأحوال، ذلك ليس لأسباب ذات صلة بالديموقراطية، بل لأسباب متداخلة ومعقدة تتعلق بالهوية والدين والعرق. وإذا ما استثنينا الأكراد المسلمين، فإن الشريعة التي يُطرَح على الأقليات أن تعيش في ظلها هي شريعة “الآخرين”، وربما تكون شريعة “الأعداء” بالنسبة لكثير من أولئك الذين يقاتلون لأسباب طائفية ودينية إلى جانب النظام اليوم.
يجب أن يُقال بوضوح للثوار السوريين المناصرين لمشروع الدولة الإسلامية أنكم تستعدون بطرحكم هذا للدخول في حرب وجود مع أربعين في المئة من السوريين، ويجب أن يقال لهم إن طرح الدولة المركزية الموحدة كما جاء في أدبيات “الجبهة الإسلامية” لا يمكن أن يتوافق مع جعل الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً للتشريع، وأن الحديث عن احترام حقوق “مكونات النسيج الاجتماعي السوري” يتناقض مع اقتراح إجبار الجميع على العيش تحت حكم الشريعة الإسلامية.
وهو يذكر بذلك التناقض المثير للسخرية بين حديث النظام السوري عن القومية العربية، ومواصلته لقتال السوريين بمساعدة مجموعات طائفية مدعومة من إيران.
ليس المطلوب أن يتخلى هؤلاء عن “يوتوبيا” الدولة الإسلامية، وهم لن يفعلوا ببساطة على أي حال، لكن المطلوب اليوم أن يدرك أنصار مشروع “الدولة الإسلامية المركزية الموحدة في سوريا” أن نجاح مشروعهم في استقطاب الأغلبية الساحقة من أبناء السنة في سوريا (وهو ما لم يحدث حتى الآن ) سيعني حرباً أهلية طويلة وطاحنة ستنتهي بالتقسيم، ولا شيء غير التقسيم.
المدن