عن اللقاء بين بوتين وترامب وتأثيره على الوضع في سورية –مقالات مختارة-
بدء أول لقاء بين ترمب وبوتين على هامش قمة العشرين، مواضيع خلافية كثيرة بين الرئيسين
هامبورغ: بدأ الرئيسان الاميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين الجمعة أول لقاء بينهما على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بالمانيا، كما افاد مراسل وكالة فرانس بس.
وقال ترمب “انه شرف ان التقيك” ورد عليه بوتين بالقول “انا مسرور للقائك، وآمل في ان يؤدي هذا اللقاء الى نتيجة ايجابية”.
وأضاف بوتين “لقد تحدثنا هاتفيا، لكن المكالمات الهاتفية ليست كافية”.
وتحدث الرئيسان هاتفيا أربع مرات منذ وصول دونالد ترمب الى السلطة، لكنهما لم يعقدا بعد اي لقاء ثنائي.
وووصف ترمب الجمعة امام بوتين، هذه المكالمات الهاتفية بانها كانت “جيدة جدا جدا”.
مواضيع خلافية كثيرة
المواضيع الشائكة التي يبحثها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في لقائهما الأول الجمعة على هامش قمة مجموعة العشرين كثيرة، من الحرب السورية الى الازمة الاوكرانية وصولا الى الاتهامات بتدخل روسيا في الإنتخابات الأميركية.
وتراجعت في الآونة الأخيرة العلاقات بين البلدين، رغم وعود بأيام أفضل قطعت خلال فترة الإنتخابات الرئاسية.
– سوريا الخلاف الأكبر –
أثار دونالد ترمب غضب موسكو عندما أمر بالردّ الأول على النظام السوري، حليف موسكو، بعد الهجوم الكيميائي الذي نسب في 4 نيسان/أبريل الماضي الى قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
واعتبر ترمب أنذاك انه “من الممكن” أن الروس كانوا على علم بالهجوم ووصف الرئيس السوري “بالجزار”. كما وعد برد اضافي في حال تكرر استخدام السلاح الكيميائي.
وقد ازدادت حدة الخلاف بسبب اسقاط طائرة تابعة لسلاح الجو السوري من قبل مقاتلة أميركية في 18 حزيران/يونيو، الأمر الذي وصفته روسيا “بالعدوان”.
وفيما تحتدم معركة استعادة الرقة، آخر معقل كبير لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، قد يميل ترمب، الذي جعل من مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية أولوية له، إلى البحث عن أرضية توافق مع موسكو.
– التدخل الروسي، السم البطيء-
نكثت الوعود بتقارب في العلاقات الروسية-الأميركية بعد اتهامات متبادلة بالتواطؤ بين روسيا وأعضاء فريق حملة ترمب الإنتخابية.
وتستمر التحقيقات، من بينها تحقيق يجريه مكتب التحقيقات الفدرالي “أف بي آي”، حول علاقات ترمب بروسيا، الأمر الذي نفاه ترمب بشكل قاطع.
واعترف في المقابل الخميس في وارسو أن روسيا، وربما دول أخرى تمكنت من التدخل في الإنتخابات الأميركية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2016، تحدثت كل وكالات الإستخبارات الأميركية علنا عن تدخل موسكو. وفي كانون الثاني/يناير 2017، أكدت أن فلاديمير بوتين هو من أمر بذلك.
– أوكرانيا والعقوبات –
في آخر آذار/مارس الماضي، نددت الإدارة الأميركية الجديدة في قمة حلف شمال الأطلسي، “بالعدوان” الروسي ضد كييف، في اشارة الى ضم شبه جزيرة القرم والدعم الروسي المفترض للمتمردين الإنفصاليين في شرق أوكرانيا.
وفي 20 حزيران/يونيو، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على روسيا بهدف “ابقاء الضغط” في الملف الأوكراني.
وتنفي روسيا أي دعم عسكري للمتمردين الموالين لروسيا واعتبرت أمام مجموعة الدول العشرين، أن هذه العقوبات مشابهة لسياسة حمائية مبطنة.
– كوريا الشمالية، خط أحمر جديد –
وعد دونالد ترمب بردّ “قاس” بعد إطلاق كوريا الشمالية الصاروخ البالستي الأول العابر للقارات الثلاثاء الذي من الممكن أن يصل حتى ألاسكا بحسب الخبراء، وطالب بفرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ.
واوقفت روسيا مشروعا أميركيا في مجلس الامن كان يهدف الى الدعوة لاتخاذ “تدابير هامة” ضد بيونغ يانغ.
– توترات حول حلف شمال الأطلسي –
تعتبر موسكو أن أي توسع لحلف شمال الأطلسي إشارة “عدوان” ضدها وتنتقد سياسة “الإحتواء” التي يعتمدها الحلف الأطلسي تجاه روسيا. ويرى الروس أن تراكم قوات حلف شمال الأطلسي في البلطيق على الحدود الروسية، يشكل انتهاكا لتوازن القوى.
ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهته حلف شمال الأطلسي إلى التركيز على “التهديدات الروسية”، خلال قمة للحلف في أواخر أيار/مايو في بروكسل.
مواضيع خلافية كثيرة بين الرئيسين بدء أول لقاء بين ترمب وبوتين على هامش قمة العشرين إيلاف- متابعة ترمب وبوتين يتصافحان في هامبورغ ترمب وبوتين يتصافحان في هامبورغ 0 0 0 مواضيع ذات صلة أول لقاء بين ترمب وبوتين الجمعة في هامبورغ أول مصافحة بين ترمب وبوتين ترمب وبوتين أخيرا وجها لوجه ترمب وبوتين يجتمعان في هامبورغ ملفات شائكة تنتظر ترمب وبوتين موسكو تتوقع لقاء بين ترمب وبوتين خلال قمة العشرين هامبورغ: بدأ الرئيسان الاميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين الجمعة أول لقاء بينهما على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بالمانيا، كما افاد مراسل وكالة فرانس بس. وقال ترمب “انه شرف ان التقيك” ورد عليه بوتين بالقول “انا مسرور للقائك، وآمل في ان يؤدي هذا اللقاء الى نتيجة ايجابية”. وأضاف بوتين “لقد تحدثنا هاتفيا، لكن المكالمات الهاتفية ليست كافية”. وتحدث الرئيسان هاتفيا أربع مرات منذ وصول دونالد ترمب الى السلطة، لكنهما لم يعقدا بعد اي لقاء ثنائي. وووصف ترمب الجمعة امام بوتين، هذه المكالمات الهاتفية بانها كانت “جيدة جدا جدا”. مواضيع خلافية كثيرة المواضيع الشائكة التي يبحثها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في لقائهما الأول الجمعة على هامش قمة مجموعة العشرين كثيرة، من الحرب السورية الى الازمة الاوكرانية وصولا الى الاتهامات بتدخل روسيا في الإنتخابات الأميركية. وتراجعت في الآونة الأخيرة العلاقات بين البلدين، رغم وعود بأيام أفضل قطعت خلال فترة الإنتخابات الرئاسية. – سوريا الخلاف الأكبر – أثار دونالد ترمب غضب موسكو عندما أمر بالردّ الأول على النظام السوري، حليف موسكو، بعد الهجوم الكيميائي الذي نسب في 4 نيسان/أبريل الماضي الى قوات الرئيس السوري بشار الأسد. واعتبر ترمب أنذاك انه “من الممكن” أن الروس كانوا على علم بالهجوم ووصف الرئيس السوري “بالجزار”. كما وعد برد اضافي في حال تكرر استخدام السلاح الكيميائي. وقد ازدادت حدة الخلاف بسبب اسقاط طائرة تابعة لسلاح الجو السوري من قبل مقاتلة أميركية في 18 حزيران/يونيو، الأمر الذي وصفته روسيا “بالعدوان”. وفيما تحتدم معركة استعادة الرقة، آخر معقل كبير لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، قد يميل ترمب، الذي جعل من مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية أولوية له، إلى البحث عن أرضية توافق مع موسكو. – التدخل الروسي، السم البطيء- نكثت الوعود بتقارب في العلاقات الروسية-الأميركية بعد اتهامات متبادلة بالتواطؤ بين روسيا وأعضاء فريق حملة ترمب الإنتخابية. وتستمر التحقيقات، من بينها تحقيق يجريه مكتب التحقيقات الفدرالي “أف بي آي”، حول علاقات ترمب بروسيا، الأمر الذي نفاه ترمب بشكل قاطع. واعترف في المقابل الخميس في وارسو أن روسيا، وربما دول أخرى تمكنت من التدخل في الإنتخابات الأميركية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2016، تحدثت كل وكالات الإستخبارات الأميركية علنا عن تدخل موسكو. وفي كانون الثاني/يناير 2017، أكدت أن فلاديمير بوتين هو من أمر بذلك. – أوكرانيا والعقوبات – في آخر آذار/مارس الماضي، نددت الإدارة الأميركية الجديدة في قمة حلف شمال الأطلسي، “بالعدوان” الروسي ضد كييف، في اشارة الى ضم شبه جزيرة القرم والدعم الروسي المفترض للمتمردين الإنفصاليين في شرق أوكرانيا. وفي 20 حزيران/يونيو، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على روسيا بهدف “ابقاء الضغط” في الملف الأوكراني. وتنفي روسيا أي دعم عسكري للمتمردين الموالين لروسيا واعتبرت أمام مجموعة الدول العشرين، أن هذه العقوبات مشابهة لسياسة حمائية مبطنة. – كوريا الشمالية، خط أحمر جديد – وعد دونالد ترمب بردّ “قاس” بعد إطلاق كوريا الشمالية الصاروخ البالستي الأول العابر للقارات الثلاثاء الذي من الممكن أن يصل حتى ألاسكا بحسب الخبراء، وطالب بفرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ. واوقفت روسيا مشروعا أميركيا في مجلس الامن كان يهدف الى الدعوة لاتخاذ “تدابير هامة” ضد بيونغ يانغ. – توترات حول حلف شمال الأطلسي – تعتبر موسكو أن أي توسع لحلف شمال الأطلسي إشارة “عدوان” ضدها وتنتقد سياسة “الإحتواء” التي يعتمدها الحلف الأطلسي تجاه روسيا. ويرى الروس أن تراكم قوات حلف شمال الأطلسي في البلطيق على الحدود الروسية، يشكل انتهاكا لتوازن القوى. ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهته حلف شمال الأطلسي إلى التركيز على “التهديدات الروسية”، خلال قمة للحلف في أواخر أيار/مايو في بروكسل.
ايلاف
ترامب في سورية/ سلامة كيلة
ظهر تزايد في الدور الأميركي في سورية في الأسابيع التي تلت استلام دونالد ترامب الرئاسة الأميركية. وظل الحوار الأميركي الروسي راكداً، على الرغم من كل الآمال التي عُقدت على نجاح ترامب في ما يتعلق بعلاقته مع روسيا. لهذا، ظلت المشاركة الأميركية في مفاوضات أستانة وجنيف “خارجية”، حيث تعاملت بوصفها مراقباً. لكنها أوجدت قاعدةً عسكريةً في منطقة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية، بعد أن أقامت، في فتراتٍ سابقة، قواعد في الشمال الشرقي، في سياق التنسيق مع “قوات سورية الديمقراطية”. ولقد قصفت قواتٍ داعمة للنظام السوري، حين تقدّمت باتجاه التنف، بعد أن كانت قد قصفت مطار الشعيرات بصواريخ بعيدة المدى، وأسقطت طائرةً له، يُقال إنها كانت تقصف “قوات سورية الديمقراطية”.
ضمن ذلك كله، ما هو الممكن في سياسة أميركا تجاه سورية؟ يبدو واضحاً أن أميركا تريد تصفية وجود “داعش” في الرّقة، وحصره في دير الزور، وربما التقدّم من الجنوب لوصل التنف، حيث باتت تتمركز في الرّقة، وأيضاً ربما الاندفاع للسيطرة على الشرق والشمالي الشرقي، وفرض أمر واقع يتمثل في سيطرة أميركية على جزءٍ من سورية في مقابل السيطرة الروسية على الجزء الآخر. في هذه المعادلة، يصبح التفاوض الأميركي الروسي مبنياً على “توازن قوى” في سورية، وبالتالي، يجعل المفاوضات تبدأ من أساسٍ مختلفٍ عما يجري حالياً، حيث تتحكّم روسيا بكل اللعبة. ولقد عزّزت من مسار أستانة بديلاً عن جنيف، وهو المسار الذي يعني فرض “الحل الروسي” القائم على بقاء الأسد، ومحاولة دمج بعض الكتائب “الإسلامية” في بنية الدولة، على الرغم من أن هذا المسار تتشارك فيه تركيا التي تضغط على الكتائب “الإسلامية” للمشاركة، وقبول الشروط التي يجري التوافق عليها بين كل من تركيا وروسيا، والتي تعني إعطاء تركيا دوراً في السيطرة على الشمال الغربي من سورية، وإشراك “جماعتها” في الحل السياسي الروسي.
أميركا تحسم في العراق، وقد ظهر أن “داعش” يتلاشى، ولقد بات التأثير الأميركي كبيراً هناك، حيث لا بد من أن يصبح العراق مجال سيطرةٍ أميركيةٍ بديلة لسيطرة إيران. ولهذا، يصبح تركيز أميركا على وضع سورية، ولا شك في أنها تقدّمت في حسم الحرب ضد “داعش” في الرّقة، ووضعت حدوداً لنشاط قوات النظام السوري، على الرغم من كل التحذيرات الروسية، وتعزّز من دورها السوري أكثر مما كان، من خلال إرسال قوات برية وصواريخ مضادة للطائرات ودبابات. وبهذا، فقد زرعت عدداً من القواعد العسكرية، بـ “التحالف” مع “قوات سورية الديمقراطية”، وكتائب من الجبهة الجنوبية، جرى تدريبها في الأردن. هذا الوضع لا شك يجعل التفاوض الأميركي الروسي مختلفاً عمّا كان في السابق، وبالتالي يفرض شروطاً جديدة.
لكن، لا بد من ملاحظة أن أميركا ليست معنية بسورية في نهاية الأمر، وأن دورها الراهن يأتي في سياق كسب الأوراق في التفاوض مع روسيا. وهو الأمر الذي يعيد إلى أن الوصول إلى حلّ ما زال مرتبطاً بما يمكن أن تتفق عليه روسيا وأميركا، ومن دون ذلك سيبقى الصراع قائماً. والوصول إلى توافقٍ لا يرتبط بوضع سورية فقط، بل يشمل على الأقل كما تريد روسيا، التوافق في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا من “الغرب”. وهذا أمرٌ لا يبدو أن في الأفق ما يشير إلى أنه قريب، نتيجة التشدّد الروسي، فروسيا تريد أن تظهر هي المنتصرة في هذا “الصراع”، وأنها كسبت ما يجعلها قوةً عالمية مهيمنة، في وقتٍ يبدو فيه أن أميركا ما زالت في غير وارد التخلي عن دورها العالمي الأول، وأن كل ما تقبله أن تشكّل مع روسيا ثنائياً “يحكم العالم”.
العربي الجديد
لقاء بوتين ترامب لم يكن تاريخياً/ بسام مقداد
عشية اجتماع قمة العشرين في هامبورغ، نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقالة في إحدى الصحف الألمانية أشاد فيها بمجموعة العشرين، وقال إن “فعاليتها لا تتراجع في إدارة العالم، حتى في ظل تنامي الشكوك والمخاطر الجيوبوليتيكية”. وعلى الرغم من أن المقالة تقع في ألف كلمة، إلا أنها لم تأتِ على ذكر سوريا ولا على اللقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كانت تنتظره روسيا منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وإن كانت تتظاهر بعدم تعجل انعقاده.
لكن، وعلى الرغم من مقالة بوتين وإشادته بإجتماع هامبورغ، إلا أن أجهزة الإعلام الروسية لم توله اهتماماً يذكر، بل وخصصت وكالة “نوفوستي” مقالة سخرت فيها من اللقاء، وصورت بوتين بأنه قد نسي تماماً أمره وموعده. ولم يكن اللقاء يعني أجهزة إعلام الكرملين سوى بمقدار ما يشكل مناسبة للقاء مع الرئيس الأميركي على هامشه.
وبغض النظر عن النتائج، التي أسفر عنها لقاء ترامب-بوتين وتقييم إيجابيتها أو سلبيتها من قبل الخبراء الروس والأميركيين، إلا أن اللقاء بذاته كان أهم من النتائج بالنسبة للكرملين وأجهزة إعلامه. والحذر، الذي تميزت به مقاربة أجهزة الإعلام الروسية لهذا اللقاء، حلت مكانه، بعد انعقاده، موجة عارمة من الترحيب، تميزت بمتابعة أدق التفاصيل والإطناب في تفسيرها وتحليلها.
صحيفة الكرملين “فزغلياد”، رأت أنه “حتى مدة اللقاء بين ترامب وبوتين تقول الكثير”. وقالت، إنه بغض النظر عن المقاومة الجدية للقاء وتعدد الأحجار المخفية تحت الماء، إلا أن لقاء فلاديمير بوتين ودونالد ترامب قد حصل. وينبغي إعطاء الرئيس الأميركي ما يستحق من التقدير، إذ إنه لم يسمح لخصومه السياسيين بأن يفرضوا عليه النموذج، الذي يرغبون به في السلوك خلال المحادثات مع الزعيم الروسي.
وتهتف الصحيفة قائلة “لقاء فلاديمر بوتين ودونالد ترامب الأول على هامش قمة العشرين الكبار في هامبورغ قد حصل”. وأشارت إلى أن الإعداد لهذا اللقاء قد جرى في جو من التوتر، لدرجة أنه، حتى اللحظة الأخيرة لم تكن هناك ثقة مئة بالمئة، أن الرئيسين سوف يلتقيان. وذكرت الصحيفة بالرسالة التي وجهها عشية اللقاء عدد من اعضاء الكونغرس إلى ترامب، يطلبون منه عدم إعادة الأبنية العائدة للسفارة الروسية في واشنطن، والتي صادرها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما نهاية عام 2016.
ونقلت وكالة “نوفوستي” عن أحد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما قوله، إن الإتفاق الذي تم بين الرئيسين الأميركي والروسي حول وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا يشير “في حده الأدنى، إلى أن الولايات المتحدة قد اعترفت وأدركت، أن روسيا حاسمة في عدم التراجع عن المواقع التي أحرزتها في سوريا، وأنها سوف تدافع عنها. وأصبح من الواضح أن ترامب يعترف بنوايا روسيا الجدية في هذا البلد، وأنه يريد أن يكون مشاركاً مع روسيا في حل المشاكل في سوريا”. كما رأى الرجل أن اللقاء “هو بداية طريق تفاوضي طويل بين بوتين وترامب حول مختلف القضايا”.
وتشارك أجهزة الإعلام الروسية الأخرى إعلام الكرملين في تقدير إيجابية طول مدة اللقاء، إلا أنها لا تشاركها في التفاؤل بنتائجه. فقد نقلت صحيفة “فيدوموستي” المعروفة برصانتها عن مدير مركز “كارنيغي” الأميركي في موسكو ديمتري ترينين قوله، بأن طول مدة اللقاء أمر إيجابي بالطبع، لكن لا يمكننا “قول أي شيء حول نتائج اللقاء. فالهدنة في جنوب سوريا ليست بين القوى الموالية للولايات المتحدة وروسيا، بل هي بين الأطراف السوريين.. والصراع بين روسيا وأميركا له أهمية جذرية، إذ أنه صراع حول النظام العالمي، وغير قابل للحل بسرعة وسهولة”.
ونقلت الصحيفة عن المسؤول السابق عن الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي الأميركي والبرفسور في جامعة “جورج تاون” تشارلز كوبتشان قوله، إنه حتى لو كان بوتين وترامب قد نجحا في لقائهما الأول إلا أن ما ينتظر إنجازه “كثير جداً”. فليس من السهل “إيجاد مصالح مشتركة بين الطرفين في سوريا، ولن يكون من الأسهل إيجاد حل للنزاع في أوكرانيا”. ويرى أن التحقيق في تدخل روسيا في الإنتخابات الأميركية سوف يزيد من صعوبة عملهما المشترك.
أما نائب مدير معهد “كينان” في واشنطن، المتخصص في شؤون روسيا وأوكرانيا والدول السوفياتية السابقة، وليم بوميرانس فيقول، إن اللقاء من وجهة نظر بوتين “هو نجاح قد تحقق، لأنه يضعه مع الرئيس الأميركي في مرتبة واحدة”. ويقول بوميرانس “تذكروا، كيف استقبلوا بوتين في مؤتمر G20 في بريسبين في أوستراليا منذ ثلاث سنوات، فقد كان هناك معزولاً! والأمر سواء، في الحقيقة، بالنسبة لترامب، فهو لا يعرف، على كلٍ، ماذا جرى هناك في بريسبين”.
ويقول موقع “غازيتا”، إنه “ينبغي اتخاذ موقف حذر من جميع النتائج”، التي تمخض عنها اللقاء، وينقل عن أحد خبراء المجلس الروسي للشؤون الخارجية قوله، إن التوقعات التي تحدث عنها الكرملين في إقامة تواصل مباشر مع البيت الأبيض وتسوية العلاقات “قد تحققت كلياً. لكن ليس هناك من اختراقات، عملياً، على قوله، وجميع الموضوعات التي تمت مناقشتها، وتلك التي تم التوصل إلى اتفاق حولها كانت حصيلة اللقاءات بين لافروف وتيلرسون في شهر أيار/مايو الماضي”.
أما صحيفة “كومرسانت” المستقلة فقد نقلت عن الخبير في مركز “كارنيغي” في موسكو أندريه كاليسنيكوف قوله، إن الرئيسين قد انتظرا طويلاً اللقاء المباشر، ولذلك “أطالا في الحديث بينهما”. وقال بأنه لم يكن يتوقع أي نتائج براغماتية، لأن من الخطأ مقارنة اللقاء بلقاءات غورباتشوف وريغان، أو بريجنيف ونيكسون، فقد كانت هناك “محادثات جدية وحقيقية، جرى الإعداد لها بعمل دؤوب من الخبراء. أما هنا فالأمر مرتجل تقريباً، وما حصل هو تواصل عاطفي، أكثر مما هو تواصل عقلاني”.
كما نقلت الصحيفة عينها عن ألكسي مالاشنكو، عضو المجلس العلمي في مركز “كارنيغي” قوله حول الإتفاق بشأن منطقة خفض التوتر في جنوب سوريا، إن هناك أطرافاً أخرى، غير ترامب وبوتين، “هناك تركيا وإيران وسواهما”. وهو لا يرى في ما جرى بين الرئيسين “ما هو ليس متوقعاً، بل هو ليس حدثاً تاريخياً”.
المدن
بعد اتفاق ترامب وبوتين.. ما الترتيب الكبير الذي ينتظر سوريا؟
عبدالله حاتم – الخليج أونلاين
خمسٌ وثلاثون دقيقة كانت كفيلة بأن تفعل ما لم تفعله سلسلة مؤتمرات أستانة وجنيف للسلام في سوريا، بعدما اتفق الزعيمان؛ الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في أول لقاء بينهما على هامش قمة العشرين بألمانيا، على وقفٍ شامل لإطلاق النار في جنوب سوريا.
وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أكد أن تفاصيل أوفى عن الاتفاق ستعلن هذا الأسبوع، بعد اجتماع مشترك لخبراء روس وأمريكيين وأردنيين، لدراسة تطبيقه.
وسبق أن تبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات، مؤخراً، عقب تلويح الولايات المتحدة بمعاقبة بشار الأسد في حال أقدم على استخدام الكيماوي، في حين دافعت روسيا عن حليفها الوثيق في دمشق.
وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الجمعة 7 يوليو/تموز 2017، أن خبراء من روسيا وأمريكا والأردن وقَّعوا في العاصمة الأردنية عمان على مذكرة تفاهم بهذا الشأن.
وأضاف أن الهدنة ستبدأ منتصف يوم الأحد، مشيراً إلى أن الشرطة العسكرية الروسية ستشرف على وقف إطلاق النار بالتعاون مع الجانبين الأمريكي والأردني.
من جانبه، أكد وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، التوصل إلى الاتفاق، وأشار إلى أنه وفقاً للترتيبات التي جرى التوصل إليها في عمان، “سيكون وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس اتفقت عليها قوات الحكومة السورية والقوات المرتبطة بها من جانب، وقوات المعارضة السورية المسلحة من جانب آخر”.
وكانت قوات النظام السوري شنت هجوماً برياً في درعا؛ بهدف الوصول إلى المعبر القديم مع الأردن، دون أن تحقق أي تقدم، وكذا الحال في القنيطرة الملاصقة للشريط الحدودي مع الجولان المحتل، حيث خسرت مواقع لحساب المعارضة بعد معارك عنيفة بين الطرفين.
– أمن إسرائيل
ويشمل الاتفاق ثلاث محافظات؛ هي السويداء ودرعا والقنيطرة، علاوة على الأراضي المحتلة في الجولان السوري وفلسطين، وتضم أطرافاً متصارعة هي: قوات النظام مدعومة بمليشيات إيرانية ومقاتلين من حزب الله اللبناني، وفصائل المعارضة المسلحة المنضوية ضمن تسمية الجبهة الجنوبية، التي قاطعت مؤتمر أستانة الأخير.
واتفقت الأطراف الثلاثة على أن يكون وقف النار خطوة باتجاه الوصول إلى خفض دائم للتصعيد في جنوب سوريا، بما ينهي الأعمال العدائية، ويعيد الاستقرار، ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة المحورية في سوريا.
وأكدت التزامها بالعمل على حل سياسي عبر مسار جنيف وعلى أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)، وبما يضمن وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها.
الدكتور باسل الحاج جاسم، الخبير في الشؤون الدولية، والمطلع على سير مفاوضات أستانة، ذكر في حديث مع “الخليج أونلاين” أن “الاتفاق يوضح أكثر فأكثر أن هدف واشنطن هو التقسيم في سوريا، ولا شيء غيره”.
وأضاف: “بعد أن عرقلت واشنطن أكثر من مرة منطقة آمنة ملحة في الشمال، وذهبت أبعد من ذلك بدعمها تشكيلات إرهابية انفصالية هناك، نراها اليوم تلتزم فقط في هذا الاتفاق- في حال تم تنفيذه- بأمن إسرائيل”، مشيراً إلى أن “إسرائيل اليوم رابحة في كل الأحوال؛ فهي تحصد نتائج حروب لم تخضها”.
وشهدت الفترة الماضية سقوط قذائف على الأراضي المحتلة من جراء المعارك بين النظام والمعارضة المسلحة في القنيطرة، وهو ما استدعى من الجيش الإسرائيلي استنفاراً على الحدود، وقصفه مواقع لقوات النظام على اعتبار أنها مصدر هذه القذائف.
– ترتيب كبير
مسؤول في الخارجية الأمريكية أكد، في حديث مع “رويترز”، أن الاتفاق يمثل “خطوة أولى” نحو ترتيب أكبر، ما دعا المعارضة السورية للإعراب عن قلقها مما سمتها “التفاهمات السرية”.
وفد قوى الثورة العسكري، التابع للمعارضة السورية، في مفاوضات أستانة، وصف في بيان له عقب ساعات من الاتفاق الروسي – الأمريكي، هذه التفاهمات بأنها سابقة تحدث للمرة الأولى، ومن شأنها تقسيم سوريا والمعارضة إلى قسمين.
وأضاف أن “مثل هذه الاتفاقات تكرس الوجود الإيراني في محاذاة المناطق العازلة والمتاخمة للحدود السورية مع فلسطين، وتقبل بفتح معبر للنظام مع الأردن من جهة محافظة السويداء”، مبيناً أن ما وصفه بالقصف الهمجي للنظام على مدينة درعا “لم يتوقف إلا بعد تدخُّل الحكومة التركية”.
لكن باسل الحاج جاسم رأى أن هذه التفاهمات “واردة جداً”، متسائلاً: “لماذا لم يتم هذا الاتفاق في إطار أستانة وعلى مرأى من العالم، وبحضور جميع الأطراف السورية المعنية؟”، موضحاً أن من الضروري انتظار ردة الفعل التركية والإيرانية، مبيناً أن أنقرة “خياراتها محدودة؛ فإما أن تكون جزءاً من المشروع الأمريكي أو ضده، كما فعلت في درع الفرات”.
وخلال لقائهما الأول طلب ترامب من بوتين تحييد إيران في سوريا، وهو ما علق عليه الحاج جاسم بالقول: “إن روسيا وإيران- عاجلاً أم آجلاً- سيفترقان في سوريا”، مرجعاً ذلك إلى “اختلاف أهداف كل منهما واستراتيجيته”.
واستدرك: “ولكن من الصعب إبعاد إيران دفعة واحدة، فهي ربما صاحبة أكبر كتلة عسكرية موجودة على الأرض السورية حالياً”.
لقاء ترامب وبوتين والعقبة الإيرانية أمام الصفقة الكبرى/ جلبير الأشقر
يجمع المراقبون على أن لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، المزمع عقده على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية يومي الجمعة والسبت القادمين، سوف يكون حدثاً بالغ الأهمية والتأثير في الوضع العالمي الراهن، ولا سيما في وضع المنطقة العربية والوضع السوري على الأخص.
وقد حان الوقت لموسكو كي تقطف ثمار رهانها العربي، أو هذا ما تأمله. ولإدراك ما سوف يكون في صلب الحوار بين الرئيسين، لا بدّ من فهم المغزى من التدخّل المباشر لطيران روسيا الحربي في الساحة السورية بدءا من خريف 2015، وقد ترافق بتدخّل روسيا في ساحات عربية أخرى، منها ليبيا حيث تلتقي مع المحور القائم بين مصر عبد الفتّاح السيسي والإمارات العربية المتحدة. فقد استغلّت موسكو الفرصة التاريخية التي منحها إياها رئيس أمريكي، هو باراك أوباما، خشي التورّط العسكري إلى أقصى حدّ (وعوّض عن خشيته هذه باستخدام كثيف للطائرات بدون طيّار، أجبن الأسلحة)، وقد أشرف على سنته الأخيرة في الرئاسة، وهي السنة التي يكون فيها الرؤساء الأمريكيون على درجة عليا من الشلل، لا سيما في مجال الخيارات العسكرية.
فرأى لاعب الشطرنج بوتين أن يقدّم أحجاره على الرقعة العربية بما يعزّز من حظوظه على الرقعة الأوروبية وعلى الرقعة الدولية بوجه عام. وكانت المجازفة محدودة في الواقع، إذ يعلم بوتين علم اليقين أن واشنطن ليست مبالية بدفاع موسكو عن نظام آل الأسد، وهو ما تدخّل هو من أجله، وهي ليست مبالية بالوضع السوري برمّته، عدا تنظيم داعش الذي تحدّاها بصورة مباشرة باكتساحه الأراضي العراقية في عم 2014، والذي رأت أن تحاربه في سوريا مذّاك بواسطة القوات الكردية. (ومن المعلوم أن واشنطن أكثر اهتماماً بالعراق بكثير، إذ تتناسب درجة اهتمامها ببلدان المنطقة مع ما يحوز عليه كل بلد من ثروة نفطية وموقع استراتيجي بالنسبة للثروة النفطية الإقليمية.)
أما مجازفة بوتين في تدخّله المباشر في الحرب السورية فاقتصادية في المقام الأول، إذ أن روسيا غير قادرة على خوض حرب عالية الكثافة والكلفة لمدة طويلة بينما يعاني اقتصادها من هبوط الواردات النفطية. وهذا الهبوط بذاته ناتجٌ عن حرب تخفيض أسعار النفط التي شنّتها المملكة السعودية على إيران وروسيا بتشجيع من واشنطن منذ ثلاث سنوات. وهنا تكتمل الحلقة إذ أن إنهاء تلك الحرب الاقتصادية هدفٌ رئيسي من أهداف مجازفة بوتين الأشبه بالمقامرة.
هذا وقد تبدّلت الأوضاع منذ خريف 2015 بما يلائم تماماً الرهان الروسي. طبعاً، كان الحدث الأساسي في هذا الصدد اعتلاء ترامب سدة الرئاسة الأمريكية، وهو معجبٌ ببوتين ينوي التعاون معه، بل يعوّل عليه كي يساعده على فرض استتباب النظام الرجعي القديم في المنطقة العربية. فهو ذا خيار ترامب الأساسي، والسبب الرئيسي الكامن وراء إعطائه الضوء الأخضر للهجمة السعودية/الإمارتية/المصرية على قطر التي يتهمونها بمواكبة «الربيع العربي» ومحاولة تسييره بواسطة جماعة الإخوان المسلمين وقناة «الجزيرة». وطبعاً يدرك ترامب أن النظام الرجعي القديم لا يستطيع أن يستتبّ في المنطقة العربية بدون إنهاء الحرب السورية وتدعيم الحكم القائم في دمشق الذي هو ركنٌ أساسي من أركان ذلك النظام.
لذا لا يبالي ترامب باستمرار بشّار الأسد بحكم سوريا بالرغم من أنه سبق ونعته بالحيوان، وهو على قناعة من أن «أسداً» من هذا النوع يسهل تدجينه. كما يلتقي الحلف الثلاثي السعودي/الإماراتي/المصري مع هذا الاعتبار، والحال أن مصر السيسي أعادت نسج العلاقات مع النظام السوري منذ مدّة. كما نتذكّر أن السعودية انتظرت طويلاً قبل أن تدخل في منافسة قطر على إدارة ملفّ المعارضة السورية، وهي مستعدّة بالتأكيد للقبول بمساومة تبقي آل الأسد في السلطة تمشّياً مع المنحى الأمريكي الذي بات موضع إجماع غربي منذ أن تبنّاه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
غير أن ثمة عقبة عظيمة على طريق اتفاق واشنطن وموسكو على سوريا وترحيب الرياض باتفاقهما، وهذه العقبة اسمها إيران. فالعداء الشديد لطهران أهم ما تلتقي عليه واشنطن في عهد ترامب والرياض (ومن ورائهما دولة إسرائيل بالطبع)، ويحكم هذا العداء سياستهما المشتركة في المنطقة. فلن تقبل العاصمتان ببقاء نظام آل الأسد إن لم يترافق بقاؤه بصيغة (قد تكون الاتفاق على نشر قوات دولية في سوريا) تؤدي إلى إقصاء التواجد العسكري الإيراني وملحقاته من داخل الحدود السورية.
كما تعلم واشنطن والرياض أن تحقيق هذا الشرط يقتضي مشاركة روسيا، إذ يصعب، بل يكون من الجنون أن تدخل إيران في مواجهة مع أمريكا وروسيا مجتمعتين لو اتفقتا الدولتان، ومعهما مجلس الأمن الدولي، على صيغة تتطلب خروج القوات الإيرانية وملحقاتها من سوريا.
فسوف يعتمد مصير الحوار الأمريكي/الروسي على ما تستطيع واشنطن أن تقدّمه لموسكو من تنازلات ومكاسب من أجل قيام روسيا بالدور المطلوب منها، وليس أقل ما تتوخّاه موسكو تعهّد السعودية بالعمل على إنهاء حقبة أسعار النفط المتدنّية. وقد تجد طهران في هذا الشرط الأخير تعويضاً اقتصادياً عن خسارتها لسوريا، أو على الأقل قد يقتنع بذلك الجناح الإصلاحي البراغماتي في النظام الإيراني، الذي يتزعّمه الرئيس الحالي حسن روحاني، بما يصعّد التوتّر بينه وبين الجناح الأيديولوجي/العسكري الذي يضمّ قوات «الحرس الثوري» ويميل إليه المرشد الأعلى علي خامنئي.
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
ترامب وحده مطالب؟ ماذا عن طهران وموسكو؟/ جورج سمعان
المتصارعون على تركة «داعش» سيجدون أنفسهم جميعاً أمام الحاجة إلى سياسات جديدة بعد هزيمة التنظيم. تبدو إدارة الرئيس دونالد ترامب كأنها وحدها مدعوة إلى توضيح رؤيتها لـ «اليوم التالي». وذلك لأنها تصب كل جهودها على محاربة الإرهابيين. في حين يركز النظام السوري وحلفاؤه من الميليشيات التي يقودها «فيلق القدس» حملاتهم على الفصائل المعارضة لكسب مزيد من الأرض. والكرد أيضاً الذين يشكلون القوة البرية الضاربة في هذا القتال ويحظون بدعم سخي من واشنطن و «التحالف الدولي» يراهنون هم أيضاً على كسب مزيد من الأرض، شأنهم شأن «البيشمركة» في العراق. أما روسيا فيعنيها أن تبقى قنواتها مفتوحة مع جميع اللاعبين ليتسنى لها الاستئثار برسم قواعد اللعبة. أميركا مدعوة قبل غيرها لأنها ستجد نفسها في غضون أيام مع اقتراب تحرير الموصل وتضييق الخناق على الرقة، أمام معركة شرسة مع إيران إذا كان عليها أن تترجم حملتها لتطويق نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة. وقد برهنت الأخيرة إثر الغزو الأميركي للعراق على قدرتها في مقارعة الأميركيين ودفعهم إلى الخروج من بلاد الرافدين. وهي اليوم تحظى بدعم روسي واضح يسهل عليها تحقيق استراتيجيتها.
يصعب التسليم بأن إيران ستكون قادرة على إدارة كل مناطق انتشارها. كان يقال أن القوة العظمى الأولى ليست قادرة على شن أكثر من حربين في آن واحد، فكيف يمكن طهران أن تخوض هذه السلسلة الطويلة من الحروب؟ لا شك في أن تمددها الحالي في المحافظات الغربية في العراق وفي مناطق شرق سورية وشمالها فرضته وتفرضه الحرب على تنظيم «الدولة». لكن الأمر لن يبقى كذلك بعد هزيمة «داعش». لن يسكت أهل السنة في هذه المناطق. صحيح أن بعض العشائر السنية في الأنبار وغيرها يقيم حالياً تحالفاً مع «الحشد الشعبي». لكن الغالبية ستدفع هؤلاء إلى مراجعة حساباتهم. يعني هذا الاستعداد لحروب من نوع آخر. لذلك من العبث أن يواصل «الحرس الثوري» بميليشياته استراتيجية دحر كل الفصائل في سورية وتحقيق «نصر مؤزّر» كالذي تحقق في اليمن! يستحيل أن يحكم قبضته على الغالبية السكانية على رغم ما لحق بها من قتل وتهجير وتدمير مدن ودساكر. صحيح أن تجربة العراق بعد الغزو الأميركي منحت الجمهورية الإسلامية فرصة «وراثة» سلطة صدام حسين في بغداد، ونجحت في تمكين القوى الشيعية على اختلافها من تقاسم مواقع الدولة ومؤسساتها كافة. لكن الصحيح أيضاً أن التمكين هذا ظل منقوصاً؛ فالقوى السنية التي أُخرجت من العملية السياسية سهلت قيام «قاعدة أبي مصعب الزرقاوي». ولولا «الصحوات» التي وُعدت بتصحيح الخلل السياسي في حكم البلاد لما انتهت تلك المرحلة بهزيمة الرجل الإرهابي. وتكرر الأمر مع «أبي بكر البغدادي» الذي سهلت له سياسات نوري المالكي الفئوية ومناكفته القوى السنية، الأرض لإعلان «دولة الخلافة» وإغراق المنطقة في دوامة القتل والعنف الأعمى والتدمير والتهجير.
ومهما تباهت طهران بحضورها في أربع عواصم عربية، إلا أن هذا الحضور لم ولن يحجب حضور الآخرين. ولا حاجة إلى ذكر ما تعاني مع حلفائها في اليمن. وكذلك في لبنان حيث من «حسنات» الصيغة الطائفية أن لا قدرة لطائفة على إلغاء شريكاتها. أما العراق فلم يعرف إلى الآن الهدوء المرجو. ولا القوى والأحزاب الممسكة بالسلطة أو تلك التي خارجها عرفت بعد عقد ونصف عقد كيف تتوافق على إدارة اللعبة السياسية بحدها الأدنى. ولن يكون بمقدور ميليشيات «الحرس الثوري» أن تحكم سيطرتها على المحافظات الغربية في العراق. سيغرق في حرب استنزاف، وستولد مرحلة ما بعد «داعش» حروباً أشد خطورة. أضف إلى ذلك أن القوى العراقية العربية بشقيها الشيعي والسني لم تنجح في التفاهم مع إقليم كردستان، على رغم أن الدستور الجديد نظم العلاقة بين الإقليم وبغداد مالياً ونفطياً وسياسياً، ووضع آلية لتسوية الخلاف على الأراضي المتنازع عليها. ولا حاجة إلى التذكير بالخلافات والتهديدات المتبادلة بين زعيم «دولة القانون» ورئيس الإقليم مسعود بارزاني الذي لا يفكر لحظة في التنازل عن كركوك والمناطق التي حررتها قواته من «دولة الخلافة». وحتى «التفاهم» المرحلي القائم بين ميليشيات «الحشد» وقوى كردية تناصب رئاسة كردستان العداء قد ينهار في المحطات المفصلية التي يتعلق عليها مصير الكرد عموماً ومستقبلهم.
بالطبع يخشى الأميركيون أن تنزلق بلادهم إلى حروب جديدة في الشرق الأوسط. لكن إدارة ترامب تحاذر خوض مثل هذه المغامرة، تعتمد على حلفائها الكرد وبعض القوى السنية العربية، خصوصاً في سورية. لكن الرهان على هذين المكونين سيكون مغامرة محفوفة بالخطر. سيكون الوضع في مناطق وادي الفرات شرق سورية أكثر تعقيداً مما هي الحال مثلاً في محافظات غرب العراق. ثمة عداء تاريخي دفين يحكم العلاقة بين العشائر العربية والكرد في الجزيرة. أعداد كثيرة من هؤلاء غادرت مناطقها في تركيا في عشرينات القرن الماضي، هرباً من قمع حكومة أتاتورك، إلى كردستان سورية، «روج آفا». وظل عشرات الآلاف منهم محرومين من الجنسية السورية حتى عشية اندلاع الأزمة قبل نحو ست سنوات. ومارست قيادات البعث سياسة «تعريب» لمناطق الكرد، تماماً كما فعلت قيادة البعث في العراق. واختلف الوضع في سنوات الخلاف بين البعثين. إذ لجأت دمشق إلى مغازلة الكرد بغية استخدامهم وبني جلدتهم في كردستان لإقلاق بغداد. لذلك، كان غضب النظام كبيراً عليهم عندما حدثت انتفاضة القامشلي ربيع 2004، يوم دمروا رموز النظام ومباني ومقرات حكومية. فأعادت الحكومة المركزية تحريك الصراع بينهم وبين العرب، وعاقبتهم عقاباً شديداً تمثل في إهمال مناطقهم التي بقيت لفترة بلا مقرات ومرافق رسمية تقدم إليهم الخدمات.
لذلك، وقفت الغالبية الكردية في سورية على الحياد في الحرب بين النظام والمعارضة. وعمل «حزب الاتحاد الديمورقراطي» على بسط سلطته على معظم المناطق الكردية، مستفيداً من رغبة النظام أيضاً في إبقاء هذا المكون خارج المواجهة معه. ولا شك في أن هذا الحزب الذي تشكل «وحداته» الركن الأساس والراجح في «قوات سورية الديموقراطية»، يفيد إلى أقصى الحدود اليوم من دعم الولايات المتحدة. وقد أظهر فعلاً أنه القوة الأكثر فاعلية على الأرض. وهو يحظى بدعم روسي أيضاً. ويفيد من الهدنة القائمة بين إيران وحزب العمال الكردستاني لارتباطه الأيديولوجي والعضوي بهذا الحزب. وقد بدأ للتو في منع العرب السوريين من دخول مناطق حررها من «داعش» بهدف بقاء الغلبة في هذه المناطق للعنصر الكردي، وله بالطبع أن يتذرع بأن إجراءاته هدفها الخوف من تسلل عناصر إرهابية مع العائدين من اللاجئين والفارين من سعير الحرب. وحتى «الإدارة العربية» الموعودة لمدينة الرقة بعد تحريرها، لن تكون أفضل «استقلالاً» عن نفوذ «وحدات حماية الشعب» من المجلس الذي يدير مدينة منبج!
إن من السذاجة الاعتقاد بأن الكرد الذين عانوا الحرمان لعقود سيسلمون مجدداً بالعودة إلى أحضان الدولة المركزية، أو سيقدمون تنازلات في سبيل إعادة توحيد البلاد. قدموا عدداً هائلاً من الضحايا في كوباني ومنبج، ولا يزالون يقدمون كل يوم في معركة تحرير الرقة. وهم يلوحون الآن بالرد على أي هجوم تركي على مناطقهم ولن يترددوا في مقارعة قوات النظام وحلفائها، و «الحشد الشعبي» العراقي إذا تجاوزت حدود مناطقهم وإدارتهم الذاتية.
روسيا الأخرى ستجد نفسها قريباً أمام مراجعة حتمية لسياستها التي يرى إليها بعضهم غامضة وضبابية، بينما هي واضحة تماماً. تدرك أن قوات النظام ليست قادرة ولن تكون قادرة في المدى المنظور على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية. ومنذ اندلاع الأزمة كان الرئيس فلاديمير بوتين يتساءل في لقاءاته مع قادة المنطقة، هل يعتقدون بأن النظام سيكتفي بمنطقة الساحل، أو في أحسن الأحوال بما يسمونه «سورية المفيدة»؟ حققت موسكو مبتغاها من التدخل. أقامت قاعدتين دائمتين نالتا «شرعية» كاملة من دمشق وتشكلان منصة أو باباً واسعاً نحو الإقليم كله، وما تسعى إليه في آستانة ثم جنيف ليس تسوية شاملة تعيد تأهيل النظام لحكم البلاد. وليس جديداً القول إن «مناطق خفض التوتر» التي تعمل لتثبيتها على الأرض ستشكل في مرحلة ما «تقسيماً» فعلياً على الأرض ينتهي أقله باعتماد دستور كانت اقترحت مسودة له يقوم على الفيديرالية، كما هي حال العراق.
لا يعقل في نهاية المطاف أن يواصل الكرملين اعتماده على الميليشيات التي ترعاها إيران في بلاد الشام، أو أن يسمح لها بجره إلى مواجهة أو صدام مع الولايات المتحدة. أو أن تدفعه إلى التفريط بعلاقاته مع أهل السنة في الإقليم، خصوصاً دول الخليج النفطية. ما يعنيه في هذه المرحلة هو تهدئة اللعبة برسم قواعد أمنية مع طهران وأنقرة وعمان وتل أبيب وواشنطن. فهو يعرف أن الضغوط التي تمارسها هذه الأطراف على الفصائل المعارضة لا يمكن أن تؤسس لهدنة دائمة أو حل سياسي يوفر إعادة التعايش بين المكونات المتحاربة. وداعاً وحدات بلاد المشرق!
الحياة
واشنطن مستعدة للتعاون مع موسكو في سوريا: حظر طيران ومراقبون وإغاثة… والوحدة ضد «داعش»
قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عشية لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هامبورغ إن بلاده مستعدة للتعاون مع موسكو في سوريا لإقامة «مناطق حظر الطيران، ونشر مراقبين لوقف إطلاق النار، وتنسيق تقديم المساعدة الإنسانية»، مشدداً على ضرورة توحيد جميع الأطراف الجهود لمحاربة «داعش» وعدم سعي دمشق للسيطرة على مناطق تحررها المعارضة من «داعش».
وأفاد تيلرسون في بيان، تسلم مكتب «الشرق الأوسط» في لندن نسخة منه، بأنه قبل أن يغادر لحضور قمة مجموعة العشرين في هامبورغ، أراد «التعليق على الوضع الحالي في سوريا، وهذا موضوع سيثيره الرئيس دونالد ترمب في اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، موضحاً: «أولاً، ينبغي على الأطراف في سوريا ضمان الاستقرار على الأرض. إذا لم نحقق الاستقرار في سوريا، قد يتهاوى تقدمنا في هزيمة (داعش). ثانياً، ينبغي على الأطراف أن تعمل من خلال عملية سياسية للتوصل إلى تسوية تحدد طريقاً أمام الشعب السوري. وأخيراً، تتحمل روسيا مسؤولية خاصة عن المساعدة في هذه الجهود».
وأضاف تيلرسون: «مع استمرار الجهود العسكرية المنظمة لهزيمة (داعش) على الأرض في سوريا، تلتزم الولايات المتحدة وشركاؤنا في التحالف لهزيمة (داعش) بضمان تمكن المدنيين من المناطق المحررة أخيراً، من بدء عملية العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم. وينبغي على الجهات الفاعلة في سوريا أن تتذكر أنّ معركتنا هي ضد (داعش). وندعو الأطراف جميعهم، بما في ذلك الحكومة السورية وحلفاؤها، وقوات المعارضة السورية، وقوات التحالف التي تنفذ المعركة لهزيمة (داعش) إلى تجنب الصراع بعضها مع البعض الآخر والالتزام بحدود جغرافية متفق عليها لتجنب المواجهة العسكرية وبروتوكولات تخفيف التصعيد».
وزاد: «في حين أنه ما من خيارات مثالية لضمان الاستقرار، علينا أن نستكشف مختلف الإمكانات للصمود لمنع عودة ظهور (داعش)، أو الجماعات الإرهابية الأخرى».
وعن العلاقة مع روسيا، قال: «لا شك في أنّ للولايات المتحدة وروسيا خلافات لم تُحَلّ بعدُ بشأن عدد من القضايا، لكن لدينا القدرة على التنسيق بشكل مناسب في سوريا من أجل تحقيق الاستقرار وخدمة مصالحنا الأمنية المشتركة. وتعتقد الولايات المتحدة أنّ روسيا، بوصفها ضامناً لنظام الأسد ومشاركاً في الصراع السوري منذ فترة مبكرة، تتحمل مسؤولية ضمان تلبية احتياجات الشعب السوري وعدم قيام أي فصيل في سوريا باستعادة المناطق المحررة من (داعش) أو سيطرة الجماعات الإرهابية الأخرى أو احتلالها بشكل غير شرعي. وروسيا ملزمة أيضاً بمنع أي استخدام آخر للأسلحة الكيماوية من أي نوع من نظام الأسد».
وأشار تيلرسون إلى أنه «حققت الولايات المتحدة وروسيا بالفعل تقدماً في إقامة مناطق لتجنب المواجهة في سوريا، ما حال دون وقوع أضرار جانبية متبادلة وتواصل قادتنا العسكريون بوضوح بعضهم مع البعض الآخر للتأكد من عدم وقوع حوادث بين بلدينا في الساحة السورية. وحيثما وقعت حوادث طفيفة، تم حلها بسرعة وبسلام». وزاد: «هذا التعاون على عملية تجنب المواجهة هو دليل على أنّ بلديْنا قادران على إحراز المزيد من التقدم. والولايات المتحدة على استعداد لاستكشاف إمكانية إنشاء آليات مشتركة مع روسيا لضمان الاستقرار، بما في ذلك مناطق حظر الطيران، ومراقبون ميدانيون لوقف إطلاق النار، وتنسيق تقديم المساعدة الإنسانية. وإذا عمل بلدانا معاً على تحقيق الاستقرار على الأرض، فسيحددان أساساً للتقدم في تسوية مستقبل سوريا السياسي».
وعن معركة الرقة، قال وزير الخارجية الأميركي: «بما أنّ تحرير الرقة على قدم وساق الآن، أصيب (داعش) بجروح بالغة، وقد تكون على وشك الهزيمة الكاملة في سوريا إذا ركزت الأطراف جميعها على هذا الهدف. ومن أجل إكمال المهمة، ينبغي على المجتمع الدولي، خصوصاً روسيا، إزالة العقبات أمام هزيمة (داعش)، والمساعدة في توفير الاستقرار الذي يمنع تنظيم داعش من الانتفاض مجدداً من رماد الخلافة الفاشلة والاحتيالية».
التحالف الدولي
إلى ذلك, أفيد أمس بأن التحالف الدولي لقتال «داعش» بقيادة أميركا سيعقد اجتماعات في واشنطن الأسبوع المقبل لبحث نتائج تحرير الموصل في العراق من التنظيم والتقدم في معركة تحرير الرقة في سوريا.
وجاء في بيان رسمي أميركي أن المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة «داعش» بريت ماكغورك يستضيف «كبار قادة التحالف في سلسلة من الاجتماعات في العاصمة واشنطن الأسبوع المقبل».
وفي 11 يوليو (تموز)، ستجتمع الفرق العاملة التابعة للتحالف والمعنية بـ«تمويل مكافحة الإرهاب والمقاتلين الإرهابيين الأجانب ودعم تحقيق الاستقرار والاتصالات بشكل فردي لتقييم الحملة ومناقشة سبل تكثيف الضغط على (داعش) في كل من هذه المجالات الحساسة»، على أن يجتمع في اليوم اللاحق أعضاء التحالف الاثنين والسبعين لـ«إجراء مناقشات متعمقة حول كيفية تسريع جهود التحالف لهزيمة (داعش) في المناطق المتبقية تحت سيطرته في العراق وسوريا وتعظيم الضغط العالمي على فروعه وشركاته التابعة وشبكاته».
وفي 13 من الشهر الحالي: «تجتمع المجموعة الصغيرة للتحالف لتلخيص نتائج اجتماعات الأيام السابقة ومناقشة الأولويات للبناء على التقدم المحرز في الموصل والرقة لتحويل (داعش) إلى مسار دائم ولا رجعة فيه نحو الهزيمة».
كما دعت المجموعة الصغيرة ممثلين من عدد من الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي وفرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات لحضور جلسة خاصة حول تهديد «داعش» في منطقة حوض بحيرة تشاد في غرب أفريقيا.
وتجري هذه الاجتماعات، بحسب البيان الأميركي، في «لحظة حاسمة من القتال المنسق وستساعد على تشكيل الجهود المشتركة لتدمير (داعش)». وأضاف: «من خلال دعم التحالف، باتت قوات الأمن العراقية على وشك تحرير الموصل ونقلت قوات سوريا الديمقراطية معركة (داعش) إلى الرقة مباشرة. ومع هزيمة (داعش) في ساحة المعركة، سيواصل التحالف زيادة جهوده الرامية إلى تحقيق الاستقرار من أجل تيسير العودة الطوعية لمن شردهم العنف إلى الوطن».
الشرق الأوسط
اللاخطة الأميركية هي الخطة/ وليد شقير
تتواضع التوقعات من اجتماع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين المنتظر في الساعات المقبلة في هامبورغ، خصوصاً في شأن الحرب الدائرة في سورية، لأن المقدمات العلنية لا توحي بأن الرجلين سيحققان اختراقاً في جبل الخلافات القائمة بين الدولتين العظميين حول مأساة بلاد الشام، إذا لم يتوصلا إلى معالجة أوسع لملفات اختلاف المصالح على الصعيد العالمي.
يتذمر المسؤولون الروس من أن واشنطن لا تملك سياسة واضحة في سورية والمنطقة، بينما يحصر الأميركيون توجهاتهم بمحاربة «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» والقضاء على الإرهاب، وحماية أمن إسرائيل والحد من تدخل إيران الإقليمي.
وفي وقت ترى موسكو أن ما يسيّر الأميركيين هو «اللاسياسة»، يجد كثر أن «اللاخطة» لدى واشنطن هي خطة بحد ذاتها، لأنها تقدم على خطوات منظمة ومتدرجة برفع مستوى تدخلها في سورية، وأن الفوضى التي يشيعها غياب تصور واضح للحلول مقصود بدوره. ويمكن لقارئي خرائط الميدان السوري أن يستنتجوا أن الإحجام الأميركي عن التجاوب مع مساعي موسكو في آستانة ومع جهودها مع النظام السوري، ومع إيران وتركيا، في سياق مشاريع خفض التوتر والتهدئة، يؤشر إلى استئناف إدارة ترامب السياسة الأوبامية بترك القيصر يتورط في رمال سورية المتحركة، ليتحمل أكلافها وأضرارها على اقتصاده المأزوم بالعقوبات، ولو على حساب الشعب السوري. وإذا كان من المسائل الواضحة لدى واشنطن تسليم وزير الخارجية ريكس تيلرسون بترك مصير نظام بشار الأسد لموسكو في أي حل سياسي تعبيراً عن الاعتراف بأرجحية نفوذها فيها، فإن الاندفاع العسكري الروسي في سورية لم يحقق تقدماً في ولوج هذا الحل الذي بشرت موسكو بمباشرة خطواته في غضون 3 إلى 6 أشهر بعد بدئها حملتها العسكرية في 30 أيلول (سبتمبر) 2015.
يسترجع القائلون بترك روسيا تتورط أكثر في الأتون السوري، التجربة السوفياتية في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وما إذا كان القيصر على استعداد لتكرار التاريخ.
قد تكون ظروف اليوم غير مشابهة. وإذا كان صحيحاً أن تزايد التورط الأميركي على الأرض السورية حيث باتت للجيش الأميركي قواعد متفرقة تحت عنوان محاربة «داعش»، فإن من غير المنطقي استبعاد الهدف الأساس لدى واشنطن وهو خوضها المنافسة مع موسكو على النفوذ في سورية جراء ارتفاع القواعد الأميركية إلى 7، بالتعاون مع دول غربية أخرى أبرزها بريطانيا وفرنسا والنرويج… وربما يجعلها التمدد على الأرض عرضة للاستهداف والاستنزاف هي الأخرى مثل موسكو. فالأخيرة وسعت قواعدها الثابتة في سورية إلى محيط دمشق غير مكتفية بقاعدة طرطوس البحرية ومطار حميميم العسكري الذي بات مرجعية للحكم السوري.
والتوسع الميداني بدل اتفاق على إنزال قوات محايدة في مناطق «نزع التوتر» و «تخفيف التصعيد» بقرار دولي، يعني أن الميدان السوري جزء من منازلة على المستوى الدولي، لم يحن التوصل إلى تسوية حولها بعد.
فهذه التسوية تفترض من الإدارة الأميركية أن تلائم بين الحد من استمراء موسكو التدخل المباشر في العديد من الأزمات، ومنها سورية، انتقاماً لاستهزاء الأحادية الأميركية بالاتحاد الروسي خلال العقدين الماضيين، وبين ضرورة توقف الغرب عن تجاهل مصالح روسيا في محيطها الأوروبي بعد فرط الاتحاد السوفياتي، لأن الدب الروسي لم يكن دولة منكفئة قبل التمدد السوفياتي في النصف الثاني من القرن الماضي، بل كانت لها مصالح حيوية ونفوذ في دول أوروبا الشرقية والوسطى أيام القياصرة على مدى قرون ماضية.
وهذه التسوية تتطلب من القيادة الروسية أن تلائم بين حاجتها إلى ردع الاستسهال الأميركي لاقتحام بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق، الأوروبية خصوصاً، عبر توسع حلف شمال الأطلسي في دول البلطيق والدرع الصاروخية، وبين حاجتها إلى رفع العقوبات الغربية عنها لتصويب اقتصادها، وإعادة التوازن إلى تحالفاتها الهجينة مع دول تتأرجح بين دعم الإرهاب، وتهديد استقرار الشرق الأوسط وشرق آسيا.
وعلى الأرجح أن كلاً من ترامب وبوتين ليسا جاهزين لمقاربة الحاجة إلى الملاءمة هذه، بين سياستين متناقضتين لدى كل منهما، لا سيما في سورية، لولوج أي تسوية، إلا إذا أخرج الرئيس الأميركي مفاجأة ما من جعبته كتلك المفاجآت التي باتت من علامات عهده الفارقة في السياسة الخارجية. إلا أنه حط في أوروبا مستبقاً التفاوض مع نده الروسي متهماً إياه بزعزعة الاستقرار، فيما تولى تيلرسون رمي جزرة المساومة حين تحدث عن الاستعداد للاتفاق مع موسكو على مناطق حظر جوي.
الحياة
ترمب يقبل عشية لقاء بوتين بـ«سوريا الروسية» بلا إيران
واشنطن تنتقد سلوك موسكو «المزعزع للاستقرار»… والكرملين يريد «مراقبين سُنّة» للهدنة
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عشية لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ، أن سوريا «في حاجة إلى تسوية سياسية لا تسمح لإيران بتحقيق أجندتها ولا تسمح بعودة الإرهابيين».
وأعلن ترمب في وارسو، المحطة الأولى في جولة أوروبية تستغرق أربعة أيام بدأها مساء الأربعاء، أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها للتصدي «لأعمال روسيا المزعزعة للاستقرار». وتابع: «ندعو روسيا إلى وقف زعزعة الاستقرار في أوكرانيا وغيرها من المناطق، وكذلك دعمها نظماً معادية، بما فيها سوريا وإيران، وإلى الانضمام بدل ذلك إلى مجموعة الأمم المسؤولة، لمكافحة أعداء مشتركين ومن أجل حماية الحضارة نفسها».
وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أصدر بياناً حدد فيه موقف واشنطن قبل قمة ترمب – بوتين، قال فيه إن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع موسكو في سوريا لإقامة «مناطق حظر الطيران، ونشر مراقبين لوقف إطلاق النار، وتنسيق تقديم المساعدة الإنسانية»، مشدداً على ضرورة توحيد جميع الأطراف الجهود لمحاربة «داعش» وعدم سعي دمشق إلى السيطرة على مناطق تحررها المعارضة من «داعش». وتجنّب الكرملين أمس التعليق على بيان تيلرسون أو تصريحات ترمب قبل لقائه بوتين.
وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باريس أمس والتقى نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان لبحث «التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والوضع في سوريا». وأفادت الخارجية الفرنسية في بيان: «نأخذ في الحسبان خطتين، حيث تكمن الأولى في أننا لا نسعى إلى وضع رحيل (بشار) الأسد شرطاً أساسياً للمحادثات. الثانية، أن الأسد لا يستطيع إيجاد حل للصراع في سوريا».
وكان لافتاً أن رئيس الوفد الروسي إلى اجتماعات آستانة ألكسندر لافرينتييف دافع عن نشر مراقبين في مناطق «خفض التصعيد» في سوريا. وقال: «ليست تشكيلات قتالية، وإنما هم مراقبون عسكريون موجودون هناك. ومن الطرف الروسي ستوجد الشرطة العسكرية بصفتها مراقباً عسكرياً. وكما تعرفون يتم تشكيل فصائل الشرطة العسكرية الآن من المسلمين السنة في روسيا الاتحادية الذين يستطيعون إيجاد لغة مشتركة مع السكان المحليين والحيلولة دون وقوع نزاعات».
على صعيد آخر، أفادت وكالة الأنباء الألمانية بأن رئيس أركان جيش النظام السوري العماد علي أيوب تفقّد مواقع قواته في ريف الرقة الغربي، في أول زيارة لمسؤول عسكري رفيع منذ أكثر من 4 سنوات إلى أراضي محافظة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا. ونقل بيان عسكري عن أيوب قوله إن النظام و«الأصدقاء والحلفاء… مصممون على مواصلة الحرب على الإرهاب».
بوتين والخريطة الصعبة/ حسان حيدر
يجلس فلاديمير فلاديميروفيتش على كرسي مكتبه المذهب في قصر الكرملين، وأمامه خريطة للعالم مكتظة بالدوائر الحمر والزرق التي تحدد مناطق النفوذ الروسية والأميركية، وتتقاطع خصوصاً في الشرق الأوسط، وتتداخل كثيراً في شرق أوروبا. يطرق العقيد السابق في الاستخبارات مفكراً كيف يمكنه معالجة الخلل الفادح وجعل اللون الأحمر طاغياً، أو على الأقل مساوياً للأزرق «اليانكي».
«حليفه» المفترض في البيت الأبيض الذي يلتقيه غداً للمرة الأولى، يواجه صعوبات متزايدة وأزمة ثقة بخياراته، قد تفضي في أقل تعديل الى حصاره وفرض رقابة على قراراته، مثلما فعل مجلس الشيوخ أخيراً عندما ألزمه بالرجوع إليه قبل التفكير في أي تخفيف للعقوبات على روسيا، فيما لا يملك في مواجهة الإنهيار المريع في شعبيته، سوى «تغريدات» يستنجد بها لمقاومة ماكينة إعلامية جبارة تعمل بلا كلل للنيل منه، بعدما تحدّاها وقرر تجاوزها.
اللقاء يعقد على أرض ألمانيا (الغربية سابقاً) التي طالما راقبها بوتين من وراء الجدار الذي انهار وجرف معه خزانة ملفاته. وعلى عادة ضباط الاستخبارات، ظن «صاحب» الكرملين أن بإمكانه التلاعب بالأميركيين «السذج»، قبل أن يتبيّن أن الخندق الذي حفره أوباما أعمق مما كان يتصور. تدخله في خصوصياتهم أيقظ مناعة الأميركيين، ورفع العداء لروسيا الى درجة تدعو للترحم على «الحرب الباردة». خسر بوتين الولايات المتحدة، ولم يربح ترامب بعد.
حلفاؤه الآخرون ليسوا من طينة القادة الذين يحلم بهم. غارقون في الفساد الذي أوصلهم الى حكم الجمهوريات السوفياتية السابقة. مشغولون بتحويل انفسهم الى ما يشبه الآلهة، وبنقل ثروات دولهم الى حساباتهم الخاصة، وتمهيد الطريق أمام ورثتهم. لا يمكنه الركون إليهم. فضمائرهم الخارجة من وراء «الستار الحديد» مطاطة، يسهل جذبها بعروض لا تقدر دولته شبه المفلسة على مضاهاتها. كلما استمال أحدهم او أخضعه، قفز آخر الى «حلف الأعداء» والمناورات المقلقة عند الحدود. مشكلته أن أرضه منبسطة كالكف وعاصمته منكشفة، على عكس البرّ الأميركي المطمئنّ الى حماية المحيطين الأطلسي والهادئ.
أما شركاء بوتين في مقاومة نفوذ واشنطن المتأرجح في شرق المتوسط، فلا يستطيع منحهم ثقته إلا في حدود ضيقة جداً، بعدما تأكد أن الإنقلاب متأصل في حمضهم النووي. الإيرانيون مثلاً، يستفيدون منه الى أقصى الحدود ويدفعونه الى خوض معاركهم في سورية، حيث لا يسددون ديناً قبل أن يقبضوه سلفاً أكثر من مرة. يمنحونه هيبة موقتة باتخاذ القرارات، بينما يعملون على الأرض لتطويق أي تفاهم يصبو إليه مع غيرهم. لا يمكنه التخلي عنهم لأنه يشعر بنفسه دخيلاً على منطقة مدججة بالطوائف، تستعصي على معايير التحالفات الطبيعية، وتغصّ بنظريات المؤامرة والحبكات البوليسية.
بشار الأسد خذله أكثر من مرة بقدرته العجيبة على ارتكاب الأخطاء المحرجة في السياسة والقتال. بالكاد ينقذه من ورطة حتى يسقط في أخرى، ويضطر الى استدعائه، إما الى إحدى قاعدتيه في سورية أو الى موسكو، قبل أن يتولى «التنظيف» من ورائه. فالسلاح الكيماوي لا ينضب في ترسانته، ولا قدرة على ضبط ولعه باستخدامه، مستجلباً، على الضد من رغبة موسكو، احتمالات «التأديب» الأميركية.
الأتراك المتقلبون يصافحونه بيد ويطعنونه بالثانية. يستخدمون سورية وكُردها مثقالاً للموازنة بينه وبين الأميركيين وابتزازهم، ويتأرجحون بالأسد بين الدعوة الى الرحيل وبين التغاضي. يستسهلون الانتقال بين ضفتي البوسفور كلما شعروا بالضيق من الامتثال لشروط لا تعترف بقدرتهم على استعادة مجد انقضى مع هزيمتين عالميتين. تركيا، العقدة التاريخية التي ورثها من أجداده القياصرة، لا تزال قادرة على تفكيك أحلامه.
لكن الفارق المحرج في ألوان الدوائر لا يشغل الرجل عن هدف تمديد ولايته، مع ما يستدعيه ذلك من عرض عضلات لإسكات المستنكرين. فسياسة العالم تخضع لأمزجة قادته، ومن المهم أن يبقى لـ «عموم الروسيا» زعيم أوحد.
الحياة
أزمة روسيا في سوريا/ خيرالله خيرالله
بعد شهرين تقريبا، في أواخر أيلول – سبتمبر المقبل تحديدا، يمر عامان على التدخل الروسي المباشر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. أدى التدخل الروسي إلى تفادي سقوط الساحل السوري ومعه المنطقة العلوية في وقت كانت دمشق مهددة بدورها، فيما كانت حلب، في معظمها، تحت سيطرة المعارضة. باختصار شديد، حالت روسيا بفضل سلاحها الجوي دون سقوط النظام في ما يسمّى ظلما “سوريا الأسد”.
تدخّلت روسيا، بطلب إيراني، لمصلحة نظام لا وجود لأيّ شرعية له، اللهم إلا إذا كانت الانقلابات العسكرية التي تحرّكها نزعة طائفية ومذهبية، إضافة إلى حقد للريف على المدينة، يمكن أن تؤسس لأي شرعية من أيّ نوع كان.
كيف يمكن لنظام حافظ الأسد ووريثه بشّار أن يكون شرعيا، ما دام هذا النظام يُعتبر الابن الشرعي لانقلاب عسكري حصل في الثامن من آذار – مارس 1963. هل يكفي أن يكون النظام الابن الشرعي لانقلاب عسكري كي يصبح صاحب شرعية ما تعترف بها دولة مثل روسيا أو إيران؟
جاء الانقلاب في العام 1963 لضرب محاولة أخيرة لإنقاذ سوريا من حكم العسكر ومن حزب البعث المتخلّف الذي استخدمه ضباط سوريون من كلّ الطوائف، في البداية، ثمّ ضباط علويون لتنفيذ مآربهم. توجت تلك المآرب بتفرد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من خريف العام 1970 وصولا إلى توريث نجله في صيف العام 2000 تمهيدا لقيام حكم العائلة بديلا من حكم الرجل الواحد الذي يجمع حوله النافذين في الطائفة أو المنضوين تحت راية هؤلاء من رجال أعمال من سنّة الريف أو بعض التجار من سنّة المدن.
لا مفرّ من الاعتراف بأنّ التدخل العسكري الروسي المباشر الذي شمل إرسال طائرات لقصف المدن السورية، مع تركيز خاص على المدارس والمستشفيات، أنقذ النظام السوري من السقوط العلني في وقت لم تكن هناك سياسة أميركية واضحة باستثناء عمل كلّ شيء من أجل عدم إغضاب إيران. كان الملف النووي الإيراني محور السياسة الأميركية في السنوات الأربع الأخيرة من عهد باراك أوباما.
المهمّ بالنسبة إلى الرئيس الأميركي السابق حماية الاتفاق المرتبط بهذا الملف وما سبقه من مفاوضات بعضها سرّي وبعضها الآخر علني.
استغلت روسيا، في مرحلة زمنية معيّنة، بذكاء شديد كلّ الثغرات التي وجدتها أمامها وذلك كي تثبت أنّها ما زالت تمتلك موطئ قدم في الشرق الأوسط، أي على الساحل السوري. عرف الرئيس فلاديمير بوتين كيف يستفيد من تردّد إدارة أوباما وحال الانكفاء التي ميزت إدارة الرئيس الأسود الأوّل للولايات المتحدة.
لم يكتف بوتين بتثبيت الوجود العسكري الروسي في سوريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ بدأ الضباط الروس يشرفون على قطاعات عدّة في سوريا، بما في ذلك إعادة تنظيم فرق معيّنة في الجيش النظامي الذي تبيّن مع الوقت أن لا أمل في إعادة الحياة إليه ما دام النظام الحالي قائما، وما دامت الميليشيات المذهبية التي أرسلتها إيران تسرح وتمرح في الأراضي السورية.
كان همّ روسيا محصورا في إثبات أنّها ما زالت قوّة عظمى. نجحت في ذلك لبعض الوقت فقط. لكن ما تبيّن مع تطوّر الأحداث هو أن رهانها على أوباما وإدارته ما لبث أن ارتدّ عليها. استطاعت إدارة بوتين إقامة تحالفات كثيرة في المنطقة، بما في ذلك مع تركيا.
عرفت موسكو كيف تلعب الورقة التركية في وقت كان رجب طيب أردوغان يواجه صعوبات كبيرة إنْ على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة أو نتيجة وضعه الداخلي والمنافسة القائمة بينه وبين فتح الله غولن المتهم بأنّه وراء المحاولة الانقلابية عليه… أو بسبب الأكراد وطموحاتهم ومخاوف تركيا منها.
انتقلت روسيا من طرف قوي قادر على أخذ المبادرة في سوريا إلى طرف عليه تجميع أكبر عدد من الأوراق لإقناع إدارة دونالد ترامب بالدخول في صفقة معه. يحصل ذلك في وقت لم ترسم بعد إدارة ترامب على الرغم من مضي ستة أشهر على دخوله إلى البيت الأبيض سياسة سورية محدّدة. اكتفت إدارة ترامب، إلى الآن، بتعزيز قواتها في سوريا ودعم المقاتلين الأكراد في مناطق سورية معيّنة مثل الرقّة.
في انتظار كشف الولايات المتحدة عن سياستها السورية، يظهر جليّا أن الوقت لا يعمل لمصلحة الروسي أو الإيراني. حددت أميركا خطوطا حمرا في التنف وحولها وأقامت مطارات عسكرية عدّة. لديها حاليا نحو عشرة آلاف جندي في الأراضي السورية.
في المقابل، تبدو موسكو أسيرة لعبة لم تكن قادرة منذ البداية على خوضها والذهاب فيها إلى النهاية، لا لشيء سوى لأنها لا تمتلك اقتصادا قويّا يسمح لها بذلك.
يبدو واضحا أن روسيا لم تتعلّم من تجربة الاتحاد السوفياتي. ماذا إذا استمر سعر برميل النفط في الهبوط؟ ماذا إذا فرضت الولايات المتحدة عليها عقوبات جديدة؟ ليس ما يشير إلى أن إدارة ترامب غير مستعدة لذلك. هناك هاجس لجوء الكونغرس إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا يجعلها خارج النظام المصرفي العالمي الذي تتحكّم به أميركا.
تعرف إيران جيّدا ماذا تعني عقوبات من نوع الخروج من النظام المصرفي العالمي. الأكيد أن روسيا لا تريد أن تجد نفسها في وضع إيران التي تعاني في الوقت ذاته من عجز عن استيعاب معادلة في غاية البساطة. هذه المعادلة هي أن ليس في استطاعة أنظمة ودول لا تمتلك اقتصادا قويّا لعب أدوار تفوق حجمها.
تستطيع أميركا أن تنتظر. ما همّها إذا بقيت سوريا موحّدة أم تفتتت. كذلك الأمر بالنسبة إلى إسرائيل الفرحة بالتورط الروسي والإيراني في سوريا وستكون فرحة أكثر بالتورط التركي. ليس لدى إسرائيل ما تقلق في شأنه ما دام الروسي مستعدا كلّ يوم لمراضاتها حرصا على إبقائها جسرا من جسور الوصول إلى إدارة ترامب.
يظل السؤال الذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف هل لدى روسيا ما تبيعه لإدارة ترامب وذلك في وقت تشير كلّ المعطيات إلى أن إدارة بوتين لم تعد متماسكة كما في الماضي بسبب التدهور المستجد على الوضع الاقتصادي الروسي.
ماذا يجري في روسيا؟ ماذا يجري في إيران؟ ماذا يجري في تركيا التي تبدو مستعدة لإرسال قوات إلى داخل سوريا بسبب الأكراد؟ الثابت أن كلّ المتورطين على الأرض السورية في حيرة من أمرهم باستثناء الأميركي الذي لا يمتلك القدرة على الانتظار فحسب، بل على اعتبار أن رأس بشّار الأسد لم يعد ورقة، بغض النظر عن الاستعراضات المضحكة المبكية التي يقوم بها رئيس النظام بين وقت وآخر. استطاعت روسيا أن تبقيه في دمشق. هل يحل ذلك أي مشكلة من مشاكل سوريا؟ هل يحلّ مشكلة غياب أي أفق للوجود العسكري الروسي في غياب الرغبة الأميركية بحصول صفقة ما بين موسكو وواشنطن؟
حسنا، منعت روسيا نظاما صار في مزبلة التاريخ من السقوط العلني. هل هذه سياسة أم خزعبلات لا تلجأ إليها سوى الدول التي لا تعرف حقيقة ما تستطيع تحقيقه وحقيقة ما لا تستطيع تحقيقه؟ وأين يجب أن تكفّ عن لعب أدوار أكبر من حجمها؟ إنّها بالفعل أزمة روسيا في سوريا.
إعلامي لبناني
العرب
ترامب قد يتنازل في أوكرانيا ليتنازل بوتين في شأن إيران/ عبدالوهاب بدرخان
لا يريد فلاديمير بوتين لقاء عابراً مع دونالد ترامب، على هامش قمة العشرين في هامبورغ، بل اجتماع عمل «براغماتياً» كما وصفه سيرغي لافروف. «القيصر» يريد نتائج، وهذا يناسب رجل الأعمال النيويوركي. ثمة نزاعات إقليمية- دولية تتولّى فيها روسيا أدواراً رئيسية وتسعى الى حلّها أو على الأقل الى تحريكها بالتنسيق أو التفاهم مع الولايات المتحدة، لكن محاولاتها مع إدارة باراك أوباما لم تسفر عن نتائج، لأن الطرفين لم ينضّجا الحلول الممكنة، أما المحاولة مع إدارة ترامب فلم تبدّأ جدّياً بعد وما أمكن التوصّل اليه إمّا تثبيت تفاهمات سابقة بالنسبة الى أزمة سورية في ملفَّي محاربة الإرهاب ومقاربة الصراع الداخلي، أو وضع تفاهمات مبدئية جديدة على محك الاختبار ومنها على سبيل المثال عدم التعرّض الأميركي لقوات النظام السوري شرط ألا ترتكب عمليات قتل جماعي بالسلاح الكيماوي.
أبدى الرئيس الروسي أكثر من مرّة استعجالاً، بالتالي استياء من تلكوء إدارة ترامب، ثم حنقاً على عقوبات جديدة فُرضت على بلاده سواء من البيت الأبيض أو الكونغرس ردّاً على التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية. وربما يُعزى الاستعجال الى الاتصالات المسبــقة التي تركت لدى بــوتـــين اقتناعاً بإمكان الرهان عـــلى أن الأفكار والخطط التي يحـــملها ترامب وتشير الى أن فوزه بالرئاسة سيترجم سريعاً بـ «صــفقة» تلبّي أبرز المطالب العاجلة لروسيا وأهمها رفع العقوبات عنها، فيما تضع على السكة احتـــمال تحقيق بعض أهدافها الاستراتيــجية بالنسبة الى تعديل المـــنظومة الدفاعية الأوروبية (الأطلسية). لكن بوتـــين استخفّ خطأً بـــتداعيات التدخل الالكتروني في الانتــــخابات واعتبرها ادعاءات وأوهاماً، على رغم أنه أوحى بالعكس في مقابلته مع المخرج الأميركي اوليفر ستـــون حـــين ذكّر بتدخلات أميركية مماثلة ضدّه، وكأنـــه يدعـــو الجانب الأميركي الى قبول الندّية: «فعل مقابل فــــعل». غير أن القضية أعادت شحذ العداء الأميركي- الروسي داخل مؤسسة الحكم الأميركي ما أثّـــر سلباً في دينامية توجّهات ترامب تجاه روسيا، وما لبث انكشاف اتصالات العديد من أعوانه والقريبين منه مع الروس أن فاقم العراقيل أمامه.
مع استقالة الجنرال مايكل فلين، قبل أن يُكمل شهره الأول في مستشارية الأمن القومي، تفرملت الماكينة الروسية وهي في أوج تأهبها لتحريك العلاقات مع أميركا. هبطت بورصة التوقّعات المتفائلة في موسكو لتبقى مستعدة للتعامل «بإيجابية» مع السياسات الجديدة في واشنطن، غير أن هذه تأخرت في التبلور أو بدأت تظهر متقطّعة ومتفاوتة، إذ يصعب أخذها كتوجّهات منبثقة من رؤية واضحة وبعيدة المدى. بل كان فيها ما أربك موسكو، كالضربة الصاروخية على مطار الشعيرات في سورية، أو تجديد التشدّد في العقوبات على خلفية النزاع الأوكراني، أو خفض التوتر مع أوروبا في شأن مسائل الدفاع ومستقبل «الناتو»… لعل بوتين بالغ ويبالغ في تقدير مدى الضعف الذي بلغته المبادرات الخارجية الأميركية، كما في تعظيم قدراته على استغلال ذلك الضعف لبلوغ حال من التحكّم بقرار واشنطن من خلال التحكّم المسبق بتوجّهات الرئيس الجديد.
كان بوتين حصد عام 2013 أفضل النتائج مع أوباما، فعلى رغم القطيعة بينهما بسبب قضية منح موظف الاستخبارات المنشقّ ادوارد سنودن التقى الرجلان على هامش قمة العشرين في سان بطرسبورغ، وتمكّن بوتين من إقناع أوباما بتجاهل «الخط الأحمر» الذي حدّده لضرب النظام السوري الذي تخطّاه فعلاً بالهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية. واعتبر الرئيسان لاحقاً أن اتفاقهما على تصفية ترسانة بشار الأسد الكيماوية كان أفضل انجازاتهما المشتركة. لكن الهجوم على خان شيخون والضربة الأميركية التي أعقبته أعادا رسم «الخط الأحمر» ولو أن ترامب لم يعلنه رسمياً، بل جدّداه من خلال التحذير الاستباقي الأخير. وفي أي حال يطمح بوتين مع ترامب الى ما هو أكثر من معالجة ملف عاجل، لكن الخلافات وعدم التناغم بين البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون أربكت الاتصالات بين الجانبين وأخّرت الإعداد للقاء عملي ومؤهّل لأن يُحدث اختراقاً.
تعلّم «القيصر» مثل غيره من الحكام أن هناك مسارات عدة للعمل مع واشنطن، فما يراه البيت الأبيض ليس ما يراه البنتاغون والخارجية والكونغـــرس. ولـــعله يراهن الآن على القناة الخاصة التي يمثّلها هنري كيسنجر منذ أيام أوباما من دون تكليف، وواظب عليها قبيل انتخاب ترامب وبعده ويواصلها الآن بتكــليف رســـمي منه. يمكن القول إن وزير الخارجية السابق كيسنجر، وليس أي مسؤول آخر في الإدارة، هو الذي يعدّ الخطوط العريضة لأجندة لقاء هامبورغ. وفي ضوء الأفكار التي صرّح بها أو نُقلت عن اجتماعاته مع ترامب، فإنه يميل بشدّة الى توافق بين الدولتين الكبريين. كانت الأزمة الأوكرانية هي التي أثــارت قلـــقه من تدهور العلاقات الروسية – الأميركية وعودة مناخات الحرب الباردة، لذلك كتب أكثر من مرّة منظّراً لروسيا كـ «عنصر رئيسي في أي توازن عالمي جديد» مستبعداً تصنيفها كـ «خطر رئيسي ومطلق يهدّد أميركا»، كما دعا الى تشكيل «منظومة عالمية جديدة متعدّدة الأقطاب تراعي التوازنات الجديدة وتساهم في إنهاء التوتّرات الحالية»، ومن ذلك حلّ الأزمة السورية «بعد فشل الأطراف المحلية والإقليمية»، وأيضاً حلّ أزمة أوكرانيا «بدمجها في منظومة الأمن الأوروبي لتصبح جسراً يربط بين روسيا والغرب».
على رغم أن اقتراح كيسنجر في شأن أوكرانيا لم يلقَ عام 2016 استجابة بوتينية، تحديداً بسبب مواصلة نشر منظومات الصواريخ في أوروبا وإقامة قواعد عسكرية أطلسية قريباً من الحدود الروسية. لكن الفكرة لا تزال قائمة، وإذا أمكن تحسينها فقد تشكّل انطلاقة للتفاوض. كيف؟ اذا كانت أميركا تعتبر الصين تحدّياً رئيسياً ينبغي ترويضه فما عليها سوى أن تصلح علاقتها روسيا. أي أن كيسنجر يطرح عملية عكسية لتلك التي نفّذها مطلع سبعينات القرن الماضي عندما فتح العلاقة مع بكين للّعب على «توازن القوى» مع روسيا في أوج الحرب الباردة. لكن الظروف تغيّرت، فالعلاقة الروسية- الصينية مستقرّة ويصعب تفكيكها والتأثير فيها، بل إن أقصى ما يؤمل راهناً هو ضبط تحدّيات روسيا وابتزازاتها لئلا تكون مصدر تشويش وازعاج لاستراتيجية أميركا حيال الصين. ولا شك في أن محاربة الإرهاب محور رئيسي محادثات كيسنجر، وبذلك يكون قد فصّل رؤية تتناسب مع ما طرحه ترامب خلال حملته الانتخابية وربما تتناسب أيضاً مع توقّعات بوتين.
يبقى أن «التوافق» المنشود لا بدّ أن يعرض حافزاً ما لاجتذاب بوتين، فهو أحرز الكثير من المكاسب لكنه في مأزق يريد التخلّص منه، اذ إنه ضمّ شبه جزيرة القرم ليفرض تقاسماً لأوكرانيا فجُبه بعقوبات موجعة، ثم أقدم على تدخّل «موقت» في سورية ليفرض مساومة أوسع لم تستجب لها أميركا، ومع أنه يرتّب الآن وجوداً طويل الأمد في سورية فإن تعقيدات الأزمة تحتّم «شراكة» أو تعاوناً مع أميركا. في هذا السياق يعتبر كيسنجر أن في الأزمتين الروسية والأميركية عناصر لا يمكن الدولتين الكبريين السيطرة عليها من دون تنسيق استراتيجي، وهو ينطلق من ضرورة رفع العقوبات عن روسيا -استناداً أيضاً الى رغبة العديد من الدول الأوروبية- لكن في إطار حلٍّ مبتكر لأوكرانيا بحيث لا تكون مصدر تهديد لهذا الجانب أو ذاك. أما قضية سورية ومتفرعاتها الكثيرة فتتطلّب أكثر من مجرّد تنسيق للضربات الجوية، وباتت تلحّ على الدولتَين الكبريَين التفاهم على «هيكلية لصياغة الحلول السلمية في الشرق الاوسط».
لكن العنصر الناقص أو المكتوم في أي أطروحة روسية صار عنصراً ثابتاً ومحورياً في الاستراتيجية غير المكتملة لإدارة ترامب. إنه انفلاش النفوذ الإيراني وتهديده لأي استقرار في المنطقة، ولعله بات «الخط الأحمر» الذي يبدو ترامب مصمّماً على احترامه وتفعيله، على عكس ما فعل أوباما. وحتى الآن لا تبدي روسيا معارضة ولا موافقة على هذا الخط، وإن كانت تراقب الاحتكاكات الأميركية- الإيرانية في سورية وإلى حدّ ما في العراق. والمؤكّد أن موسكو لن تتخذ وجهة في هذا الصراع إلا بعد اتضاح مسار العلاقة مع أميركا.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
“هاوس أوف كاردز” تنبّأ بلقاء ترامب ببوتين؟
والتقى ترامب ببوتين.. لكن ماذا بعد هذا اللقاء؟ سؤال طرحه موقع “هاف بوست” الأميركي عقب انتهاء فعاليات قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية، في معرض تصوّرها لمستقبل العلاقة بين الرجلين وانعكاسها على العلاقات الأميركية الروسية، لتخلص بالقول إنّ ضمان علاقات أقوى وأفضل مع روسيا يعني أن ترامب سيعود إلى بلده حيث سيواجه مزيداً من الانتقادات والتراجع في شعبيته.
وفي حين تتطلع غالبية الأميركيين إلى روسيا ورئيسها كأعداء حقيقيين يشكّلون خطراً على الولايات المتحدة وديموقراطيتها، إلا أن ترامب وفي اجتماعه الجانبي مع بوتين، على هامش جدول أعمال القمة، بدا أنه تجاهل مجدداً كل ذلك، بعدما “منح بوتين بالضبط ما يريد”، بحسب ما رأت صحيفة “نيويورك تايمز”، موضحة أنه في الوقت الذي عرضت فيه وسائل الإعلام الأميركية تفسيرات مختلفة للاجتماع بين ترامب وبوتين وما قد يؤول إليه مستقبلاً، وما تخلله من مناقشة ما إذ كان ترامب قد أظهر عزماً أمام بوتين أم أنه وقع في الفخ، إلا أن الصحافة الروسية اختلفت على أمر واحد، ألا وهو الترجمة الصحيحة لكلمة “هائل”، التي استخدمها ترامب لوصف الاجتماع، فيما أجمعت وسائل الإعلام الروسية الرسمية على اعتبار أن ما حصل خلال الاجتماع بين بوتين وترامب يندرج في إطار “الانتصار الكبير”.
“نيويورك تايمز” التي استبقت لقاء ترامب وبوتين بالقول إنه يمثّل مجازفة دبلوماسية وسياسية لترامب، الذي يواجه سلسلة من الانتقادات والاتهامات بارتباط حملته الانتخابية بروسيا، بالإضافة إلى تساؤلات عن مدى استعداده للتعامل مع موسكو رداً على اعتداءاتها العسكرية وتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمساعدته، اعتبرت، عقب انتهاء القمة التي تضمنت الاجتماع المذكور، أنه ليس مستغرباً أن يصف الاعلام الروسي ذاك اللقاء بـ”النصر الكبير”، طالما أن العديد من الملفات والقضايا الهامة والإشكالية لم تتم مناقشتها بالشكل المطلوب، بل إن بعضها لم يتم التطرق إليها من أساسه، في حين أن الانجاز الوحيد الذي رشح عن الاجتماع هو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بشكل جزئي في سوريا، الأمر الذي أراده بوتين، باعتبار أن ذلك يعني، بالنسبة إليه، أن روسيا والولايات المتحدة هما طرفان متساويان في المفاوضات الخاصة بالحرب السورية.
ترامب الذي سعى خلال الاجتماع لتكريس معادلة المساواة بين أميركا وروسيا، ارتكب خطأً كبيراً نظراً لوجود اختلافات جوهرية بين الطرفين لا يمكن تجاهلها أو صرف النظر عنها، على ما تقول شبكة “سي إن إن”، التي سلّطت الضوء على انعدام الخبرة في مجال السياسة الخارجية لدى ترامب ووزير خارجيته، ما ساهم بترك مجال محدود للمناورة في مجال السياسة الخارجية، عدا عن أن ترامب يواجه أدنى مستويات الشعبية في استطلاعات الرأي الأميركية، وأتى لقاءه ببوتين ليضعه أمام تحدٍ جديد، حيث بات عليه أن يواجه الاتهامات له بالضعف ومحاباة الرئيس الروسي.
اللقاء الذي أجمعت معظم وسائل الإعلام الغربية على وصفه بأنه سوف يحدد علاقة أميركا وروسيا في المستقبل، تعاملت معه وسائل الإعلام الروسية بعقلية المنتصر، حيث أشارت وسائل إعلام روسية محلية إلى أن الود الذي بدا بين ترامب وبوتين شكّل ضربة لمعارضي الرئيس الأميركي في الداخل، كما أن المحافظين الجدد استشاطوا غضباً جراء هذا اللقاء وما برز خلاله من ودٍ وتقاربٍ بين الطرفين، إذ إن الاجتماع شكّل أهم لحظات القمة وأكثرها إثارة للجدل، خصوصاً لحظة المصافحة بين بوتين وترامب، التي ما تزال وسائل الإعلام تحللها من وجهة نظر علم الفراسة ولغة الجسد، في حين أن الصورة التي توثّق لحظة المصافحة صارت من أكثر الصور تداولاً وتعليقاً في مواقع التواصل.
ووفقاً لتقرير بثته “بي بي سي” كانت لغة الجسد للرئيس الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين تقول الكثير. فعندما يخاطب ترامب الجمهور فإنه يقوم بالتواصل البصري بشكل كامل أما بوتين فلا يقوم بالتواصل البصري فهو ينظر إلى الاسفل في معظم الأحيان ثم يسترق النظر إلى اعلى. وهو الأمر الذي فسرته وسائل إعلام عديدة بنقلها تصريحات عن خبراء في علم الفراسة، الذي أجمعوا على أن ترامب وبوتين تصرفا خلال أول مصافحة لهما بحذر، وترامب بدا مهتماً بالاجتماع أكثر من بوتين ولهذا فإنه حاول استشعار الرئيس الروسي. كما أن ترامب تصرّف ضمن تكتيك الاستطلاع بالقوة فيما بوتين تصرّف بضبط النفس.
صورة الرئيسين خلال أول لقاء لهما كانت أيضاً موضع سخرية في مواقع التواصل، التي ضجّت في اليومين الأخيرين بوابل من التعليقات الساخرة، فيما كان التعليق الأبرز بمقارنة أجراها مغردون بين الصورة المذكورة (التي تظهر ترامب ماداً يده لبوتين، فيما يبدو الأخير متريثاً بالتفكير عما إذا كان سيبادله السلام باليد أم لا)، ولقطة من السلسلة التلفزيونية الدرامية السياسية “هاوس أوف كاردز”، والتي أظهرت تشابهاً كبيراً في الوضعيات التي اتخذها الرئيسان مع مشاهد المسلسل التلفزيوني، ما جعل مغردين أميركيين يتساءلون إن كان كتاب سيناريو المسلسل تنبأوا بالمستقبل. فخلال الموسم الثالث من المسلسل، الذي يلعب فيه الممثل الأميركي الشهير كيفين سبيسي دور البطولة، يظهر في إحدى اللقطات الرئيس الأميركي فرانك أندروود، الذي يجسد شخصيته سبيسي، في لقاء مع نظيره الروسي فيكتور بتروف، الذي يجسد شخصيته الممثل الدنماركي لارس ميكلسن، وهما يتصافحان قبيل اللقاء الذي اتخذوا خلاله الوضعية نفسها التي اتخذها كل من ترامب وبوتين خلال لقائهما.
المدن