عن الموقف الروسي وتداعياته على الوضع في سورية –مقالات مختارة-
بوتين يستعجل إعلان «النصر العسكري» مؤتمر سوتشي ينافس مفاوضات جنيف/ إبراهيم حميدي
بدا أن موسكو متمسكة بـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي، وحددت موعده الأولي في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل بطريقة تنافس مفاوضات جنيف التي دعا إليها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بدءاً من 28 من الشهر الحالي، بعد المؤتمر الموسَّع للمعارضة السورية في الرياض بين 22 و24 من الشهر الحالي، بمشاركة نحو 140 من ممثلي القوى السياسية والمستقلين.
الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متعجل لإعلان «النصر العسكري» في ديسمبر قبل عيد الميلاد الروسي في الأسبوع الأول من العام المقبل، وأن عملية سلام وضعت على المسار عبر تشكيل هيئة سورية لتعديل الدستور الحالي لعام 2012، أو صياغة دستور جديد يمهد لانتخابات.
وما يعكر نية بوتين، هو اختلاف التفسير بين واشنطن وموسكو إزاء اتفاقه مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في فيتنام، الأسبوع الماضي، خصوصاً فيما يتعلق بـ«الغموض البناء» إزاء دور روسيا لسحب ميليشيات تدعمها إيران من جنوب سوريا.
بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزارة الدفاع الروسية بدأت اتصالات في سوريا لدعوة نحو ألف شخص من ممثلي اتفاقات «خفض التصعيد» و«المصالحات» وقوى سياسية ومجتمع مدني إلى سوتشي، بداية الشهر المقبل، إضافة إلى مئات من خارج البلاد.
وأبدت وزارة الدفاع عزمها تخصيص طائرات لنقلهم إلى «مؤتمر الحوار الوطني»، الذي انتقل مكانه من قاعدة حميميم إلى سوتشي، وقد يتغير مكان انعقاده، في وقت بدأت الخارجية الروسية اتصالات دبلوماسية لتوفير غطاء دولي لهذا المؤتمر، حيث التقى نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف في جنيف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وشخصيات سورية معارضة.
الواضح أن «المؤتمر الروسي» يحظى بعدم قبول من طهران ودمشق وواشنطن، في وقت وضعت فيه أنقرة شرطاً بعدم دعوة «الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردي» إلى المؤتمر كي تشجع أنقرة حلفاءها من المعارضة السورية على الحضور، وهذا ما أبلغه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بوتين في سوتشي قبل أيام.
وتعترض دمشق على بنود المؤتمر وآلية إقرار الإصلاحات الدستورية والانتخابات، في حين ترفض طهران أن يكون هذا بداية لـ«انتقال سياسي ما»، في سوريا، لذلك رفضت إعطاءه شرعية في اجتماع آستانة الأخير.
وكان مؤتمر سوتشي محورياً في محادثات مساعد وزير الخارجية الإيراني حسن أنصاري في موسكو، ولقائه بدمشق الرئيس بشار الأسد، ووزير الخارجية وليد المعلم.
وسيكون مطروحاً في محادثات وزراء خارجية «ضامني» عملية «آستانة» الثلاثة، روسيا وتركيا وإيران، بعد أيام.
وبحسب وثيقة أعدها الجانب الروسي لـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري»، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، فإن المؤتمر سيُدعى إليه ممثلو «الجماعات العرقية والدينية والمؤسسات التقليدية» من «المسلمين من السنّة والعلويين والشيعة والدروز والإسماعيليين، والمسيحيين من الأرثوذكس والسيريانيين والكاثوليك والمارونيين»، إضافة إلى «العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والسيريانيين والأرمن والجماعات القبلية، أي القبائل والشيوخ»، إضافة إلى القوى السياسية في النظام والمعارضة، بما في ذلك «الهيئة العليا للمفاوضات، ومجموعة القاهرة، ومجموعة موسكو، ومجموعة آستانة»، وإلى «منظمات المجتمع المدني المهمة، منها جمعية الهلال الأحمر السوري».
ولم تكن دمشق مرتاحة لـ«التصنيف الطائفي»، فيما اعتبرت المعارضة أن المؤتمر يرمي إلى «شرعنة النظام ونسف الانتقال السياسي».
ونصت الوثيقة على أن المؤتمر العتيد يرمي إلى «تسهيل الإصلاحات السياسية، استناداً إلى التشريعات السارية حالياً في سوريا، وتسهيل إطلاق العملية السياسية بقيادة سورية بصورة تتفق مع الطموحات المشروعة للشعب السوري، وتأكيد الشروع في صياغة الدستور السوري لإجراء انتخابات ديمقراطية بمشاركة جميع السوريين وفق الدستور الجديد وتحت إشراف الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
وتضمن برنامجه 5 بنود، بينها «محاربة الإرهاب وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2253، والحاجة إلى صياغة قانون جديد، وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة على أساسها وبمشاركة جميع السوريين، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتشكيل اللجنة الدستورية والمجلس الأعلى للمؤتمر»، وهما هدفان ملموسان تسعى موسكو لتحقيقهما.
موسكو ليست واثقة أن وفد الحكومة السورية سيأتي إلى جنيف في 28 الشهر الحالي، وليست مستعدة لممارسة ضغوطات عليه كي يجري «مفاوضات مباشرة جدية»، لكن جهوداً تُبذَل لضمان نجاح المؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض بمشاركة ممثلي «الائتلاف الوطني السوري» بـ22 مقعداً، و«هيئة التنسيق» بـ21 مقعداً، و«مجموعة القاهرة» بعشرة مقاعد، و«مجموعة موسكو» بسبعة مقاعد، و21 من ممثلي فصائل مسلحة، و70 مستقلاً، بحيث يخرج المؤتمر بعد تحضيرات اللجنة التحضيرية في 19 من الشهر الحالي بوثيقة سياسية ووفد موحد الموقف ليجري مفاوضات جادة لتنفيذ القرار 2254.
وفي مقابل تمسُّك موسكو سوتشي بعملية آستانة ومؤتمر سوتشي، لا تزال متمسكة بعملية جنيف؛ إذ إن وزير الخارجية ريكس تيلرسون رفض اقتراح نظيره الروسي سيرغي لافروف بإضافة بند يتضمن دعم مؤتمر سوتشي وعملية آستانة إلى اتفاق بوتين – ترمب الأخير، لأن واشنطن تريد التركيز على عملية جنيف، وأصر تيلرسون على بنود وعبارات محددة تدعم «عملية جنيف وتنفيذ القرار 2254»، إلى اتفاق ترمب – بوتين.
ونصحت واشنطن المبعوث الدولي بـ«عدم شرعنة» عملية آستانة ومؤتمر سوتشي، الأمر الذي تسعى إليه موسكو بقوة.
وليس هذا هو الخلاف الوحيد بين واشنطن وموسكو؛ فإلى جانب التباين حول التمديد لآلية التحقيق بالسلاح الكيماوي في الأمم المتحدة والاتهامات المتبادلة إزاء «التواطؤ» مع «داعش» شرق سوريا، هناك خلاف أيضاً إزاء تفسير بعض بنود اتفاق ترمب – بوتين الذي نص على «الخفض والقضاء النهائي على وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة لضمان سلام أكثر استدامة» في هدنة جنوب غربي سوريا قرب حدود الأردن والجولان المحتل للبناء على اتفاق أميركي – روسي – أردني وُقِّع الأسبوع الماضي لاستكمال اتفاق سابق في يوليو (تموز) لإبعاد «المقاتلين غير السوريين» من المنطقة.
المشكلة بين الجانبين بدأت عندما قال مسؤول أميركي في إيجاز صحافي: «مذكرة الأطراف تكرس التزام الولايات المتحدة وروسيا والأردن بالقضاء على وجود القوات الأجنبية غير السورية. ويشمل ذلك القوات الإيرانية والميليشيات التي تدعمها إيران، مثل (حزب الله) اللبناني والمتطرفين الأجانب الذين يعملون مع جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة من المنطقة الجنوبية الغربية، حيث استخدمت هذه العناصر – هذه الجماعات المتطرفة والميليشيات المدعومة من الخارج – الصراع السوري على مدى السنوات الخمس الماضية لزيادة وجودها في هذا الجزء من سوريا، ما قوض وقف إطلاق النار وشكل تهديداً للأردن وإسرائيل، لذلك نعتقد أن هذا المبدأ مهم جدّاً، وهو مكرس في الاتفاق الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع». وأضاف: «وافق الروس في هذه النقطة الأخيرة تحديداً على العمل مع النظام السوري لإزالة القوات المدعومة من إيران مسافة محددة من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وكذلك حدود الجولان والأردن. واتفقنا من جانبنا على العمل مع الأردن والمعارضة للحد من وجود المتطرفين الأجانب مثل الذين يقاتلون مع جبهة النصرة في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، والقضاء عليها في نهاية المطاف. والمبدأ الأساسي هو أن جميع الإرهابيين الأجانب ومقاتلي الميليشيات يجب أن يغادروا هذه المناطق ويغادروا سوريا في نهاية المطاف».
وكان هذا سبباً لانزعاج موسكو التي أعلنت أنها لم تلتزم إبعاد ميليشيات إيران عن الحدود. كما تطلب ذلك محادثات إيرانية – روسية، في وقت صعدت فيه واشنطن، عندما قالت إن وجود قواتها لدعم «قوات سوريا الديمقراطية» شرق سوريا ليس مرتبطاً فقط بهزيمة «داعش»، بل بتحقيق مفاوضات جنيف نتائج ملموسة. وقال مسؤول أميركي في تفسير لاتفاق ترمب – بوتين: «ينبغي علينا أن نسهل الجهود التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع. ويبقى رأينا أن سوريا الجديدة والمستقرة في ظل منطقة أكثر استقراراً تحتاج في نهاية المطاف إلى قيادة جديدة في دمشق ومغادرة الرئيس الأسد للمشهد. بيد أن ذلك ينبغي أن يحدث كجزء من عملية سياسية تتيح لجميع الشعب السوري، بما في ذلك الملايين النازحون بسبب هذا الصراع المروع، تحديد مستقبلهم دون تهديد، ودون تخويف، ومن دون جميع التدخلات الأجنبية وكذلك من خلال تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية».
الشرق الأوسط
ولكن … عن أي تسوية سياسية يتحدثون؟!/ أكرم البني
أربعة مستجدات تواترت في الفترة القصيرة المنصرمة ووضعت الإعلانات المبكرة لغير مسؤول روسي عن اقتراب الحل السياسي في سورية وقبلها تفاؤل ديمستورا في موضع شك وارتياب، وأكدت مجدداً حقيقة أن فرص تقدم تسوية جدية ومستقرة للصراع السوري لا تزال ضعيفة وتكتنفها تعقيدات كثيرة.
أولاً، وصول مفاوضات الآستانة في جولتها الأخيرة إلى أفق مسدود، وعجزها عن التقدم خطوة إضافية لتوسيع مناطق خفض التصعيد ومعالجة مشكلة المعتقلين والمغيبين قسرياً، بما هو وصول تفرد موسكو في تقرير المستقبل السوري إلى حده الأقصى، وتراجع قدرتها السياسية لاستثمار ما حققته من تقدم عسكري وأمني لمصلحة بناء التوافقات وحشد الصفوف حول خطة تسوية تطيح مفاوضات جنيف، بدليل دعوة الرئيس بوتين إلى مؤتمر عاجل في سوتشي لما اعتبره شعوب سورية، وتبدل اسمه لمؤتمر حوار وطني، لكنه لم يلق الاستجابة المطلوبة وتم تأجيل الموعد المقترح.
صحيح أن قيادة الكرملين نجحت، بفضل جهدها العسكري، في إنقاذ النظام وحلفائه الإيرانيين من هزيمة كانت وشيكة، وصحيح أنها الطرف الذي أمسك لوقت من الزمن بكل خيوط اللعبة في البلاد وتمكنت من اختراق الاستعصاء المزمن وإخماد حدة الصراع القائم، لكنها لن تبقى الطرف الوحيد المقرر مع حضور قوى دولية وإقليمية لها مصالح وأهداف في سورية تتعارض مع مصالح موسكو وأهدافها، وتالياً لن تتقدم أي تسوية للصراع الدائر ما دامت قيادة الكرملين تصر على الظهور بمظهر من يمتلك وحده مفاتيح الحل في المنطقة، وتأنف إشراك الآخرين وتقدير مصالحهم، وغالباً ما تتقصد ابتزازهم بامتلاكها الورقة السورية لتمرير تنازلات وصفقات في بؤر التوتر الأخرى.
ثانياً، اتساع الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا حول المستقبل السوري مع وصول العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش إلى نهايتها، وأحد وجوهه تصعيد موسكو اللافت ضد ما حققه حلفاء واشنطن من تقدم شمال البلاد وشرقها، إن بمطالبتها إنهاء دور التحالف الغربي ضد داعش بعد دحر الأخير، وإن بتشجيع قوات النظام السوري المدعومة إيرانياً على التقدم لاسترداد مدينة الرقة ومناطق قوات سورية الديموقراطية في شرق الفرات، ويزيد الخلاف وضوحاً استمرار تمسك الولايات المتحدة ببيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 في مواجهة محاولات الالتفاف الروسي عليهما، ثم تشديد ربط مساهمتها في إعادة الإعمار بإزاحة النخبة الحاكمة وتحقق انتقال سياسي يحقق تطلعات الشعب السوري، والأهم ما يصح اعتباره إجراءات ميدانية لتعزيز وزنها ودورها في سورية كجزء من سياستها الجديدة لإضعاف نفوذ طهران ومحاصرتها، إن بتمكين قوات سورية الديموقراطية من السيطرة على مساحات شاسعة من شرق البلاد فيها النفط والغاز والمياه لتحجيم التواصل الإيراني بين سورية والعراق، وإن باتخاذ حزمة عقوبات جديدة على الحرس الثوري وحزب الله.
والحال، مثلما لم تجد الإعلانات العديدة عن تفاهم واشنطن وموسكو في وقف المأساة السورية، وبقيت هشة وعاجزة عن بلورة إرادة حازمة تضع الصراع على سكة الحل السياسي، لن يجد البيان الأخير للرئيسين ترامب وبوتين حول سورية، والذي لم يأتِ بجديد غير إعلان النيات القديم.
ثالثاً، تزيد الطين بلة التداعيات التي خلفها تهتك الاستقلال الكردي في شمال العراق وتمكّن المحور الإيراني من التوغل أكثر في السيطرة على مواقع إستراتيجية عراقية كانت حتى الأمس القريب عصية عليه، ما ساعد، ربطاً بتقدم قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في دير الزور والبوكمال، على إكمال مشروع طهران الأمني بخلق خط اتصال جغرافي في الأراضي الممتدة من حدودها إلى لبنان عبر سورية والعراق، الأمر الذي يفاقم خطرها في المنطقة ويعزز تشددها في رفض التوافقات وبناء التسويات، ويفسر ذهابها بعيداً في خيار الحسم العسكري مع حليفها السوري عبر تشديد الحصار والقصف على مناطق خاضعة للمعارضة، على رغم دخولها في اتفاقات خفض التوتر، ما عزّز تشدد النظام في تقديم تنازلات والخضوع لشروط التسوية السياسية.
فأنّى لنظام رفض وهو في شدة أزمته تقديم التنازلات، مهما بدت صغيرة، أن يتنازل اليوم وقد أغرته الانتصارات العسكرية المدعومة إيرانياً وروسياً، وطمأنته مرونة غربية بدأ يلمسها حول محتوى المرحلة الانتقالية ومشروعية استمراره في السلطة؟!
رابعاً، التصعيد السعودي الأخير ضد إيران واعتبار إطلاق حلفائها اليمينيين صاروخاً باليستياً نحو العاصمة الرياض بمثابة إعلان حرب، وما قد يترتب على ذلك من إعادة بناء المواقف والاصطفافات، دولياً وإقليمياً، لإعاقة نفوذ طهران ومحاصرتها في المشرق والخليج العربيين، مدعومة بميل أميركي لتحقيق الغرض ذاته، ومن هذه القناة يمكن النظر لاستقالة رئيس الحكومة اللبنانية كمقدمة لحفز القوى المناهضة لاستئثار حزب الله على القرار اللبناني، وتوقع مزيد من دعم المعارضة السورية ودورها السياسي والعسكري، يرجح أن يمرر عبر مؤتمرها المزمع عقده في الرياض، ما يعزز قدرتها في الامتناع عن المشاركة بتسوية لا تشترط إزاحة النظام ومحاسبة المرتكبين، وفي رفض أي حل أو مبادرة سياسية لا تتفق مع مطلب الشعب السوري بإحداث تغيير سياسي جدي.
واستدراكاً، لا مكان للحديث اليوم عن تسوية سياسية في سورية، ما دامت الأطراف المعنية باحتدام الصراع لم تصل فيما بينها إلى تسوية، وما دامت ثمة صعوبة في التوفيق بين مصالح متعارضة تمثلها قوى عربية ودولية وجماعات من النظام والمعارضة، زادها تعارضاً ما كرسه طول أمد الصراع والعنف المنفلت من نتائج مؤلمة اجتماعياً واقتصادياً، ما يرجح استمرار المحنة السورية لسنوات وبقاء الصراع الدامي مفتوحاً في موجات مد وجزر، متخذاً أشكالاً مختلفة ومتنوعة، وتالياً بقاء البلاد رهينة لما يقرره التوغل المريع للأطراف الخارجية وما ترسمه خلافاتها وتوافقاتها، في مناخ عالمي فقد إنسانيته ويلوذ بصمت وحسابات مريبة تجاه أهوال الفتك والتنكيل والتدمير.
الحياة
روسيا أمام خيارات صعبة بشأن سورية/ برهان غليون
لم تقبل روسيا بالفشل في سورية، ولا يبدو أنها مستعدّة للتعلم منه. وها هي تسعى من جديد إلى إحياء مقترحها لعقد ما تسميه مؤتمر سلام سوري موسع في مدينة سوتشي الروسية، لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه من قبل في مؤتمر أستانة الذي كانت قد اختلقته من العدم، للالتفاف على مؤتمر جنيف، ومرجعية القرارات الدولية التي تقف وراءه. وكانت أطراف عديدة في المعارضة قد أعلنت رفضها المشاركة فيه، والسير وراء موسكو، في محاولاتها تقزيم مطالب الشعب، وتحويلها إلى طلبات مشاركة منصات المعارضة الهزيلة في الحكم، إلى جانب ما تسميها روسيا الحكومة الشرعية، أي بشار الأسد.
إذا كان هدف موسكو تحقيق السلام بالفعل، كما تسمي المؤتمر، فليس هناك وسيلة لذلك أسرع وأسهل من تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تنص على الانتقال السياسي، وتشكيل حكم تمثيلي لا طائفي. وهذا ما يجعل الأسد بالضرورة خارجه، فهو حكم استبدادي لا تمثيلي، ونموذج للهمجية وممارسة الطائفية البغيضة والمدمرة. أما شرعية الحكم الذي مثل انقلابا دائما على الدستور، بدأ بانقلابٍ عسكريٍّ وتمديد ذاتي خلال نصف قرن، عن طريق الأبناء والأحفاد، وتسلط الأجهزة الأمنية والمجازر المتكرّرة، وتأبيد الأحكام العرفية وقانون الطوارئ، فلا يمكن أن تستقيم إلا إذا كانت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وثقتها تقارير منظمات حقوق الإنسان ضد نظام الأسد ورئيسه، يمكن أن تشكل مصدرا لشرعية بديلة.
يستطيع الروس أن يفرضوا مؤتمر سلام، يختارون أعضاءه على مزاجهم، بالتنسيق مع الدول الحليفة لهم وغير الحليفة. وفي إمكانهم أيضا أن يعثروا على “المعارضين” القابلين إعادة شرعنة نظام الأسد وحكومته، لكنهم لن يستطيعوا أن يعيدوا الشرعية إلى حكم القتل على الهوية. ولديهم بالتأكيد جميع الوسائل العسكرية، الروسية والإيرانية والعراقية، وربما غيرها، لحماية حكم الأسد ورجالاته، كما فعلوا حتى الآن، لكنهم لن يستطيعوا إقتاع أحد، بما في ذلك رجال الحكم أنفسهم، الذين دمروا وطنهم، وراهنوا على قوى الاحتلال الأجنبي، للحفاظ على سلطتهم، وتحولوا إلى دمى يستخدمها الاحتلال، وارتكبوا من الجرائم ما يخرج أصحابه من الإنسانية، بأن نظام الأسد يحظى بقبول السوريين واحترامهم وتأييدهم، وبالتالي بالشرعية، ولا أن يقنعوا أحدا بأن الحكم الذي قسم الشعب، وزجّه في الحرب الأهلية، هو النظام الوحيد القادر على إعادة توحيده وقيادته في معركة المصالحة والسلام والإعمار الوطني. يمكن لروسيا أن تنجح في إعادة إدخال الأسد في قلوب السوريين، بمن فيهم قلوب من خدعوا به، في البداية، من أنصاره وحاضنته الشعبية فقط عندما يتمكّن الجمل من الدخول في خرم إبرة.
“في إمكان الروس أن يعثروا على “المعارضين” القابلين إعادة شرعنة نظام الأسد وحكومته، لكنهم لن يستطيعوا أن يعيدوا الشرعية إلى حكم القتل على الهوية”
ما تقوم به روسيا، في محاولاتها للالتفاف على الحل الوحيد الممكن، الذي نصّت عليه قرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمها بيان جنيف الذي ليس له سوى مضمون واحد، وهدف وحيد هو تلبية مطالب الشعب السوري في الانتقال من نظام استبدادي دموي، أدّى إلى الانفجار والثورة والحرب الأهلية، إلى نظامٍ يمثل الشعب، ويخضع لإرادته، ويعيد السيادة إليه في بلد حولته عائلة الأسد وأتباعها إلى مزرعةٍ عبودية، أقول إن ما تقوم به روسيا هو عملية فاشلة وسياسة وخيمة العواقب. فهي بمقدار ما تعطل التسوية، وتؤجلها إلى زمنٍ غير مسمى، تساهم في تفاقم حالة التعفّن في الوضع التراجيدي أصلا، وفي تعميق مشاعر الإحباط والضغينة والحقد وتكريس انقسام البلاد والرأي العام وتكريسه، وقتل أي أملٍ في المصالحة الوطنية، وبالتالي في سلام أهلي قريب. ولن تستطيع، مهما فعلت، أن تلوي إرادة الشعب السوري الذي ثار على الحكم الاستبدادي، والتمييز الطائفي معا، وتلغي تطلعاته المشروعة، وتحول مضمون العملية السياسية من عملية تغيير النظام وإقامة نظام بديل إلى إعادة الشرعية لنظام الأسد المتهالك والمهترئ، أخلاقيا وسياسيا وعسكريا معا، عن طريق إقناع المعارضة بالالتحاق به، أو التفاهم معه حول بعض المناصب السياسية التي يعادل القبول بها من المعارضين، في نظر الشعب خيانة وطنية وإنسانية وتبرعا بتمكين الأسد من خلط الأوراق والتهرّب من المسؤولية والفرار من العدالة، في ما ارتكبه من الجرائم ضد الإنسانية.
يمكن للروس أن يفاوضوا على مصالحهم في سورية، وربما مصالح حلفائهم. وهذا ممكنٌ ومشروع. لكنهم لا يمكن أن يفرضوا على السوريين، لضمان هذه المصالح، نظاما همجيا واحتلالا أجنبيا إيرانيا رسميا تسبب، حتى الآن، بموت ما لا يقل عن مليون إنسان، من دون الحديث عن ملايين المعاقين والميتمين والمشردين واللاجئين. بمعنى آخر، لا يمكن أن تكون الضمانة المطلوبة لهذه المصالح والتحالفات الروسية إعدام أمل السوريين ومستقبلهم، وفرض الأمر الواقع عليهم، والقضاء على سورية، دولة ووطنا، واستعباد شعبها إلى الأبد.
لا يمكن للسلام أن يتحقق في سورية عن طريق تحويل العملية السياسية التي لا تزال مستمرة، منذ ست سنوات، وصدرت فيها عشرات التقارير الأممية إلى عملية إعادة إعتبار للأسد وحكومته ونظامه الدموي. التمسّك بهذا الهدف يعني ببساطة أن موسكو لا تسعى إلى حل، حتى على قاعدة التسوية، وإنما تريد إنزال الهزيمة السياسية الكاملة بالشعب السوري، وإجباره على الخضوع والاستسلام، وتقبيل أحذية قتلته، والضرب عرض الحائط بأي مبادئ أخلاقية أو قانونية، والاستمرار في إنكار السياسة، وإلغائها في المجتمع، وتنصيب الحذاء العسكري رمزا للسيادة “الوطنية”، كما فعل أنصار الأسد الذين خلدوا ذاكرته بنصبٍ كبير في مدينة اللاذقية. والنتيجة الحتمية لذلك القضاء على أي أمل بعودة الحياة الاجتماعية الطبيعية واستعادة العلاقة الوطنية.
الروس في طريق خاطئ، وعليهم أن يغيروا من توجهاتهم وخططهم. واستمرارهم على هذا المنحى، وتجاهلهم تطلعات الشعب السوري، واستهتارهم بها، والتمسّك بإرضاء نظام الأسد وبعض مستوزري المعارضة، سوف يجهض جميع جهودهم، ويحرمهم من إمكانية ريادة الحل والتوصل إلى تسوية قابلة للحياة وذات صدقية، مما هم في أمس الحاجة إليه، لصيانة مواقعهم وتثبيت مكاسبهم السياسية، وضمان الإبقاء على نفوذهم في سورية، وربما صداقة الشعب
“لن تستطيع، مهما فعلت، أن تلوي إرادة الشعب السوري الذي ثار على الحكم الاستبدادي، والتمييز الطائفي معا، وتلغي تطلعاته المشروعة” السوري لهم في المستقبل بعد الخروج من المحنة. وفي المقابل، سيضاعف فشلهم نقمة السوريين الذين سوف يحمّلونهم النصيب الأكبر من المسؤولية في استمرار المحنة التي يعيشونها منذ ست سنوات، بسبب تعطليهم مجلس الأمن، وإنقاذهم المشروع الإيراني الاستعماري، وتمسكهم بنظام الإبادة الجماعية. لأن الكارثة التي سيقود إليها هذا التعطيل ستكون أكبر أثرا، وأبعد مدى من كارثة الحرب الداخلية نفسها، بالنسبة للعالم أجمع، عندما سيدرك ملايين الأطفال والشبان الذين دمرت حياتهم، وهجروا من بيوتهم وبلدهم، وحرموا للأبد من التعليم والعمل والمستقبل، واختبروا حياة المخيمات والتشرد والبؤس والضياع، سنوات طويلة، أن الموت أرحم من الحياة، وأن الانتقام أسرع، تحققا من وعود السلام، وأن الاقتصاص للدم المستباح أسهل منالا من العدالة الغائبة.
روسيا أمام خيارات حاسمة وصعبة. إما أن تقطع مع المشروع الايراني الرامي إلى تمديد أجل الحرب إلى ما لا نهاية، حتى يتمكّن من تكريس مكاسب استراتيجية، استثنائية، لا يوجد أي أساس ممكن لا قانوني ولا أخلاقي ولا سياسي لبقائها بالسلام. وتضغط بجدية من أجل وضع حد للحرب ودفع الأمور في اتجاه الحل السياسي، أو تترك نفسها تنجر وراء مشاريع طهران الإمبراطورية، التي لا يمكن الحفاظ عليها من دون الاستمرار في الحرب، والمضي أكثر في تمزيق النسيج الوطني السوري، وفرض وقائع جديدة على الأرض، وتحويل لا رجعة عنه في البنية الديمغرافية والجيوسياسية. وفي النهاية احتواء الدولة السورية أو ابتلاعها، كما حصل مع العراق ولبنان.
لا يعني هذا بالضرورة إلغاء التحالف مع طهران بالضرورة، ولا يحتاجه. إنما يعني الاختيار بين أن تكون روسيا الكلب، أو ذنب الكلب بحسب التعبير الذي استخدمه مسؤول روسي كبير، للإشارة إلى علاقة روسيا بالأسد ونظامه. مع اعتقادي أن إيران هي التي نجحت، في النهاية، في نصب فخ لروسيا، أو أن روسيا وقعت في الفخ الذي نصبته لنفسها، عندما اعتقدت أنها تستخدم التحالف مع طهران، لتعزز مواقعها في سورية، وأنها تستطيع، في اللحظة المناسبة، المساومة على النفوذ الايراني، في مقابل المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية التي ستجنيها في المشرق كله. واليوم جاءت، كما يبدو، ساعة الحقيقة لحسم مسألة لمن الهيمنة، أو الكلمة الأخيرة، في تقرير مصير الحل السياسي أو العسكري في سورية.
العربي الجديد
البعد السوري في التأزيم الإقليمي الراهن/ حمزة المصطفى
ما تزال الهزّات الارتدادية للزلزال الداخلي السعوديّ تضرب مناطق مختلفة في العالم العربي. وقد جاء دور لبنان، ليكون المحطة التصعيدية الثالثة في مسار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للوصول إلى العرش بعد حرب اليمن، وحصار قطر. فبخلاف معظم التوقعات، أعلن رئيس الحكومة اللبنانيّة، سعد الحريري، استقالته من منصبه بطريقة كرنفاليّة، رافقها خطاب تصعيدي غير مسبوق تجاه حزب الله وإيران.
ومع أن الوقوف على مسببات الاستقالة ودوافعها على المستوى الداخلي في لبنان قد يساعد في إيضاح الصورة بشكل جلي، يتوفر إجماع كامل لدى المتابعين على أن استقالة الحريري لا تعدو عن كونها تفصيلا صغيرا ضمن استراتيجية أميركية أوسع، لاحتواء إيران في الشرق، تبنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب أخيرا، وتحظى السعودية بدور ريادي في تنفيذها وإحقاقها. وإذا كان الجميع الآن منشغلًا بما سيأتي، فإن الوقوف على أبعاد التصعيد الحالي من مختلف زواياه يعد ضروريا لفهم ما جرى وما سوف يجري. وبدون إعادة قراءة المتغيرات في الساحة السوريّة بدقة، يصعب علينا فهم التجرؤ السعودي، المدعوم أميركيًا، على مقارعة إيران وحزب الله في ساحة هشة مثل لبنان.
بالعودة قليلًا إلى الوراء، كانت الضربة العقابيّة ضد النظام السوري على خلفية استخدامه الكيماوي، مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي، آخر التدخلات الأميركية العسكريّة في معادلة الصراع بين النظام والمعارضة. وبدت واشنطن، في الشهور الست الماضيّة، غير معنية بهذا الصراع أو مساراته؛ لقد أوقفت الدعم العسكري والمالي في غرفتي التنسيق العسكري المشترك في أنقرة وعمان (الموك، والموم)، وابتعدت كليًا عن مسار أستانة، وراحت تراقب ما يجري في جولات جنيف العبثية، باحثةً عن تقاطعاتٍ مع روسيا، لإنفاذ تهدئة في بعض المناطق، كما جرى في اتفاق الجنوب السوري الذي خرج عن قمة بوتين – ترامب، على هامش قمة العشرين في هامبورغ، في 7 يوليو/ تموز الماضي.
فهمت موسكو السلوك الأميركي “إقرارا ضمنيا” بأحقيتها في تحديد ملامح الحل السياسي
“ترى الولايات المتحدة أن استمرار الاستقرار السياسي في لبنان وفق معادلة يكون فيها حزب الله المنتصر لن يكون مفيدًا”
النهائي للأزمة السورية وطرائق الوصول إليه. وسعت، بالتعاون مع حليفتها طهران، إلى إنجاز تفاهمات مع أنقرة على مناطق خفض التصعيد الأربع، بما يؤدي إلى إغلاق الصراع المسلح نهائيًا، قبيل إنفاذ رؤيتها للحل القائمة على إدماج عناصر المعارضة في النظام، وكتابة دستور يضمن الحكم الذاتي لبعض الإثنيات القومية الذين تسميهم “شعوب سوريّة”. ولإقرار هذا المخطط، كان على موسكو وطهران التوجه شرقًا للاستحواذ على مناطق تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور بكل ما تحتويه من موارد وثروات طبيعية ومعدنية، من أجل إعادة سورية إلى سابق عهدها.
لكن الولايات المتحدة أدركت مبكرًا مساعي موسكو وطهران، فسارعت، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، إلى إرسال حلفائها من الفصائل العربية والكردية في قوات سوريّة الديمقراطية لاقتحام ريف دير الزور الشرقي، وتحريره من “داعش” قبيل الانتهاء من الرقة. وفي حقيقة الأمر، نجحت الولايات المتحدة في رسم حدود فاصلة لتوسع قوات النظام والمليشيات المرتبطة بها في هذه المحافظة، لتبقى الأخيرة ضمن أحياء المدينة والريف المحاذي للضفة الغربيّة من نهر الفرات المفتوح على البادية السورية.
وبعد سيطرة قوات سورية الديمقراطيّة والمجلس العسكري لدير الزور على المنطقة الحيوية من ريف مدينة البوكمال، تكون الولايات المتحدة قد وضعت موطئ قدم راسخ (قواعد عسكرية، مطارات، جنود) في المنطقة الشرقية، والمنطقة الشمالية الشرقية التي تمثل شريان الحياة الرئيس لسوريّة. فعدا عن آبار النفط الغنية التي يُستخرج منها أكثر من 70% من إجمالي إنتاج سورية للنفط (كان يقدر بـ 385 ألف برميل يوميًا)، تعد هذه المنطقة سلة الغذاء السوري، بحكم المساحات الزراعية البعلية والمروية التي تغذيها السدود الرئيسية (الفرات، تشرين، البعث) المنتجة للطاقة الكهربائيّة، بالإضافة إلى توفر مناجم الفوسفات، والملح، وصوامع الحبوب الاستراتيجيّة.
وبهذا المعنى، حرمت الولايات المتحدة النظام وحلفاءه من مصدر دخل رئيس لإعادة الإعمار، لتكون هذه العملية عنوان المرحلة المقبلة من الصراع السوري، إذ ستتحول مناطق “سورية المفيدة” التي قاتل النظام طويلًا من أجل الحفاظ عليها، إلى عبء ثقيل، يستنزفه وحلفاءه اقتصاديًا، وإداريًا بشكل تدريجي، كلما خفت صوت السلاح. ولن يكون للفتحات الحدودية الكبيرة التي نجحت قوات النظام والمليشيات العراقية في فتحها على الحدود العراقيّة أهمية اقتصادية مؤثرة، لأن خطوط النقل فيها تمر عبر بوادٍ ما تزال خلايا تنظيم الدولة الإسلامية تتحرك ضمنها. وما قد يفاقم الأمر أكثر في الصراع على إعادة الإعمار فشل المساعي الروسيّة لإعادة فتح معبر نصيب مع الأردن، إذ ما تزال ترفض فصائل الجبهة الجنوبيّة القبول بهذا الأمر، وهو ما يفسر أيضًا بعدم وجود رغبة أميركية وأردنية لإعادة تشغيل هذا الممر الاقتصادي المهم لصالح النظام.
مثّل السقوط المدوي لتنظيم داعش في سوريّة فرصة لإدارة ترامب، من أجل تفعيل جهودها الرامية إلى “تقليم أظافر إيران في الخارج”. في خطوة مفاجئةٍ لن تخرج من دون تنسيق مشترك أميركي – أردني، وربما إسرائيلي، استطاعت فصائل، تُحسب على المعارضة السورية في القنيطرة، السيطرة على الشريط المحاذي للجولان المحتل بالقرب من بلدة حضر. ومع أن فصائل المعارضة وظفت هذه المعركة لفك الحصار الخانق عن بيت جن، وسائر قرى الغوطة الغربية التي تئن، منذ سنوات خمس، تحت الجوع والبرد، فإن الدول سالفة الذكر وظفتها لغرض وحيد يتمثل في إبعاد حزب الله عن الحدود مع الجولان المحتل، لضمان عدم استغلالها في أي مواجهة إقليمية قادمة.
إذًا، أبعد حزب الله والمليشيات الإيرانية عن الشريط الحدودي مع الجولان المحتل بشكل كامل، وفرض عليه الاتفاق الروسي – الأميركي الابتعاد 30 كلم عن حدود الأردن. ولم تعد لنقاط الارتكاز الداعمة له في الشمال السوري (نبل، الزهراء، كفريا، الفوعة) قيمة مضافة، بعد تدخل الجيش التركي. وأمام هذا الواقع، تبّنت إسرائيل، منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2017، نهجًا تصعيديًا يقوم على استهداف الحزب بشكل شبه يومي في سورية، من دون أن يمتلك الأخير مقومات الرد.
وبالتزامن مع الغياب الأميركي، تحولت موسكو إلى قبلة جاذبة لقادة المنطقة الراغبين؛ إما بغرض تحييدها عن الملفات الشائكة والمتسارعة، أو كسب ودّها عبر صفقات أسلحة، تتمحور معظمها حول منظومة “أس 400” الدفاعيّة. وكما هو الشائع، أضحى تقديم التنازلات في الملف السوري الطريق الأسهل للوصول إلى قلب بوتين. ولتحقيق ذلك، بدأت السعودية تحدّث المعارضة السورية عن واقعية الطرح تجاه مسألة الأسد، وتطالبها بتغيير وجهات نظرها تجاه مستقبله، وضم قوى أخرى محسوبة على النظام، فقط لكونها مدعومة من موسكو. وعلى نهجها، سارت تركيا التي أجبرت الفصائل المسلحة على مسار أستانة، قبل أن تجري ترتيبات مع هيئة تحرير الشام لضمان دخولها إلى إدلب.
وكما هي العادة، تغيّر كل شيء في لمح البصر، فقد خرج وزير الخارجيّة الأميركي، ريكس
“المتابع الدقيق يرصد العلاقة الطردية بين داعش والموضوع الإيراني”
تيلرسون، يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول، بتصريحٍ قال فيه إن حكم عائلة الأسد شارف على نهايته، وإن القضية تتمحور حول كيفية الوصول إلى هذه النهاية. وعلى الفور، بدأ الضغط على النظام من بوابة تمديد عمل لجنة التحقيق في الهجوم الكيماوي، وارتفعت النبرة الأوروبية، بما فيها الفرنسية، لانتقاده. بالتزامن مع ذلك، أوكل الملف السوري بعدها إلى وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، الذي زار الرّقة المحرّرة من “داعش” رفقة قوات أميركية، ليتحدث من هناك عن إعادة الإعمار ومواجهة إيران.
وتعتقد الولايات المتحدة أنها حققت مأربها في سورية، من دون أن تضطر إلى دفع أثمان مادية وأخلاقيّة، وأن مكاسبها القائمة تعني بالضرورة خسائر لإيران على المدى الطويل. وهذا صحيح نسبيًا. لقد ربطت إدارة ترامب استراتيجيتها التصعيدية ضد إيران بإنجازات حربها على تنظيم داعش. ولعل المتابع الدقيق يرصد العلاقة الطردية بين داعش والموضوع الإيراني، فبعد هزيمة التنظيم في الموصل وانهياراته المتلاحقة في العراق، رفض ترامب التصديق على التزام إيران بالملف النووي، على الرغم من تأكيد منظمة انتشار الأسلحة النووية ذلك، وفرض عقوبات إضافية عليها بسبب برنامجها للصواريخ البالستية، ولوّح غير مرة بإدراج حرسها الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية. وقد تبنت النهج نفسه في سورية، إذ انتقلت نبرتها الدبلوماسية تجاه طهران من المهادنة إلى التصعيد، بالتزامن مع هزيمة داعش.
وفي ظل هذا المناخ المتأزم مع إيران في سورية والعراق، ترى الولايات المتحدة أن استمرار الاستقرار السياسي في لبنان وفق معادلة سياسية يكون فيها حزب الله المنتصر لن يكون مفيدًا. ومن غير المستغرب، كما أشارت صحف غربية مختلفة، أن تكون واشنطن قد أوعزت إلى السعودية باستخدام نفوذها على الحريري، بما يؤدي إلى انكشاف حزب الله داخليًا، قبيل إعادة ترتيب ملفات الإقليم بشكل كامل.
العربي الجديد
مقايضات بوتين السورية/ مروان قبلان
غدت سورية، على ما يبدو، العقدة الأكثر تناولا في لقاءات الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب. فأينما حل الرجلان، أو اجتمعا تحت مظلة دولية معينة، (طالما أن قمة بينهما باتت غير واردة مع تنامي الأدلة على تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية) يخرج من جعبتيهما اتفاق بشأن سورية. وهذا لافت للانتباه، بمقدار ما يحتاج إلى تفسير. ففي الثامن من شهر يوليو/ تموز الماضي، توصل الرئيسان خلال قمة الاقتصادات العشرين الكبرى إلى اتفاق هامبورغ الذي أخرج منطقة جنوب سورية الغربي من اتفاقات خفض التصعيد التي أقرت في أستانة مطلع مايو/ أيار الماضي، ونص على وقف إطلاق النار، ونشر قوات من الشرطة العسكرية الروسية، وإبعاد المليشيات التابعة لإيران من المنطقة. وعلى هامش قمة دول آسيا والمحيط الهادئ (ابيك) في فيتنام، يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، توصل الرئيسان إلى بيان مشترك بشأن كيفية المضي في إدارة الصراع في سورية، بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وفيما بدا أن الاتفاق الأخير يؤسس لمرحلة تقاسم نفوذ بين القوتين الكبريين، لأنه ينظم الوجود العسكري الروسي والأميركي على ضفتي نهر الفرات، ويمنع حصول احتكاكٍ بين وكلائهما المحليين على الأرض، فالواضح أن جوهر اتفاقات هامبورغ في ألمانيا ودا نانغ في فيتنام (أقر تفاهم عمّان الثلاثي بخفض التصعيد في الجنوب السوري) هو التعاطي مع الوجود الإيراني في سورية، والذي بدأ يتحول بعد هزيمة “داعش” إلى العقدة الرئيسة في المسألة السورية.
وبعد أن فشلوا في احتواء إيران، ومنعها من السيطرة على الجزء الأكبر من البادية السورية، وبلوغ مدينة البوكمال التي تمثل نقطة تلاقي نفوذها في سورية والعراق، عبر عنها بجلاء التقاء مليشيات إيران على طرفي الحدود بين البلدين، بات الأميركيون يعوّلون على الروس، للقيام بهذه المهمة، لأن البديل، كما تروج واشنطن، هو انتقال الصراع الإسرائيلي- الإيراني منخفض المستوى حاليا في سورية إلى مواجهة مفتوحة، تضع روسيا أمام اختبارٍ صعب، يفرضه صدام بين “صديقين” لها هما إيران وإسرائيل التي ذكّرنا مسؤول روسي، أخيرا، بأهمية الحفاظ على أمنها، من باب أنه يعيش فيها مليون مواطن يحملون الجنسية الروسية.
كانت روسيا قد وافقت في اتفاق هامبورغ على إنشاء منطقة عازلة بعمق يتراوح بين 40 – 50 كلم، تديرها بنفسها لمنع أي احتكاكٍ بين “صديقيها” في الجنوب السوري، وهو ما عاد وأكد عليه تفاهم عمّان أخيرا، بحسب مسؤول أميركي، قال إن الاتفاق “ينص على جلاء جميع القوات الأجنبية عن جنوب غربي سورية، بما فيها القوات الإيرانية والفصائل المسلحة التابعة لها، … وبقاء المنطقة تحت سيطرة فصائل المعارضة، حتى إتمام التسوية السياسية”. وعلى الرغم من أن موسكو عادت وتبرأت من هذا “التأويل” للاتفاق، فليس هناك مجال للشك في أن للروس مصلحة حقيقية في إخراج إيران وأدواتها من سورية، بعد أن انتهت الحرب فيها، كما رأى أمين عام حزب الله أخيراً. لكن روسيا تريد خروج القوات الأميركية المتمركزة شرق سورية أيضاً. ويبدو أن موسكو بدأت تطرح هذه المقايضة على الطرفين، الأميركي والإيراني، بحيث تخلو لها الساحة السورية تماما. لذلك، يبدو من المهم الربط بين بيان دا نانغ والزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس بوتين إلى طهران مطلع الشهر الجاري، وشاع حينها أنها جاءت لطمأنة الإيرانيين بعد زيارة ملك السعودية موسكو. طبعاً من الصعب أن يفهم المرء كيف يمكن أن يتكبّد رئيس روسي عناء زيارة طهران لشرح أسباب استقباله رئيس دولة أخرى. ذهب بوتين إلى هناك، لاستمزاج رأي المرشد في فكرة مقايضة الانسحاب الإيراني بالانسحاب الأميركي قبل لقائه المرتقب مع ترامب في دا نانغ.
هل تقبل طهران بهذه المقايضة التي لمّح إليها أمين عام حزب الله، حسن نصرالله؟ لا يبدو هذا واضحاً على الرغم من أن الوجود العسكري الأميركي شرق سورية يهدّد النفوذ الإيراني في العراق. هل تقبل واشنطن بهذه المقايضة، للحد من النفوذ الإيراني، على الرغم من أن وجودها العسكري شرق سورية يؤمن لها تمركزاً جيو- استراتيجيا بين قوى الإقليم الكبرى؟ لا يبدو هذا واضحا أيضاً، الشيء الوحيد الواضح الآن أن الصراع على سورية لم يبلغ بعد نهايته، ولن يبلغها إلا بخروج كل القوات الأجنبية منها.
العربي الجديد
مؤتمر “الشعوب السورية” والاحتيال الدولي على السوريين/ أسامة أبو زيد
(1)
وسط الدمار والفوضى، وعلى أنقاض سورية المنهكة بفعل الآلة الحربية الروسية وجيوش المرتزقة الذين صدّرتهم إيران من دول الولي الفقيه، والقنابل الموقوتة والأوبئة المتمثلة بالمقاتلين الأجانب الذين دفعت بهم أجهزة مخابرات عديدة للتخلص من عبء وجودهم في ضواحي أوروبا لتصدّرهم إلى سورية، حيث انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب الجرائم يمكن تبريره وتجاهله، طالما كان تحت عنوان محاربة “الإرهاب”، وعلى وقع النقض (الفيتو) الروسي التاسع في مجلس الأمن الدولي، هذه المرة ضد استمرار آلية التحقيق في جرائم استعمال النظام السلاح الكيميائي ضد أبناء الشعب السوري، ما يمثل أقذر أشكال الاصطفاف إلى جانب منظومة الإجرام في دمشق، وفي اغتصاب فاضح لكل قيم حقوق الإنسان…، على وقع ذلك كله، دعت الحكومة الروسية إلى مؤتمر “الشعوب السورية”، بعد أن تمكّنت من لي ذراع الثورة العسكري ومحاصرته، عبر اتفاق تخفيض التصعيد، مستفيدة من الوضع الدولي، وتراجع دولٍ كثيرة عن موقفها الداعم للثورة السورية، وتحولات في سياسة دول كانت تتبنّى، بشكل مطلق، دعم التغيير الديمقراطي في سورية، إضافة إلى الأزمة الخليجية التي بات الشعب السوري من أكثر الشعوب العربية تضرّراً من الاستقطاب الناجم عنها.
(2)
استفادت روسيا من التراجع الأميركي في المنطقة منذ عام 2013، والذي ساهم بدفع دول داعمة الثورة السورية إلى السعي إلى التفاهم مع روسيا، باعتبارها المؤثر الأكبر (والوحيد في نظر بعضهم) في حل المعضلة السورية، بعد أن كانت هذه الدول أعلنت استعدادها للاستمرار في دعم الثوار في مواجهتهم المفتوحة مع الاحتلالين، الإيراني والروسي، وهو ما يشكل، في نظر الروس، انتصاراً استراتيجياً مقابل النفوذ الأميركي المتراجع في المنطقة.
على الرغم من أن الروس يعلمون تماماً أنه لم تكن أي دولة قد حسمت موقفها جدياً بإيقاف
“عانت الثورة السورية، عبر سنواتها المريرة، من غياب قوة سياسية ثورية، لها هدف وطني واضح” التغوّل والإجرام الروسي في سورية، لكنها شكلت فرصة للتظاهر، كما لو أنهم ينتصرون على العالم كله في سورية، وهو ما يتماهى، بشكل مطلق، مع كاريزما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخطابه، الأمر الذي أسس للاعتقاد الروسي بالنجاح في ترسيخ تقسيم سورية لمناطق نفوذ، الجزء الأكبر منها خاضع للإرادة الروسية بشكل مطلق، أو أنها دخلت في تفاهماتٍ مع روسيا “تحت طائلة الحرق و التدمير” بعد محادثات أستانة، كما هو حال المناطق المحرّرة الخاضعة لسيطرة الثوار، أو كما هو حال الرقة ودير الزور، بعد التفاهم الأميركي الروسي، والذي تمثل في إبعاد الجيش السوري الحر من البادية، وسيطرة النظام على أجزاء واسعة من دير الزور، والتصريح الإيراني باقتراب عملية مشتركة لجيش النظام وحلفائه على الرقة.
ويبدو جلياً أن روسيا ليست مستعدةً، أو جاهزة للتخلي عن بشار الأسد، على الأقل في المرحلة الراهنة، باعتباره أبرز مظاهر نفوذها وانتصارها. كيف لا وهي تستطيع الإتيان به إلى موسكو بأحد طائرات الشحن الروسية التي تنقل بواسطتها الطعام والفودكا إلى مقاتليها في حميميم، وهو ضمانة لتعزيز نفوذها، وتثبيت موقعها مقرّراً لشكل الحل في سورية. ومن أجل شرعنة النفوذ والوصاية الروسية، تسعى موسكو إلى الانقلاب على مسار جنيف، وصياغة الإطار الملزم للحل الذي ربما ينجم عن مسار جنيف، بعد أن باتت دول كثيرة مؤثرة تسلّم للرؤية الروسية للحل في سورية.
(3)
مؤتمر “الشعوب السورية” الذي كان مقرّراً في قاعدة الاحتلال الروسي العسكرية حميميم، تم تقرّر عقده في سوتشي الروسية، منعاً لإحراج الراغبين بالمشاركة، مثل معارضة المصادفة، أو من تم احتواء إرادتهم من قادة الفصائل، وأصبحوا بشكل مطلق مقيدين برغبات الجهات الداعمة. وقد صرح مسؤول روسي في الجلسة الأولى من المفاوضات بين وفد الفصائل العسكرية الأول مع وفد الكرملين الروسي، عن رؤية بلاده لهذا المؤتمر، وهي تتمحور حول دعوة وجهاء المجتمع السوري من مختلف الطوائف وأبناء العائلات السورية العريقة وممثلي الطوائف والأعراق والقوميات المختلفة التي يتكون منها الشعب السوري، وأيضاً ممثلين عن النظام والمعارضة. ويكون الهدف الرئيس للمؤتمر هو النظر في شكل النظام السياسي لسورية، وانتخاب لجنة تأسيسية تصوغ دستوراً انتقالياً تتم بالاستناد إليه عملية انتخاب تحت إشراف دولي، حيث تتعهد روسيا والدول المشرفة على هذه الانتخابات بتطبيق نتائج الانتخابات، والتزام الجميع بها، ولن تمانع حينها روسيا، بحسب المسؤول الروسي، في رحيل الأسد بهذه الطريقة. وتحقق هذه الرؤية لروسيا مزيداً من تفتيت المعارضة السورية، كما أن بحث المؤتمر شكل النظام السياسي في سورية سيشكل الضربة القاضية للهيئة العليا للمفاوضات، لما يؤسس له بحث هذا المحور من استقطاب حاد، مستفيدة موسكو من تربص بعض الدول، وحتى تيارات منسوبة للمعارضة، بالهيئة العليا، كما سيحقق لموسكو ما سعت إليه في جنيف وأستانة، والذي يتمثل في تقديم بحث مسألة الدستور على الانتقال السياسي.
كما أن تقديم مسألة الدستور على الانتقال السياسي، والانخراط في بحث الدستور، سيحقق تجاوزاً كلياً لفكرة الانتقال السياسي باعتباره أهم خطوات الحل في سورية، لما سينتج عن بحث مسألة الدستور قبل تحقيق العدالة من صراعاتٍ قومية وطائفية وبدعم روسي إيراني، ليظهر الأسد في موقع الحل الأمثل لتجاوز صراع الطوائف والقوميات وحله.
يعد المؤتمر، وفق رؤية موسكو، الجزء الأهم من الاستراتيجية الروسية لتفتيت القرارات
“تأجيل انعقاد مؤتمر سوتشي تكتيكي، لجأت إليه موسكو إلى حين توفيرها مناخاً أكثر ملاءمة له” الدولية الناظمة للحل السياسي للقضية السورية، وفي مقدمتها بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2245، والتأسيس لعقبات إضافية أمام تحقيق مسار جنيف أي تقدّم، وحصر تحقيقه نتائج ملموسة بالرغبة الروسية.
تمرّ عملية التفتيت الروسية للقرارات الدولية عبر انفراد روسيا بتحديد زمان (ومكان) بحث أكثر البنود التي تهدد بقاء الأسد في السلطة، والواردة في تلك القرارات، بشكلٍ يمهد لتجاوز إنفاذ تلك البنود، وفق السياق القانوني والتراتبية المنصوص عليها، وهذا يتجلى في الفقرة 9 البند أ من بيان جنيف، وهو ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي، وينص في الفقرة ب على عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي ستكون نتائجه ملزمةً، لإعادة النظر بشكل النظام الدستوري في سورية، حسب الفقرة ج من المادة نفسها.
اختارت روسيا التي تستبق بحث الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف الدستور والانتخابات، وطرح مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، رؤيته عن الحوار الوطني، توقيت المؤتمر بعناية، بحيث تنسجم الرؤية الروسية لمؤتمرها “للشعوب السورية” مع المناخ الذي يحيط بالجولة القادمة من مفاوضات جنيف، بحسب حديث دي ميستورا أن الجولة الثامنة من جنيف ستكون لبحث الدستور والانتخابات. وتنسجم هذه الرؤية مع مناخ التحولات في سياسة عدد من الدول المتراجعة عن دعم كفاح السوريين لإسقاط نظام الاستبداد في دمشق، ولم يعد يشكل فرقاً كبيراً لدى هذه الدول أن يبحث الدستور والانتخابات في سوتشي أم في جنيف أو حتى في موسكو نفسها.
الأهم بالنسبة لموسكو في قضية توقيت مؤتمر “الشعوب السورية”، هو مؤتمر الرياض 2، ومحاولة التأثير على مجرياته من خلال محاصرة من سيجتمع في الرياض بين ضرورة التسليم بالمظلة الروسية للحل في سورية أو محاربة مخرجات المؤتمر، إذا لم يكن يلبي التطلعات الروسية، وذلك من خلال مشروع روسي في توحيد حجاج موسكو من معارضي المصادفة الذين وافقوا على المشاركة في مؤتمر سوتشي، مع المنصات والشخصيات التي شاركت في “الرياض 2″، وفشلت في تمرير الإرادة والرغبات الروسية، ثم إبراز الجسم الجديد على أنه المنصة الأكثر تمثيلاً للمعارضة، وهو ما سيساهم في تعزيز فكرة المنصات، والإبقاء عليها مكسباً إضافياً، يبقي للروس إحدى أهم أوراقهم التي تعزز بروباغندا تشتت المعارضة وتعدد منصاتها.
(4)
بعد بيانات رفض المشاركة في المؤتمر، والتي أصدرتها هيئات ثورية وتيارات معارضة، والاعتراضات التركية على دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي، والموقف الغربي المشكك بالمؤتمر، تم تأجيل انعقاد المؤتمر إلى أجل غير مسمى. لكن هل يعني هذا تخلي روسيا عن الفكرة؟ لم يسبق لروسيا أن تراجعت في سورية، إلا حين تصدّى الجيش السوري الحر للهجوم البري المشترك بين المليشيات الإيرانية وقوات النظام تحت غطاء جوي روسي.
عدم استعداد موسكو للتراجع مرتبط بعدم رغبة أي من أفراد المجتمع الدولي ومؤسساته الوقوف جدياً، وبشكل حاسم، في وجه روسيا، أو دعم السوريين في وقوفهم في وجهها. لذلك فإن تأجيل انعقاد المؤتمر تكتيكي، لجأت إليه موسكو إلى حين توفيرها مناخاً أكثر ملاءمة لانعقاده، وهو ما يرجّح عودة التصعيد العسكري للنظام بتغطية ودعم روسيين، في عدد من مناطق تخفيض التصعيد، في مقدمتها الغوطة الشرقية. ومن جهة ثانية، ستزيد موسكو من ضغوطها على الجانب التركي، وستفتح الباب أمام النظام والإيرانيين لعرقلة الوجود العسكري التركي في إدلب.
ليست روسيا متمسكة بعقد المؤتمر في سوتشي أو حميميم، بقدر تمسكها بتمرير أجندة مؤتمر الشعوب السورية وأغراضه وفق رؤية موسكو. وبالتالي، فإن ما تقوله موسكو: في جنيف أو أستانة أو سوتشي أو حميميم المهم، أن تفعلوا ما أريده وخططت له أنا، وهو ما يستلزم أن يكون رفض المعارضة المؤتمر هو رفض مضمونه وأهدافه، بغض النظر تحت أي عنوان، وأين سيعقد، ومن هي الدولة التي ستوجه الدعوات للمشاركة في المؤتمر.
(5)
قبل أيام فقط، وفي مهد الثورة السورية العظيمة في درعا، تداعت فعاليات حوران، وبتمويل
“روسيا ليست مستعدةً، أو جاهزة للتخلي عن بشار الأسد، على الأقل في المرحلة الراهنة، باعتباره أبرز مظاهر نفوذها وانتصارها” ذاتي، إلى لقاء حوران الثوري، لتأسيس هيئة سياسية ممثلة لحوران، وقبلها اجتمعت القيادات العسكرية في بصرى الشام في حوران، لتأسيس قيادة عسكرية مشتركة. وتؤكد هذه اللقاءات السورية الثورية قدرتنا، نحن السوريين، على الانطلاق بمشروع وطني سوري مستقل، يحافظ على مبادئ الثورة، ويستمر في سعيه إلى تحقيقها على كل الصعد.
لا يمكن مواجهة التغول الروسي الماضي في محاولة تفتيت الموقف الثوري وقرارات الشرعية الدولية الناظمة للحل السياسي في سورية، عبر الاكتفاء بمواقف فردانية، وتنديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى مقالات الرأي في الصحف المنتشرة، مع ضرورة هذه الحملات. ولكن إلى جانب مبادراتنا الثورية والوطنية. لذلك، لا بد من موقف جماعي حاسم وواضح، يتداعى له حملة الهم الوطني الثوري من السوريين الذين لا يجاملون في بلدهم وثورة شعبهم صديقاً ولا عدواً، ولا حتى أعظم قوة عسكرية في هذا العالم القزم أمام تضحيات الشعب السوري العظيم.
عانت الثورة السورية، عبر سنواتها المريرة، من غياب قوة سياسية سورية ثورية، لها هدف وطني واضح. وعانت من اتساع هامش الاجتهاد السياسي، حتى باتت الخيانة وجهة نظر، كما عانت من تحول مفهوم المعارضة أحياناً إلى آراء شخصية لأفرادٍ حريصين فقط على مصالحهم المتقاطعة مع بعض الجهات الدولية.
هذه الثورة المنهكة من حربٍ تجرّد فيها أعداء الحرية وأنصار الاستبداد من الحد الأدنى من أخلاق الإنسان. ومارسوا أبشع صور التنكيل ضد شعبٍ لم يسبق لأحد في عصرنا الحديث أن قدّم مثله تضحياتٍ على مذبح الحرية والكرامة، لم يبق لها من خياراتٍ سوى أن تخوض من جديد معركة استقلال سورية، وتحريرها من الاحتلال الداخلي والاحتلالات الأجنبية. وهو ما يستدعي موجة جديدة من الكفاح والمقاومة الوطنية التي مهما بلغت تكاليفها لن تكون أكثر إيلاماً من خسارة سورية وشعبها ومستقبلها، وتفتيتها تبعاً لرغبات الاستبداد والاحتلال وقادة مذبحة العصر.
العربي الجديد
سوريا.. تحديات المؤتمرات الثلاثة المقبلة/ حسين عبد العزيز
مؤتمر الرياض 2
مؤتمر سوتشي
اجتماع جنيف 8
بعد اتضاح معالم نفوذ أميركا وروسيا في سوريا؛ تعمل الدولتان على رسم مساراتهما السياسية والعسكرية بعيدا عن بعضهما بعضا.
ففيما تبدو موسكو مستعجلة للانتقال إلى المستوى السياسي مستفيدة من الاندفاعة التي حققتها على الأرض، وما نجم عنها من تفاهمات مع تركيا وأطراف في الفصائل المسلحة والمجالس المحلية، تبدو واشنطن غير مستعجلة على اجتراح مسار سياسي، ولا حتى تنشيط اجتماعات جنيف في ظل هيمنة الحسابات العسكرية على إستراتيجيتها، وقد يعود ذلك لغياب رؤية واضحة لديها للحل السياسي، أو لأن شروطه -في رأيها- لم تكتمل بعدُ.
أمام هذه التوجهات؛ ثمة ثلاث محطات رئيسية قد تشكل كلمة السر لفهم المرحلة التالية، ولفهم مدى التقارب والتباعد بين موسكو وواشنطن (مؤتمر الرياض 2، مؤتمر حميميم، جنيف 8).
مؤتمر الرياض 2
يعتبر مؤتمر “الرياض 2” الفرصة الأخيرة “للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”الهيئة العليا للمفاوضات” وبعض الشخصيات، لإعادة بناء معارضة أوسع تلبي متطلبات المرحلة المقبلة الناجمة عن تفاهمات روسية أميركية. ومن شأن نجاح هذا المؤتمر -الذي ترعاه السعودية- أن يشكل نقلة مهمة في توسيع مروحة القوى المعارضة تحت مظلة واحدة وبخطاب سياسي موّحد.
لكن هذا المؤتمر قد يكون سببا في القضاء على “الهيئة” لتنافر بدأ في الظهور مؤخرا، بين من يريد المحافظة عليها وعلى مرجعياتها السياسية مع توسعتها بما لا يؤدي لتغيير هويتها، ومن يجد أن الفرصة متاحة لإنهاء مرحلة هيمنة “الائتلاف” على المعارضة، وبالتالي الانتقال إلى تشكيل جسم جديد يختلف كليا عن الجسم القديم، وهذا تيار تتبناه هيئة التنسيق برئاسة حسن عبد العظيم بتنسيق مع منصة القاهرة، وإلى حد ما مع منصة موسكو.
المسألة لا تتعلق فقط بإدخال قوى جديدة، بقدر ما تتعلق بتغيير الخطاب السياسي للمعارضة السورية، وإجراء انزياح -وإن كان بسيطا- في مرجعياتها، وهذا أمر خطير لأنه يقدم تنازلا جادا قُبيل الاتفاق على المرحلة الانتقالية.
فليس المهم إدخال أطراف جديدة أو تشكيل جسم سياسي جديد، المهم وهو الاتفاق على مرجعية سياسية جامعة وعلى كيفية الانتقال السياسي، ومن دون هذا الاتفاق ستجد المعارضة نفسها قد دخلت مرحلة التفكك والانهيار، في وقت تسارع فيه قوى أخرى لرسم المعالم السياسية للمرحلة المقبلة.
وإذا لم يتم التوصل إلى صيغة مشتركة؛ فلن يكون أمام “الهيئة العليا للمفاوضات” سوى خيارين: إما التوجه إلى جنيف 8 بوفد واحد موسَّع ولكن بمرجعيات سياسية متعددة، وإما الذهاب إليها بأكثر من وفد كما جرى في الاجتماعات السابقة، وفي كلتا الحالتين ستجد “الهيئة” نفسها في مأزق في ضوء تفاهم دولي/إقليمي على مصير بشار الأسد.
والإشكالية التي تقف أمامها المعارضة إشكالية معقدة؛ فمن جهة يُخشى أن يؤدي تقديم تنازلات سياسية إلى فتح باب واسع من التنازلات، في ظل غياب أية ضمانات دولية عن المدى السياسي الذي يمكن أن يصل إليه التغيير في سوريا.
ومن جهة أخرى، يُخشى أن يؤدي التمسك بثوابت الثورة إلى إضعاف الائتلاف وبعض القوى، وبالتالي ترك زمام الأمور لقوى ليست بعيدة في رؤيتها عن رؤية النظام. وأمام هذا الواقع، تبدو المعارضة مطالبة باجتراح حلول تناسب التفاهمات الدولية والإقليمية للحل، فلم يعد مناسبا ربط حل الأزمة السورية برحيل الأسد.
ومع أن هذا الربط ناجم عن قناعة بأنه لا يمكن إحداث تغيير في بنية النظام السياسية طالما بقي الأسد في الحكم؛ فإنه ربط أصبح خاليا من أي حوامل إقليمية ودولية، الأمر الذي يجعله مجرد موقف يُخرج الممارسة السياسية من مجالها الإمكاني ليتعالى بها فوق الوقائع وحواملها المادية.
مؤتمر سوتشي
مما لا شك فيه أن موسكو تحاول استثمار مخرجات أستانا لتحقيق اختراق سياسي يوازي الاختراق العسكري الحاصل على الأرض. ولذلك تعتقد روسيا أن الوقت حان لشرعنة ليس فقط قوى محسوبة عليها (منصتا موسكو وأستانا) وقوى خارجية وداخلية مطلوب وجودها (“تيار قمح” والاتحاد الديمقراطي الكردي)، وإنما أيضا شرعنة قوة تعتبر امتدادا للنظام بشكل أو بآخر (منصة حميميم).
ولم تجد روسيا أفضل من النهج الذي اتبعته في أستانا، أي الانتقال من الأسفل إلى الأعلى؛ فهذا النهج يسمح لها -على المستوى السياسي- بتثبيت قوى وشخصيات داخلية تحت عنوان وطني، يتمثل في ضرورة مشاركة جميع مكونات الشعب السوري (إثنيات، طوائف، عشائر، مجتمع مدني)، فضلا عن أطراف الصراعالرئيسيين.
وبطبيعة الحال؛ من شأن هذه الخطوة أن تمهد الطريق لنشوء كتلة سياسية وازنة، لا تحمل أجندات سياسية راديكالية كما هو حال “الهيئة العليا للمفاوضات”، ولا أجندات مطابقة لأجندات النظام كما هو حال الأحزاب الداخلية التي تدعي أنها معارضة، وإنما صيغة لا تسمح بإسقاط النظام عبر البوابة السياسية، ولا تؤدي إلى تغيير بنيوي سريع فيه، في وقت لا تسمح فيه بإعادة إنتاجه بنفس أدوات الضبط والإكراه التي يمتلكها.
ويدرك صناع القرار في الكرملين جيدا أن مثل هذه الصيغة تتطلب -كي يكتب لها الاستمرار- ألا تكون بديلا عن مفاوضات جنيف ومرجعياتها الأممية، وهذا ما يفسر تأكيد الروس الالتزام بالقرار الدولي 2254.
غير أن التأكيد على هذا القرار يقتصر فقط على شقيْ الدستور والانتخابات، وليس على هيئة الحكم، ولم تكن صدفة غياب صيغة الحكم عن تصريحات المسؤولين الروس، وعن الوثيقة المسربة لمؤتمر سوتشي أو مؤتمر “الحوار الوطني السوري”.
وبعبارة أخرى؛ تريد روسيا التخلص من أمرين رئيسيين: الأول إلغاء فكرة المرحلة الانتقالية نهائيا، لما تتضمنه من انتقال لشكل ما من الحكم إلى شكل آخر مختلف، وهو ما يقود إلى الأمر الثاني المتمثل في طمس معالم آليات التنفيذ.
وتحاول موسكو حشد أكبر قدر ممكن من القوى المعارضة، مثل حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وتيار قمح، وهيئة التنسيق، ومنصة القاهرة، الذين يرغبون -كل لأسبابه- بإنشاء منصة واسعة للمعارضة ذات مرجعية سياسية مختلفة، لتحل محل “الهيئة العليا للمفاوضات” ومن ورائها الائتلاف الوطني، وهذه القوى هي التي ستشكل ما يمكن تسميته “التيار الوسط”.
إلا أن العقبة التي ستواجه الروس لن تأتي من بوابة المعارضة الرسمية، وإنما ستأتي من النظام السوري وإيران، لإدراكهما أن الخطوات الروسية ستنتهي -ولو بعد حين- إلى ترتيبات سياسية جديدة، ستؤثر بالسلب على منظومة وبنية الحكم الحالية ولو على المستوى البعيد.
وفي نظرة سريعة على خطاب النظام الرسمي وغير الرسمي خلال الأيام الماضية؛ يتضح أن حديثه يقتصر على الإصلاح السياسي المدروس تحت مرجعية الدستور الحالي، مع القبول بإجراء انتخابات برلمانية وحكومة وحدة تضم قوى مقبولة من قبله.
اجتماع جنيف 8
سيكون لاجتماع “جنيف 8” المقبل أهمية خاصة لكونه يأتي بُعيد إنجاز أستانا لمهمته الرئيسية، وبُعيد الاقتراب من القضاء على تنظيم الدولة الإسلاميةفي حضوره الإستراتيجي ضمن الجغرافيا السورية.
لكن الاجتماع يواجه عقبتين كبيرتين: الأولى، استمرار الغموض في الموقف الأميركي من الحل السياسي، حيث لا تزال واشنطن تولي أهمية لمحاربة تنظيم الدولة وللترتيبات العسكرية في الشمال السوري.
ولم تكن تصريحات وزير الخارجية الأميركي مؤخرا حول مصير عائلة الأسد إلا فائضا في الغموض السياسي الأميركي، ذلك إن إدارة دونالد ترمب أصدرت خلال هذا العام مواقف متناقضة من مصير الأسد.
ومع ذلك، تولي واشنطن أهمية لعملية الانتقال السياسي، وهذا ما عبرت عنه المندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هيلي حين شددت على أن الحل الوحيد في سوريا يمر عبر انتقال سياسي. والعقبة الثانية، أن الاجتماع سيقتصر على مناقشة الدستور والعملية الانتخابية، وهذا تراجع هام عن الترتيبات السياسية التي حددها القرار الدولي 2254، وخاصة ترتيبات الحكم.
ويبدو أن ستيفان دي ميستورا بات قريبا من الرؤية الروسية، سواء كان ذلك لقناعة سياسية أم لأسباب شخصية؛ فالرجل أصبح على قناعة بأن إحداث اختراق في جدار المفاوضات يتطلب تجاوز مسألة الحكم ولو مؤقتا، لأن هذه المسألة لا تنفصل عن مصير الأسد. صحيح أن ثمة توافقا دوليا على تجاوز مسألة بقاء الأسد، لكن الخلاف ما زال قائما حول الصلاحيات التي ستؤخذ منه.
وعليه فإن التفاهم على صيغة مبدئية بشأن الإعلان الدستوري أو دستور جديد، ومن ثم التوصل إلى صيغة واضحة للانتخابات، سيعبّدان الطريق أمام التوصل إلى اتفاق حول الانتقال السياسي.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2017
التحدّي الروسي وبيان فيتنام السوري الباهت؟/ سميرة المسالمة
تساير روسيا المجتمع الدولي بما يتعلق بمسار المفاوضات السورية تحت الرعاية الأممية، وفق ما ذكره البيان المشترك الذي أعد للرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، إثر لقائيهما العابرين في فيتنام يوم الجمعة الماضي، إلا أن موسكو، في الوقت نفسه، لم تتراجع عن مسارها التفاوضي الجديد الذي أعلنت عنه تحت مسمّى مؤتمر الشعوب السورية، والذي كان قد دعت إلى أن يُقام في حميميم بداية، لتتراجع عن ذلك، وتحدد له مدينة سوتشي الروسية لاحقاً، وتحت مسمّى مؤتمر الحوار الوطني، ثم ليعود وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، ليسميه من فيتنام مؤتمر السلام السوري، في خطوةٍ يمكن اعتبارها تحدّياً للذين أعلنوا عن رفض حضوره سابقاً. وهي ليست المرة الأولى التي تحاول فيها روسيا خلط الأوراق التفاوضية، تحت ما يسمى “تنويع الخيارات” التي يبدو أن هدفها تبسيط العملية التفاوضية، بقدر ما يمكن تسميته وضع المسار الرئيسي المتمثل في مفاوضات جنيف تحت ضغط التعطيل او الاستبدال، أو أن يختار المتفاوضون السير قدماً في قراءة ليس القرارات الدولية، حسب المفهوم الروسي لها، وهو الأمر الذي يفسّر لماذا مر بيان جنيف1 (2102) من دون اعتراض روسي، ولماذا صمت المجتمع الدولي أمام المسارات الجانبية التي أسستها موسكو أو رعتها، سواء الهدن المناطقية المحلية، أو جولات أستانة التفاوضية، أو الاتفاقات الثنائية مع الفصائل المسلحة، ليصل بها الحال أخيرا إلى مؤتمر سوتشي (حميميم سابقاً) وحالياً السلام السوري، في الوقت الذي تتحضر فيه أطياف المعارضة إلى اجتماع موسع في الرياض، لتشكيل وفدها الموحد إلى جولة جنيف التاسعة المزمع عقدها في 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
“لم يأت بيان فيتنام الباهت بشأن سورية بجديد، إلا ما يتعلق بتأكيد الولايات المتحدة أن اهتمامها حالياً ليس إتمام التفاوض من أجل الحل السياسي الشامل”
ويضع طرح هذا المؤتمر، “الحوار الوطني السوري” أو “السلام”، في المنتجع الروسي سوتشي على البحر الأسود، أمام جملةٍ من التساؤلات غير البريئة، كما يضع تهاون المجتمع الدولي مع هذه المخططات الروسية، والانسياق بدعمها من خلال تقديمها من الوسيط الأممي، ستيفان دي ميستورا، شريكا في تمييع العملية التفاوضية، وتفريعها باتجاهاتٍ متعدّدةٍ لن تفضي في النهاية إلى حل سياسي، هدفه دعم قيام نظام ديمقراطي في سورية، وإتاحة الحياة الآمنة والكريمة لكل السوريين، وفق مبدأ المواطنة المتساوية، والتنوع الذي يثريها، ويغتني بحقوقها الجمعية، كما الفردية، فلماذا تنادي موسكو بمؤتمر للشعوب السورية (الحوار الوطني أو السلام)، قبيل انعقاد مؤتمر للمعارضة السورية، على الرغم من أنها كانت داعمة لمؤتمر الرياض1 للمعارضة السورية، في اجتماعات فيينا (2015)، وكانت وراء الدعوة إلى مؤتمر الرياض 2 لضم المنصات القريبة منها، فهل تستبق موسكو نتائج ما سيفضي عنه مؤتمر المعارضة الموسع، أم أنها أسست للخلافات المحتملة التي ستنشأ في الرياض2؟
لعل نجاح روسيا بتمزيق جهود المعارضة بين مساري أستانة وجنيف، زرع الأمل لديها، بأنها تستطيع ان تمضي في آلية توسيع حصتها من المعارضة على حساب الدول الأخرى، فاتفاقات خفض التصعيد، والاتفاقات المنفردة (الجنوب السوري والغوطة) التي تحاول من خلالها موسكو تمكين المجالس المحلية من إدارة شؤون المناطق التابعة لضمانتها، واحتكار صندوق الغنائم في هذه المناطق، لتوزيعها على الفصائل وفق مبدأ “من يطع يغنم” (من الشرطية). ومن هنا، كانت جرأتها في طرح مسار جديد لاختبار ما أنجزته سابقاً في أستانة على صعيدين: محلي سوري، وخارجي دولي، أي الفصائل المشاركة في اتفاقيات خفض التصعيد “وما في حكمها”، ومدى “مرونتها” في التعاطي مع المقترحات الروسية من جهة، والدول التي تساوقت معها في تنفيذ أجندتها، ومدى تفاعلها مع الحلول الروسية، متناسيةً أن لهذه الدول مصالح مشتركة معها، وفي الوقت نفسه، خلافات قائمة تمسّ سياسة الدول ذاتها.
وعلى ما تقدم، المعارضة السورية، والدول الصديقة لها، أمام بالون اختبار روسي ليس أكثر، فيما إذا كانوا قد عقدوا العزم كلياً على التسليم بالحلول الروسية، وبالتالي القبول بالخلطة الجديدة للأوراق، وإعادة توزيع الكراسي بين المؤيدين للنظام والمعارضين، في جلسةٍ دائرية
“المعارضة السورية، والدول الصديقة لها، أمام بالون اختبار روسي ليس أكثر” تجمعهم في سوتشي للبدء بحوار مباشر، تستطيع موسكو أن تفرضه على النظام الذي يستعين بكثيرٍ من القوى المدعوة إلى هذا الحوار الهادئ، على البحر الهائج الذي يصل أوروبا الشرقية بآسيا، ويتصل بالبحر المتوسط عبر مضيق البوسفور وبحر مرمرة، أي أن كل الدول التي تريدها روسيا حاضرةً في الحل، كما في جغرافيا سوتشي، وبعيداً عن “جنيف”.
تثبت الوقائع الماضية للحراك الروسي خطأ المعارضة وحجم أوهامها، حين تتعامل مع منتجات “أفكار لافروف وبوتين” من مبدأ أنها آنيّة، وتزول نتائجها مع الزمن، كما حدث حين دعمت قيام معارضات قريبة منها، أو ابتدعت فكرة المصالحات المحلية، أو أسست لمسار أستانة، وقبلها جميعها حين جلست إلى طاولة المباحثات الدولية، وأقرت بيان جنيف1، ومن ثم أعلنت عن قراءتها له المخالفة كل القراءات الدولية، لتعود وتفرضها من خلال مباحثات اجتماعي فيينا، ومن بعدها مسار جنيف الذي يتكئ اليوم على قرار مجلس الأمن 2254، الذي هو أصلا بالطبعة الروسية لبيان جنيف1.
متابعة روسيا تحضيراتها لمؤتمر يجمع المكونات السورية في حوار مباشر، كما تصرّح، على الرغم من عدم تحديد موعده، يصب اليوم في إطار التحدّي المباشر للجهود الأممية، واعتبار أن أي حل يمر فقط عبر قناتها ومن خلالها، تاركةً مساراتها التي أنشأتها (أستانة والاتفاقات الثنائية)، وفي مقدمتها اتفاق الجنوب ووسائل تنفيذه، مجرّد طعم تليّن فيها الموقف الأميركي المتراخي، ما دون أمن إسرائيل على الحدود الجنوبية السورية، وهو ما أظهره بيان فيتنام الباهت الذي لم يأت بجديد، إلا ما يتعلق بتأكيد الولايات المتحدة أن اهتمامها حالياً ليس إتمام التفاوض من أجل الحل السياسي الشامل، وإنما يتعلق بالجنوب السوري، وما بعده يأتي لاحقا وعلى مهل، ما لا يعطي التفاؤل بما ستحدثه جولة جنيف 9 ومناقشاتها بشأن التغيير الدستوري والانتخابات التي لم تمنع روسيا من التصريح مجدّداً عن سوتشي، على الرغم من أن البيان ينص على دعم المفاوضات في جنيف.
العربي الجديد
أوراق النظام السوري في يد روسيا والمعارضة تواجه فرصتها الأخيرة/ سميرة المسالمة
تعددت القراءات السياسية والإعلامية للبيان المقتضب الذي صدر إثر لقاءات عابرة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، على هامش اجتماعات منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في فيتنام الأسبوع الماضي (11/11)، على رغم أنه نسج على منوال كل البيانات المتعلقة بالقضية السورية، التي صدرت عن الدول المتصارعة في سورية، حيث أعاد البيان تأكيد أولوية محاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأن الحل في سورية يجب ان يكون من خلال تسوية سياسية في إطار جنيف. وبغض النظر عن حرص البيان على أن يكون مجرد وثيقة تصدر بعد اللقاء الذي سعت إليه موسكو وترددت واشنطن في قبوله، إلا أن ما ذكر فيه ليس إلا محاولة روسية لتمرير مشهد توافقي بين دولتين عظميين تستفيد منه موسكو لتحسين موقعها في تفاهماتها مع حليفيها الإيراني والتركي اللذين أغفل البيان ذكرهما كما أغفل مسار آستانة.
إن تأكيد التسوية التي قبل بها رئيس النظام السوري عبر عملية جنيف، ينفي في مضمونه وجود التوافق على ما ينص عليه القرار الأممي الذي أشير إليه (2254) المستند إلى بيان جنيف -1، أي «الانتقال السياسي»، ما يعطي الفرصة الكاملة لروسيا لمتابعة جهودها في إعادة الاعتبار إلى النظام، من خلال عملية التسوية التي تترجمها روسيا بإقامة حكومة «وطنية» تشارك فيها المعارضة من خلال التغيير الدستوري، الذي لا تمانع روسيا في مناقشته سواء في جنيف، أو من خلال مسار آستانة، أو من خلال المؤتمر الذي تحاول شرعنته، والترويج له بأنه مؤتمر السلام السوري، في مدينة سوتشي الروسية أو أي مكان آخر، حيث ان التزام الأسد عملية جنيف ليس جديداً ليطرح في بيان على مستوى ترامب- بوتين، سيما ان وفد النظام يشارك في كل جولات جنيف منذ عام 2014، ما يجعل غياب تعبير الالتزام بالانتقال السياسي بناء على بيان جنيف -1 هو المقلق، وليس ما ذكر هو الجديد الذي يمكن مناقشته.
ولعل تجاهل البيان ذكر اتفاقات «خفض التصعيد»، عبر مسار آستانة، ومآلاتها على واقع العملية السياسية، يفيد بأن وجود الشريكين (تركيا وإيران) في العملية السياسية لا يزال غير مرحب به من الجانب الأميركي، ما يحرج موسكو من جهة، وفي الوقت ذاته يعطيها فرصة المناورة مع شريكيها لتحكم قبضتها عليهما، وبالتالي كي يقبلا بالحل الروسي الوحيد حالياً، لتأمين مشاركتهما وضمان حصتهما من الكعكة السورية، التي تكاد تقضمها أميركا جنوباً (اتفاق الجنوب) وشمالاً (الوجود الكردي) وشرقاً (التلاعب بمصير المعارك القائمة على الحدود مع العراق، إلى حين توقيعها على الخريطة النهائية للمنافذ الحدودية)، ويأتي ذلك على رغم الوجود الروسي الفاعل في الساحة السورية، سواء في العمليات القتالية التي تخوضها حتى اللحظة مع النظام ضد معارضيه، أو في قيادة النظام على الساحة التفاوضية، ما يعني أن أمام موسكو خوض معارك تفاوضية من جديد مع شريكتيها في آستانة لإعادتهما إلى حيز الرؤية الأميركية، والقبول بهما، ليس من بوابة الواقع القائم، ولكن من خلال خريطة حل روسية جديدة، تزيح فيها إيران من جنوب سورية وتركيا من شمالها.
على ما تقدم فإن ذكر البيان أن نهاية الصراع في سورية يجب أن تكون في إطار عملية جنيف، لا يعني بالضرورة أن هذا الصراع قد وصل إلى نهايته، فالعملية التفاوضية متداولة دولياً منذ أربعة أعوام، وهي قد تستمر ما لم يأخذ الحوار الروسي- الأميركي شكله الجاد وليس اللقاءات العابرة، والبيانات المفتوحة على التفسيرات المتضاربة بين الموقّعين عليها، حيث تنفي موسكو ما تعلن عنه واشنطن، والعكس (تصريحات واشنطن التي واجهتها تصريحات الكرملين حول تفسير بيان فيتنام المشترك)، لكن على رغم ذلك فالإشارة إلى إطار عملية جنيف تحمل بعض ما يمكن التعويل عليه، في أن البيان يمنح فرصة للسوريين في ترتيب بيتهم الداخلي على جانبي الضفة معارضة ونظاماً:
فمن جهة النظام، فقد سلم أوراقه كاملة إلى روسيا، التي تدير عملياته القتالية والتفاوضية، وتهيّء باستمرار لبدائل تربك السوريين والمجتمع الدولي، كما فعلت بخلقها مسار آستانة لشؤون العمليات القتالية ومحاربة الإرهاب، وربطت نتائجه في الميدان مع مسار جنيف الأممي، فهي اليوم تحاول الأمر ذاته ولكن على صعيد سياسي بالدعوة الى مؤتمر حوار مكونات الشعب السوري (حميميم سابقاً)، وعلى رغم فشلها في إقامته في الوقت الذي أعلنت عنه، بيد أن فكرته والعمل عليها لا تزال موجودة، وفرصة إقامته تكبر مع استشعار تركيا وإيران بخطر أن لا يراعي مسار جنيف مصالح وجودهما في سورية، وقد أشارت إلى ذلك دلالات تغييب البيان اتفاقات خفض التصعيد الذي عقدت في ظل جولات آستانة، والتركيز فقط على اتفاق الجنوب الذي رعته روسيا والإدارة الأميركية والأردن، ما يوحي بحجم خلاف الإدارة الأميركية مع الضامنين الآخرين (إيران وتركيا)، اللذين سارعا إلى التلطي وراء علاقتهما بروسيا.
أما من جهة المعارضة فهي تملك فرصتها- التي ربما تكون الأخيرة – من خلال مؤتمرها الموسع في الرياض، لتعيد بناء نفسها من جديد، وتنقلب على واقعها المرير وتبدأ بقراءة المجريات مبتعدة عن أخطائها وقراءاتها التي كانت في معظم الوقت مخالفة للوقائع ومتأخرة وقاصرة، ما أوصلها اليوم إلى حائط شبه مسدود، فتح لها المجتمع الدولي عبر الرياض-2 ثغرة فيه لتعمل من خلالها، مستفيدة من القرارات الأممية جنيف- 1 و2118 و2254، فإما أن توسعها وتجعل منها نافذة للعبور إلى حل سياسي ينجو من خلاله السوريون، الذين قدموا تضحيات لم يسبقهم إليها أحد منذ الحرب العالمية الثانية، ويجنبهم مزيداً من القتل والدمار والضياع، ويستعيد السلم والأمن والاستقرار، ويشرع الأبواب أمام تغيير سياسي حقيقي، يستعيد معه الشعب سلطته ويبني دولته على أساس المواطنة الكاملة للجميع، أو تجعل منها الفرصة الضائعة لمزيد من التشتت والانقسام والتشظي.
يدرك من سيكونون في اجتماع الرياض حجم مسؤوليتهم اليوم تجاه شعب يتعرض للموت يومياً، من خلال القصف مرة، ومن الحصار المفروض عليه مرات، ومن مواجهته للإرهابيين الذين يحيطون به ويحتلون أجزاء من مدنه، وعلى ذلك فالأولويات لديهم واضحة من وقف قتلهم وفتح المعابر امام المساعدات، ومحاربة الإرهاب، إلا أن ذلك لن يتحقق من خلال البيانات، فهو يتطلب إنهاء واقع نظام حالي، وبناء نظام سياسي مهمته تأمين الحياة الآمنة والكريمة لكل السوريين، ليحملوا سلاحهم في وجه الإرهاب المسلح منه والفكري، والأخير هو المهمة الأصعب على كل الأطراف السورية والدولية.
إن انعقاد مؤتمر موسع للمعارضة ما بين 22 و24 من هذا الشهر يجمع المكونات، وينهي عمل الهيئة العليا للتفاوض التي انبثقت عن مؤتمر الرياض-1، في حضور الكيانات بصفتها، وعديد من ممثلي منظمات المجتمع المدني، والضباط المنشقين والفصائل المسلحة، والمجالس المحلية، والشخصيات الاقتصادية والسياسية، والتمثيل النسوي فيه، هو فرصة ربما تكون الأخيرة، ليس فقط لإنتاج رؤيا تعبر عن مقاصد ثورة دفع السوريون أثماناً باهظة فيها، بل هي اللحظة المناسبة لنفكر جميعاً في إقامة الإطار الجامع الذي يمثل الثورة وينهي حالة الشتات في منصات وكيانات وعواصم وأجندات، وينتج منه وفد واحد بمرجعية هذا الإطار ومخرجاته.
* كاتبة سورية
الحياة
تفاهم مرحلي بشأن سورية/ علي العبدالله
على الرغم من أن البيان الرئاسي الأميركي الروسي الجديد بشأن سورية، المعلن أخيرا في فيتنام، لم ينطوِ على خطة أو جدول زمني محدد للحل السياسي، إلا أنه انطوى على تفاهم أولي، يكرس الحضور والتطلعات الأميركية ويشرعنها، من جهة، ويحد من التفرد الروسي، ويقيّد طموحاته في فرض تصوره لحل الصراع في سورية وعليها، من جهة ثانية.
انطوى البيان القصير (347 كلمة) على توازن بين المطالب الأميركية والروسية، وعلى محدّدات الحل السياسي وأسسه (محاربة الإرهاب، الحل سياسي، تطبيق القرار الأممي رقم 2254، تغيير الدستور، انتخابات شفافة ونزيهة بإشراف دولي، اشتراك السوريين في الشتات في الانتخابات). في تعبير عن توافقٍ مرحليٍّ بين الطرفين، في ضوء إدراك الجانب الروسي استحالة تمرير حل سياسي، من دون موافقة إقليمية ودولية، أميركية خصوصا، ومن دون أخذ توازن القوى الذي فرضه الحضور الأميركي النشط على الأرض السورية، وتخوفه من خطط واشنطن تعزيز حضورها العسكري شمال سورية وشرقها وجنوبها، بعد إلحاق الهزيمة بـ “داعش”، خصوصا بعد أن بلغت لعبة إدارة المنافسات الإقليمية، واستثمارها في إزاحة دول الخليج العربي والولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى الهامش، طريقا مسدودا، وتلمس ممانعة النظام السوري الذي يستطيع مقاومة ضغوطه، مستفيدا من وجود راع ثان له (إيران)، ومن تطابق مواقفه مع مواقف الراعي الثاني، وتوظيفه ذلك في المناورة والتكتكة بين الراعيين، وإطلاق واشنطن إشاراتٍ عن تحضيراتها للمشاركة في الحل السياسي، واضطراره (الروسي) إلى مشاركة الولايات المتحدة وتركيا والأردن ومصر في اتفاقات خفض التصعيد، والإقرار
“أدرك الجانب الروسي استحالة تمرير حل سياسي من دون موافقة إقليمية ودولية”
بمصالح هذه الدول، ومصالح إسرائيل كذلك، والتمسّك بالتحالف والتنسيق الميداني مع إيران، للاستفادة من قدراتها الميدانية في الحصول على بعض مطالبه، من جهة، ولتغذية مخاوف الدول العربية لدفعها إلى القبول بتوجهاته وتصوراته، من جهة ثانية، وإقرار أميركي بأهمية التفاهم مع الجانب الروسي، تحضيرا لما بعد “داعش”، وحماية لقواتها المنتشرة على الأرض السورية وشرعنة وجودها، خصوصا أن الجانب الروسي بدأ إثارة قضية وجود هذه القوات، باعتباره وجودا غير شرعي، وتوظيف التعاون مع روسيا في سورية في حل بعض الملفات الإقليمية والدولية الساخنة (كوريا الشمالية، إيران، الصين، أفغانستان) بمشاركتها.
جاء البيان الرئاسي لضبط حركة القوى على الصعيدين، العسكري والسياسي، وإشاعة مناخ هادئ وبيئة مواتية للولوج في مفاوضاتٍ من أجل حل سياسي للصراع في سورية وعليها، بدءا من الاتفاق على مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، إطارا وحيدا لهذا الحل، ما يعني وضع حد لمحاولات روسيا الحثيثة إيجاد مسارات أخرى، وتسليما روسيا بهذا المسار، بعد أن أدركت قدرة الولايات المتحدة على عرقلة خططها ومشاريعها للحل السياسي في سورية، وقلب الطاولة على جهودها، وتحريك قوى حليفة لاستنزافها عسكريا، وإغراقها في حربٍ تريد الخروج منها بأقل الخسائر، في حال أصرّت على فرض تصورها، وإدراكها أهمية التفاهم على حل مع واشنطن في ترجيح مصالحها على مصالح إيران في سورية.
هذا بالإضافة إلى إدراكها أهمية التوافق الإقليمي والدولي، في مواجهة تبعات إعادة الإعمار
“يجب
عدم الاكتفاء بالنقد
والندب”
وتكلفتها الباهظة (قدّرتها جهات دولية بين 200 و350 مليار دولار) والتخلص من التوجه الإقليمي والدولي، لإلزامها بإعادة إعمار ما تسببت في تدميره. انحازت الولايات المتحدة بدورها إلى هذا التفاهم والتوافق لإرساء آلية تبريد الصراع، تدشينا لدورٍ تريد لعبه في حلٍّ يحقق تصورها القائم على معادلة “لا غالب ولا مغلوب”، وهو ما دفعها إلى التخلي عن قرارات دولية ذات صلة، لأن التمسك بها يتعارض مع النتيجة المتوخّاة، مثل بيان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2218.
لتحفظات قوى الثورة والمعارضة على محتوى البيان، والخيارات التي يروجها، وجاهة وأحقية في ضوء تصورها للحل المنسجم مع تطلعات الشعب السوري وقواه السياسية والاجتماعية، لكنها بحاجة إلى عدم الاكتفاء بالنقد والندب، بحاجة إلى فهم خلفيتها ونقاط ضعفها والزوايا الممكنة لاختراقها، والتحرّك العملي للتأثير على الوقائع والمواقف، احتواء لمخاطرها وتحقيقا لتصورها.
العربي الجديد
لماذا فشلت المفاوضات في جنيف ونجحت في آستانة؟/ رضوان زيادة
اجتماعات آستانة الأخيرة تمّت على عجل، وكان واضحاً في شكل كبير من الاجتماعين السابقين اللذين عقدا في آستانة أن كلاً من النظام والمعارضة يلعب دور الديكور تقريباً، فالنتائج تبدو معدة مسبقاً والبيان الختامي غالباً ما يتم الاتفاق عليه مسبقاً من جانب ما يسمى الدول الضامنة وهي روسيا في شكل أساسي وتركيا وإيران، ولذلك وفوراً وعقب انتهاء الاجتماع تم الإعلان عن إضافة منطقة رابعة لمناطق خفض التصعيد وهي إدلب، ولم تستطع المعارضة المسلحة أن تتمنع أو تشترط كما حصل في المرات الماضية؛ فالموقف التركي كان حاسماً جداً بدلالة تصريحات الرئيس أردوغان ولم يسمح للمعارضة المسلحة التي يضمنها بأن تمتنع عن الحضور أو تقديم لائحة من الاشتراطات كما اعتادت وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفك الحصار عن بعض المناطق مثل غوطة دمشق، فقد اصطدمت المعارضة المسلحة بموقف تركي حاسم يقوم على أساس إنجاح هذه الجولة من مفاوضات آستانة في أي شكل لأن من شأنها أن تعطي تركيا تفويضاً لإخراج «جبهة النصرة» أو كما هو مسماها الجديد «هيئة تحرير الشام» من إدلب، وهو ما تم بالفعل.
فبمجرد انتهاء اجتماعات آستانة تحركت الوحدات العسكرية التركية إلى الحدود السورية- التركية في عملية تهدف إلى إخراج «جبهة النصرة» من إدلب وسدّ الذريعة أمام الولايات المتحدة وحليفتها في سورية «وحدات الحماية الكردية» للتوجه نحو إدلب والسيطرة عليها، وفي الوقت ذاته الحد من طموحات القوات السورية النظامية في التوجه إلى إدلب بعد دير الزور بمساعدة القوات الروسية لإخراج «المنظمات المتطرفة» من إدلب وبالتالي فرض واقع جديد يقوم على إعادة سيطرة نظام الأسد على المعابر الحدودية مع تركيا وهو السيناريو الذي لا يمكن تركيا أن تتخيله اليوم.
لقد وجدت تركيا نفسها في موقف صعب للغاية، فترددها على مدى السنوات السبع الماضية قلب المعادلات والحقائق على الأرض لغير مصلحتها تماماً، فقوات «وحدات الحماية الكردية» التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية أصبحت شريكاً رئيسياً وحصرياً للولايات المتحدة في حربها ضد «داعش»، ورفضت أميركا كل الدعوات التركية لوقف تسليح هذه المنظمة كما رفضت الولايات المتحدة دعوات أكثر سخاء بكثير بتدخل الجيش التركي من أجل محاربة «داعش» في سورية، فقد أصرت الولايات المتحدة سواء تحت إدارة الرئيس السابق أوباما أو الرئيس الحالي ترامب – الذي تفاءلت تركيا به خيراً – على الاعتماد على القوات الكردية بدل اللجوء إلى حليفها في «الناتو» مما خلق توتراً كبيراً في العلاقات التركية- الأميركية على مدى السنوات الخمس الماضية.
ولذلك أدركت تركيا أن أي تردد هذه المرة سوف يقلب الأمور رأساً على عقب في حدودها الجنوبية مع سورية، ولذلك قررت وحشدت قواتها بسرعة من أجل البدء بعملية عسكرية حدودية وداخل الأراضي السورية كما فعلت سابقاً في مدينة الباب تتيح المجال للمعارضة السورية المسلحة المتمثلة في «الجيش السوري الحر» المتحالف معها الدخول إلى مدينة إدلب والسيطرة عليها وسد كل الحجج والذرائع التي يمكن أن تستغلها الولايات المتحدة أو روسيا لاستبدال «جبهة النصرة» بـ «وحدات الحماية الكردية» أو قوات النظام السوري.
لكن تركيا تدرك في الوقت ذاته أن معركتها ضد «جبهة النصرة» سابقاً (هيئة تحرير الشام حالياً) لن تكون سهلة وربما تتطلب الكثير من الموارد العسكرية واللوجيستية لا سيما أنها من غير المتوقع أن تحصل على تغطية جوية سواء من أميركا أو روسيا إلا في حال غيرت الولايات المتحدة موقفها وقررت دعم العملية العسكرية التركية.
المفهوم الأميركي لسورية يبدو مختلفاً تماماً عن المفهوم الروسي لـ «سورية المفيدة»، التي أشار اليها الرئيس الروسي بوتين في تحيته للقوات السورية في تقدمها إلى دير الزور، فالمفهوم الأميركي تحت إدارة ترامب يعتمد في شكل رئيسي على مبدأ عدم الاكتراث، وأن تحقيق النصر ضد «داعش» كافٍ بالنسبة الى الإدارة الأميركية التي تنهكها الخلافات الداخلية وتعصف بها الفضائح المحلية مثل تحقيقات «اف بي آي» (FBI) في علاقة حملة ترامب الرئاسية بروسيا والاستقالات المتكررة من جانب المسؤولين داخل الإدارة الأميركية، وبالتالي فلا تجد الإدارة الأميركية الوقت ولا تستشعر الجدوى لتوفير الموارد السياسية أو المالية من أجل الدفع بعملية الانتقال السياسي في سورية قدماً.
أما المفهوم الروسي لسورية فأصبح أكثر نفعية، إذ إنه أصبح يفكر اليوم في حجم العائدات التي يمكن جنيها من تدخله العسكري في سورية، فالرئيس بوتين يدرك أن سورية بلد محدود الموارد الطبيعية لكنه ربما غني بالموارد البشرية التي لن تجد في شكل نظام الحكم الحالي أي حافز من أجل الدفع بطاقاتها للاستثمار في بلد تحكمه الديكتاتورية ويقتله الفساد، وعليه، فليس لسورية ما يمكن أن تعتمد عليه سوى فتح الباب للشركات الروسية للاستثمارات في سورية، لكن تبقى العقبة الرئيسية هي انهيار كامل للعملة المحلية وبالتالي لن تتمكن الدولة السورية من القيام بأية مشاريع استثمارية ضخمة على مستوى البنى التحتية والتصنيع وغيرها، وستبقى تنتظر الأموال الغربية من أجل إعادة الإعمار التي اشترطت بدء مرحلة انتقالية من دون الأسد.
لذلك، ربما بدأت روسيا تفكر بمخرج «مشرف» لها من سورية، مع ازدياد الأخبار عن الصعوبات المالية التي يعانيها الاقتصاد الروسي وانحسار شعبية الرئيس بوتين داخل الرأي العام الشعبي ولو أن كل هذه لا تبدو عوامل حاسمة لتغيير قرار الموقف الروسي من الأزمة السورية اليوم.
وعليه، تبدو معركة دير الزور اليوم في غاية الأهمية لمواردها الاقتصادية والنفطية، ولذلك ربما تفضل روسيا اليوم أن تخضع هذه المحافظة لنفوذها بدل سيطرة «وحدات الحماية الكردية» عليها وبالتالي خضوعها للنفوذ الأميركي، فـ «سورية المفيدة» اليوم هي البوصلة التي تحرك النظام السوري وروسيا في معركتهما لطرد «داعش» من هذه المدينة.
* كاتب سوري وباحث في المركز العربي في واشنطن
الحياة
تركيا وروسيا … تفاهم تكتيكي واختلاف استراتيجي/ خورشيد دلي
انتج التقارب التركي- الروسي خلال الفترة الماضية سلسلة تفاهمات سياسية، تجلت في شكل أساسي في الأزمة السورية، فعلى وقع تفاهمات آستانة أبدل كل من القيصر والسلطان لغة التهديدات بلغة براغماتية تجلت في اللقاءات والاتصالات المتكررة بينهما. ولعل ثلاثة أسباب رئيسية وقفت وراء التفاهمات السابقة، وهي توتر علاقات تركيا مع الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي حيث رأت أنقرة في سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية خيانة لثوابت العلاقة بين البلدين بعد أن أصرت الإدارة الأميركية على دعم أكراد سورية بالسلاح، فيما رأت روسيا في هذا التوتر فرصة لكسب تركيا إلى جانبها. وثانياً: البعد الاقتصادي الذي يشكل عاملاً حيوياً في العلاقة الروسية– التركية حيث صفقات النفط والغاز والأسلحة. وثالثاً: إن التدخل العسكري الروسي في سورية أنتج معادلة جديدة على الأرض رأت تركيا أن من الأفضل التعامل معها في ظل تغير موازين القوى والاصطفافات الإقليمية.
لعل من أهم نتائج هذه التفاهمات، إطلاق تركيا عملية درع الفرات في الرابع والعشرين من آب (أغسطس) العام الماضي، وكذلك العملية العسكرية التركية الحالية في إدلب تحت عنوان مناطق خفض التصعيد، إذ بدا الموقف الروسي متفهماً وموافقاً على العمليتين لتحقيق جملة من الأهداف أهمها، الحد من تصاعد دور التحالف الكردي– الأميركي في إطار الصراع الروسي- الأميركي على أوراق القوة في الأزمة السورية، وكذلك جلب تركيا للمساهمة في القضاء أو ترويض الجماعات المسلحة في الشمال السوري، حيث تقاطعت المصالح بين الطرفين، كل طرف لأسبابه الخاصة. تركيا في منع إقامة كيان كردي مرتبط بقنديل حيث قيادة حزب العمال الكردستاني، وروسيا في إدارة المرحلة الراهنة تطلعاً إلى حسم المعارك العسكرية لمصلحة محورها، وفي العمق فإن كل طرف أراد استخدام الآخر لتحقيق استراتيجيته تجاه الأزمة السورية.
أمام التطلعات التركية– الروسية هذه، بدت التفاهمات السابقة بين الجانبين محدودة، إذ سرعان ما كشفت التطورات حدودها على شكل اختبار للعلاقات بين البلدين، إذ لكل طرف استراتيجية مختلفة إن لم تكن متناقضة تجاه مجموعة من القضايا، ومن أهم هذه القضايا:
1- إن تركيا وعلى رغم قفزها فوق شعار إسقاط النظام إلا أنها في العمق ترى في التطورات العسكرية والميدانية سبيلاً إلى التخلص من النظام فيما السياسة الروسية تقوم على إنتاج النظام وفق الظروف الجديدة، ولعل هذا هو الهدف الأساسي من آستانة ومن ثم سوتشي.
2- في الحديث عن مؤتمر سوتشي (للحوار الوطني السوري) فإن دعوة موسكو حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي المؤتمر أظهرت خلافاً روسياً– تركياً مبكراً، إذ سرعان ما أبدت أنقرة رفضها حضور الحزب المذكور، وهو ما دفع ميخائيل بوغدانوف إلى القول إن هؤلاء مواطنون سوريون وليسوا أتراكاً، ولعل تركيا تشعر هنا بأن موقفها قوي في ظل نفوذها على فصائل المعارضة السورية السياسية (الائتلاف) والعسكرية (الجيش الحر) حيث حضور هذه الفصائل يشكل قيمة أساسية للمؤتمر، وقد أعلنت هذه الفصائل رفضها حضور المؤتمر بوصفه يعيد إحياء النظام ويجري خارج رعاية الأمم المتحدة ومرجعية جنيف وقرارها 2254، واللافت هنا، أن إعلان تأجيل عقد المؤتمر جاء من أنقرة وليس من موسكو وتحديداً على لسان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين.
3- حدود العملية العسكرية التركية في إدلب: إذ كان لافتاً تصريح تركيا حول أن الهدف من عملية إدلب هو الوصول إلى عفرين بغية تخليصها من سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، وهو ما دفع بموسكو إلى دعوة وفد رفيع المستوى من وحدات حماية الشعب الكردية لزيارة موسكو والبحث في وضع عفرين، وذلك في رد غير مباشر على التهديدات التركية في شأن عفرين، فضلاً عن زيارة بوغدانوف إلى القامشلي وإجراء محادثات مع القوى الكردية هناك.
4- تصريحات أردوغان خلال زيارته أوكرانيا في التاسع من الشهر الماضي وحديثه عن تأييد بلاده وحدة أوكرانيا في إشارة إلى أنها لا توافق على ضم روسيا جزيرة القرم، وهو ما استدعى رداً روسياً بالقول إن الموقف التركي لن يؤخر أو يقدم في القضية.
هذه القضايا الخلافية وغيرها تؤكد من جهة محدودية التفاهم التركي– الروسي، ومن جهة ثانية حقيقة أن التقارب بين البلدين ليس في موقع التحالف الاستراتيجي كما تحدث الكثير من الخبراء خلال الفترة الماضية، وإنما هو أقرب إلى التكتيكي الذي فرضته جملة من الظروف المتعلقة بتطورات الأزمة السورية وبتوتر العلاقات التركية مع الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي.
* كاتب سوري
الحياة
الصراع الأميركي- الروسي على خلافة «داعش»/ رضوان زيادة
يبدو أن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في الأشهر الماضية في المفاوضات مع روسيا من أجل تخفيض العنف وصلت إلى طريق مسدود، فنهج روسيا أكثر تركيزاً على البعد الأمني مع عدم الرغبة في مناقشة مسألة الانتقال السياسي ومستقبل الأسد، إضافة إلى حمايته على المستوى الدولي، وكان آخرها استخدام الفيتو للمرة التاسعة الأسبوع الماضي ضد مشروع قرار أميركي يجدد للجنة التحقيق الدولية التي شكّلها مجلس الأمن نفسه باتفاق روسي- أميركي للتحقيق في المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، وخلصت اللجنة في تقريرها الأولي إلى مسؤولية نظام الأسد عن استخدام السلاح الكيماوي في خان شيحون في إدلب في شباط (فبراير) الماضي، في حين وصلت الولايات المتحدة إلى قناعة أن الانخراط مع روسيا في سورية لن يؤتي الثمار التي توقعها الرئيس ترامب من قبل.
وبسبب هذا الانكفاء الأميركي والاعتماد على قوات الحماية الكردية أو قوات سورية الديموقراطية كما يطلق عليها، وجدت تركيا حليف الولايات المتحدة في «الناتو» أنها أقرب إلى روسيا منها إلى أميركا، فازداد التركيز التركي مع الروسي على إنجاح مسار المفاوضات في آستانة، التي تبدأ جلستها السابعة هذا الأسبوع ومن شأنها أن تركز على ضمان مناطق خفض التصعيد في إدلب والوصول إلى اتفاق بشأن آلية من أجل تبادل المعلومات والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفي الوقت نفسه يبدو أن تركيا تتأهب كي ترى ما هي الخطوة القادمة لقوات وحدات الحماية الكردية بعد سيطرتها على الرقة ورفعها صورة ضخمة لعبدالله أوجلان في ساحة النعيم (الساحة الرئيسية في مدينة الرقة)، وهو ما استجلب رداً سريعاً من الرئيس التركي أردوغان ورئيس الحكومة التركية، أما الانتقاد المخفف من قبل وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون لرفع صورة أوجلان فيبدو أنه لم يقنع تركيا كثيراً.
وتنتظر تركيا لترى إذا كانت الولايات المتحدة ستستجيب لوعودها في تسليم الأسلحة التي منحتها لوحدات الحماية الكردية في حربها ضد «داعش»؟ وما هي السياسات التي ستتبناها هذه الوحدات في طريقة إدارتها المناطق التي سيطرت عليها من «داعش»؟ وهل سيزيد حجم المنطقة الكردية التي ستسيطر عليها عند حدودها الجنوبية مع سورية؟
ولذلك، صرح الرئيس التركي أن الوجهة القادمة ستكون عفرين وهي إحدى الكانتونات الثلاث التي تسيطر عليها قوات الحماية التركية ومن شأن توجه الجيش التركي لتحرير هذه المدينة أن يؤدي إلى خوضه حرباً شرسة مع القوات الكردية هناك، ولما كان لدى حكومة حزب العدالة والتنمية التركي شكوك كبيرة في النيات الأميركية فإنها ستحاول توثيق علاقاتها العسكرية والأمنية في سورية مع روسيا على حساب الولايات المتحدة كما ذكرنا، ويبدو أن التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين لإنجاح مفاوضات آستانة هو أحد تجليات هذا التحالف الجديد. وبذلك، يمكن القول إن سقوط الرقة سيشهد تعميق الحلف التركي الروسي على الأرض السورية مقابل انحسار أكبر للدور الأميركي الذي يدرك أن ما تبقى من «داعش» على الأرض السورية سيصبح في حدود المسؤولية الروسية. إذ إن روسيا الآن تقود مع قوات النظام السوري معركة دير الزور من أجل إخراج «داعش» منها، ولا يبدو أن هناك تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا بهذا الشأن، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة وروسيا ستتقاسمان النفوذ في الشمال السوري بالاعتماد على حلفائهما على الأرض، حيث تبقى الرقة وما حولها تحت إدارة وحدات الحماية الكردية في حين تسيطر روسيا على دير الزور والميادين وغيرها من المناطق الغنية بالنفط.
لم تكن معركة الرقة بالصعوبة التي توقعها البعض مقارنة بالموصل على سبيل المثال، فالولايات المتحدة كثفت الطلعات الجوية بشكل غير مسبوق، ولذلك سقط عدد كبير من المدنيين يفوق على 1132، وفقاً لإحصاءات منظمات غير حكومية حقوقية محلية، وهو رقم كبير جداً من الضحايا المدنيين مقارنة بعدد القتلى المدنيين الذين سقطوا خلال فترة الرئيس الأميركي السابق أوباما، وعلى رغم ذلك للأسف لم يكن هذا الأمر موضوع نقاش علني في الولايات المتحدة حول ثمن تحرير الرقة على الضحايا المدنيين وكيف كان بالإمكان تجنب ذلك، ما فتح الباب واسعاً لروسيا أن تنتقد الولايات المتحدة علناً بسبب «محوها» الرقة من الخريطة «بحجة تحريرها»، كما جاء في بيان وزارة الدفاع الروسية.
لكن السؤال الآن بعد تحرير الرقة ماذا بعد؟ فقد تكون الخريطة السورية أكثر تعقيداً وبحاجة إلى انخراط سياسي ودبلوماسي وربما عسكري كامل في القضية السورية. فالرئيس ترامب ذكر في بيانه بعد تحرير الرقة أن الولايات المتحدة «ستنتقل قريباً إلى مرحلة جديدة سنقوم في إطارها بدعم قوات الأمن المحلية وخفض مستوى العنف في سورية وتهيئة الظروف المناسبة لسلام دائم، حتى لا يستطيع الإرهابيون العودة لتهديد أمننا الجماعي مرة أخرى». وأوضح أنه «سوياً، مع الحلفاء والشركاء، سوف ندعم المفاوضات الدبلوماسية التي تنهي العنف وتسمح بعودة اللاجئين إلى منازلهم بأمان وتحقيق انتقال سياسي يحترم إرادة الشعب السوري».
وبالتالي، يدرك الرئيس ترامب الحاجة الكبيرة إلى أن تكون هناك استراتيجية للولايات المتحدة في سورية بعد تحرير الرقة تركز على الأبعاد الأمنية والسياسية والعسكرية، وليس تنفيذ ضربة لمرة واحدة كما جرى عند ضرب مطار الشعيرات بعد استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في خان شيحون، لكن لسوء الحظ لا يبدو أن الإدارة الأميركية مدركة لعواقب غياب هكذا استراتيجية في الماضي والآن، فقد تجاهلت الولايات المتحدة الحاجة إلى مثل هذه الاستراتيجية في السابق وعلى مدى السنوات الأربع الماضية وركزت فقط على هزيمة تنظيم «داعش» في سورية، وقررت تجاهل كل دعوات المعارضة السورية وحليفتها في «الناتو» تركيا بالاعتماد على «الجيش السوري الحر» في هزيمة تنظيم «داعش»، بدلاً من الاعتماد على قوات الحماية الكردية، ولذلك وبعد سقوط الرقة فإن هذه السياسة ستمكن الأكراد الانفصاليين في سورية من تقويض وحدة سورية في النهاية على عكس ما تدعي الإدارة الأميركية في بياناتها أن وحدة سورية هي أحد أهدافها الاستراتيجية.
ولذلك، هناك شكوك كبيرة لدى تركيا والمعارضة السورية في مدى مصداقية الولايات المتحدة الآن في تنفيذ وعودها عبر تبني استراتيجية سياسية جديدة تركز على موضوع الانتقال السياسي وتجبر الرئيس السوري بشار الأسد على مغادرة السلطة، كما أشار وزير الخارجية الأميركي تيلرسون إلى أن «أيام عائلة الأسد باتت معدودة».
إن انتصار وحدات الحماية الكردية في الرقة بسبب الدعم الأميركي، سمح لها وفي اليوم التالي فوراً، إعلان انضمام الرقة إلى ما تسميه مناطق الإدارة الذاتية وفقاً للنظام الفيديرالي الذي أعلنته من طرف واحد. إن النظام الفيديرالي الذي يدعمه حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا غير واقعي، ويمكن أن يطيل الحرب الأهلية في سورية بعد هزيمة «داعش»، ويؤدي إلى مزيد من الخلافات بين الأكراد والقبائل في سورية بعد القضاء على تنظيم «داعش» في الرقة حيث لا وجود لأقلية كردية في تلك المحافظة. فقد وجدنا حجم البيانات والعرائض الاحتجاجية التي صدرت عن شيوخ قبائل وعشائر عربية تحتج على دور وحدات الحماية الكردية في تحرير الرقة، وتنتقد الاعتماد الأميركي الكامل عليها، وهو ما يمهد إذا استمرت الولايات المتحدة بدعم القوات الكردية في سورية، إلى اشتعال القتال مجدداً بين العشائر العربية والقوات الكردية بهدف الصراع على النفوذ في منطقة لا وجود تاريخياً للكرد فيها.
وبتجاهل هذه الدعوات، ستعقد الولايات المتحدة عملية السلام خلال المرحلة الانتقالية في سورية، لذلك عليها اليوم المشاركة في عملية السلام، أو الدفع بالمرحلة الانتقالية واستثمار المزيد من الجهود الدبلوماسية والموارد، لتكون قادرة على ربط المعركة ضد «داعش» مع المرحلة الانتقالية وتحقق ما ذكره الرئيس ترامب في بيانه من تحقيق استقرار وسلام دائمين في سورية.
ولذلك، ربما كان خبر تحرير الرقة من «داعش» خبراً سعيداً للسوريين، لكن سيطرة الكرد عليها جعل السوريين يسألون ما هي الخطوة التالية في هذه الحرب التي دمرت المدن وشردت الملايين وأبعدت الحلم في بناء سورية ديموقراطية في المستقبل القريب؟
* كاتب سوري
الحياة
روسيا العاجزة في سوريا/ رانيا مصطفى
لم تتمكن روسيا من حسم الصراع السوري كليا عبر حل سياسي، والواضح أنها فشلت في جر المعارضة إلى مؤتمرات تضعها في خانة النظام ووفق شروطها، ومن دون تنسيق مسبق مع الأطراف المعنية، على غرار مؤتمر السوتشي للشعوب السورية، والذي عدّلت تسميته إلى مؤتمر “الحوار الوطني” بعد أن علمت أن لا شعوب متعددة في سوريا.
قُوبِلت الدعوة الروسية برفض غالبية المعارضة السورية المدعوة للمشاركة في المؤتمر، والدول المعنية بالملف السوري، وحتى النظام وإيران تحفّظا على بنود “الدستور الجديد والانتخابات تحت رقابة أممية”، ما دفع الروس إلى التأجيل، وحذف لائحة المدعوين من موقع الخارجية الروسية. وقبل ذلك أعلنت عن نيتها عقدَ مؤتمرات حميميم ومطار دمشق…، في حين أن جولة أستانة الأخيرة فشلت في تحقيق الغاية الروسية منها، بسبب رفض الأميركيين والأوروبيين مناقشةَ المسائل السياسية، وامتناعِ النظام عن بحث ملف المعتقلين والمفقودين، وتحفّظ إيران على الانتشار التركي في إدلب، الأمر الذي يشكّل أيضا تهديدا للإنجازات الروسية
المتعلقة بمناطق خفض التصعيد الأربع، إضافة إلى أن الخلاف الروسي الأميركي الأخير يهدد صمود هدنة الجنوب السوري.
لا يبدو أن موسكو تجيد قراءةَ المشهد السياسي السوري؛ فهي تعتقد أنّها قادرة على الانفراد بالملفِّ السوري، وتسعى إلى إبقاء النظام مسيطرا على كلِّ سوريا، وتتحكم هي بكلّ عملياته العسكرية والسياسية.
جاء هذا الشعور نتيجة اعتقادها بأنّ الأميركان انكفأوا في الملفِّ السوري، خاصة في الأشهر الستة الأخيرة، حيث أوقفوا الدعم عن فصائل الموك والموم، واكتفوا بما يحقّقه لهم كل من مجلس ثوار دير الزور العسكري وقوات قسد في الشرق والشمال الشرقي.
الحقيقة أن أميركا حاضرة بقوّة في الملف السوري، ودون أن تتكبد عناء أو كلفة مادية أو بشرية؛ فقد سيطرت هي وحلفاؤُها على حقول النفط في الشمال الشرقي والشرق، والتي تشكل 70 بالمئة من إجمالي إنتاج النفط في سوريا (385 ألف برميل يوميا)، إضافة إلى مناجم الفوسفات، ومناطق الأراضي الخصبة الهامة.
وبالتالي ستحرم النظام وروسيا من التحكم بهذه الثروات، ما يهدد بعجز اقتصادي في المناطق التي يديرونها، وسحب ورقة التحكم بملف إعادة الإعمار من يد روسيا.
وكذلك أوعز الأميركان إلى فصائل الجنوب بعدم فتح معبر نصيب جنوباً لزيادة الضغط الاقتصادي على الروس والنظام.
ولدينا الرغبة الأميركية والأوروبية في التمديد للجنة الدولية لأجل التحقيق حول استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، ونتائج التحقيق في تحميل النظام مسؤولية قصف خان شيخون بالسارين، ومن ثمّ دَفعهم ديمستورا إلى الدعوة لعقد جولة جديدة من جنيف في 28 نوفمبر الجاري، وذلك عقب تفجير تيلرسون لتصريحه المستفزّ للرّوس في 25 أكتوبر، بأن “حكم عائلة الأسد شارف على نهايته، والقضية تتمحور حول كيفية الوصول إلى هذه النهاية”.
كل ذلك دفع بوتين إلى حالة من التخبط والإسهال في الإعلان عن المؤتمرات الارتجالية، في سباق مع الزمن، لاستثمار ما حققه من إنجازات على الأرض وهدن هشّة في مناطق خفض التصعيد، القابلة للانفجار.
رغم أن روسيا ما زالت في تصريحاتها تقرّ بأحقية جنيف والقرار الأممي 2254، فإنها تريد فرض واقع على الأرض أولا، يقول بانتصار النظام واستعادة سيطرته على الأرض، وبالتالي هي ضمنا لا تريد تفسير بند الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية بأنه سيعني انتقالا للسلطة، الأمر الذي يصرّ عليه بشدة الأميركان والأوروبيون، حيث تقتضي مصالحهم في المنطقة الالتزام بالقرارات الدولية.
منذ 2012 تسعى الدبلوماسية الرّوسية إلى جذب المعارضة السورية وخلق منصّات تتبع لها، والعمل على ضرب الهيئات السابقة، ولم تنجح إلّا في جذب أطراف تُحسب على النظام، أو بعض الأفراد، وكلهم لا يشكلون ثقلا يمكن التعويل عليه في الحل السياسي.
خطأ الروس هنا أنّهم يُهملون إرضاء الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والداعمة لكيانات المعارضة المكرسة، وأن عليهم القبول بالشراكة السياسية معهم قبل كل شيء. والآن المعارضة على موعد للتلاقي في الرياض ما بين 22 و24 نوفمبر الجاري، ونجاحُها في ذلك سيشكل ضغطا كبيرا على موسكو.
لا يزال الروس يصرّون على موقفهم المتعنّت تجاه تغيير السلطة في دمشق، مراهنين هذه المرة على الحليفين الإيراني والتركي، اللذين يتعرّضان أيضا لضغوط أميركية شديدة، ويشاركان روسيا رفضَها لتمدّد قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي. ومن هنا كان الموعد الجديد أيضا في سوتشي في 22 نوفمبر الجاري، لعقد قمة ثلاثية.
تركيا تواجه تصعيدا مع الولايات المتحدة، وترفض واشنطن تواجدَها في سوريا، وتدعم سيطرة قوات كردية تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي على حدود تركيا، وفرضت أميركا حظر بيع الأسلحة إليها، ما دفع الأخيرة إلى تسهيل انشقاق العميد طلال سلّو، المتحدّث باسم قوات سوريا الديمقراطية، وانضمامه إلى كتائب درع الفرات التابعة لتركيا، وقبول تركيا التحالف مع روسيا في الملف السوري، رغم أن الخلاف لا يزال مستمرا حول مصير الأسد.
وتحتاج روسيا إلى إيران ميدانيا، لتغطية العجز البشري لقوات النظام. كانت فيما سبق ترسل التطمينات إلى إسرائيل والغرب بأنها ستقلّص الوجود الإيراني في سوريا، وخاصة على الحدود الجنوبية، وكانت تخوضُ صراعا داخليا ضمن النظام ضدّ إيران، للحد من تحكمها، حيث سيطرت على حمص وفرضت هدنة الوعر. لكن الضغوط الأميركية الأخيرة دفعتها إلى القبول بالحليف الإيراني، وإعلان ذلك عبر قول الوزير لافروف إن إيران ليست قوات أجنبية.
بالمثل ليس أمام إيران سوى تقوية التحالف مع روسيا بعد الضغوط الأميركية والخليجية التي تتعرض لها في سوريا واليمن ولبنان، ورفض دونالد ترامب التصديق على التزام إيران بالملف النووي، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها.
يُنبِئُ المشهد السوري المتجدد باستمرار الصراع الإقليمي على سوريا، بإمكانية تفجّره ميدانيا من جديد، إلّا إذا تخلّى الروس عن عنجهيتهم وقبِلوا بمشاركة الآخرين، وبتقليص الدور الإيراني في سوريا، والقبول بتغيير في السلطة وفق القرارات الدولية.
كاتبة سورية
العرب
الحرب الشاملة تحتاج إلى «إجازة» روسية – أميركية/ جورج سمعان
سقطت «القبة الحديد» التي كانت تظــــلل لبنان طوال السنوات الست الماضية. بات في قلب الصراع الإقليمي. بل في الصف الأمامي تتنازعه مشاريع إقليمية ودولية يخوض أصحابها مواجهات بالوكالة أو مباشرة في معظم الخريطة العربية. أُعيد زجـــه في خط المواجهة. فيما يكثر الحديث عن حرب واسعة يتجاوز مسرحها البلد الصغير إلى سورية والعراق. لعلها تعيد تحريك عجلة الديبلوماسية التي تعاني استعصاء ومآزق عدة، على وقع المدافع والصواريخ. بين ليلة وضحاها وجد لبنان نفســــه بلا غطاء، على رغم ما يبديه سياسيّوه من حرص على الوحدة والأمن والاستقرار. بات على خط النار كأنه مقبل على حرب كبرى. فهنا حدوده مع إسرائيل من جهة، وهناك كيفما نظر تبدو إيران في كل مكان، من جنوبه إلى خارج حدوده شمالاً وشرقاً من الجولان إلى العراق حيث تتزاحم قوى كبرى وأقوام من شتى المذاهب والطوائف. ما يثير المخاوف من اندلاع هذه الحرب سيل من التصريحات والتهديدات، هذا الاهتمام الدولي الواسع بالتداعيات التي خلفتها استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء. فيما كانت بيروت تستعد للتعامل مع العقوبات التي فرضها الكونغرس الأميركي وبعض الدول الخليجية على «حزب الله»، في إطار استراتيجية لمواجهة الجمهورية الإسلامية. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبّر عن قلقه إزاء التوترات المتصاعدة. وحذر من «صراع جديد في المنطقة»، لأنه «يمكن أن يسبب تبعات مدمرة». ووزير الخارجية الأميركي ريكس تليرسون حذر كل الجهات داخل لبنان وخارجه من استخدام هذا البلد «ساحة لصراعاتهم بالوكالة».
المخاطر تثقل على لبنان وأهل المنطقة كلها، في ضوء تعثر كل المساعي الدولية الناشطة هنا وهناك، من ليبيا إلى العراق. والحروب الأهلية لم تحط رحالها بعد. أما أن تنزلق دول المشرق عموماً إلى مواجهة واسعة تنطلق من لبنان أو من الجولان، أو من كردستان وغيرها، فاحتمال وارد إذا أخطأ بعض الأطراف في حساباته، أو إذا وقع محظور بالمصادفة أدى إلى إشعال الشرارة الأولى. حتى الآن لا يبدو أن الوكلاء المحليين تعبوا. وحتى الآن لم تتوافر ظروف دولية لا بد منها لإعطاء ضوء أخضر لمثل هذه المغامرة الكبيرة. هناك جدال مستمر بين الديبلوماسية والجنرالات لم يرس على قرار بالذهاب إلى حرب حاسمة. في إسرائيل، تتحدث دوائر إعلامية عن ميل لدى ساستها، خصوصاً رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان، لانتهاز الفرصة من أجل تحقيق جملة أهداف يتعلق بعضها بالوضع السياسي الداخلي الذي يربك أقطاب اليمين الإسرائيلي، وكذلك بالاستعدادات الأميركية لإعادة إطلاق العملية السلمية مع الفلسطينيين. ويتعلق بعضها الآخر بالرغبة في الثأر من «حزب الله» والحؤول دون ترسيخ إيران أقدامها في سورية. لكن النخبة العسكرية لا تميل إلى مثل هذا الخيار. وترى أن قرار وقف النار بعد حرب تموز 2006 علق المواجهة بين الطرفين بحراسة دولية توفرها قوات أممية من أكثر من عشرين دولة، ولا حاجة إلى إسقاط القرار 1701.
بل إن القيادة العسكرية في إسرائيل تحرك غاراتها منذ اندلاع الأزمة في سورية على مخازن أسلحة أو قوافل إيرانية تنقل عتاداً إلى «حزب الله». ولا تلقى هذه الغارات أي ردود تذكر. ولا تخفي إيران انزعاجها الشديد من هذا التفاهم بين موسكو وتل أبيب، والذي يتيح بموجبه لإسرائيل مواصلة عملياتها في المسرح السوري. ولا تملك سوى الإصرار على الدفع بميليشياتها نحو حدود الجولان المحتل لعلها تسقط وعد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو نظيره الإسرائيلي بتوسيع المنطقة العازلة لإبعاد هذه الميليشيات عن حدود الجولان المحتل. ومن نافل القول إن الدولة العبرية جنت وتجني مكاسب لم تحلم بها جرّاء تدمير الجيوش العربية وتعميم الحروب الأهلية في المنطقة. ولا يمكنها في ظل وجود روسيا في بلاد الشام أن تغامر بحرب قد تستفزها. خصوصاً أن موسكو لا تزال تراهن على تفاهم مع إدارة الرئيس دونالد ترامب ينتهي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بعد ضمها شبه جزيرة القرم. وهي الآن تحاول أن تستغل موقفها من أزمة كوريا الشمالية والمأزق الذي تواجهه واشنطن حيال هذه الأزمة، من أجل المقايضة أيضاً. ولا شك في أن البيت الأبيض يعوّل بل يشدد على تفاهم مع موسكو وبكين أولاً من أجل تسوية الأزمة مع بيونغ يانغ.
أبعد من ذلك، لا يسمح الكرملين بضرب حليفه الإيراني وميليشياته التي عوّل عليها كثيراً في الميدان السوري. ولا يزال يحتاج إليها لترسيخ مشروعه في بلاد الشام والمنطقة… إلا إذا غالت طهران أو المتشددون فيها وذهبوا بعيداً في تقويض مساعيه للتسوية السياسية ووقف الحرب في سورية. وليس سراً أن الرئيس بوتين الذي أبرم اتفاقات نفطية خلال زيارته طهران أول الشهر الجاري بنحو ثلاثين مليار دولار، يدرك أن هذه الاتفاقات لا تنعكس بالضرورة تفاهماً تاماً في الشؤون أو القضايا السياسية. ويضيره بالتأكيد أن يسمع مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي وهو يتوعد خلال زيارته قوات إيرانية وميليشيات موالية في حلب بتحرير المناطق الشرقية من سورية وغربها، في إشارة أولى إلى الرقة التي حررتها «قوات سورية الديموقراطية» بدعم من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ويكرر الطرفان الروسي والأميركي أنهما متمسكان بالتنسيق لئلا يقع صدام بين الأطراف التي يدعمها كل منهما، وفي إشارة ثانية إلى إدلب التي يشملها اتفاق «خفض التوتر»، وهو اتفاق قضى بانتشار قوات للنظام وحلفائه شرق المحافظة جنوب حلب، فيما تنتشر قوات تركية في المدينة وأريافها. وتواصل هذه القوات فرض الهدوء في هذه المنطقة بالتنسيق مع موسكو التي تغض الطرف عن الترتيبات التي تقوم بها أنقرة لتذويب عناصر «جبهة النصرة». كأن المسؤول الإيراني يعبر صراحة عن اعتراض بلاده على قيام هذه المناطق، تماماً مثل النظام في دمشق. ويقود هذا التوجّه ببساطة إلى إعاقة الرئيس بوتين الذي يستعجل ترسيخ الهدنة في سورية، عبر مساري آستانة وسوتشي وغيرهما. ويتمسك بمناطق خفض التوتر والمصالحات التي أبرمها قادته العسكريون مع فصائل محلية في مناطق عدة. فما يستعجله فعلاً هو فرض رؤيته للتسوية السياسية تمهيداً لخفض مستوى انخراطه العسكري. فهو يخشى الغرق في المستنقع، لإدراكه أن الحرب في سورية لن يخرج فيها طرف منتصر وآخر مهزوم.
وإذا كانت الجمهورية الإسلامية تعاند وتعارض هذه الرؤية وتخشى في المحصلة أن يقوم تفاهم بين موسكو وواشنطن تكون فيه الخاسر الأكبر، فإن الكرملين ينتظر بفارغ الصبر مثل هذا التفاهم مع إدارة ترامب مستخدماً «إنجازاته» على الأرض السورية. وقد سعى ولا يزال يسعى إلى توسيع دائرة اتفاقاته مع دول إقليمية، من تركيا إلى السعودية ومصر لتبقى له وليس لطهران اليد الطولى. وهو يعرف تعقيدات أي حرب على إدلب وحدود تركيا، مثلما يعرف صعوبة المواجهة مع «قوات سورية الديموقراطية» التي تملك أكثر من سبعين ألف مقاتل أشرفت قوات أميركية على تدريبهم وتسليحهم وأبلوا بلاء حسناً في محاربة «داعش».
ويترقب الروس بحذر ما سترسو عليه سياسة إدارة ترامب في سورية والعراق أيضاً. وهم يدركون أن الولايات المتحدة قادرة على أداء دور معرقل لمشروع التسوية الروسية لأزمة سورية. بل يمكنها بعد انخراطها في ربط الأزمات من بيروت إلى بغداد، أن تعيق كل ما تسعى الجمهورية الإسلامية إلى ترسيخه. لقد حققت هذه مزيداً من المكاسب وسعت إلى ملء الفراغ بعد سقوط الموصل. ثم بعد سقوط مشروع الاستفتاء في كردستان وما انتهى إليه الوضع في كركوك والمناطق المتنازع عليها. وإذا كانت هذه التطورات عززت شهية الإيرانيين نحو مزيد من الهيمنة والسيطرة، فإنها في المقابل فاقمت مخاوف أميركا وتركيا أيضاً من تحول كردستان كلها «محمية إيرانية». وتملك واشنطن وحلفاؤها التقليديون في المنطقة الكثير من الأوراق، ويمكنهم أن يقلبوا الطاولة بوجه الجميع. لذلك تخشى طهران أن تصل موسكو إلى مرحلة لا تعود فيها بحاجة إلى مساعدتها الميدانية في سورية، خصوصاً إذا تقدمت نحو تفاهم مع إدارة ترامب يخفف أعباءها العسكرية في بلاد الشام. بالطبع لا يرغب الكرملين في ضرب الجمهورية الإسلامية. ولا حتى الولايات المتحدة مستعدة لحرب واسعة معها. كل ما تصبو إليه الدولتان الكبيرتان هو دفعها إلى داخل حدودها. وفي هذا مصلحة لروسيا بلا شك. فطهران تنافسها في أفغانستان وآسيا الوسطى والقوقاز وأمكنة أخرى أيضاً.
الحرب الواسعة في المنطقة لها حسابات أكثر تعقيداً من حرب الوكلاء. وقد تبدو بعيدة ما لم تتوافر لها شروط وظروف تنجم عن عجز مطلق للديبلوماسية. قد تصير حاجة لا مفر منها إذا حل التفاهم بين الدول الكبرى وعاندت الدول الساعية إلى الهيمنة على المنطقة العربية. مثل هذا التفاهم يفتح الطريق إلى عمل عسكري كبير في الإقليم.
الحياة
كيف وقع الأميركيون فريسة للتضليل الروسي؟/ كنت هارينغتون
بينما تشهد الولايات المتحدة مناسبة مرور عام على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها الرئيس دونالد ترمب؛ لا يزال التساؤل حول الكيفية التي فاز بها يحظى بالاهتمام، مع تحرك الدور الروسي على نحو متزايد إلى مركز الصدارة. وكل كشف جديد بشأن التحقيق في تدخل روسيا في الحملة الانتخابية 2016 يسلط الضوء بقوة على تعرض العملية الديمقراطية بأميركا للخطر.
في الأسبوع الماضي، كشف الكونغرس النقاب عن تشريعات من شأنها أن ترغم فيسبوك وغوغل -وغيرهما من عمالقة وسائل الإعلام الاجتماعي- على الإفصاح عن البيانات الخاصة بمن يشترون الإعلان على شبكة الإنترنت، وبالتالي إغلاق الثغرة التي استغلتها روسيا خلال الانتخابات.
ولكن التعديل عبر إصلاحات فنية ووعود عامة بالتحول إلى مواطنين شركاتيين أفضل لن يحل سوى المشكلة الأكثر شيوعا. ويكمن التحدي الأكثر صعوبة في تعزيز المؤسسات التي تمثل أهمية بالغة للديمقراطية العاملة، وتحديدا تعليم التربية المدنية والصحافة المحلية. وإلى أن تتحقق مكاسب في هذه المجالات، سيتنامى تهديد العملية الديمقراطية بأميركا، ويعود للظهور كلما أدلى المواطنون بأصواتهم.
اختار عملاء استخبارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحكمة تصعيد هجومهم على وسائل التواصل الاجتماعي. يستضيف موقع فيسبوك ما يقارب 80% من كل زيارات مواقع التواصل الاجتماعي على الأجهزة المحمولة، في حين يمثل موقع غوغل نحو 90% من كل الإعلانات المرتبطة بالبحث على شبكة الإنترنت.
ومن خلال غمر هاتين المنصتين برسائل تلقائية من عشرات آلاف حسابات المستخدمين الزائفة، أثارت روسيا الخلافات والانقسامات على أسس اقتصادية وعِرقية وسياسية. وعلاوة على ذلك، فعلت روسيا هذا بثمن بخس.
فوفقا لأحد المحللين؛ فإن العملاء الروس اكتسبوا بشرائهم إعلانا متواضعا على فيسبوك القدرةَ على الوصول إلى منجم ذهب من بيانات الإعلان على شبكة الإنترنت (مثل برنامج فيسبوك لاستهداف العملاء)؛ مما أتاح لهم “مشاركة” أخبار روسيا الزائفة مئات الملايين من المرات.
وعند نقطة ما خلال هذا الهجوم السري؛ عملت نحو 400 ألف من التطبيقات البرمجية -التي تدير نصوصا آلية- على إرسال الملايين من الرسائل السياسية الوهمية، التي ولّدت بدورها نحو 20% من كل الزيارات على موقع تويتر خلال الشهر الأخير من الحملة.
إنه لأمر مؤسف جدا أن تكون أسماء كبيرة في عالم التكنولوجيا غير مستعدة لتفادي التدخل الأجنبي في الانتخابات الأكثر أهمية في الولايات المتحدة. ولكن إنكار عمالقة وسائل الإعلام الاجتماعي المستمر للمسؤولية عن حجم المعلومات المشوهة والزائفة التي جرى تسليمها كأخبار، حتى مع زيادة وضوح الدور الذي لعبته روسيا؛ هو الأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج.
بعيدا عن الرطانة التكنولوجية بشأن الخوارزميات المحسنة، والمزيد من الشفافية، والالتزام بالحقيقة؛ تتفادى “إصلاحات” وادي السيليكون حقيقة بسيطة: وهي أن تكنولوجياتها غير مصممة للتمييز بين الحقائق والأباطيل، أو التحقق من الدقة، أو تصحيح الأخطاء. بل هي بالعكس تماما، مبنية لتعظيم عدد النقرات والمشاركات والإعجابات.
ورغم الدفع في اتجاه إزاحة المنافذ الإخبارية التقليدية باعتبارها منصات للمعلومات؛ فإن شركات وسائل الإعلام الاجتماعي الكبرى تبدو راضية عن تجاهل القيم والعمليات والأهداف الجوهرية للصحافة. وانعدام المسؤولية على هذا النحو هو الذي يسعى مشروع قانون شفافية الإعلان إلى مواجهته.
ومع ذلك، لم يكن نجاح روسيا في استهداف الناخبين الأميركيين بأخبار وهمية ليتحقق لولا المشكلة الثانية التي تتمثل في الناخبين من ذوي التعليم الهزيل الذين هم بالتالي عُرضة للتلاعب والاستغلال. ويتآمر تآكل تعليم التربية المدنية في المدارس، وإغلاق الصحف المحلية -وما يترتب على ذلك من تراجع في فهم عامة الناس للقضايا والعمليات السياسية- لخلق تربة خصبة لغرس التضليل والمعلومات المغلوطة.
ولننظر إلى الأدلة: في عام 2005 توصلت دراسة استقصائية أجرتها نقابة المحامين الأميركية إلى أن 50% من الأميركيين لا يمكنهم تحديد الأفرع الثلاثة للحكومة في البلاد. وبحلول الوقت الذي طرح فيه مركز أننبرغ للسياسة العامة نفس السؤال في 2015، تنامت نسبة مثل هؤلاء المستجيبين إلى الثلثين، ولم يتمكن 32% من المستجيبين من تسمية أي فرع من الثلاثة.
ومن الواضح أن هذا التدني المعرفي يعتمد على العمر؛ فقد وجدت دراسة في عام 2016 شملت الأميركيين الذين يحملون شهادات جامعية أن أولئك الذين تجاوزوا سن 65 عاما يعرفون عن الكيفية التي تعمل بها حكومتهم أكثر كثيرا مما يعرفه عنها من تقل أعمارهم عن 34 عاما.
هناك علاقة ارتباط واضحة بين الأمية الديمقراطية وعدم التركيز على تعليم التربية المدنية والحكم والتاريخ في المدارس. ففي 2006 مثلا، وجدت دراسة تتبعت أداء الطلاب في مواضيع مختلفة أن 25% فقط من طلاب الصف الثاني عشر بأميركا يتقنون مادة التربية المدنية. وبعد مرور عشر سنوات تدنت النسبة إلى أقل من 25%.
وليس من المستغرب أن تعاني أيضا جودة التعليم الإجمالية والقدرة على الوصول إلى دورات التعليم المدني في السنوات الأخيرة. ففي عام 2011، أعطى مركز بحثي يتولى تصنيف الولايات الخمسين فيما يتصل بقوة دورات التاريخ الأميركي في المدارس الثانوية؛ درجات الفشل لثمان وعشرين ولاية.
كما وجدت دراسة استقصائية في 2016، أجريت على ألف كلية للفنون الليبرالية؛ أن 18% فقط منها تشترط اجتياز دورات في التاريخ أو الإدارة الحكومية لنيل شهادتها.
والواقع أن دورات المدارس الثانوية أو الجامعة لا تكفي بذاتها لمنع الناخبين السذج من الوقوع فريسة لأخبار وهمية أو تضليل تهييجي. ولكن الانتشار الفيروسي للقصص الإخبارية الوهمية التي أطلقها عملاء روس يوضح أن الجمهور الانتخابي -الذي يفتقر إلى تعليم التربية المدنية الأساسية- يكون أكثر ميلا للانسياق وراء الاستفزازات المصممة لتأجيج نيران التوترات الحزبية.
وتعمل التغيرات -الطارئة على صناعة الأخبار- على زيادة حدة هذه المخاطر؛ فمع امتصاص عمالقة الإنترنت لعائدات الإعلان من المنافذ الإعلامية التقليدية، أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعي المصدر الرئيسي للإخبار للعديد من الناس.
وعلى نحو مطرد، تختفي المنظمات الإخبارية التقليدية وخاصة الصحف المحلية، فتتقلص قدرة الناخبين على الوصول إلى المعلومات التي تشكل أهمية بالغة لصنع قرارات سياسية مستنيرة.
والأرقام مذهلة؛ فمنذ عام 2004 أغلقت 10% من صحف الأسواق الصغيرة أبوابها أو اندمجت. وبين الصحف التي نجحت في البقاء، تغيرت ملكية الثلث، مما أدى إلى تركيز الصناعة في عدد أقل من الأيدي. وكانت النتيجة هي الاستغناء عن العاملين، وخفض التكاليف، وتضاؤل حجم التقارير المخصصة للقضايا الوطنية والمحلية.
أما المسؤولية المدنية فيبدو أنها أيضا تعاني. ومن الواضح أن دليل المديرين من إحدى شركات الاستثمار -التي تمتلك ثلاث صحف يومية و42 صحيفة أسبوعية- لا يجمل الكلمات: “عميلنا هو المعلن، والقارئ عميل عميلنا. ولهذا فنحن نعمل بالاستعانة بهيئة عاملين هزيلة في غرفة الأخبار”.
كان تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 تاريخيا، ولكنه أيضا يشكل عرضا لتحديات أكبر تواجه الأميركيين. والشعب الذي لا يفهم ديمقراطيته لا يثير قلق معلمي التربية المدنية فحسب، بل وأيضا خبراء الأمن الوطني.
لم تكن الولايات المتحدة في احتياج إلى بوتين لتلقينها هذا الدرس. وكما حَذَّر توماس جيفرسون فإنه: “إذا تصورت أي دولة أنها تستطيع أن تكون جاهلة وحرة في نفس الوقت، فإنها تنتظر ما لم يحدث قَطّ ولن يحدث أبدا”.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2017
“يديعوت أحرونوت” تكشف تفاصيل الاتفاق الروسي الأميركي بشأن سورية/ نضال محمد وتد
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الأربعاء، بالاستناد إلى مصادر أميركية مطلعة، تفاصيل جديدة عن الاتفاق الروسي الأميركي، المعلن نهاية الأسبوع الماضي، بشأن مناطق خفض التوتر، لا سيما جنوب سورية.
وقالت الصحيفة، في تقرير لها تحت عنوان “خطة تقسيم سورية”، إن الاتفاق الروسي الأميركي السري بشأن انتشار القوات الإيرانية والموالية لإيران قرب الحدود مع إسرائيل، سيتم تطبيقه على مرحلتين.
وأشارت إلى أنه في المرحلة الأولى سيتم تجميد وضع إبقاء القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها على مسافة 5 كم من نقطة التماس مع قوات المعارضة السورية، وليس على مسافة 5 كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، كما نشر سابقا. أما في المرحلة الثانية، فستتم مناقشة المطالب الإسرائيلية بإبعاد القوات الإيرانية والقوات الموالية لها مسافة 40 كيلومترا من خط الحدود بين إسرائيل وسورية.
وتقول الصحيفة، نقلا عن مصادر دبلوماسية أميركية، إن هذه المصادر، التي لم تسمها، نفت صحة ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة، والتي جاء فيها أن الاتفاق الروسي الأميركي يسمح للقوات الإيرانية بالانتشار على مسافة خمسة كيلومترات فقط من خط الحدود مع إسرائيل.
وأوضحت هذه المصادر أن العكس من ذلك هو الصحيح. ووفقا لمصدر دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، فإن الضجة التي أثيرت بعد النشر المذكور كانت بفعل سوء فهم لإيجاز قدمه مسؤول في الإدارة الأميركية لوسائل الإعلام وصحافيين أميركيين، ذلك أن القوات الإيرانية غير موجودة عند السياج الحدودي، وبالتالي لم يكن هناك سبب أو مبرر لحالة الهلع في إسرائيل، مما بدا وكأنه تجاهل للمصالح الإسرائيلية خلال المباحثات الأميركية الروسية.
وكشفت “يديعوت أحرونوت”، في التقرير المذكور، أنه جاء في وثيقة تم وضعها بالتنسيق بين واشنطن وموسكو وبشكل صريح أنه في المرحلة الأولى ستنتشر القوات الموالية لإيران، العاملة إلى جانب جيش الأسد، على مسافة خمسة كيلومترات من مواقع قوات الثوار في هضبة الجولان، وليس على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود مع إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن مقاتلي المعارضة يسيطرون في غالبية أجزاء الجولان على شريط يتراوح عرضه بين 10 و20 كم، وأحيانا أكثر من ذلك، عند الحدود مع إسرائيل.
ومعنى هذا، بحسب الصحيفة: “أن الاتفاق الحالي يحدد عمليا أن القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها ستنتشر في غالبية أنحاء الجولان فقط على مسافة لا تقل عن 15 كم من الحدود مع إسرائيل، أما في شمال الجولان- وبشكل أساسي في الجيوب الدرزية حول قرية الحضر-ستتواجد بالفعل قوات للنظام السوري على مسافة 5 كيلومترات عن الحدود الإسرائيلية، وذلك أيضا بموافقة إسرائيلية، وكجزء من “التزام إسرائيل” بمنح الدروز- رغم كونهم مؤيدين للنظام السوري- حماية في وجه التنظيمات الإسلامية وعناصر جبهة النصرة”.
إلى ذلك، تكشف الصحيفة أنه ستتم مناقشة ذلك خلال مؤتمر سيعقد قريبا في جنيف، للتداول بين كل الأطراف ذات الصلة التي سيجمعها الروس والأميركيون، حول اتفاق التسوية الدائمة في سورية. وعندها تقول الصحيفة: “ستصر الولايات المتحدة، على ما يبدو، على المطلب الإسرائيلي بإبعاد القوات الموالية لإيران مسافة 40 كم عن الحدود مع إسرائيل”.
وبالرغم من تصريحات وزير الخارجية الروسي، أمس، بشأن كون الوجود الإيراني في سورية شرعيا، أشارت الصحيفة إلى أن إيران التي تواصل جهودها لبناء قواعد دائمة في سورية، سعيا لتحقيق خطة الممر البري من إيران وصولا إلى المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان، تواجه صعوبات لا يستهان بها، بفعل تناقض المصالح بينها وبين المصالح الروسية.
وبحسب الصحيفة، فإن روسيا غير مستعدة مثلا للتسليم بوجود مرفأ إيراني مستقل على البحر المتوسط في طرطوس. كما أن القاعدة الجوية الإيرانية ليست قائمة بعد، والجهود للاتفاق مع النظام السوري على إقامة قاعدة جوية إيرانية لا تزال مستمرة.
وشككت الصحيفة في أن يتم، في نهاية المطاف، نقل المقاتلين الموالين لإيران ممن جيء بهم من أفغانستان وباكستان إلى القاعدة الأرضية التي نشرت صور لها مؤخرا في وسائل الإعلام البريطانية، وذلك بعد أن أوضحت إسرائيل للروس والأميركيين أنها تعتبر هذه القاعدة هدفا شرعيا لاستهدافه بطائراتها.
إلى ذلك، قالت الصحيفة، إن إسرائيل تطالب الآن بأنه في أي اتفاق تسوية دائمة في سورية، الإبقاء على اتفاق فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية من عام 74 حرفيا من دون أي تغيير. أي أنه إلى جانب وجود الشريط الفاصل منزوع السلاح من على جانبي الحدود، سيتم أيضا الإبقاء على شريطين إضافيين (من كلا جانبي الحدود) بعرض 20 كم لا يسمح بالاحتفاظ فيهما بقوات عسكرية أو عتاد عسكري هجومي، وهو شرط يتجاوب مع المطلب الإسرائيلي بإبقاء القوات الإيرانية والموالية لإيران على مسافة 40 كم من الحدود.
في غضون ذلك، نقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة، صباح اليوم، عن مصدر سياسي وصفته بأنه رفيع المستوى ومطلع على تفاصيل الاتفاق الروسي الأميركي بشأن جنوب سورية، صحة تصريحات وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، أمس، بأن الاتفاق لا ينص على التزام إخراج القوات الإيرانية أو القوات الموالية لها من سورية، وإنما فقط إبعادها عن الحدود مع إسرائيل.
كما نقلت الإذاعة عن وزير إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن إسرائيل أوضحت لروسيا وللولايات المتحدة الخطوط الحمراء بشأن انتشار القوات الإيرانية في سورية.
وكان ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، أمس، عقّب على تصريحات سيرغي لافروف، بشأن كون الوجود الإيراني في سورية شرعيا، وأن الاتفاق لا يشمل التزاما بإخراج القوات الإيرانية من سورية، بالقول: “إن إسرائيل أوضحت لأصدقائنا في موسكو موقفها، كما أن رئيس الحكومة أبلغ الرئيس بوتين أن إسرائيل ستواصل حماية مصالحها الأمنية في كل حال وكل وضع. الاتفاق يتحدث بوضوح عن قوات غير سورية”.
العربي الجديد
إيران باقية في سورية في ظل الحل الروسي/ رندة تقي الدين
الاجتماع الذي تريده روسيا حول سورية في سوتشي في بداية كانون الأول (ديسمبر) ليس إلا مسعى لقتل مسار جنيف وفرض حل روسي للوضع السوري. فروسيا تدعي في أحاديثها مع أكثر من دولة أن إيران ستخرج من سورية بعد إزالة «داعش» و «النصرة» من هذا البلد. إلا أن قليلاً من الدول تصدق هذا الكلام خصوصاً أنه تصدر يومياً تصريحات عن مسؤولين إيرانيين أن إيران باقية في سورية وأن وجودها شرعي هناك كونه بطلب من بشار الأسد. تماماً كما كانت تدعي سورية حافظ وبشار الأسد أن وجودها في لبنان شرعي. وروسيا الآن تريد عقد اجتماع لـ١٥٠٠ شخص سوري في سوتشي ليوم واحد وكانت في البداية تريد أن يكون هذا الاجتماع تحت عنوان «اجتماع شعوب السورية» إلا أنه سرعان ما قيل لهم أنه ليست هناك شعوب سورية بل شعب سوري واحد. وكانوا يريدون دعوة شخصيات يختارونها تحت عنوان المعارضة مثل قدري جميل وهو مقرب من النظام السوري ويريدون دعوة أحزاب وهمية من دمشق وأشخاص من مختلف الطوائف والأديان.
وبمثل هذا الاجتماع يريد الجانب الروسي فرض حل سياسي وضعوه بأنفسهم لسورية وقتل مسار جنيف الذي لم يقلع يوماً بسبب الموقف الروسي وعدم الاهتمام الأميركي بمصير سورية منذ عهد أوباما وأيضاً في العهد الحالي. فما هي فعالية وصدقية مثل هذا الاجتماع ليوم في سوتشي باختيار وتنظيم روسي من دون الأمم المتحدة؟ إن اجتماع جنيف حول سورية المتوقع انعقاده في ٢٨ الشهر الجاري لن يسفر عن أي نتيجة مع مثل هذه المواقف. ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه قبل انعقاد جنيف هو: هل يكون للمعارضة أي ورقة عمل مدرجة لهذا الاجتماع، كما أن النظام السوري لم يقبل يوماً بتقديم ورقة يتحدث فيها عن انتقال فعلي للسلطة. وروسيا تدعي أن اجتماعها في سوتشي هو للتحضير لمسار جنيف ولكنه فعلاً لقتل هذا المسار.
وعلى رغم أن هناك الكثير من الكلام الروسي حول احتمال خروج إيران من سورية، فمن الواضح أن إيران تتوسع وتبقى في سورية، وروسيا على رغم ما تقوله تحبذ بقاءها حتى إذا كانت مصالح الدولتين متضاربة، فروسيا تريد مستقبل سورية مع دولة صلبة قوية في حين أن إيران تفضل وضعاً شبيهاً بالوضع اللبناني حيث تتلاعب بالأوضاع. وإيران تعتبر أن بقاءها في سورية هو من أجل أمنها الوطني كما أن بشار الأسد يعتبر أن بقاء إيران في سورية خط أحمر ولا أحد يمكنه الطلب من إيران مغادرة سورية تماماً كما كانت سورية في لبنان وأيضاً كما استمرار بقاء «حزب الله» ومقاتليه في سورية. فبعد العراق ولبنان غزت إيران سورية ولن تخرج منها. ولكن غطرسة إيران في المنطقة وهيمنتها في هذه الدول ستنقلب عليها في النهاية. فكم كان يقال مثلاً عن تفوق إسرائيل بسلاحها وجيشها حتى هزمت مرتين في لبنان عندما اضطرت للخروج من الجنوب اللبناني ثم عندما ضربت لبنان ودمرته في ٢٠٠٦ وعززت قوة «حزب الله». ولكن الغطرسة والتهجم الإيرانيين لا بد أن يؤديا إلى فشل وانهيار مثلما حدث مع امبراطورية الفرس ومثلما انتهت عهود القياصرة الروس الذين يظهر أنهم النموذج المفضل لبوتين الذي يصفه الكثيرون أنه القيصر الروسي. وروسيا تقول حالياً لمحاوريها في الغرب إن بشار الأسد مستعد للانتقال إلى دستور جديد وإنه مستعد لانتخابات رئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا ما نقله المستشار الروسي لبوتين من لقائه مع بشار الأسد قبل اجتماع آستانة. ولكن كل ما يصدر عن وكالة الأنباء السورية (سانا) يناقض ذلك، فالنظام السوري يتحدث عن تعديلات في الدستور وعن احتمال انتخابات تشريعية على المدى الطويل ولكن لا يشير أبداً إلى إشراف الأمم المتحدة.
الحياة
مؤتمر سوتشي: محاولة روسية للتفرّد بالقرار السوري/ محمد أمين
تبدو روسيا مصرّة على عقد مؤتمر أطلقت عليه تسمية “الحوار الوطني السوري” على أراضيها، رغم رفض المعارضة السورية الواسع لهذا المؤتمر، والفتور الإقليمي والدولي في التعاطي معه. فمن المتوقع أن تقفز موسكو فوق مسار جنيف الأممي في مسعى منها لتكريس وجهة نظرها للحل السوري، الهادفة إلى إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، بعيداً عن قرارات دولية ذات صلة، تحدُّ إلى حدّ كبير، في حال تنفيذها، من التأثير الروسي في شرقي المتوسط.
وكانت موسكو قد حددت موعد الحوار في 2 ديسمبر/كانون الأول المقبل في سوتشي، الذي يفترض أن يلي مفاوضات جنيف التي دعا إليها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بدءاً من 28 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بعد المؤتمر الموسّع للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض بين 22 نوفمبر و24 منه، بمشاركة نحو 140 من ممثلي القوى السياسية والمستقلين. كما باشرت وزارة الدفاع الروسية اتصالاتها لدعوة نحو ألف شخص إلى سوتشي. وكان المؤتمر محورياً في محادثات مساعد وزير الخارجية الإيراني حسن أنصاري في موسكو، ولقائه بدمشق الأسد، ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، أبلغ دي ميستورا، بأن “هدف روسيا من مباحثات أستانة ومؤتمر الحوار الوطني السوري، هو تسريع التسوية السورية وليس خلق بديل عن مفاوضات جنيف”. وسبق لموسكو أن اضطرت إلى تأجيل المؤتمر الذي كان من المقرر عقده في 18 نوفمبر الحالي، بعد أن رفضت المعارضة السورية بكل تياراتها السياسية، والعسكرية المشاركة فيه، متهمة موسكو بمحاولة القفز فوق مسار جنيف التفاوضي والتأسيس لمسار بديل يدفع باتجاه ترسيخ سلطة بشار الأسد.
ووصفت مصادر في المعارضة مؤتمر “الحوار الوطني” في سوتشي بأنه “سيكون اجتماعاً بين النظام والنظام، ومحاولة للالتفاف على جنيف والإرادة الدولية لتحقيق الانتقال السياسي في سورية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي”. وكانت موسكو وجهت دعوات لعدد كبير من التيارات السياسية التي تُحسب على المعارضة، ومن بينها أحزاب تُوصف بـ “الهزيلة” خلقها النظام في محاولة لخلط أوراق المعارضة السورية، وإشاعة الفوضى في المشهد السياسي المعارض له. ولكن رفض المعارضة السورية لم يكن وحده وراء تأجيل المؤتمر الذي غيّرت روسيا عنوانه من “مؤتمر شعوب سورية” إلى مؤتمر “الحوار الوطني السوري”، إذ قوبل المؤتمر بفتور واضح من قبل جهات إقليمية ودولية رأت في عقد المؤتمر تكريساً نهائياً للنفوذ الروسي في سورية. وقد رفضت تركيا المشاركة في المؤتمر بسبب اعتراضها على مشاركة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” الذي تعتبره أنقرة الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، ما دفع موسكو لتأجيل المؤتمر الذي أثار الجدل قبل عقده.
مع العلم أن “المفوضية العليا للانتخابات” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” الكردية، حددت مساء الأربعاء، الأول من يناير/كانون الثاني 2018، موعداً لإجراء ما تسميه انتخابات المجالس المحلية في محافظات الحسكة والرقة وحلب، شمال وشرق سورية، في خطوة من شأنها إغضاب السلطات السورية وتركيا وطيف واسع من السوريين. وتُعتبر هذه الانتخابات في سياق تطبيق “النظام الاتحادي الفيديرالي”، الذي أعلنت عنه “الإدارة الذاتية”، في مارس/آذار 2016. كما تعاملت دول أوروبية فاعلة ببرود مع المؤتمر، فقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر، إن “أي مبادرة تعزز عملية جنيف مرحّب بها، لكن أي مبادرة خارج هذه العملية ليست كذلك وستبوء بالفشل”. كما رأى السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة ماتيو رايكروفت، أن “الطريق إلى السلام في سورية يمرّ عبر جنيف”، قاطعاً الطريق أمام المساعي الروسية في فرض رؤيتها الروسية للحلّ في سورية، بعيداً عن قرارات دولية داعية إلى تغيير عميق في بنية النظام السوري، ترى فيها موسكو مساساً بمصالحها التي كرستها بالتدخل العسكري المباشر.
كما لم تخفِ الولايات المتحدة عدم اكتراثها بمؤتمر “سوتشي”، بحسب البيان المشترك، الذي صدر عن الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، يوم السبت الماضي، في فيتنام. وأشار البيان إلى أن “التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع في سورية يجب أن يكون في إطار عملية جنيف، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك تغيير الدستور والانتخابات الحرة والنزيهة، وتحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، وإعطاء الحق لجميع السوريين، بمن فيهم من هو موجود الآن في الشتات الحق بالمشاركة فيها”.
بدورها، لا تبدو إيران مرحبة بالمؤتمر وخاصة أنه يكرّس روسيا منافساً دائماً لها في النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي في سورية، خصوصاً أن هناك إشارات واضحة على تبرم موسكو من وجود إيراني يتصاعد في البلاد، حيث تعمل طهران على ترسيخ هذا الوجود من خلال إنشاء قواعد عسكرية على غرار ما فعلته موسكو. ومن الواضح أن موسكو تهدف من وراء الإصرار على عقد مؤتمر سوتشي الى توجيه رسائل للمجتمع الدولي مفادها أنها ممسكة بالملف السوري، ولها تأثير مباشر على كل التيارات والكتل السياسية في المشهد السوري ما يعزز فرص روسيا في الإسهام في وضع حلول سياسية في سورية تناسب مصالحها.
وذكرت مصادر في الائتلاف الوطني السوري لـ “العربي الجديد”، أن “موقف المعارضة السورية من مؤتمر سوتشي لم يتغير”، مضيفة أنه “ما زلنا عند موقفنا الرافض لأي مسار بديل عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة”. ولم يتوقف الرفض لمؤتمر سوتشي عند حدود التيارات التي تمثل المعارضة السورية، بل وصل إلى الشارع السوري المعارض الذي نظم وقفات ضد المؤتمر. وتعزز رفض الشارع السوري المعارض للمساعي الروسية، بعد ارتكاب الطيران الروسي لمجزرة مروعة منذ أيام في ريف حلب الغربي، مع مقتل وإصابة المئات من المدنيين في بلدة الأتارب وهي من أهم معاقل المعارضة السورية.
العربي الجديد
روسيا وإيران ووراثة الشرق العربي/ محمود الريماوي
تتقاسم روسيا مع إيران راهن سورية ومستقبلها، حسب ما تدل عليه وقائع التموضع العسكري الروسي، والتغلغل الايراني في نسيج المجتمع والاقتصاد، وخصوصا في العاصمة دمشق، حيث يتم تبديل السكان بالقوة، وتجري احتفالاتٌ مذهبيةٌ استعراضيةٌ تنظمها طهران، وتمثّل أقل الطوائف عدداً في بلد الأمويين.
وقد جاءت التصريحات، أخيرا، لوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بخصوص تفسير اتفاق روسي أميركي أردني في جنوبي سورية، لتدلل على الوجهة الروسية في هذا التقاسم، حين قال إن مليشيات إيران لن يتم إقصاؤها عن مناطق الجنوب، وإن المقصود بالاتفاق هو القوات غير السورية! وهو تصريحٌ يثير العجب، اذ يعتبر فيه السيد لافروف مليشيات إيران اللبنانية والعراقية والأفغانية بمنزلة قوات سورية، أو أنها كذلك. وكان الأردن قد شدّد، من جهته، على الدوام بأنه لن يقبل وجود مليشيات مذهبية قريبا من حدوده، وذلك يشمل حُكماً مليشيات إيرانية، إضافة إلى جماعات مسلحة تدور في فلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة تحرير الشام (جبهة النصرة). وبهذا، يقوم وزير الدبلوماسية الروسية بتأويل الاتفاقيات، لطمأنة الحليف الإيراني بأن هذا الحلف باقٍ في أرض سورية، حتى لو أثار ذلك حفيظة دول أخرى. أما رأي السوريين أنفسهم في مستقبل بلادهم، فهو ما لا يعني السيد لافروف، المهجوس بعظمة روسيا الجديدة، ولو على حساب حياة شعوب أخرى وحقوقها.
والحال أن المحور الروسي الإيراني مكينٌ وثابت، وتكاد موسكو لا تتحالف مع أحد في
“يتقدم المحور مع إيران واقعياً في أهميته، بنظر موسكو، على علاقاتها ببقية الدول”
المنطقة، بقدر تحالفها مع الحكم الإيراني، على الرغم مما يبدو من اختلافاتٍ بين النظامين في موسكو وإيران (بدأت هذه الاختلافات تتقلص مع التقييدات المتزايدة على الآليات الديمقراطية في روسيا). ذلك أن موسكو تبني استراتيجيتها على الحلول محل الوجود الأميركي كلما أمكن ذلك، وبكل الطرق المتاحة، وذلك في إطار التنافس على العظمة “الإمبراطورية” العابرة للحدود. تجد موسكو في طهران خير ظهير وشريك لها، فطهران أيضا ما زالت تهتف بالموت لأميركا، ويتخلل هذا الهتاف إبادة مجموعات بشرية غفيرة غير أميركية. وبما أن طهران مُصمّمة، إضافة إلى تطوير تسليحها، على اختراق النسيج الاجتماعي للمنطقة، والتمركز الدائم فيها، ودعوة الدول والشعوب إلى الاعتماد على طهران، بدلاً من واشنطن والغرب عموما، فإن نشاطها هذا يثير رضى موسكو، حيث تشق الجمهورية الاسلامية الطريق إلى موسكو على حساب النفوذ الأميركي، وليس مهماً ما يحدث خلال ذلك للشعوب المستهدفة. “فالسياسة هي شيء آخر غير الديمقراطية، وحقوق الإنسان”.
وبالنظر إلى وقائع قريبة، فخلال الضجة التي أثيرت حول وضع رئيس الحكومة اللبنانية (المستقيل)، سعد الحريري، في الرياض، فقد لوحظ أنه، إلى جانب الحملة التي شنها حزب الله على السعودية، عمد السفير الروسي في بيروت، ألكسندر زابسكين، إلى التلويح بأن بلاده قد تطرح مسألة الحريري على مجلس الأمن، علما أنه لم يمض شهران على زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى موسكو، ووصفتها الأخيرة بأنها تاريخية. وقد جرى فيها توقيع اتفاقيات مهمة.. ومغزى الموقف الذي عبّر عنه السفير أن بلاده لا تمنح أية أولوية لعلاقتها مع الرياض، وأنها لن تتوانى عن التساوق مع طهران هنا وهناك. وخلال العامين الماضيين، زار الرئيس فلاديمير بوتين طهران مرتين، حيث أكد لمضيفيه على رسوخ التحالف بينهما، إضافة ‘لى القاهرة دون غيرها من العواصم العربية أو الخليجية، حيث جرى توقيع صفقات تسلح بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
والمجال الأكثر استهواء لموسكو، في منافستها الولايات المتحدة على التمدّد والهيمنة، هو التسلح. وقد فاخر المسؤولون الروس مرارا بأن الأسلحة الروسية التي جرى استخدامها في سورية (يمكن ملاحظة نتائجها على المدن السورية) قد زادت من طلبات الشراء على السلاح الروسي. وإيران في مقدمة زبائن موسكو في مجال التسليح والتعاون العسكري، فالسلاح يقوم على عقد صفقات عاجلة وآجلة (بلغت خلال السنوات العشر الماضية نحو 25 مليار دولار في أقل تقدير)، ويتطلب وجود خبراء روس ومعرفة مسبقة إجمالية أين سيستخدم هذا السلاح. وإيران، شأنها شأن روسيا، تختزل العظمة القومية بالعظمة العسكرية أولاً وعاشراً. وبين البلدين تعاون نووي وعسكري شامل. وخلال العام الجاري، استخدمت روسيا قاعدة همذان الإيرانية لضرب أهداف في سورية. وتقف روسيا على الدوام إلى جانب إيران في كل ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. وبهذا، فإن تفاهمات استراتيجية قائمة بين الجانبين. وبينما تواصل
“تبدي موسكو، في مناسباتٍ عدة، أسفها على رحيل معمر القذافي”
روسيا “الاستفادة من غموض السياسات الغربية وتناقضاتها تجاه الشرق الأوسط” على حد قول خبيرة روسية (أنا يورتشيفسكايا)، فإن طهران تنهج النهج نفسه. وقد التقى البلدان على العداء لموجة الربيع العربي، وتبدي موسكو، في مناسباتٍ عدة، أسفها على رحيل معمر القذافي، وقد ذهبا معاً بعيداً جداً في قمع الحراك السوري، واستهداف المرافق المدنية باستخدام كل أنواع الأسلحة الثقيلة، والتسبب بوقوع أعداد هائلة من الضحايا المدنيين. وقد تواصل التنسيق بين الجانبين بشأن مستقبل سورية بابتكار منصة أستانة، وقد ضمت الحليفين، الروسي والإيراني، ثم جرى جذب تركيا إليها (بلدان متحالفان، مقابل بلد واحد). وعلى الرغم من وجود هذه المنصة التي تجمع الدول الثلاث، فإن رئيس الدبلوماسية الروسية يصرح بأن مليشيات إيران وقوات بلاده هي التي تتمتع بشرعية الوجود في سورية، في قفزٍ عن الوجود التركي، وعن مخرجات أستانة، علما أن تركيا تأثرت أكثر من روسيا وإيران، بما لا يقاس، بتداعيات الأزمة السورية، ففي مقابل نحو مليوني لاجئ سوري في تركيا، لم تستقبل روسيا ولا إيران لاجئا سوريا واحدا.
في ضوء ما تقدّم، لا يبدو مستغرباً أن تبدي موسكو كل هذا الحرص على مليشيات إيران، على الرغم من صبغتها الطائفية الفاقعة، واستهدافها مكونا واحدا وبيئة اجتماعية بعينها، وأن تنسق معها. ولا تقل هذه المليشيات، في نظر موسكو، أهمية عن العلاقة مع دولٍ تضم وجوداً أميركيا على أرضها. وغاية الإرب بالنسبة لموسكو، كما يقول الخبير الروسي، ديمتري ترينين، هي أن تكون ندّاً لأميركا. أما بقية الغرب (أوروبا بالذات) فإن أهميتها تقِلّ، في أنظار موسكو التي ترى، حسب الخبير، أن هناك مقابل أميركا وأوروبا منطقة شاسعة جدا هي أور اسيا التي تجمع روسيا والصين والهند وإيران وتركيا، وهي مدار اهتمام روسيا التي ترى نفسها “قارّة بذاتها”، وليست جزءا من أوروبا.
استناداً إلى ما يقوله الخبير الروسي، وما تنطق به الوقائع، فإنه وبما أن إيران هي “الأنشط” في دول الشرق الأوسط، وتسهم في تقليص النفوذ الأميركي، وبصرف النظر عن مضمون هذا النشاط، ومدى قبول الشعوب به، فإن روسيا تقيم محوراً ثابتاً وراسخاً معها، وحيث يتم الدفاع الروسي عن إيران في سائر المحافل الدولية، وبما يجعل هذا المحور يتقدم واقعياً في أهميته، بنظر موسكو، على علاقاتها ببقية الدول، وخصوصا الدول التي تقيم علاقات وثيقة مع أميركا.
العربي الجديد
معارضون سوريون: «سوتشي» نسخة سياسية لـ«أستانة» العسكرية… مؤتمر لتقاسم النفوذ الدولي وتوزيع الأرباح في سوريا
هبة محمد:
دمشق – «القدس العربي»: يرى مراقبون للشأن السوري ان اجتماع «سوتشي» ما هو الا متابعة لالتفاف روسيا على مخرجات مؤتمر جنيف، بعد ان كانت قد حاولت سابقاً حرف مساره عبر استانة بما يخدم مصلحتها، بيد انها لم تكتف بذلك فاخترعت «سوتشي»، باسمه الجديد، سعياً منها لتآلف المختلفين الفاعلين في الملف السوري، روسيا وايران وتركيا.
ومن الطبيعي ان تكون مصلحة روسيا هي الاعلى كونها الاقوى دولياً وقادرة على حرف المسار، اما ايران فلها مصالحها بالتوازي مع المصالح الروسية، بينما تركيا تحاول ايجاد الحد الادنى من مصالحها بالرغم من تنافر الاهداف المختلفة، حيث تعتزم انقرة استغلال الاهواء الدولية الحالية، والاستفادة من الحالة السياسية الراهنة في تأمين مصالحها بتحرير عفرين والضرب على أيدي الاكراد في منطقة الجنوب التركي.
المحلل السياسي، عضو «مجموعة العمل من اجل سوريا»، درويش خليفة رأى في حديث مع «القدس العربي» ان موسكو الحليف القوي لبشار الأسد، تحاول عبر مؤتمر سوتشي خلق حلف إقليمي يدعم رؤيتها للحل في سوريا عبر دعوة ايران وتركيا اللتين لهما وجود عسكري في سوريا للتفاهم على القضايا العالقة والتي يختلفون في بعضها ويتفقون في بعضها الاخر.
فيما تسعى انقرة الى الضغط من ناحيتها على الروس في سبيل اخراج مقاتلي «بي واي دي» من عفرين وإخلائها من التطرّف الكردي، وبذلك تضمن حماية حدودها الجنوبية، بيد انها تصطدم دائما بمراوغة الروس في هذا الملف بهدف تحصيل بعض المكاسب من الأتراك، وتنازلت من الأمريكيين حليف الميليشيات الكردية.
وأشار المتحدث الى ان مؤتمر «سوتشي مثله مثل اي مؤتمر يخص السوريين لا تنعكس نتائجه الا بخطوات ملموسة كوقف شامل لإطلاق النار، وبحث الانتقال السياسي، والتي يراها الروس خطوة في اتجاه مؤتمر وطني تدعى له قوى المعارضة السورية للتباحث فيما بينها لإخراج البلد من الحالة الراهنة»، مشيراً الى ان الروس يريدون ان يجعلوا من «سوتشي» نسخة سياسية عن نسخة «استانة» العسكرية وبذلك يضعون جميع الأطراف تحت جناحيهم، اما بالنسبة لتحرك الدول الحاضرة للمؤتمر وضرب الـ «بي واي دي» في عفرين فأراه مستبعداً حالياً لأن الفصيل الكردي قراره بيد الأمريكان وبالتالي الاتفاق بالقضاء عليه سيكون بالتشاور مع «المارد الأشقر» دونالد ترامب.
المتابع للشأن السوري والمحلل السياسي «جلال سلمي» قال في اتصال مع «القدس العربي» انه بعد تمكن روسيا من تحويل الدول الإقليمية الفاعلة، لا سيما تركيا، إلى «شريك» أو كيل وبالتالي إحداث تمزق واضح المعالم في صفوف فصائل المعارضة، باتت توجه أنظارها صوب الخطوة الأخيرة من حل الأزمة، وهي خطوة تجميع الفصائل بشتى مشاربها حول مشروع وطني يَصْب في صالح رؤيتها الساعية إلى الإبقاء على هيمنتها على سوريا بعيداً عن اي نفوذ بارز، مباشر أو غير مباشر، للولايات المتحدة.
تحييد الأكراد برأي المتحدث جاء في إطار تمتع دولة بلقب الدولة الضامنة التي يمكنها أن تقلب الطاولة في حال تجاهل مطلبها، وهذا ما أدى إلى انصياع روسيا للرغبة التركية. لكن ذلك لا يعني تجاهل روسيا للأكراد بشكل كامل، بل يمكن لروسيا أن تسير معهم في سياق منفصل، للحيلولة دون ميلهم الكامل للولايات المتحدة. وقد تحاول تنويع الوفد الكردي عبر ضم المجلس الوطني له، حتى تقتنع تركيا بانه بات هناك طرف يمكن التعاون معه لموازنة الامور في المناطق الكردية السورية، مضيفاً ان الامور مازالت غير مبرمة ما بين الفرقاء الرئيسيين الأمريكان والروس، لذلك من الصعب في هذه المرحلة أن نقول ان تركيا حققت انتصارا واضحا، رغم أن المعطيات الأولية تُظهر نجاح تركيا بإبعاد الملف الكردي عن مؤتمر سوتشي.
تقاسم النفوذ
الخبير القانوني والمعارض السوري بسام طبلية قال ان الامور مبهمة ومازالت غير واضحة بعد، حول إمكانية نجاح مؤتمر سوتشي من عدمه، فكما روسيا تستخدم الفيتو الروسي من أجل عدم ملاحقة الأسد لانتهاكه قرارات مجلس الامن المتعلقة بتسليم الأسد لمخزوناته من الكيماوي وعدم استخدام الكيماوي، كذلك فإن أمريكا تعرقل سوتشي – وتصر بشكل ضمني – على الوصول لاتفاقات تتعلق بتوزيع النفوذ والملف الكردي.
وأضاف: روسيا تحاول اظهار سوتشي من أجل افشال جنيف، الذي يسعى لتطبيق قرارات مجلس الأمن ومنها القرارات 2254 وكذلك المتعلقة بالانتقال السياسي، أما المعارضة وهي الرافضة لسوتشي – ما لم تمارس ضغوط عليها من الدول الداعمة – وتصر على المضي قدماً في جنيف وخاصة تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة لا يكون للاسد أي دور في سوريا المستقبل.
وهذا أمر طبيعي برأي الخبير القانوني «طبلية» الذي قال انه لا يمكن لمتهم بجرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية أن يكون لهم دور في تقلد أمور الحكم، والا سوف نسمح للارهابيين الدوليين بأن يقودوا العالم. ومن الممكن لأنقرة أن تبدأ معركتها في عفرين بصمت وموافقة روسية ضمنية وخاصة بعد أن استطاعت تركيا الحصول على التأييد الشعبي للدخول لشمال سوريا، وبالتالي تركيا حريصة أن لا تتورط في المستنقع السوري، والذي تحاول أمريكا وأوروبا توريطها فيه، وما دخولها ادلب دون معركة مع الفصائل العسكرية إلا دليل حكمة أفشلت به المخططات الأمريكية بمواجهة تركيا.
نتائج وتوقعات
يتوقع السوريون ان تكون لاجتماعات سوتشي جوانب ميدانية اكثر منها سياسية، فالأطراف الثلاثة هي دول فاعلة على الارض بنسب متفاوتة، كما انه من الممكن ان يسمى الاجتماع بمؤتمر «تقاسم النفوذ» في سوريا، اما من الجانب التركي فإن انقرة ستضع على طاولتها مسألة عفرين، ومن الممكن ان تحصل على تنازلات بهذا الخصوص، كما انها لن تتجاهل مسألة ضبط حدود نفوذها في مناطق سيطرة درع الفرات في حلب إضافة الى ادلب، التي تحرص تركيا على خفض التصعيد فيها وأخذ تعهدات من الجانبين الروسي والإيراني في هذا الملف.
كما ان هناك رغبة للدول الثلاث بأن تكون جبهة واحدة ضد العامل الأمريكي، فيما تحاول روسيا ان تقود عملية سياسية معتبرة بمشاركة كل من تركيا التي تمتلك تأثيراً على المعارضة السياسية، وايران التي تمتلك قوات على الارض السورية.
ورأى المحلل العسكري والسياسي واصف عيد ان التأثير الامريكي والغربي في سوريا سينحصر في مناطق سيطرة البي ي دي، يعني نقل المفاوضات إلى يد هذه الدول الثلاث التي تقود عملية سياسية عبر سوتشي واستانة، الامر الذي سيضرب النفوذ الامريكي المنحصر في مناطق سيطرة الميليشيات الكردية المتعبة والمفككة أصلاً.
فيما قال المحلل السياسي «سلمي» انه من المتوقع الخروج بوثيقة مشابهة لإعلان موسكو الذي حول تركيا وإيران الى دولتين ضامنتين، وثيقة تمهد الطريق لخطوات عملية في عملية التسوية، وفرز أوسع للفصائل الموافقة على رؤية روسيا والفصائل غير الموافقة.
معارضون: «سوتشي» مؤتمر لتقاسم النفوذ الدولي وتوزيع الأرباح في سوريا
قصف عنيف للنظام على الغوطة يقتل العشرات ومصرع 26 نازحا بتفجير سيارة
حلب ـ دمشق ـ «القدس العربي» من عبد الرزاق النبهان وهبة محمد: أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 26 شخصاً على الأقل قتلوا، الجمعة، في محافظة دير الزور شرقي سوريا في انفجار سيارة مفخخة. وبين القتلى 12 طفلاً من ضحايا الهجوم الذي استهدف تجمعاً للنازحين.
وفي الغوطة الشرقية قتل ما لا يقل عن 15 مدنياً بينهم أطفال ونساء، جراء قصف الطيران الحربي التابع للنظام السوري على بلدات عدة في ريف دمشق، في حين أعلنت حركة نور الدين الزنكي وهيئة تحرير الشام توصلهما إلى اتفاق يقضي بإيقاف الاقتتال الدائر بينهما منذ أيام في غربي حلب شمالي سوريا.
سياسياً رأى مراقبون للشأن السوري أن اجتماع «سوتشي» الذي دعت اليه روسيا ما هو إلا متابعة لالتفاف موسكو على مخرجات مؤتمر جنيف، بعد أن كانت قد حاولت سابقاً حرف مساره عبر «أستانة» بما يخدم مصلحتها، بيد أنها لم تكتف بذلك فاخترعت «سوتشي»، باسمه الجديد، سعياً منها لتآلف المختلفين الفاعلين في الملف السوري، روسيا وإيران وتركيا.
من جهتها أكدت مصادر محلية لـ»القدس العربي» أن الطيران الحربي التابع للنظام السوري استهدف الغوطة الشرقية بأكثر من 58 غارة جوية توزعت على بلدات حرستا، عربين، مديرا، دوما، حمورية، زملكا، مسرابا، حزة، جوبر، الشيفونية، الأشعري، ما أسفر عن مقتل خمسة عشر مدنيا وعشرات الجرحى كـ»حصيلة» أولية.
وشجب الائتلاف السوري المعارض الهجمات التي شنتها قوات النظام وحلفاؤه والمستمرة على مناطق عدة في ريف دمشق. وأدان الائتلاف المعارض بشدة استخدام روسيا حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار تجديد آلية التحقيق المشتركة ما بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وحول الحلول السياسية في سوريا وخاصة مؤتمر سوتشي، يرى المحلل السياسي عضو «مجموعة العمل من اجل سوريا»، درويش خليفة، في حديث مع «القدس العربي» أن روسيا تحاول عبر المؤتمر خلق حلف إقليمي يدعم رؤيتها للحل في سوريا عبر دعوة إيران وتركيا اللتين لهما وجود عسكري في سوريا للتفاهم على القضايا العالقة، فيما تسعى أنقرة إلى الضغط من ناحيتها على الروس في سبيل إخراج مقاتلي «وحدات الحماية» من عفرين وإخلائها من «التطرّف الكردي»، مشيراً إلى أن الروس يريدون أن يجعلوا من «سوتشي» نسخة سياسية عن نسخة «أستانة» العسكرية وبذلك يضعون جميع الأطراف تحت جناحيهم.
المتابع للشأن السوري والمحلل السياسي جلال سلمي قال في اتصال مع «القدس العربي» إنه بعد تمكن روسيا من تحويل الدول الإقليمية الفاعلة، لا سيما تركيا، إلى «شريك» أو وكيل، باتت توجه أنظارها إلى الإبقاء على هيمنتها على سوريا بعيداً عن أي نفوذ بارز، مباشر أو غير مباشر، للولايات المتحدة.
ورأى المحلل العسكري والسياسي واصف عيد أن التأثير الأمريكي والغربي في سوريا سينحصر في مناطق سيطرة البي ي دي، وهو ما يعني نقل المفاوضات إلى يد هذه الدول الثلاث التي تقود عملية سياسية عبر سوتشي وأستانة، الأمر الذي سيضرب النفوذ الأمريكي المنحصر في مناطق سيطرة الميليشيات الكردية المتعبة والمفككة أصلاً.
برامج مختلفة لقمة سوتشي السورية… وجبهات القتال تشتعل/ عدنان علي
تتكثّف التحركات الدولية لرسم ملامح التسوية في سورية لمرحلة ما بعد تنظيم “داعش”، في ظل محاولات الثلاثي الراعي لاجتماعات أستانة، روسيا وإيران وتركيا، الاتفاقَ على خطوط عريضة بشأن مقوّمات هذه التسوية، مع شبه غيابٍ أميركي عن المسرح السياسي، فضلاً عن غياب الأطراف العربية التي كانت فاعلة في المشهد السوري. يأتي ذلك، بينما تشهد مختلف جبهات القتال تسخيناً متصاعداً في محاولة من الأطراف المتصارعة لتوسيع سيطرتها وتعزيز مواقفها قبل الحسم السياسي.
وفي سياق التحركات السياسية، ستشهد مدينة سوتشي الروسية يوم الأربعاء المقبل، قمة ثلاثية تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني. وسعى كلُّ طرف إلى تركيز الأضواء على النقاط التي تهمه في هذه القمة، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الوضع في إدلب سيكون على رأس أولويات القمة، مشدداً على ضرورة التخلص مما سمّاه وجود المنظمات الإرهابية في مدينة عفرين السورية المحاذية للحدود التركية. وقال أردوغان في خطاب ألقاه أمام رؤساء الأقاليم في أنقرة، إن الولايات المتحدة لم تفِ بوعودها في سورية، وإن بلاده “لن تسقط في الفخ ذاته بعفرين”، في إشارة منه إلى إخلال واشنطن بوعودها بسحب المقاتلين الأكراد من مدينة منبج في ريف حلب. واعتبر أردوغان أن واشنطن أصبحت عائقاً أمام الحرب على الإرهاب بسبب دعمها بعض التنظيمات الإرهابية. وأضاف أن من قام بإنشاء “داعش” هو من قام بإنشاء وحدات الحماية الكردية، مؤكداً وجود تعاون بين الوحدات و”داعش”.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أعلن أنه سيجتمع مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، يوم غد الأحد في مدينة أنطاليا التركية، لبحث تطورات الأزمة السورية. وأضاف جاويش أوغلو في مؤتمر صحافي عقده، مساء الخميس، مع نظيره اللبناني جبران باسيل، في أنقرة، أن القمة الثلاثية في سوتشي ستبحث الأعمال التي تم إنجازها في إطار مباحثات أستانة، والخطوات التي يتوجب اتخاذها في المرحلة المقبلة.
من جهته، أعلن النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير جباروف، أن القمة ستتناول، بالخصوص، تصرفات الولايات المتحدة في سورية، من أجل طرح موقفٍ موحدٍ إزاء هذه المسألة. غير أن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، قال إن قمة سوتشي ستتناول الأجندة السورية بكامل طيفها، خصوصاً عملية الانتقال السياسي. وذكر بيان صدر عن الكرملين أن الاجتماع سيبحث الخطوات الواجب اتخاذها من أجل تطبيع الأوضاع بعيدة المدى في سورية، “على خلفية النجاحات الأخيرة في مكافحة الإرهاب والخفض الملحوظ لحدة العنف في البلاد”.
ويلاحظ مراقبون أن الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، وهي الدول الضامنة في مفاوضات أستانة والتي كانت توصلت في وقت سابق من العام الحالي إلى الاتفاق المبدئي بشأن إقامة مناطق “خفض التصعيد” في سورية، باتت في وضع “تحالف الضرورة” في ظل السلبية التي تهيمن على الموقف الأميركي. وفيما أشار أردوغان في تصريحاته أمس إلى تحقيق “تقدّم حقيقي في الموقف المشترك مع إيران وروسيا فيما يخص الوضع في سورية”، يبدو هذا التقدّم معرضاً للخطر في ظل الأهداف المتباينة لأطراف هذا “التحالف”، خصوصاً الطرف الإيراني، الذي يبدو متصادماً أو مرشحاً للتصادم مع مواقف الأطراف الأخرى بما فيها تركيا وروسيا، بينما تتعزز التفاهمات بين بوتين وأردوغان، اللذين التقيا قبل أيام في سوتشي.
في الأوضاع الميدانية، صعّد النظام السوري من قصفه الجوي والمدفعي لمناطق الغوطة الشرقية في ريف دمشق على خلفية الهجوم الذي تشنّه فصائل المعارضة باتجاه “إدارة المركبات العسكرية” في مدينة حرستا، حيث ما زالت تدور اشتباكات بين الطرفين داخل “إدارة المركبات”. وقالت مصادر محلية إن قوات النظام استهدفت الأحياء السكنية في مدن دوما وحرستا ومديرا في الغوطة الشرقية، بالمدفعية وصواريخ تحمل قنابل عنقودية، ما أدى لوقوع قتلى وجرحى، فيما استهدفت غارات جوية حي جوبر الدمشقي. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن حصيلة قتلى اليوم الثالث من الغارات على الغوطة ارتفعت إلى 19 شخصاً، بينما أصيب العشرات بجروح مختلفة. ودفع هذا القصف مديرية الأوقاف وشؤون المساجد في الغوطة إلى إلغاء صلاة الجمعة منعاً للتجمعات وحفاظاً على أرواح المصلين.
وفي شرق البلاد، سيطرت قوات النظام مدعومة بمليشيات أجنبية على قرية الحمدان ومطار الحمدان العسكري في محيط مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي بعد اشتباكات مع تنظيم “داعش”، بينما واصلت الطائرات الروسية وأخرى تابعة للنظام السوري قصفها الأحياء السكنية في مدينة البوكمال بالريف الشرقي لدير الزور، حيث تسعى قوات النظام لبسط سيطرتها على مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، بالتعاون مع المليشيات التي تدعمها إيران على طرفي الحدود السورية العراقية.
وظهر قائد “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، برفقة مليشيا “النجباء” العراقية، خلال المعارك الدائرة للسيطرة على مدينة البوكمال. ونشر موقع لتلك المليشيا الصور، مشيراً إلى أن سليماني تفقد مقاتلي الحركة قرب المدينة.
من جهتها، سيطرت “قوات سورية الديمقراطية” على قريتي ذيبان والحوايج في ريف دير الزور الشرقي، فيما شنّت مقاتلات التحالف الدولي غارات جوية على منطقة الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي.
وفي وسط البلاد، قالت فصائل المعارضة إنها تمكّنت من استعادة السيطرة على قرية سرحا الشمالية في ريف حماة الشرقي، وتكبيد قوات النظام خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وفي المقابل، سيطرت قوات النظام والمليشيات المساندة لها على قرى عرفة وربدة بمنطقة الحمرا والكيكية والحزم وقصر علي وقصر شاوي في ريف حماة الشرقي بعد اشتباكات مع فصائل المعارضة. وأدت الاشتباكات إلى حركة نزوح كبيرة من قبل المدنيين باتجاه الشمال، حيث ارتفع عدد النازحين خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من قرى ريف حماة الشرقي إلى أكثر من عشرة آلاف نسمة.
العربي الجديد
سورية.. كل هذه الحسابات/ سمير صالحة
يشهد الشأن السوري، مطلع العام الجديد، أكثر من لقاء ومؤتمر واجتماع مصحوب بمفاجآت وتحولات سياسية وعسكرية ودستورية عديدة في المنطقة. وخلال الأشهر الثلاثة المقبلة ستتحرر سورية تماما من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ووجوده في المشهد السياسي والأمني للبلاد. وسيبدأ نقاشٌ ينتهي سريعا مع فصائل جبهة النصرة وامتداداتها، باعتبارها عقبة أمام الحل، عبر خيار تبني القوة ضدها أو اقتناعها هي بضرورة تفكيك بنيتها وإنهاء دورها كما هو قائم، والتوجه نحو الذوبان في تكتلات وتحالفات أكثر اعتدالا وليونةً واستعدادا لتقديم لغة الحوار على التصعيد والتحدّي.
ولن يكون هناك هذا التصعيد التركي الروسي ضد مجموعات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، كما تُمنّي أنقرة النفس بذلك، وستتم عمليات سحب مناطق كثيرة يسيطر عليها من يده إما لصالح النظام أو وضعها تحت تصرف حلفائه الأميركيين أو الروس، لينوبوا عنه في عمليات المساومة السياسية والدستورية، ريثما تتضح طريقة مشاركته في المفاوضات السورية السورية.
وسيتضح شكل خريطة الطريق الجديدة لقوى المعارضة السورية ومنصاتها وقواها السياسية والعسكرية، والتوجه في منحى توحيدها تحت سقف مشترك، يجلس في إطار وفد واحد على طاولة المفاوضات. وسيتقلص عدد منصات التحرك وقاعات الاجتماعات واللقاءات، وسيتقدم التفاهم على قالب حوار سياسي جديد، يدمج مساري أستانة وجنيف وما تريده روسيا أمام طاولة واحدة خارج الأمم المتحدة، ولكن تحت غطاء قراراتها، كما حدث في تفاهمات الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الغربية.
وستبدأ عملية تفعيل صيغة الحلول السريعة والعملية لملفات إنسانية واجتماعية وحياتية يومية،
“تمكنت روسيا من سحب أوراق من طهران وأنقرة والنظام والأكراد والمعارضة”
تأخذ بالاعتبار ملفات اللجوء والنزوح والإعمار والإفراج عن المعتقلين، وتقليص عدد خطوط التوتر بضمانات دولية. وستحسم مسألة مصير النظام الذي يريد ضمانات إقليمية ودولية بشأن وجوده أمام الطاولة، وعدم تعرّضه للمساءلة السياسية والقانونية، بعد المرحلة الانتقالية في أي ملفات جرائم أو قتل. هل سيحصل ذلك كله؟ هل أصبح الحل في سورية على الأبواب فعلا؟ وهل يتطلع الشعب السوري بكافة انتماءاته وميوله وتوجهاته إلى الأسابيع القليلة المقبلة لعقد اجتماعات إقليمية ودولية، تخرجه من أزمته ومعاناته بعد 7 سنوات من القتل والدمار والتهجير؟ هل يأتي الخلاص هذه المرة من فيتنام، حيث التقى الرئيسان، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، ودخلا في عملية مساومةٍ تنهي الأزمة السورية، حيث برز القلق الروسي من أخطار تقسيم سورية وتفتيتها، لتقابله قناعة أميركية بأن الفيدرالية هي الخيار الوحيد المتبقي، على الرغم من اعتراضات محلية وإقليمية، على أن الفدرلة ستكون، عاجلا أم آجلا، مقدمة للانفصال وإعلان الكيانات المستقلة؟ هل يمكن القول إن روسيا فشلت في تحويل أستانة إلى مركز الثقل في ملف الأزمة السورية على حساب جنيف، ولذلك تحركت نحو المنبر البديل الذي تروجه تحت عنوان “مؤتمر الحوار الوطني”؟ هل يأتي التفاهم الأميركي الروسي في سورية في إطار خطة حسابات ربح وخسارة إقليمية ودولية أم نتيجة مطلب من بعضهم في إطار صفقاتٍ لإضعاف قوى على حساب تعزيز نفوذ أخرى؟
الواضح أن روسيا نجحت في تعطيل فرض أية عقوبات دولية ضد النظام السوري، على الرغم من كل التقارير الأممية والدولية بشأن جرائم ارتكبها ضد الشعب السوري، لكنها نجحت أساسا في تعطيل أي عمل عسكري غربي أو إقليمي ضده. وتمكنت روسيا أيضا من تمييع قراراتٍ أممية كثيرة، وتفريغها من مضمونها، وتفعيل ما يناسب مصالحها في سورية ويفتح الطريق أمامها، للإمساك بمزيد من خيوط اللعبة هناك، وكان آخرها دعوتها إلى مؤتمر الحوار والمصالحة الوطنية السوري، ونجاحها في فرضه على الجميع، على الرغم من كل الاعتراضات والرفض والتحفظ من حلفائها قبل خصومها.
أما تركيا فتواصل رفضها الاعتراف بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، لكنها قد ترضى بمشاركة من يمثله من المعتدلين في صفوف قوات سورية الديمقراطية، فهي غير راغبة في التصادم مع روسيا مجدّدا بعد مصالحة مكلفة في أعقاب أزمة إسقاط المقاتلة الروسية، قبل عامين.
وبشأن إيران، فإنها تعرف أنها ستكون أول من يدفع ثمن التقارب الأميركي الروسي، خصوصا أن موسكو تسلمت الرسائل الأميركية بشأن إصرار واشنطن على التصعيد ضد طهران، ليس بطلب سعودي أو إسرائيلي فقط، بل لتقليم أظافر إيران وحلفائها في لبنان وسورية واليمن، ولإنهاء تشدّدها في قطع الطريق على صفقات سياسية إقليمية كثيرة، ستظهر إلى العلن مع تراجع ملف الأزمة السورية. وروسيا جاهزة للتفريط بشراكتها مع إيران في سورية، ما أن تتأكد من حسم أنقرة وواشنطن موقفهما باتجاه دعمها في الحصول على ما تريده في سورية. وفي العلن “الولايات المتحدة تريد سورية كاملة وموحدة، لا دور لبشار الأسد في حكمها”، كما يقول وزير الخارجية، ريكس تيلرسون. وفي الخفاء، هي تفاوض الروس على كل شاردة وواردة، خصوصا ما يتعلق منها بالموضوع الكردي.
بصورة أوضح، روسيا هي صاحبة الدور الأهم في قلب موازين القوى في سورية. وستتجاوز اقتراحاتها بشأن صناعة المشهد السياسي الجديد هناك وضع مسودة دستور فيدرالي لسورية، ومنح الأكراد حكما ذاتيا في إطار سورية موحدة. وستطالب موسكو أنقرة بتغيير سياستها السورية، سواء أكان ذلك حيال النظام ودوره في المرحلة السياسية والدستورية المقبلة، أو في موضوع قبول قوات سورية الديمقراطية لاعبا معترفا به على الأرض، وله ثقله ودوره في رسم معالم خارطة سورية الجديدة ومستقبل البلاد، ليس إرضاء لواشنطن، بل من أجل حسابات خط الرجعة في سياستها السورية. ولم يعد خافيا على أحد أن الحوار الروسي التركي والروسي الإيراني اليوم مرتبط مباشرة بحجم التفاهمات الروسية الأميركية ومسارها، وفرض خريطة الحلول، تمهيدا لترتيب طاولة تفاهمات نهائية روسية – أميركية. ولا بد أن يكون هناك ثمن دفعته واشنطن لموسكو مقابل حماية مصالح حليفها الكردي المحلي ودوره في سورية. لكن الأهم هو من هي القوى التي حرّكتها إدارة ترامب للضغط على بوتين، أو التفاوض معه في سورية، على إضعاف تركيا وإيران ومحاصرتهما، في مقابل ترك روسيا تتحرك كما تشاء في الجغرافيا السورية؟
تعرف موسكو وواشنطن جيدا أن أنقرة وطهران هما أبرز من يعرقل تقدم مشروعهما في سورية. لذلك يريدان إنجاح اجتماع الحوار الوطني السوري ولقاء جنيف الثامن المقبل، في إطار براغماتية جديدة تناقش الحل في سورية. العروض المغرية التي تقدمها واشنطن باستمرار لموسكو بشأن جهوزيتها لحوار ثنائي جديد أكثر فاعليةً، بدل رهانها على ما تقوله أنقرة وطهران ورقة تلعبها روسيا باحتراف في حوارها مع البلدين، سورياً وإقليمياً اليوم.
ستحصل روسيا، في نهاية الأمر، على ما تريده في سورية، سواء بعدم عرقلة مشروعها في
“روسيا هي صاحبة الدور الأهم في قلب موازين القوى في سورية”
المفاوضات السورية- السورية، وإبقاء النظام أمام الطاولة، حتى إشعار آخر، وإلحاق حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالمباحثات، فهي تمسك اليوم بأكثر من ورقة محلية وإقليمية، في مقدمتها تضييق هامش التحرك التركي الإيراني في سورية، وتقدمها بفارق كبير على بقية اللاعبين في فرض رسم خريطة مستقبل سورية السياسية والدستورية والعرقية، كما تريد.
تعرف أنقرة أهمية حماية علاقاتها مع موسكو، خصوصا أن علاقاتها بواشنطن تتدهور وتتراجع يوما بعد آخر. وهي قد تحصل على جوائز ترضية روسية كثيرة، لناحية إنهاء النزاع الأرميني- الأذري في ناغورني قره باخ، وقبول الوساطة التركية في القرم بين روسيا وأوكرانيا، وإقناع موسكو بالشراكة الفاعلة في مشروع السكة الحديدية التي تربط آسيا الوسطى بمنطقة البحر الأبيض المتوسط أو آسيا بأوروبا. من المهم طبعا أن يلتقي الرئيسان، التركي أردوغان والروسي بوتين، ثماني مرات خلال 15 شهرا، لكن هناك حقيقة أخرى بشأن احتمال أن تكون المساومة الحقيقية في سورية، روسية أميركية بالدرجة الأولى.
يردد الأتراك والروس أنهما يتعاونان بشكل وثيق في سورية، لكن المقاتلات الروسية كانت تواصل غاراتها في غرب حلب، لحظة هبوط الطائرة التي أقلت أردوغان إلى منتجع سوتشي الروسي. ويقول نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، للأتراك، إن واشنطن ستواصل دعمها قوات سورية الديمقراطية، حتى بعد القضاء على “داعش” في سورية. ماذا يعني ذلك بالمقياس التركي للأمور غير التمسك أكثر فأكثر باليد الروسية الممدودة؟
الكرة في ملعب روسيا، ليس بسبب تمكّنها من سحب أوراق من يد طهران وأنقرة والنظام والأكراد والمعارضة، بل في نجاحها في طرح طريقة الحل التي تريدها هي في سورية وإقناع واشنطن بها كما يبدو، تاركة مصير لقاءات أستانة وجنيف تحت رحمتها مباشرة. وقد حصلت روسيا على ما تريده في سورية، وأصبحت بقدرة قادر الكفيل والمقرّر والموجه في الملف السوري، ورسم خريطة مستقبل “الشعوب السورية”، وهي اليوم من يدعو السوريين إلى المصافحة والعناق والجلوس حول طاولة التفاوض، تطالبهم بنسيان أسباب سقوط نصف مليون قتيل وتشرد عشرة ملايين نازح ولاجئ، يراد منهم العودة إلى أرضهم، حتى لو لم يعثروا على منازلهم وممتلكاتهم وقراهم فيها.
العربي الجديد
قمة سوتشي: هل يمهد بوتين وأردوغان وروحاني لكتابة الفصل الأخير في الأزمة السورية؟
ستبحث اتفاق مناطق خفض التصعيد والانتقال للمسار السياسي
إسماعيل جمال: بزخم غير مسبوق، تُجري روسيا وتركيا وإيران مباحثات على أعلى المستويات خلال الأيام المقبلة من أجل بحث المسألة السورية مع التركيز على ملفات إدلب وعفرين واتفاقيات مناطق خفض التصعيد وصولاً لبحث إمكانية الانتقال للمسار السياسي والتمهيد لكتابة الفصل الأخير في الأزمة السورية المتواصلة منذ أكثر من 6 سنوات.
وحسب التأكيدات الرسمية، من المقرر أن يجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني في مدينة سوتشي الروسية يوم الأربعاء المقبل، وتحضيراً لهذه القمة من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية البلدان الثلاثة اليوم الأحد في مدينة أنطاليا التركية.
وعلى الرغم من توافق الدول الثلاث على ضرورة الإسراع في خطوات إنهاء الأزمة السورية التي أنهكت جميع الأطراف، ما زالت الخلافات تبرز بينهم حول العديد من الملفات ومنها طريقة إنهاء الجماعات المتشددة في إدلب، وإمكانية السماح لتركيا بالدخول إلى عفرين والحفاظ على الهدوء ووقف القصف على مناطق عدم الاشتباك وطريقة الانتقال للمسار السياسي وطبيعة مشاركة ممثلي الأكراد في الحل النهائي بما لا يغضب أنقرة، وغيرها من الملفات الشائكة.
وزارة الخارجية التركية أعلنت، الجمعة، أن وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، سيجتمع بنظيريه الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف، الأحد، في مدينة أنطاليا، جنوب غربي البلاد وذلك «في إطار التحضير لقمة تجمع قادة الدول الثلاث، مقرر عقدها الأربعاء المقبل، في منتجع سوتشي في روسيا (جنوب غرب) لبحث الأزمة السورية والتطورات في المنطقة».
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين أوضح أن القمة ستبحث الملف السوري وأن «قادة البلدان الثلاثة سيتبادلون وجهات النظر حول التقدم المتعلق بخفض العنف في سوريا الذي أتاحته اجتماعات أستانا، والأنشطة في إطار اتفاق مناطق خفض التوتر»، فيما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن «القمة ستجمع البلدان الضامنة لعملية التسوية السورية وسوريا ستكون الموضوع».
وزير الخارجية التركي أوضح أن «الزعماء الثلاثة سيبحثون الأعمال التي تم إنجازها في إطار مباحثات أستانة، والخطوات التي يتوجب اتخاذها في المرحلة المقبلة»، لافتاً إلى أن «مباحثات وزراء خارجية الدول الثلاث، ستبحث سبل تحقيق التكامل بين مباحثات أستانة ومفاوضات جنيف حول سوريا».
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن اجتماعه بنظيريه، التركي والإيراني، بمثابة تحضير لقمة زعماء الدول الثلاث، وأضاف: «الاجتماع للتحضير لقمة سوتشي وبحث آخر المستجدات على صعيد مباحثات أستانة، منذ انطلاقها»، مضيفاً: «الدول الثلاث، تمكنت من تحقيق تقدم على صعيد المباحثات بين النظام السوري والمعارضة، من خلال مسار أستانة»، معرباً عن أمله أن تتمكن القمة المرتقبة من إنهاء الاشتباكات في سوريا، وإقامة حوار مباشر بين طرفي الأزمة.
حل نهائي
رغم التشابكات والتعقيدات التي تتركب منها الأزمة السورية ورأي الكثيرين أنه ما زال من المبكر الحديث عن إمكانية قرب حلها نهائيا، إلا أن الكثير من التطورات التي شهدتها خلال الأشهر الأخيرة تشير إلى إمكانية اقتراب القوى الكبرى من التوصل لحل قريب ينهي الحرب في سوريا.
وأبرز هذه التطورات تمثلت في قرب القضاء بشكل تام على تنظيم «الدولة» في سوريا، فبعد نزع المدن الكبرى منه وأبرزها (العاصمة) الرقة، وما لحقها من تراجع التنظيم في دير الزور، تجري حالياً عمليات تصفيته في آخر معاقله قرب الحدود العراقية ما يشير بشكل واضح إلى قرب إنهاء تواجد التنظيم في سوريا بشكل كامل.
ومع تقدم قوات النظام السوري وتفوقها عسكرياً بشكل عام، وإنهاء تنظيم «الدولة» وإضعاف الجيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة، بالتزامن مع محاصرة مسلحي النصرة وهيئة تحرير الشام في إدلب وإمكانية الضغط عليهم بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة ضمن اتفاق مناطق خفض التصعيد، فإن فكرة بدء التمهيد لحل سياسي نهائي تبدو أقرب للواقع من أي وقت مضى.
هذا الأمر برز بشكل واضح، خلال الاجتماع الذي جرى قبل أيام فقط بين بوتين وأردوغان الذي أكد بدوره «توافق الرأي بين بلاده وروسيا بخصوص التركيز على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية»، فيما أكد بوتين وجود «تطابق في الأفكار مع أردوغان على زيادة الدعم لحل الأزمة السورية سياسيا»، واعتبر أن «الشروط اللازمة لإنشاء حوار بين الأطراف في سوريا برعاية الأمم المتحدة بدأت تتبلور».
تصريحات أردوغان وبوتين التي أشارت بوضوح إلى إمكانية الانتقال من مناقشة الملف العسكري والميداني (الأستانة) إلى بحث الملف السياسي والحل النهائي (جنيف) جاءت قبل أيام من الإعلان عن تفاهمات أمريكية روسية جديدة حول مستقبل الوضع في سوريا.
وعقب لقاء بين بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فيتنام، أعلن الطرفان أنهما اتفقا على أن «لا حل عسكرياً» للأزمة في سوريا، وحسب البيان المشترك اتفقا على حث الأطراف المتحاربة على المشاركة في محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة في جنيف.
ورغم أن اللقاء كان عابراً ولم يستمر إلا لفترة وجيزة إلا أن المصادر الأمريكية لفتت إلى أن الاتفاق الجديد بين بوتين وترامب حول سوريا جاء بعد أشهر طويلة من النقاشات المكثفة بين وزيري خارجية البلدين وجرى فقط وضع اللمسات الأخيرة عليه على هامش قمة آبيك التي عقدت في فيتنام.
وفي هذا الإطار، يبدو أن الرئيس الروسي الذي لم يمر على اجتماعه السابق مع أردوغان عدة أيام طلب اجتماعاً جديداً مع تركيا وإيران لإطلاعهما على فحوى الاتفاق الذي جرى مع ترامب، والتوصل لتفاهمات مع البلدين تتوافق مع ما وقعت عليه روسيا مع الإدارة الأمريكية.
مؤتمر «شعوب سوريا» في سوتشي
سوتشي التي ستحتضن القمة الروسية التركية الإيرانية كان من المفترض أن تستضيف أمس السبت مؤتمر «شعوب سوريا» التي خططت له موسكو، لكن اعتراض أطراف دولية وتركيا ورفض المعارضة السورية المشاركة فيه دفعها لتأجيله إلى بداية الشهر المقبل حسب ما أكد نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف.
وبينما تخشى أطراف دولية أن تكون روسيا تحاول من خلال المؤتمر الالتفاف على مباحثات الأمم المتحدة في جنيف، وهي المخاوف التي تشاركها المعارضة السورية، أغضبت دعوة روسيا لممثلين عن الوحدات الكردية في سوريا تركيا التي اعترضت بقوة على الأمر.
ولا يعرف حتى الآن إن كانت موسكو ستنجح في إقناع تركيا أو الضغط عليها من أجل القبول بمشاركة ممثلين عن الوحدات الكردية في المؤتمر، أم أن أردوغان سيتمكن من إقناع بوتين باستبعادهم، وشدد جاويش أوغلو على أن تركيا «لن تقبل دعوة أي مجموعة إرهابية إلى المؤتمر».
روسيا التي حاولت طمأنة جميع الأطراف قال نائب وزير خارجيتها إن «هدف روسيا من (مباحثات) أستانة ومؤتمر الحوار الوطني السوري، تسريع التسوية السورية وليس خلق بديل عن مفاوضات جنيف»، لافتاً إلى أن موسكو تدعم مبادرة الرياض لعقد لقاء جديد للمعارضة السورية.
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة السعودية الرياض اجتماعاً موسعاً للمعارضة السورية بين يومي 22 و24 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سيركز على محاولة دمج ما يعرف بمنصتي موسكو والقاهرة في الهيئة العليا للمفاوضات للمشاركة في وفد موحد في اجتماعات جنيف.
ومن المقرر عقد جولة ثامنة من مفاوضات جنيف يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حسب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا.
ومجدداً من المتوقع أن تبدي تركيا ليونة أكبر في معظم الملفات الأخرى المطروحة مقابل الحصول على ضوء أخضر روسي إيراني من أجل التدخل عسكرياً ضد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين وهو ما هدد به أردوغان مراراً طوال الأشهر الماضية، وذلك في مسعى لمنع توسع هذه الوحدات وربط مناطق سيطرتها شرق وغربي نهر الفرات وبالتالي إعاقة إقامة الكيان الكردي على الحدود السورية مع تركيا وهو ما تعتبره أنقرة التهديد الأكبر لأمنها القومي.
وفي آخر تصريحاته حول الموضوع، قال أردوغان، الجمعة: «يتعين علينا تطهير مدينة عفرين (شمالي سوريا) من عناصر (ب ي د)»، لافتاً إلى أن «عفرين واقعة على الحدود التركية مباشرة، وفيها أكثر من 50 في المئة من السكان العرب وقسم من الأكراد، والتركمان» وأشار إلى أن «النازحين العرب في المخيمات يريدون العودة إلى منازلهم».
وشدد أردوغان على أن تركيا «ينبغي أن تكون في موقع المسيطر في منطقة إدلب، وإلا ستحتلها تنظيمات إرهابية أخرى» في إشارة إلى الوحدات الكردية.
مستقبل إدلب
وحسب أردوغان، فإن «السبب الرئيسي لعقد القمة هو مسألة إدلب ونريد أن يكون وقف إطلاق النار دائما في العملية التي سميناها منطقة خفض التوتر».
وقف إطلاق النار الذي تحدث عنه الرئيس التركي والذي جاء بموجب مباحثات أستانة واتفاق مناطق خفض التصعيد وعلى الرغم من نجاحه حتى الآن فعلياً، إلا أنه لا يكفي بالنسبة لروسيا وإيران اللتين تهدفان إلى إنهاء تواجد التنظيمات المسلحة في المحافظة.
وعلى الرغم من نجاح تركيا طوال الأسابيع السابقة في تنفيذ الاتفاق وإدخال وحدات من جيشها وإنشاء نقاط المراقبة داخل المحافظة من دون تسجيل أي اشتباك مع الفصائل المسلحة هناك، إلا أن روسيا ستعود للضغط على تركيا من أجل وضع خطة لطرد المسلحين أو على الأقل «العناصر المتشددة» وخاصة أعضاء جبهة النصرة السابقين المصنفين من قبل الدول الثلاث إرهابيين.
وعلى الأغلب ستشهد القمة توافقات نهائية حول إدلب وعفرين يمكن أن تتمثل في تحركات عسكرية جديدة على الأرض تطبيقاً لمقررات الاتفاقيات المتوقعة عقب القمة.
القدس العربي