صفحات سورية

عن العرعور وأمثاله…/ حسان القالش

 

 

الخبر الذي نشرته «الحياة» في 3/ 10/ 2014، عن الجدل الذي أثارته دعوة الشيخ العرعور السعوديين للتبرّع للسوريّين عبر حسابه المصرفي يؤكّد حاجة الثّورة السوريّة إلى عمليّة إصلاح عميقة. ذاك أنّ العرعور، وهو من أبرز الأسماء التي احتكرت الحديث باسم الثورة منذ بداياتها، كان هو وأمثاله من المشايخ والدعاة في سورية ولبنان والخليج سبباً من أسباب تشويهها وجعلها تظهر أكثر بمظهر حراك ديني ومذهبي، وهذا ما تلاقى بطبيعة الحال مع مساعي نظام القتل في سورية وحلفائه وأجهزتهم الإعلاميّة لرسم تلك الصورة النمطية المشوّهة عن الثورة وإيصالها إلى الرأي العام الغربي على أنّها إرهاب دينيّ ومذهبيّ، بينما كان مجرّد التعرّض بالنّقد للعرعور وغيره من الرموز في بداية الثورة يعرّض صاحبه للتشكيك في وطنيّته وربّما تكفيره أيضاً. هكذا، كانت الأصوات الأولى الرافضة هذه الشخصيات قليلة وغير مسموعة ومنها موقّع هذه الأسطر («الحياة» 14/ 7/ 2011).

ولئن كان العرعور وأمثاله يدّعون اليوم معاداتهم لـ «داعش» وأفكاره فهذا لا ينفي كونهم أحد أسباب وجوده، فخطابهم الديني المذهبي والتحريضي كان يلعب على حساسيّة الغالبيّة السنيّة في سورية ويجذّر إحساسها العام بالمظلوميّة والاستهداف على حساب دعم خطاب وطني جامع يكون مدركاً حساسيّة اللّعب بالمشاعر الطائفية، وقادراً على طمأنة الأقليّات واكتساب الرأي العام الغربيّ، فكان هؤلاء بالنتيجة سبباً في شدّ العَصَب السنّي وزيادة الاحتقان المذهبي العام الذي لم يكن يلاقي تصريفاً له في بدايات الثورة إلى أن بدأ التسلّح تحت ضغط مجازر النظام، ثمّ هيمنت الأيديولوجيا الدينيّة على المجموعات المسلّحة وصولاً إلى ظهور «داعش» كأفكار ثم كتنظيم، والتي توّجت جهود العرعور وأمثاله ونزعت البساط من تحت أقدامهم بعدما مهّدوا لها، برغبة منهم أو من دونها. ذاك أنّ «داعش» الذي وجد ترحيباً له في بعض المناطق والبيئات، على رغم إنكار البعض، نجح في أن يكون البديل عن رموز كالعرعور، بديلاً أكثر تطرّفاً ومنهجيّة وتعبويّة وفاعليّة على الأرض.

بهذا، تكون العداوة بين الجماعتين أشبه بعداوة المهنة والكار بعدما تعدّى الإسلاميّون الأجانب على المحليّين وألحقوهم بهم، ليبقى الفكر ذاته وإن اختلفت حدّة التعبير عنه باختلاف قوى الطرفين ووجودهما على الأرض. بهذا، تكون تلك العداوة محكومة بحدود تسمح للطرفين باقتسام الجمهور المُستهدف في دعواتهما، أي أنهما وجهان لعملة واحدة خارجة عن القانون وعن الثّورة معاً.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى