صفحات المستقبل

عن الدين و السياسة و الصراع


 الطائفية و الثورة السورية

كثر الحديث عن الطائفية في الثورة السورية مع امتدادها لفترة طويلة جدا قياسا بالثورات العربية الاخرى و بسبب الاصطفاف الطائفي ينسبة لا يستهان بها من قبل الطائفة العلوية اضافة الى الدعم اللامتناهي من قبل ايران و حزب الله لنظام الاسد

كان التفسير الاقرب للمنطق خلف هذا الاصطفاف هو الدافع الطائفي خاصة مع ممارسات النظام البشعة في استهداف و اهانة المشاعر الدينية و التركيز على توصيف الثورة بانها احتجاجات دينية مذهبية متعصبة و بدأ الخوف و الشحن الطائفي يتشعب و يتجذر و بدأت تخرج من الطرفين تفسيرات و تبريرات دينية عجيبة للمارسات الفظيعة التي يرى ان الطرف الاخر يرتكبها في حقه..في هذا المقال سأحاول ان اخرج من هذا القالب و اعطي قراءة مختلفة عن اسباب الاصطفافات الطائفية.

أولا اود ان استعرض واقع سوريا منذ حكم الاسد…الفترة التي تم خلالها التغني باللاطائفية و الوحدة الوطنية و العيش المشترك..في حين كان الواقع مختلفا تماما..أظهرت الثورة اننا لم نكن يوما شعبا واحدا..بل كنا مجموعات منفصلة تعيش كل منها على حدة و هذا كان السائد في سوريا..اغلب الاحياء و كثير من القرى ليس فيها اي تنوع ديني او غير ذلك…بنفس الوقت كان البعد النفسي و العاطفي هو الاعمق حيث كان السؤال عن الاخر حتى في نطاق الثقافة و المعرفة ممنوعا..كنا نحس بنوع من الخوف و الحرج و نتجنب هذه الاسئلة…بالنتيجة تكوّن لدينا مجتمع لا يعرف فيه الفرد عن الاخر شيئا سوى الاشاعات و الموروث الذي قد لا يكون له اي صلة بذلك الاخر..و ذلك ينطبق على المدن و المناطق المختلفة ايضا فكم لدينا من تعميمات و افكار مسبقة عن ابناء تلك المدينة او تللك…كنا نتباهي ان احدنا لا يعرف ديانة الاخر و لا يأبه لذلك و لكن هذا الامر قد يثبت سلبيته اكثر من ايجابيته…كثير منا فعلا لديه هذه التجربة و لكنها لم تنتج عن حالة صحية من معرفة الاخرين و القبول بهم و التعامل مع اي انسان على مستوى انساني فقط..بل نتجت عن الخوف من السؤال عن الاخر و انتجت مجتمعا يجهل ابسط البديهيات عن جاره..فوجدنا انفسنا مع بداية الثورة و قد صدمنا باصدقاء تحولوا فجأة ليخافوا منا و يكرهونا و يصدقوا ما يُقال من اكاذيب و خرافات في الاعلام.. وقد حدث هذا عند جميع الاطراف…احساس بالضياع و الجرح و الخيانة و التفتت نتج عن هذا الجهل..و لا يزال الكثير مصرين على المضي في هذه السياسة!! فـ ذكر الطائفية طائفية و تسمية الطوائف طائفية و الحديث بالشأن الطائفي ايضا طائفية…نحن شعب نعشق تقنيع مشاكلنا و كنسها تحت السجادة ظانين انها ستختفي بينما هي تكبر و تكبر منتظرة لحظة الانفجار..لا يوجد عيب في معرفة الاخر و سؤاله و التعرف عليه من خلاله و بشكل مباشر و دون مواربة…اليس هذا افضل من انتشار الاشاعات و التعميمات المغلوطة…ثم انه لا يوجد عيب في خلفية الشخص و هويته دينية كانت او غير ذلك..ربما لا يلتزم بها و هذا شأنه و لكنها العامل الاساسي في تكوين الشخصية عند الكثيرين و هذا امر طبيعي و لا علاقة له بالتعايش و الاحترام المتبادل..من حقي ان افخر بالهوية التي اختارها و البيئة التي تربيت فيها و لن يعني هذا و لا يجب ان يعني اي تهديد او قلة احترام لهوية او بيئة مختلفة…اما واقع عدم المعرفة الذي كنا نعيشه فقد انتج حالة الصدمة و الضياع التي شعر بها الكثيرون من جميع الاطراف.

فمن طرف الموالاة,بتنا نسمع عن الارهاب و التطرف و الفظائع التي “يقوم” و “سيقوم” بها متشددون سلفيون و نسمع قصصا و روايات تكون اقرب للنكتة بالنسبة لنا عن هؤلاء من تشكيل امارات الى هجوم للسبي و الخطف و فتاوى بالقتل و التقطيع…هي فعلا قصص اقرب للخيال بالنسبة لصاحب الدين و الطائفة المتهمة بها و قد كنت اضحك و اسخر من هذه الروايات و اعتبر تصديقها شيئا من السذاجة و الغباء..لكن و مع الوقت تبين لي ان الكثير يصدقها فعلا و خائف منها…كنت اشعر بجرح عميق عندما يتم الحديث عن الارهاب و العنف و اقول لنفسي, لم كنا نلوم الغرب الجاهل بنا على هكذا اتهامات طالما ابناء بلدنا الذين يعرفوننا خرجوا بنفس الاتهامات..لكن و كما اسلفت تبين لي ان ابناء شعبنا لا يعرفوننا حقا و من السهل ان يصدقوا و يخافوا من هكذا روايات و اكاذيب..هو الجهل و الخوف و التعصب و مجموعة عوامل انتجها الفساد و الاستبداد..

اما من طرف الثوار,فبتنا نسمع ايضا عن فتاوى و اعتقادات راسخة لدى العلويين و الشيعة بعداء يعود لاكثر من الف عام ضد السنة! الامر الذي يفسر اصطفاف الطائفة و استهداف الرموز الدينية و الدعم الايراني/ اللبناني الشيعي..

في اعتقادي الخاص, كل الصراعات تقوم ع السلطة و المال…السلطة اولا و المال ثانيا..لم استطع حتى الان ان اصدق ان اي صراع و لو كان تحت مسمى الدين هو فعلا صراع ديني لاني لم استطع ان اصدق حتى الان ان اي دين او مذهب او منظومة اخلاقية (حتى لو لم اعتقد بكامل صحته) قد تسمح بارتكاب هكذا فظائع..فهي ضد الطبيعة البشرية و لا يمكن تبريرها باي شكل من الاشكال الا بذريعة اللهث وراء السلطة و السطوة…قد يكون و قد كان الدين لاعبا اساسيا في هذه الصراعات و هذا امر واقع و الاصطفاف الديني و الطائفي ايضا امر واقع…لكن اعتراضي الوحيد هو في الاعتقاد ان اي دين قد يأمر او يسمح بمثل هذه الصراعات…

انا ارى ان عرابي هذه الصراعات منذ الازل و حتى اليوم يوظفون الدين بصراعاتهم لاسباب و اهداف متنوعة…فالدين يشكل رابطا بين الجماعات و الدين له جانب عاطفي يسهل التلاعب به.. و من الممكن جدا و كان ان تحولت كثير من الصراعات في مراحل عديدة الى ايديولوجيا دينية شبه ثابتة..و تغيّر كثير منها مع ذهاب هذه الصراعات..و قد تكون الحروب الصليبية مثالا على توظيف الدين في صراع سلطوي و ادلجة هذا الصراع..كان من السهل استغلال عواطف الكثيرين بكلمات و مشاعر دينية رنانة لتبرير حرب و فظائع لا يقبلها اي دين! في المقابل فان الاصطفاف الطائفي لا يستدعي التدين اصلا…فقد يكون مجرد عصبية جماعية اشبعت بالاحساس بالتهديد و الخطر و عادت الى جماعتها الضيقة لاسباب تتعلق بالخوف و الشعور بالاستهداف و التهديد…فالكثير من الطائفيين لا يكونون متدينين اصلا و لا يمنعهم هذا من الاصطفاف و التعصب الطائفي…

فكرتي الاساسية من كل اللعي اعلاه انو حتى لو الصراع تأدلج دينيا وصار في اصطفاف على اساس طائفي,لازم نضل واعين انو ما نشيطن دين التاني او اعتقادو لانو بهالطريقة بعمرنا ما رح نعرف نلتقي و لا بمحل…المفروض يكون في حل بغير طريقة و بالعكس انا بحس انو رد الفعل بهالطريقة بيأزم الصراع بزيادة…لما نعرف انو صراعاتنا شغل سياسة و سلطة ممكن نقدر نرجع نلتقي و نحل هيك شي و حتى لو بعد جيل او اكتر…اما لما يكون عندك قناعة انو هاد الشخص المختلف بصميم دينو و اعتقادو انو يكرهك و يقتلك كيف ممكن تعيش معو و تبني معو وطن….و نقطة مهمة بحب ارجع ركز عليها انو مو حل ابدا نغمض عيوننا عن اللي عم يصير و ننكرو و برأيي غلط جدا فكرة انو ذكر الطائفية و الطوائف هوي طائفية…ابدا..هالحكي اصلا بحس فيو اهانة مبطنة للكل..ليش للواحد يخبي حالو مثلا….انا سنية و عايشة مع بنت مسيحية و ياما حاكين بالدين و سائلتني و سائلتا عن مية قصة و قصة و اعز رفيقة سورية عندي كمان مسيحية و مؤمنة جدا و بس لبعد الثورة لوصلنا لمحل انو نحكي باريحية عن هي القصص و نحترم اختلافنا و ما يأثر علينا..بالنهاية ازا ما تعرفنا على بعض من بعض و شلنا هالحساسيات بعمرنا ما رح نصير شعب واحد و رح نضل جماعات منفصلة بس عايشة بمحل واحد…و ع فكرة هالحكي بينسحب ع المناطقية و الطبقية و كتير قصص..بس هدوليك يمكن بغير موضوع….

اي و هيك..

ســارة (مندسة و مكترة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى