صفحات العالم

عن المعارضة السورية –مقالات مختارة-

الثورة السورية وصدمة الحقيقة في نهاية مرحلة التجريب/ حامد الكيلاني

هل نحن بخير؟ الواقع يخبرنا بأننا لسنا بخير، وكل إجاباتنا نحاول تدعيمها بالأمل المفقود، ربما هذا ما تبقى من غابة الأيديولوجيات التي فقدت في خريفها أشجارها وتعرت تربتها، لنواجه بالجملة مداهمات الموت في شوارعنا وبيوتنا وغرف نومنا.

إنها الحقائق، لا نحبها ولا نريد منها أن تزورنا، نحن نعترف بأننا لسنا بخير وأن البناية أو الوطن الذي نسكن فيه انهار فوق الرؤوس.

ليس بالإمكان أن نفكر في مبيعات أوهام السلطة أو المجتمع الدولي أو الدول الكبرى أو مجلس أمن سيعيد الرؤوس المقطوعة إلى التفكير بالتعايش واحترام المؤسسات؛ لا شيء يدعو إلى الجد ومحمله وسط حي مدمر فيه ناجون ينتشلون موتاهم من آخر تجربة قصف يجربها النظام، بدعم وإشراف ومعونة من مجموعة منصات تسوق الحروب.

الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وصف حلب بـ”المسلخ”. وفي قمة اللاجئين أعلن ستيفان دي مستورا، المبعوث الأممي إلى سوريا، بلغة دبلوماسية موت الحل السياسي بعد الموت المروع للمدن السورية وساكنيها، عندما نبه إلى تفاقم المأساة بعد انهيار الهدنة.

وطفت على السطح كلمة المهمة المستحيلة في كلمة فيتالي تشوركين المندوب الروسي في مجلس الأمن، وكذلك ممثل النظام السوري في الأمم المتحدة، وتكرار مفردة استحالة الحل السلمي من قادة الحرس الثوري الإيراني ومندوبيهم في العراق ولبنان.

المتغيرات على الأرض في السياسة الدولية وتقاطعاتها مع المفاجآت المتسارعة في العلاقات الإقليمية، أوصلت الأمور إلى صدمة الحقيقة، وهي لحظة المواجهة الصارخة التي يجب أن تستوعبها المعارضة السورية بكافة وفصـائلها، وهي، أي الصدمة، نسخة أصلية ينبغي الوثوق بها والتعامل معها لا مع غيرها من نسخ تم تداولها في المؤتمرات والاتفاقيات الهشة والثنائيات الأميركية الروسية التي كان القصد منها الفشل، للاستمرار برسم السياسات المرتبطة بالأهداف الروسية، وهي دعم النظام الحاكم في سوريا، وإضاعة الوقت في سلسلة من الأكاذيب تتعلق بالمرحلة الانتقالية والجدل حول مسألة رحيل الحاكم السوري؛ هل تكون في بدايتها أو في نهايتها.

كان الجميع على يقين من أن الحاكم السوري لن يرحل. فطبيعة النظام وتاريخه السلطوي والأمني والمخابراتي، وتعامله بغرور مع الثورة السورية في أيامها وشهورها الأولى لا تعطي فرصة للتفكير، حتى ولو باحتمال ضئيل، في الاستجابة إلى مطلب حتمي هو رحيل الحاكم.

بعثرة الجهود والدماء وتدمير سوريا كانت ثمن الثقة بالمجتمع الدولي والدول الكبرى.

التجريب، هي مرحلة وقعت في فخها المعارضة السورية، رغم أن التجربة تكمن في فترة حكم 40 عاما سابقة، مضافة إليها سنوات الثورة، تمددت فيها شبكة سلطة العائلة وتغلغلت في الجذور والفروع والأغصان.

المعارضة وفصائلها المسلحة استعارت تضارب المصالح الدولية في عملية التجريب المتكررة، وظنت أن روسيا، مثلا كدولة كبرى، ستوفر أرضية يمكن أن تبنى عليها تعهدات وصيغ تفاهمات ستؤدي في النهاية إلى رحيل الحاكم وإقامة نظام ديمقراطي برعاية أممية.

لكن التجريب كان تطبيقا لبرنامج متعدد سلكه الجميع للوصول إلى غايات خاصة.

روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين وجـدا سوريا بمثابة صندوق بريد لتوصيل الرسائل الحادة إلى حلف الناتو ووالولايات المتحدة تحديدا، في ما يخص أزمة أوكرانيا والعقوبات المفروضة، وزادا إصرارا في وقاحة موقفهما وتماديهما بدعم النظام السوري وحليفه الإيراني وتشكيل جبهة معادية للشعب السوري.

وأفرط الروس في استخدام القوة وسلاحهم الجـوي لقصف المـراكز والتجمعـات المدنية، على غرار المشافي والمدارس والمخابز والبنايات السكنية وغيرها، رافقتها مواقف دبلوماسية أخجلت منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، بإصرارها على حق الفيتو لإفشال أي قرار حتى لو تعلق بالشؤون الإنسانية، إلى أن باتت الأمم المتحدة مثار امتعاض وتساؤلات عن حق الدول الخمس في استثمار انتصـارها بالحرب العـالمية الثانية للاستئثار والاستثمار طويل الأمد لحق الفيتو، واستعمار الشعوب بهذا الحق المكتسب كقانون دولي أملته حقبة زمنية معينة وعلى بقايا عصبة الأمم.

روسيا اشتركت مع الحاكم السوري في لعبة الوقت إلى أن أكملت استعداداتها لتحقيق مكاسب عسكرية، وأحكمت قبضتها على المدن وتم تطويق مدينة حلب وفرض واقع جديد؛ ولهذا حانت لحظة الحقيقة وصدمتها بالحديث عن استحالة الحل السلمي وترجيح الحل العسكري.

الجانب الآخر من التجريب يشمل أميركا وأوروبا والعالم بأسره الذي يتناول فيه المسؤولون، وبعضهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن، الهجمات الروسية ويصفونها بالبربرية في حلب وليست حربا ضد الإرهاب، أو بالمشاركات العاطفية المفجوعة بما يجري في حلب وكذلك فعل الأمين العام للمنظمة الدولية، دون أي إجراء فاعل لإيقاف المهزلة.

دور الرئيس الأميركي باراك أوباما تجسد في ترك سوريا والشرق الأوسط عموما في حالة فراغ ملأته روسيا باستعراض قوتها بقسوة عسكرية ودبلوماسية مملة، كان من نتائجها الاستخفاف بالسياسة الخارجية الأميركية من قبل أعضاء في الكونغرس، وصفها أحدهم بسياسة الفنادق 5 نجوم في إشارة إلى لقاءات كيري – لافروف، التي أدت إلى تغول نظام الحاكم السوري ومعه روسيا بعد نتائج الاتفاق على الهدنة وفشلها الكارثي.

آشتون كارتر، وزير الدفاع الأميركي، وأثناء زيارته لإحدى قواعد الصواريخ النووية في بـلاده، أدلى بتصريح يوجز القلق من السلاح النووي في الاتحاد الروسي بعهدة فلاديمير بوتين، ويراه أكبر من القلق في سنـوات الحرب الباردة التي كان فيها السلاح النووي بعهـدة قادة الاتحـاد السوفيتي؛ وربمـا يلخص هـذا الحذر الأميركي من تصعيد الصراع مع روسيا في ما يخص الوضع في حلب تحديدا.

مع ذلك بدأت الخيارات الأميركية بالتوجه للبحث عـن مداخلات عسكرية لم يتم الإفصاح عنها، لكنها على الأكثر ستكون بتجهيز المعارضة المعتدلة بالأسلحة التي كانت أميركا تفرض حظرا عليها، وهي أسلحة تتطلب تجهيزا وإعدادا وتدريبا، بما يعني أنها أسلحة ستتأخر زمنيا، لكن ميدانيا لا يمكن تقبل احتمالات الحسم العسكري لصالح النظام السوري وروسيا وإيران، ولذلك فإن البديل قد يكون في الصواريخ المضادة للطائرات، بعد أن شاهدنـا في اليومين الماضيين نتائج صـواريخ الراجمـات، وأثرها في تغير موازين القوى في المناطق التي استخدمت فيها.

المعـارضـة السـورية تبنـت التجـريب ليـس فقط بوضع آمالها في سلة جنيف وانتظار تحسن المزاج الأميركي، وسياسة حسن النيات وطلبات الرجاء التي يقدمها وزير الخـارجية الأميركي جـون كيـري لنظيره الصديق الروسي المتجهم سيرغي لافروف للضغط على حليفه النظام السوري للقبول ولو بحضور المفاوضات في جنيف، إنما في اتباع النموذج الليبي وغيره، أو اتباع أساليب ضيعت الجهد والسلاح وفرصة التركيز على العمليات النوعية المباغتة وأثرها في تحطيم معنويات النظام الحـاكم وتجنيب المـدنيين ردود فعله الهوجاء.

صدمة الحقيقة وساعة مواجهتها حلت، والتجريب انتهى مفعوله بالتجربة الدموية والإبادات ومسلخ حلب.

والسؤال بسيط، هل نحن بخير؟ لا، نحن لسنا بخير. لكن اللعبة انتهت والغيوم تبددت وتلك مرتبة تحمل المسؤولية بشجاعة وفرصة نادرة حيث لا تراجع.

كاتب عراقي

العرب

 

 

المعارضة السورية: يا وحدنا/ محمد أبو رمان

على الرغم من بروز الخلافات بين جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وشريكها الاستراتيجي في المعارضة السورية المسلحة، حركة أحرار الشام، عبر البيانات المتبادلة بخصوص الموقف من عملية درع الفرات التي تقودها تركيا في الريف الشمالي لحلب والمناطق الحدودية، إلاّ أنّ ذلك ليس مؤذناً بنهاية هذا التحالف، أو بموافقة الفصائل الإسلامية المختلفة على الشروط الأميركية بالتخلي والانفصال عن جبهة فتح الشام.

بدأت الخلافات مع الرد الواضح الذي أصدرته جبهة فتح الشام على بيان “أحرار الشام” الذي يؤيد العملية، بينما رفض الطرف الأول ذلك بشدة، ثم بدأت حالة الاصطفاف واضحةً في وقوف الفصائل السورية الإسلامية الأخرى إلى جانب “أحرار الشام”، إذ أصدر المجلس الإسلامي في حلب بياناً يؤيد العملية، بينما أصدر أحد مرجعيات جبهة فتح الشام، الأردني أبو محمد المقدسي، تصريحات شديدة ضد العملية والمشاركين فيها.

المتغيّر الرئيس وراء الخلاف بين الطرفين (“فتح الشام” من جهة والأحرار والفصائل الأخرى من الجهة الثانية) يكمن في الموقف التركي، خصوصاً بعد فشل محاولة الانقلاب العسكرية، وإنْ كانت بوادر التغيّر بدت قبل ذلك، فالأتراك الذين دعموا المعارضة المسلحة في مواجهة الحصار، وساعدوهم على كسره في منطقة الراموسة، لم يأخدوا مدىً أبعد في معركة حلب، فتُركت المعارضة المسلحة وحيدةً لمواجهة الحملة العسكرية الجوية الروسية غير المسبوقة، والدعم العسكري الإيراني غير المحدود على الأرض.

واضح أن الرئيس التركي أردوغان استدار نحو مصالح بلاده القومية وأمنها الوطني، وقرّر الالتفات إلى الحدود والمسألة الكردية وإقامة المنطقة العازلة، بعد أن أدرك حجم التغير الكبير في المواقف الدولية والغربية تجاه سورية، مع هشاشة الموقف العربي، ومحدودية الخيارات التركية في السياسة الخارجية.

يبدو أن القرار الجديد، أي الاكتفاء بالمنطقة الآمنة، جاء في سياق التصالح والمهادنة مع الروس، والضوء الأخضر الأميركي، بعد أن تدهورت العلاقة بين الطرفين (الأميركي- التركي) بعد محاولة الانقلاب، مع إصرار الأتراك على تسليم فتح الله غولن لهم. ثم تراجع حدّة الخلافات بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي، جون بايدين، أنقرة، ولاحظنا بعدها كيف أن الأميركان قدّموا تنازلاتٍ في المسألة الكردية، فيما يبدو أن المطالب التركية في موضوع غولن تراجعت.

على أيّ حال، أضعف التحوّل في الموقف التركي الموقف الاستراتيجي للمعارضة المسلحة في حلب، وأعطى فرصةً كبيرةً للروس والإيرانيين لتشديد الحصار، وتعزيز الحملات الجوية والبرية، وهو ما انعكس على رهانات المعارضة تجاه الأتراك، والتغير في مقاربتهم تجاه سورية؛ فبينما رأت جبهة فتح الشام في عملية درع الفرات تمهيداً لتسليم حلب للنظام، وتخلياً تركياً عن دعم المعارضة، رأت “أحرار الشام” والفصائل الإسلامية الأخرى في المقاربة التركية، على الرغم من التحولات الأخيرة، مفيدةً في المناطق الشمالية، للحفاظ على هويتها، ومنع استيلاء الأكراد عليها.

لا يعني ذلك بداية النهاية لعلاقة “فتح الشام” بالفصائل الأخرى، وبالأحرار تحديداً، فهذه ليست المرة الأولى لخلافات بين الطرفين، إذ أمكن تجاوزها سابقاً، على الرغم كذلك من وجود أجنحةٍ في هذه التنظيمات، جبهة فتح الشام والمعارضة الأخرى، تدفع نحو فك الارتباط، ويتمثل السبب في بقاء التحالف قائماً، وديناميكياته فاعلةً، في أنّه لا بديل أمام الطرفين، ولا خيار سوى الانتحار.

لماذا؟ بالنسبة للفصائل الإسلامية و”أحرار الشام”، لا تتزاوج المطالب الروسية والأميركية بالتخلي عن جبهة فتح الشام مع أي وعودٍ أو آفاق عسكرية أو سياسية حقيقية، فالمطلوب فقط التخلي عن الجبهة، لكيلا تضرب هذه الفصائل، وهي وعودٌ غير مقنعة، في هذا المنعطف الحاد في مصير الثورة المسلحة، فجبهة فتح الشام أحد أهم الفصائل في حلب وإدلب والمناطق الأخرى، وسيُحدث التخلي عنها أو الاصطدام بها، تغييراً جذرياً في ميزان القوى لصالح النظام، ويقلب المعادلة كلياً.

وبالنسبة لجبهة فتح الشام التي تخلت عن الارتباط بالقاعدة، ودخلت في صدامٍ مع داعش، وعقدت تحالفاتٍ مع الفصائل الأخرى، سيجعلها الصدام مع الفصائل الأخرى معلقةً في الهواء، لا هي مع “داعش” ولا مع الفصائل المسلحة، ولا مقبولة دولياً ولا محلياً، وسيضعف تماسكها الداخلي أكثر وأكثر.

إذاً خيارات المقاومة السورية اليوم محدودة وواضحة، وهي البقاء متماسكةً موحدةً في اللحظة العصيبة الحالية من أحداث حلب، وبعدها لكل حادث حديث.

العربي الجديد

 

 

هل تستطيع النصرة وحلفاؤها إرباك أي اتفاق دولي للتهدئة في سوريا مستقبلا؟/ وائل عصام

اسطنبول- «القدس العربي»: النصرة وجند الأقصى وحلفاؤهما من الجهاديين كالتركستان والأوزبك يملكون قرار السلم والحرب في مناطق نفوذهم الأساسية.وإن تواجدت معهم فصائل صغيرة أخرى من الجيش الحر أو أحرار الشام، وهذا ينطبق على أدلب وريفها، وريفي حماة واللاذقية، ومعظم ريف حلب، بينما تتمركز في حلب المدينة وأجزاء من أرياف دمشق حمص ودرعا تلك الفصائل الاسلامية المصنفة بالمعتدلة، وتلك الموصوفة امريكيا بالمفحوصة كمجاميع الجيش الحر والكتائب المرتبطة بمجموعات الدعم الدولية، التي ستلتزم بالاتفاق الامريكي الروسي.

وهكذا، سيكون من الأسهل تطبيق أي اتفاق دولي (إن حصل) في مركزين كبيرين كريف دمشق وحلب المدينة، ولهذا يركز النظام على استعادة حلب الشرقية والغوطة الشرقية، كونهما أبرز كتلتين وازنتين خارج سيطرته في العاصمتين حلب ودمشق، وسيكون من الصعوبة بمكان إنفاذه في تلك المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون، وهي أكثر اتساعا وامتدادا. ولعل هذا الفرز بين الفصائل المعتدلة المرتبطة بالمنظومة الدولية، وبين النصرة وجند الأقصى هو الهدف والسبيل الوحيد في الوقت نفسه لتطبيق الاتفاق الامريكي الروسي، كما اعلن.

ويبدو هذا الفرز والفصل متيسرا عموما، عدا المتعلق بأحرار الشام، حيث تنقسم الحركة ميدانيا لمجاميع ذات ميول جهادية أقرب للنصرة وكانت شريكا أساسيا لها في عمليات التحالف المسمى جيش الفتح، الذي حقق إنجازات عسكرية لافتة في ادلب خصوصا، وبدأت هذه المجموعات وقياداتها تعلن عن انشقاقها عن الحركة، بعد خلافها مع القيادة السياسية التي تميل لجانب القبول بالاتفاق الدولي، كونها اكثر قربا من الحكومات العربية الداعمة للمعارضة، إضافة لارتباطها الذي بات متينا بالسلطات التركية وسياساتها في سوريا. وقد تؤول الاستقطابات داخل حركة الاحرار بين المقربين من النصرة والموالين للإدارة السياسية، إلى انفصال مجموعات أكبر من الأحرار وانضامها للنصرة، وهو ما كان يجري العمل عليه قبل أسابيع فيما سمي بالاندماج، بينما ستتبقى في صفوف الاحرار المجموعات الخاضعة لامرة جناح لبيب النحاس والملتزمة بالتالي بالتفاهمات الدولية حول سوريا.

وبعد انهاء هذا الاستقطاب في احرار الشام، ستبدو الساحة وكأنها منقسمة تماما لفسطاطين، النصرة وحلفائها الرافضين للاتفاق الامريكي الروسي، ومجموعات الفصائل المعتدلة بقيادة الأحرار وفصائل حلب كالزنكي وغوطة دمشق وأبرزها جيش الاسلام وباقي مجموعات الجيش الحر الصغيرة المنتشرة في ريف درعا وحمص، وهذه الفصائل ستلتزم بالاتفاق وستفصل نفسها تماما عن النصرة وحلفائها، وهو ما يريده الامريكيون ويطالب به الروس. وبعد اتمام هذا الفصل، سنكون أمام مشهد مكرر لما حصل في العراق، وهو وقف لإطلاق النار والتنسيق بين قوات المقاومة السورية (كما حصل مع معظم كتائب المقاومة العراقية حينها بوساطة امريكية ايضا)، وبين قوات الحكومة بشكل أو آخر، وفي مرحلة لاحقة عملية دمج لهذه الفصائل المعارضة بين أجهزة الدولة العسكرية التي قال كيري والجبير وزير الخارجية السعودي علانية انهم يريدون الابقاء عليها مع مؤسسات النظام، وهكذا فإن فصائل المعارضة التي يجري فصلها الان عن الجهاديين، تجري تهيئتها لمهمة ضبط الأمن في مناطق المعارضة التي ستدخل في هدنة مع النظام كما هو مخطط، هذا إن لم يستبق النظام الأمر ويسيطر بقوته العسكرية على تلك المناطق، كما يحاول أن يفعل الآن في حلب المدينة وسيكرر ذلك في غوطة دمشق الشرقية وهو قاب قوسين أو ادنى من تحقيق ذلك. ولكن هذا لا يعني أن مهمة الفصائل المعتدلة ستكون سهلة في البقاء بمناطقها بمواجهة النصرة في حال تم إقرار الاتفاق الامريكي الروسي في النهاية، بل إن هذه الفصائل قد تنهار فورا أمام أي هجوم تشنه النصرة على مواقعها ومناطق سيطرتها، كما حصل مع اشقائها في كتائب جمال معروف وكتيبة حزم، ولم يملك الامريكيون والقوى الداعمة للجيش الحر أي إمكانية لدعمهم حينها، وبلا شك لا تملك فصائل الحر وتلك الاسلامية المعتدلة أي إمكانات عسكرية لمواجهة الفصائل الجهادية، وإن تكررت المواجهات مع النصرة، فلن يكون بوسع الامريكيين او الاتراك دعم حلفائهم في فصائل الحر الا بالقصف الجوي، وهذا قد لا يوثر كثيرا في موازين السيطرة على الارض التي تشير لتفوق قوة الجهاديين في معظم مناطق المعارضة، ولكن النصرة تدرك ايضا أهمية كسب أكبر عدد من المجموعات المحلية الصغيرة والكتائب، لمحاولة خلط ساحة تواجدها حتى بفصائل غير جهادية، بحيث تحميها كما تعتقد من أي استهداف دولي، ومن جانبها تحقق تلك الفصائل الصغيرة أهدافا إعلامية بالمشاركة بمعارك تقودها النصرة وتحقق من خلالها انتصارات ضد النظام، ولأن النصرة تعتبر بعض هذه الفصائل المعتدلة بوابة خارجية نحو الحدود التركية بحيث تمنع حصارها، تصر امريكا وروسيا على فصل تلك الفصائل عن النصرة لإحكام التضييق عليها واستهدافها.

وتبدو القوة الوحيدة المؤهلة بريا لمواجهة النصرة هي قوات النظام المدعومة روسيا، كما فعلت في بداية الهجوم الروسي في سهل الغاب قبل اشهر، ويمكن كذلك للقوات الكردية المدعومة امريكيا تحقيق تقدم ما غرب حلب، كما فعلت ذلك امام قوات تنظيم «الدولة» شرق وشمال حلب، أما قوات المعارضة السورية المعتدلة فإن أفضل ما يمكن أن تقدمه لدعم الحرب على النصرة وحلفائها هو التزامها بالهدنة مع النظام في سياق الاتفاق الامريكي الروسي، لتفسح المجال امام قطاعات كبيرة من جيش النظام للتفرغ لقتال النصرة والجهاديين غرب خط حلب دمشق وتنظيم «الدولة» أيضا شرق خط حلب دمشق، تماما كما حصل عندما التزمت بتلك الهدنة قبل اشهر ولعدة اسابيع، استفادت منها قوات النظام وروسيا انذاك في توجيه قواتها نحو تدمر لاستعادتها من تنظيم «الدولة».

القدس العربي

 

 

 

 

جبهة النصرة.. بيان تأكيد انتمائها للقاعدة/ ماجد كيالي

منذ قيامها أواخر 2012، أي بعد اندلاع الثورة السورية بتسعة أشهر، بدت جبهة النصرة، التي غيّرت اسمها مؤخّرا إلى “جبهة فتح الشام”، والتي اعتبرت نفسها جزءا من منظمة “القاعدة”، عبئا على الثورة والشعب السوريين. هذا ظهر واضحا في نمط خطاباتها التي توخّت إزاحة الخطاب السياسي للثورة، المتمثل بطرح مشروعها في إنهاء نظام الاستبداد وإقامة دولة مواطنين مدنية وديمقراطية، إلى خطاب ديني وطائفي، مع اعتماد لغة التكفير، كما في طغيان أسلوب العنف في معظم مواقفها وممارساتها، وهذا ما تجلى في محاربتها الفصائل الأخرى، ولا سيما “الجيش الحر”، الذي أسهمت في إضعافه وفي الاستيلاء على مقراته وأسلحته، وفي تنكيلها بالنشطاء السلميين، الذين اضطرتهم إلى ترك مناطقهم والخروج من سوريا، كما تجلى ذلك في نمط علاقتها التسلطية مع مجتمعات السوريين حيث تمكنت من السيطرة على المناطق الشعبية التي خرجت عن سلطة النظام.

معلوم أن هذه الجبهة لم تحسب نفسها يوما على الثورة السورية، ولم تنضو في أي من أطرها، لا السياسية ولا العسكرية ولا المدنية، بل إنها ناهضت المقاصد الأساسية للثورة، ولم تعترف بكياناتها ولا بتوجهاتها.

بيد أن المشكلة تكمن في أن كيانات الثورة، السياسية والعسكرية والمدنية، لم تأخذ المواقف الحاسمة من هذه الجبهة، رغم إضرارها بصورة الثورة، ورغم المخاطر التي نجمت عنها، إذ ظنّ البعض أن الأولوية لمصارعة النظام، وأنه ينبغي الاستفادة من إمكانيات الجبهة في هذا المجال، والتسامح مع أخطائها. في حين ثمة آخرون، سيما من التيارات الإسلامية، ظنّوا أنه يمكن أن يستثمروا هذه الجبهة في تعزيز دور التيارات الإسلامية، وهكذا. فإن جبهة النصرة خيّبت كل المراهنات (الخاطئة) عليها، إذ أنها أضعفت التيارات الإسلامية المعتدلة وأزاحتها من المشهد، كما أنها أضرت بكل التيارات السياسية، وبصورة الثورة السورية، وفوق كل ذلك فإن هذه الجبهة لم تقم بأي مراجعة لمنطلقاتها وأسلوب عملها، بل إنها فقط غيّرت اسمها، مضطرة، وبدفع من الضغوط الخارجية الإقليمية، أي ليس عن قناعة، وهذا يشمل إعلانها الشكلي فسخ علاقتها مع منظمة “القاعدة”، من دون أن يحصل أي تغيير فعلي فيها ومن دون أي قطيعة مع فكر القاعدة.

ولعل البيان الذي أصدرته الجبهة يوم 23 سبتمبر يؤكد هذه الحقائق، إذ جاء مريبا في توقيته ومضامينه، سيما في استخدامه لغة التحريم والتكفير وخلطه بين الشريعة والشرعية وحديثه عن “أهل السنّة” والجهاد.

معلوم أن هذا البيان صدر في وقت تتعرض فيه مدينة حلب للحرق والتدمير، من سلاح الجو الروسي والسوري، بدعوى وجود جماعات إرهابية فيها، كأنه جاء ليبرّر للعالم التخلّي عن السوريين، وتركهم لمصيرهم، فمن غير المعقول، مثلا، أن تطالب العالم بوقف القتل والتدمير ثم تتّهمه بالكفر أو تعتبر المعركة بين مؤمنين أو مسلمين وكفار! وليس من المعقول لشعب ضعيف يناشد العالم مساندته أن يستعدي الجميع، الولايات المتحدة وأوروبا وحتى تركيا، من دون أن يقول لنا كيف سيحقق أهدافه، مهما كانت، أو مهما كان رأينا بها أو اعتراضنا عليها. وفي الواقع فإن هكذا بيان لا يخدم إلا النظام ويعزّز ادعاءات روسيا وإيران بأن المعارضة المسلحة كلها “قاعدة” أو “داعش” لا فرق، بل إن البيان حرّم مقاتلة “داعش” في الشمال السوري في عملية “درع الفرات”، وحرم التعاون مع تركيا في هذا الأمر. ومثلا، فقد جاء في البيان “دخول الولايات المتحدة على مسرح الأحداث بالشكل الذي ظهر مؤخرا يجعل القول بالاستعانة قولا غير معتبر من الناحية “الشرعية والواقعة”، فالأميركان “عدو كافر صائل مباشر على المسلمين”، فيحرم التعامل معه بأي نوع من أنواع التعامل، تحت أي مبرر وذريعة.

المشكلة أن ليس فقط جبهة النصرة وحدها من أصدر بيانا يتحدث بهذه اللغة، إذ أن حركة أحرار الشام والمجلس الشرعي في محافظة حلب أصدرا بيانا يتضمن ذات الادعاءات والمصطلحات، لكن من باب الرد على مزاعم “جبهة النصرة”، ما يفيد أن كل طرف يعتبر نفسه وكيلا عن الله ويصادر اسمه لصالح ادعاءاته السياسية. والمعنى أن الجميع يستغل الدين ويجعل من نفسه الوكيل الحصري للإسلام والمسلمين.

والقصد هنا أن هكذا خطابات تستغل الدين وتضر بالثورة وتحملها فوق ما تحتمل، فضلا عن أنها تقوض وحدة السوريين وتضعف صدقية الثورة في العالم، وهذا كله يخدم النظام وادعاءاته عن أنه يحارب الإرهاب والتطرف.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى